عمده المطالب في التعليق علي المكاسب [انصاري] المجلد 2

اشارة

سرشناسه : طباطبائي قمي، تقي، 1301 -

عنوان قراردادي : المكاسب.شرح

عنوان و نام پديدآور : عمده المطالب في التعليق علي المكاسب [انصاري]/ تاليف تقي الطباطبائي القمي.

مشخصات نشر : قم: محلاتي ، 1413ق. = -1371.

مشخصات ظاهري : ج.

شابك : 3000 ريال (ج. 1) ؛ 4500 ريال (ج. 2) ؛ 6000 ريال (ج. 3)

يادداشت : ج. 2 (چاپ اول: 1414ق. = 1372).

يادداشت : كتابنامه.

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1214-1281ق . المكاسب -- نقدو تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1214-1281ق . المكاسب . شرح

رده بندي كنگره : BP190/1 /الف 8م 7037 1371

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 75-355

الجزء الثاني

[كتاب البيع]

[تعريف البيع]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الكلام في تحقيق مفهوم البيع «قوله قدس سره: و هو في الاصل كما عن المصباح مبادلة مال بمال»

لا يبعد ان قوله في الاصل اشارة الي ان استعمال لفظ البيع تارة في الشراء و اخري في تمليك المنفعة و كيف كان لا اشكال في أن البيع ليس عبارة عن المبادلة بل البيع عبارة عن تبديل عين بعوض و لو لم يكن احد الطرفين مالا و الشاهد عليه انه لو بدل شخص ما لا مالية له كحبة حنطة بشي ء يصدق عليه البيع فالبيع عبارة عن تمليك العين بالعوض.

و يمكن الاستدلال علي المدعي بالتبادر الّذي هو آية الحقيقة بل و بصحة السلب فان المتبادر من لفظ البيع تمليك العين و يصح سلب العنوان عن نقل المنافع و اذا ثبت كون لفظ البيع حقيقة في المعني الخاص و شك في كونه كذلك في عصر المعصوم سلام اللّه عليه يكون مقتضي الاستصحاب القهقهري انه كذلك في ذلك العصر و اعتبار الاستصحاب المذكور ليس بلحاظ حجية الاستصحاب فان دليله لا

يشمل الاستصحاب القهقري بل الدليل عليه السيرة الجارية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 4

بين العقلاء و لولاها لم يمكن اثبات حدود المفهوم في ذلك العصر و ينسد باب الاستنباط لاحتمال الاختلاف بين المعني الفعلي و المفهوم في ذلك الزمان.

و في المقام شبهة و هي ان تحقق البيع هل يتقوم بالقبول و الاشتراء بحيث لا يصدق هذا المفهوم الا بعد تحقق القبول أم لا؟ فان قلنا بتقومه به و عدم تحقق مفهومه الا به يلزم عدم صدق العنوان قبل القبول و الحال ان البيع يتحقق من قبل البائع و القبول يتعلق به.

و ان شئت قلت يتوقف تحقق مفهوم البيع علي قبوله من قبل المشتري و الحال ان القبول فرع تحقق الايجاب و وجوده و بعبارة اخري تحقق البيع يتوقف علي القبول و الحال ان القبول يتوقف علي تحقق البيع فيلزم الدور و ان لم نقل بتقومه به و قلنا بأن البيع يتحقق بلا تعلق القبول به يلزم كون البيع من الايقاعات و لا اشكال في أن البيع من العقود المتقومة بالايجاب و القبول فما الحيلة؟

و الذي يختلج بالبال أن يقال: البيع بماله من المفهوم يصدق و يتحقق بالانشاء من قبل البائع و لا يتوقف تحققه علي القبول بل ربما يتعقبه القبول و اخري لا يتعقبه و لكن لا اشكال في أن الاثر عند العقلاء يترتب علي القسم الخاص و هو الايجاب المتعقب بالقبول من قبل المشتري و الادلة الشرعية كقوله تعالي «احل اللّه البيع و حرم الربا» «1» ناظرة الي ما يكون ممضاة عند العقلاء.

مضافا الي أنه لا اشكال في ان الايجاب وحده و بلا ضم القبول إليه لا أثر له و لا يكون

موردا للامضاء فتحصل مما ذكرنا ان البيع لا يكون عبارة عن المبادلة التي تقوم بطرفين بل البيع عبارة عن تبديل عين

______________________________

(1) البقرة: 275.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 5

بعوض و تمليك به و المراد من العين ليس الامر الخارجي بل أعم منه و من الكلي و ان شئت قلت: ان البيع عبارة عن تمليك جسم طبيعي خارجي أو كلي بعوض.

[و الظاهر اختصاص المعوض بالعين]

«قوله قدس سره: كالخبر الدال علي جواز بيع خدمة المدبر … »

و هو ما رواه أبان عن أبي مريم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سئل عن الرجل يعتق جاريته عن دبر أ يطؤها ان شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها حياته قال: نعم أي ذلك شاء فعل «1».

«قوله قدس سره: و بيع سكني الدار … »

لاحظ ما رواه اسحاق بن عمار عن عبد صالح عليه السلام قال:

سألته عن رجل في يده دار ليست له و لم تزل في يده و يد آبائه من قبله قد أعلمه من مضي من آبائه أنها ليست لهم، و لا يدرون لمن هي فيبيعها و يأخذ ثمنها؟ قال: ما أحب أن يبيع ما ليس له، قلت: فانه ليس يعرف صاحبها و لا يدري لمن هي و لا اظنه يجي ء لها ربّ ابدا قال: ما احب أن يبيع ما ليس له قلت: فيبيع سكناها أو مكانها في يده فيقول: ابيعك سكناي و تكون في يدك كما هي في يدي قال:

نعم يبيعها علي هذا «2».

«قوله قدس سره: و كاخبار بيع الارض الخراجية … »

لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال: سألته عن شراء أرضهم فقال:

لا بأس أن تشتريها فتكون اذا كان ذلك بمنزلتهم تؤدي فيها كما يؤدون فيها «3».

و غيره من الاحاديث.

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 72 الحديث: 7.

(2) الوسائل الباب 1 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث: 5.

(3) الوسائل الباب 21 من هذه الابواب الحديث: 7 و غيره من الاحاديث.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 6

فالمتحصل ان المبيع لا بد أن يكون عينا و أما الثمن فيمكن أن يكون عينا و يمكن أن يكون منفعة من المنافع.

«قوله قدس سره: كما ان لفظ الاجارة … »

الظاهر انه لا يمكن مساعدته فان الثمرة اذا كانت موجودة علي الشجرة فلا تتعلق بها الاجارة و ان كان المراد شأنية الشجرة لظهور الثمر و بعبارة أخري قابلية الشجر للاثمار، فيمكن تعلق الاجارة بالشجر باعتبار ثمره و يكون خارجا عن محل الكلام.

[و أما العوض فلا اشكال في جواز كونه منفعة]
اشارة

«قوله قدس سره: و أما العوض فلا اشكال في جواز كونه منفعة … »

الظاهر انه لا بأس بكون الثمن من المنافع و لا يلزم أن يكون من الاعيان و نسب الي البهبهاني الخلاف في المسألة و ما يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي الاشتراط وجوه:

الوجه الأول: ما اشتهر بين القوم من أن البيع لنقل الاعيان.

و الجواب: انه لا يبعد أن يكون غرضهم المقابلة بين البيع و الاجارة حيث ان الاجارة لنقل المنافع مضافا الي أن البيع فعل البائع و الاشتراء فعل المشتري فلا يرتبط احدهما بالآخر و لا تنافي بين كون البيع لنقل الاعيان و الحال انه لا يشترط في الثمن كونه كذلك.

الوجه الثاني: ان دليل نفوذ البيع منصرف الي المتعارف الخارجي و المتعارف الخارجي جعل الثمن من الاعيان

. و فيه ان المتبادر عن لفظ البيع تمليك العين بعوض و المتعارف الخارجي لا يكون ميزانا كي يقال: انه مانع عن انعقاد الاطلاق و ان شئت قلت: الانصراف الي المتعارف الخارجي علي فرض تسلمه بدوي لا يعتد به فالمرجع اطلاق الدليل و مقتضاه عدم الاشتراط.

الوجه الثالث: ان المنفعة أمر عدمي و الملكية من الاعراض

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 7

المحتاجة الي الموضوع فلا مجال لجعل المنفعة ثمنا.

و فيه أولا ينقض ما ذكر بالاجارة فان الاجارة تمليك المنفعة فيكون كلا المقامين من واد واحد.

و ثانيا ان الملكية المبحوثة عنها في المقام لا تكون من الاعراض بل من الامور الاعتبارية فلا مورد للاشكال المزبور.

الوجه الرابع: ان البيع عبارة عن تبديل مال بمال و المنفعة لا تكون مالا

و فيه ان البيع تمليك عين بعوض و لا يشترط فيه كون المبيع أو الثمن مالا مضافا الي أن سلب عنوان المال عن المنافع من غرائب الكلام فان المال ما يبذل بإزائه الشي ء و هل يتوهم انه لا يبذل بإزاء المنافع شي ء فان المنافع المترتبة علي الاعيان توجب الرغبات و بذل الاموال بإزائها و لو لا المنافع المترتبة علي الاعيان لم تكن الاعيان بنفسها مورد الرغبات.

[جعل عمل الحر عوضا]

«قوله قدس سره: و أما عمل الحر … »

الاشكال ناش عن اعتبار المالية في الثمن قبل وقوع البيع عليه و حيث ان عمل الحر قبل وقوع العقد لا يكون مالا و لذا نقول ان حبس الحر لا يوجب الضمان لعدم صدق اتلاف المال و أيضا لا يصدق عنوان الغني علي الحر الذي يمكنه الكسب فاذا لم يكن مالا لا يصح جعله ثمنا في البيع بتقريب ان البيع مبادلة مال بمال.

و فيه أولا انه لا دليل علي الاشتراط المذكور فانه لا تشترط المالية لا في المبيع و لا في الثمن و ثانيا انه علي فرض الاشتراط لا يلزم تحقق العنوان قبل وقوع البيع بل يكفي تحققه بوقوع البيع و لذا لا اشكال في صحة بيع الكلي في الذمة و الحال ان الكلي في الذمة لا تحقق له قبل العقد فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 8

[أقسام الحق و ما يقع منها عوضا]

«قوله قدس سره: و أما الحقوق فان لم تقبل … »

الذي يختلج بالبال أن يقال: كل حق اذا كان قابلا للنقل الي الغير يمكن جعله ثمنا في البيع.

و قال سيدنا الاستاد علي ما في التقرير في جملة كلام له: الا أنه لا يمكن جعله ثمنا في البيع بداهة ان الحق حكم شرعي غير قابل لان تتعلق به اضافة ملكية أو غيرها «1».

و فيه انا نسأل اي دليل دل علي لزوم ما ذكر و بعبارة اخري: لا بد في البيع من مبيع و ثمن أي لا يكون تمليك المبيع بلا عوض و مجانيا.

ان قلت: يلزم التبديل في طرفي الاضافة أي يدخل الثمن مكان المبيع في وعاء الاعتبار فلو خرج الكتاب مثلا من ملك البائع و دخل في ملك المشتري

في مقابل دينار يلزم خروج الدينار من ملك المشتري و دخوله في ملك البائع و هذه المبادلة لا يمكن تحققها في مورد الحق.

قلت: لا دليل علي هذه الدعوي و المقدار اللازم أن لا يكون التمليك بلا عوض فلا مانع من انتقال الحق من ذي الحق الي غيره علي نحو كان عنده.

و ببيان أوضح: انه هل يتصور كون شخص ذا حق أم لا؟ أما علي الثاني فلا مجال للبحث و أما علي الاول فنقول يكفي للعوضية انتقال الحق الي البائع بعنوان الثمن علي ذلك النحو الموجود عند المشتري كما انهم قائلون بانتقال الحق كحق الخيار بالارث فيكون المقام كذلك أي ينتقل الحق الي البائع كما ينتقل الي الوارث فلا اشكال من هذه الجهة انما الاشكال في احراز قابلية الحق للانتقال الي الغير

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 2 ص: 43.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 9

و يحتاج اثباته الي الدليل و مقتضي الاصل الاولي عدمه فانه لو شك في القابلية يكون مقتضي الاصل عدم الانتقال كما ان مقتضي الاصل عدم ثبوت هذه السلطنة لذي الحق اي مقتضي الاصل عدم تسلط ذي الحق علي نقل حقه الي الغير فلا اشكال من هذه الجهة.

و يمكن اثبات المدعي بتقريب آخر و هو: ان الدليل المثبت للحق الفلاني اذا كان له اطلاق يكون مقتضي اطلاقه بقاء ذلك الحق لذيه حتي بعد النقل الي الغير كما انه لو شك في قابلية الحق للاسقاط و عدمها يكون مقتضي اطلاق دليل ذلك الحق بقائه حتي بعد اسقاطه كما ان مقتضي استصحاب بقائه كذلك.

لكن هذا التقريب انما يتم علي مسلك المشهور القائلين بجريان الاستصحاب في الحكم الكلي و أما علي المسلك المختار فلا.

و ربما

يشكل كما في كلام الشيخ قدس سره بأنه لا يمكن أن يتسلط الانسان علي نفسه فلا يمكن أن يكون من له الخيار و من عليه الخيار متحدا.

و يرد عليه أولا: انه يمكن أن يجعل الخيار ثمنا لغير من عليه الخيار كي لا يتوجه المحذور المذكور.

و ثانيا: ان الخيار متعلق بالعقد فذو الخيار مسلط علي العقد لا علي الشخص.

و ثالثا: ان الكلي في الذمة ما دام لا يعتبر في الذمة لا يكون مالا و لا يكون قابلا لان يجعل مملوكا للغير بالبيع و نحوه و مع ذلك قائلون بجواز تملك الانسان لما في ذمته.

و رابعا: انه أي مانع في الاتحاد الذي صار منشأ الاشكال، ان قلت:

ان عنواني المسلط و المسلط عليه متضائفان فلا يمكن تصادقهما علي شي ء واحد قلت: العالم و المعلوم متضائفان و الحال انهما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 10

مجتمعان في ذات الباري فانه تعالي عالم بنفسه.

و بعبارة واضحة: التضايف بما هو لا يقتضي التعدد في المصداق الخارجي نعم بعض أقسام التضايف يستلزم التعدد الخارجي كالعلية و المعلولية.

و صفوة القول: انه لو استفيد من الدليل الشرعي جواز نقل الحق الفلاني فلا يبقي اشكال انما الاشكال تمام الاشكال كما سبق في احراز امكان الانتقال.

و ربما يقال: ان الحق لا يمكن جعله ثمنا لاشتراط المالية في الثمن و الحق لا يكون مالا فانه يرد عليه أولا: انه لا دليل علي الاشتراط المذكور و ثانيا ان سلب المالية عن الحق من غرائب الكلام فان المال ما يبذل بإزائه الشي ء.

و ان شئت قلت: المال ما يكون مورد الرغبات و الحق يكون كذلك بلا اشكال و لا كلام و لعل قوله قدس سره فافهم اشارة الي ما

ذكرنا أو الي بعضه و اللّه العالم.

و لمّا انجر الكلام الي هنا ناسب التعرض لبيان الحق و الفارق بينه و بين الحكم فنقول: الحكم عبارة عن الاعتبار بلا فرق بين أقسامه و افراده غاية الامر الاختلاف في متعلق الاعتبار فان المولي ربما يعتبر فعلا في ذمة المكلف بلا اعتباره الترخيص فيكون ذلك الفعل واجبا و اخري مع اعتباره الترخيص فيكون ذلك الفعل مستحبا و ثالثة يعتبر بين المكلف و الفعل الفلاني حريما بلا اعتباره الترخيص فيكون ذلك الفعل حراما و رابعة مع الترخيص فيكون ذلك الفعل مكروها و خامسة يعتبر المكلف مطلق العنان بالنسبة الي فعل كشرب الماء مثلا فيكون ذلك الفعل مباحا و سادسة يعتبر الملكية لزيد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 11

فيكون زيد مالكا و سابعة يعتبر زوجية هند لبكر فتكون هند زوجة.

و هكذا و هكذا.

و بعبارة واضحة: الاحكام الشرعية تكليفية كانت أم وضعية كلها امور اعتبارية و لا نتصور في قبال الاحكام المجعولة امرا نسيمه حقا نعم جميع الاحكام داخلة تحت عنوان الحق فان الحق مقابل الباطل: «الا كل شي ء ما خلا اللّه باطل.»

و من الظاهر ان الحكم المجعول للشارع الاقدس لا يكون باطلا فان وجوب الصلاة حق و الزواج حق و الملكية حق الي غيرها من الاحكام.

ان قلت: كيف و الحال ان الحق قابل للاسقاط و الحكم الشرعي لا يكون قابلا للاسقاط قلت: هذا توهم فاسد فان حق الخيار في بعض الاحيان غير قابل للاسقاط و مثله كثير من الحقوق التي لا تكون قابلة للسقوط مضافا الي أنه لا نضائق من القول بأن الاحكام الشرعية علي قسمين قسم منها قابل للسقوط كحق القسم فانه قابل للسقوط و قسم منها

لا يكون قابلا كحق رد السلام.

و صفوة القول: انه لا نتصور كما قلنا غير الحكم غاية الامر الاحكام الشرعية تختلف بحسب ما يستفاد من ادلتها فلاحظ و لا تغفل.

[تعاريف الفقهاء و المناقشة فيها]

«قوله قدس سره: ثم الظاهر ان لفظ البيع ليس له حقيقة شرعية و لا متشرعية … »

البيع عبارة عن تمليك العين بعوض مع ابرازه بمبرز و بعبارة واضحة: اذا اعتبر شخص ملكية عين لشخص آخر بعوض و أبرز اعتباره الكذائي بمبرز من لفظ أو فعل يصدق انه بايع و يصدق انه باع العين الفلانية.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 12

و قد عرف البيع بتعاريف منها «ان البيع انتقال عين من شخص الي غيره بعوض مقدر علي وجه التراضي».

و فيه ان البيع عبارة عن فعل البائع و الانتقال اثر البيع لا نفسه و لعل الماتن ناظر الي ما ذكرنا حيث قال «في هذا التعريف مسامحة واضحة».

و منها تعريفه «بالايجاب و القبول الدالين علي الانتقال».

و فيه ان البيع ليس مركبا من فعلي البائع و المشتري بل البيع فعل البائع

و أورد الشيخ علي التعريف المذكور بأن البيع من مقولة المعني لا من مقولة اللفظ و لا المجموع من اللفظ و المعني و الا لم يعقل انشائه باللفظ.

و يرد عليه: ان البيع لا يكون من مقولة المعني فقط و لا من مقولة اللفظ فقط بل البيع كما ذكرنا آنفا عبارة عن الاعتبار النفساني المبرز بمبرز فعلي أو قولي فالبيع عبارة عن مجموع المبرز بالفتح و المبرز بالكسر.

و ان شئت قلت: المجموع من الانشاء و المنشأ عبارة عن البيع.

و منها تعريفه «بنقل العين بالصيغة المخصوصة».

و يرد عليه انه لا يعتبر في إنشاء البيع الصيغة الخاصة بل يتحقق البيع بكل

مبرز بلا فرق بين كونه فعلا أو لفظا.

و أورد الماتن عليه بايرادين الاول: ان النقل لا يكون مرادفا للبيع و لذا لا يجوز انشائه بلفظ نقلت. الثاني: انه لا يمكن إنشاء النقل بالصيغة.

و يمكن أن يقال ان النقل أي نقل العين بالعوض مرادف للبيع فالاشكال الاول غير وارد و أما الاشكال الثاني فيدفع بأن غرض

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 13

المحقق ان كان مثل ما ذكرنا لا يتوجه عليه اشكال بأن يقول البيع اسم للمركب من الانشاء و المنشأ نعم يرد عليه اشكال آخر و هو:

انه لا يلزم في البيع أن يكون انشائه باللفظ بل يكفي ابرازه بكل مبرز كما تقدم.

و منها ما ذكره سيدنا الاستاد بقوله: «انه إنشاء تبديل شي ء من الاعيان بعوض في جهة الاضافة».

و يرد عليه: ان البيع اسم للمركب من الانشاء و المنشأ لا أنه اسم لخصوص الانشاء و لذا لو أنشأ و لم يكن معتبرا للملكية في اعتباره لا يصدق عليه عنوان البائع.

و منها ما أفاده الماتن بقوله: «انه إنشاء تمليك عين بمال».

و يرد عليه أولا ما أوردنا علي تعريف سيدنا الاستاد و ثانيا ان الثمن لا يشترط فيه أن يكون مالا.

فالحق ان يقال ان البيع عبارة عن تمليك عين بعوض في عالم الاعتبار و ابراز ذلك الاعتبار بمبرز من قول أو فعل.

ان قلت: يلزم جواز انشائه بلفظ ملكت قلت: نلتزم بالجواز الا أن يدل دليل معتبر علي المنع. ان قلت: هذا التعريف لا يشمل بيع الدين علي من هو عليه لان الانسان لا يملك ما في ذمته قلت:

لا مانع عن الالتزام به و نتيجته السقوط عن الذمة.

ان قلت علي هذا تدخل المعاطاة تحت عنوان البيع قلت: الحق

ان المعاطاة من مصاديق البيع و مشمولة لادلة جوازه كما ستقف عليه إن شاء اللّه تعالي فانتظر و الاجماع المدعي علي انها لا تكون بيعا ليس تحته شي ء.

ان قلت: يلزم أن يكون الاشتراء بيعا لصدق التعريف عليه.

قلت: الاشتراء تقبل تمليك البائع و لا يكون تمليكا بعوض ابتداءً

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 14

و مما ذكرنا يعلم عدم صحة الانتقاض بمستأجر العين فان المستأجر يقبل تمليك المنفعة من قبل المؤجر و تمليكه للعين تبعي و أيضا يعرف عدم الانتقاض بالصلح علي عين بمال و بالهبة المعوضة فان الصلح عبارة عن التسالم و نتيجته تختلف بحسب الموارد و أما الهبة المعوضة فلا معاوضة بل تمليك بلا عوض غاية الامر يشترط فيه التمليك من طرف المتهب أيضا شيئا.

[أولي التعاريف للبيع]

«قوله قدس سره: بقي القرض داخلا في ظاهر الحد … »

فانه انتقض التعريف بالقرض بتقريب: ان القرض تمليك عين بعوض و الحال ان القرض لا يكون بيعا.

و أجاب الماتن بان القرض ليس معاوضة بل تمليك علي وجه ضمان المثل أو القيمة. و يرد عليه انه علي هذا لا يكون للمقترض رد نفس العين في مقام الاداء و الحال انه لا اشكال في جوازه فالحق أن يقال: ان القرض تمليك عين علي وجه ضمان الجامع بين العين و المثل أو ضمان الجامع بين العين و القيمة فان العين ان كانت مثلية يدخل القرض تحت القسم الأول و ان كانت قيمية يدخل تحت القسم الثاني.

و استدل الماتن علي عدم كون القرض معاوضة بعدم جريان ربا المعاوضة فيه اي الربا القرضي أوسع دائرة من الربا الجاري في المعاوضة و بعبارة اخري: مطلق الزيادة ممنوع في باب القرض.

و استدل علي مدعاه ثانيا

بعدم جريان الغرر فيه فان قرض المجهول جائز و استدل ثالثا بعدم ذكر العوض فلا يكون القرض داخلا في المعاوضات و أخيرا أمر بالتأمل بقوله: «فتأمل».

و لعله اشارة الي أن الوجوه المذكورة لا تدل علي المدعي اذ يمكن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 15

أن يكون القرض من المعاوضات و مع ذلك الشارع الاقدس خصصه بأحكام خاصة و لكن الحق كما تقدم ان القرض تمليك علي وجه الضمان علي النحو الذي ذكرنا.

[استعمال البيع في معان أخر]

«قوله قدس سره: احدها التمليك المذكور لكن بشرط تعقبه … »

الظاهر انه لا يمكن الالتزام بكون لفظ البيع اسما للمركب من الايجاب و القبول لانه اذا باع زيد داره من عمرو بقوله بعتك داري بعوض كذا فلا اشكال في أنه أنشأ البيع و مع تقيد مفهوم البيع بالقبول كيف يمكن إنشاء البيع و كيف يصدق مفهوم البيع.

و بعبارة واضحة لو قلنا بأن مفهوم البيع متقوم بالايجاب و القبول لا يمكن إنشاء البيع قبل القبول اذ يلزم الخلف المحال و أما كون البيع اسما للاثر الحاصل فقد مر انه غير سديد و قلنا:

ان البيع اسم للمؤثر لا للأثر و أما كونه اسما لنفس العقد المركب فقد مر آنفا ان البيع اسم لفعل البائع لا للمجموع من فعلي البائع و المشتري.

«قوله قدس سره: لا الكسر و الانكسار … »

الظاهر انه لا فرق بين الايجاب و الوجوب و بين الكسر و الانكسار فان الايجاب اذا تحقق في الخارج يتحقق الوجوب فان الايجاب عبارة عن ايجاد الوجوب كما ان الكسر اذا تحقق لا يعقل ان لا يتحقق الانكسار و بعبارة واضحة: الانكسار عبارة عن قبول الكسر و اذا فرض تحقق الكسر يتحقق الانكسار بلا اشكال و

لا كلام.

«قوله قدس سره: فضلا عن أن يجعل احد معانيها … »

حق العبارة ان يقال: احد معانيه بتذكير الضمير فان الضمير يرجع الي لفظ البيع فلا بد من كونه مذكرا و الظاهر ان غرضه ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 16

القيد المذكور غير داخل في المصطلح في لفظ البيع فضلا عن أن يكون داخلا في احد معانيه لغة.

[البيع و نحوه من العقود اسم للصحيح أو الأعم]

اشارة

«قوله قدس سره: ثم ان الشهيد الثاني نص في كتاب اليمين من المسالك علي ان عقد البيع و غيره من العقود حقيقة في الصحيح … »

يقع البحث في هذا الموضع في جهات:

الجهة الأولي في انه ما الوجه في أن الفقهاء رضوان اللّه عليهم يتمسكون بالإطلاق في أبواب المعاملات

حتي علي القول بكون الفاظها موضوعة للصحيح و أما في باب العبادات فيفصّلون بين القول بكون الفاظها موضوعة للاعم و بين القول بكون الفاظها موضوعة لخصوص الصحيحة فعلي القول بالاعم يأخذون بالإطلاق و أما علي القول بالصحيح فلا.

فنقول الظاهر ان وجه التفصيل ان الاخذ بالإطلاق متوقف علي صدق المفهوم الذي يكون موضوعا للحكم أو يكون متعلقا له و يشك في قيد زائد فيؤخذ بالإطلاق و ينفي القيد الذي احتمل كونه قيدا مثلا لو قال المولي اعتق رقبة و شك في اشتراط الرقبة بكونها مؤمنة يؤخذ بإطلاق الرقبة بأن يقال الرقبة الكافرة رقبة و يصدق عليها عنوان الموضوع المأخوذ في الدليل و مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين المؤمنة و الكافرة أو لو قال المولي اكرم العالم يكون مقتضي اطلاق الاكرام عدم الفرق بين انواعه فباي نحو يصدق الاكرام يحصل الامتثال و علي هذا الاساس نقول: اذا كان لفظ الصلاة موضوعا للصحيح و شك في جزئية السورة لا مجال للاخذ بالإطلاق اذ صدق لفظ الصلاة بماله من المفهوم علي الفاقد للسورة مشكوك فيه و مع الشك في الصدق لا مجال للاخذ بالدليل فانه قد قرر في محله انه لا يجوز الاخذ بالعام أو المطلق في الشبهة المصداقية و أما علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 17

الاعم فلا مانع عن الاخذ بالإطلاق اذ قد فرض صدق المفهوم علي الفاقد للسورة و الشك في أمر زائد فلا مانع عن الاخذ بإطلاق الدليل.

و أما في باب

المعاملات فمع فرض كون اللفظ اسما لخصوص الصحيح لا مانع عن الاخذ بالإطلاق لان المقصود بالبيع و نحوه من بقية العقود امور عرفية و لا تكون من مخترعات الشارع كالصلاة مثلا فحدود المفهوم واضحة عند العرف و دليل الامضاء قد أمضي العقد العرفي.

و صفوة القول: ان صدق الموضوع في العقود محرز فلا مانع عن الاخذ بإطلاق دليل الصحة و أما في العبادات فحيث أن حدود الموضوع أو المتعلق غير محرزة علي القول الصحيحي فلا مجال للاخذ بالإطلاق و هذا هو الفارق بين المقامين.

الجهة الثانية في ان ألفاظ العقود و الايقاعات هل تكون موضوعة لخصوص الصحيح أو للاعم من الصحيح؟

فنقول تارة يقع الكلام في الصحة الشرعية و لا اشكال في ان الصحة الشرعية لا دخل لها في الموضوع له و الوجه فيه: ان الامضاء الشرعي تعلق بما يكون بيعا في نظر العرف فمفهوم البيع مثلا مثل مفهوم العالم فكما ان العالم مفهوم عرفي ربما يتعلق به حكم شرعي كوجوب الاكرام كذلك مفهوم البيع بلا فرق.

و ان شئت قلت: لفظ البيع و بقية الفاظ العقود و الايقاعات لا تكون لها حقيقة شرعية بل لا مجال لتوهم ان الصحة الشرعية تكون دخيلة في الموضوع له فان البيع عبارة عن فعل البائع و يتحقق بفعله اعم من أن يتعقبه القبول أم لا كما تقدم و الحال ان الصحة الشرعية لا تتحقق الا بعد تحقق القبول و اجتماع جميع الشرائط المقررة الدخيلة في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 18

حصول الملكية و تحقق النقل و الانتقال فكيف يتصور أن تكون الصحة الشرعية دخيلة في الموضوع له؟

و لكن مع ذلك الحق ان لفظ البيع مثلا موضوع لخصوص الصحيح كما قلنا سابقا فان لفظ البيع اسم للاعتبار المبرز بمبرز من فعل أو لفظ بل لا يتصور

فيه الفساد.

و بعبارة واضحة: كما ان لفظ سقمونيا موضوع لمركب خاص كذلك لفظ البيع موضوع لمركب اي الاعتبار المبرز و ان شئت قلت: كما ان لفظ الذهب اسم لجوهر خاص و ربما يترتب عليه حكم شرعي كحرمة لبسه مثلا كذلك لفظ البيع فهل يصح أن يقال: ان لفظ الذهب هل هو موضوع للصحيح أو للاعم.

نعم يصح أن يقال: ان البيع الذي يكون مورد الامضاء الشرعي مشروط بشروط مقررة في محالها فالحق أن يقال- كما قلنا سابقا: - ان لفظ البيع مثلا اسم للاعتبار المبرز بمبرز من قول أو فعل و هذا الاعتبار المبرز لو تعقبه القبول من قبل المشتري يمكن أن يقع موردا لامضاء العقلاء و أيضا يمكن ان يقع مورد لامضاء الشارع و يمكن ان يقع موردا لامضاء العقلاء و لا يقع مورد امضاء الشارع كما في بيع الغرر.

و مما ذكرنا ظهر فساد ما أفاده الشهيدان من أن الفاظ العقود موضوعة لما هو الصحيح فان الظاهر من كلامهما بل من صريحه ان لفظ البيع مثلا اسم للبيع التام الاجزاء و الشرائط المترتب عليه النقل و الانتقال فان الامر ليس كذلك كما اتضح كمال الوضوح.

ان قلت: فما الوجه في أخذ المقر بالبيع باقراره؟ قلت: الظاهر ان الوجه فيه الانصراف فان المقر اذا قال بعت داري من زيد يكون المنصرف إليه من كلامه انه باع داره من زيد مع الشرائط المقررة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 19

و تحقق القبول من قبل زيد.

و بعبارة اخري: يكون قوله «بعت داري من زيد» في قوة قوله ان داري انتقلت الي زيد بالبيع» و لا اشكال في حجية ظهور الالفاظ عند العقلاء و أخذ المقرين باقراراتهم و ترتيب

الآثار عليها.

الجهة الثالثة: في أنه هل يمكن ان يقال ان البيع مثلا اسم للصحيح الجامع للاجزاء و الشرائط

و أنما الاختلاف بين الشرع و العرف في الامور الدخيلة فيه و بعبارة اخري لا خلاف في أن اللفظ موضوع لذلك المفهوم الجامع لجميع الخصوصيات؟

الظاهر انه لا مجال للقول المذكور فان البيع ليس من الامور المتأصلة الخارجية كالذهب و الفضة و امثالهما كي يقال بأن الانظار في تشخيصها مختلفة بل البيع أمر اعتباري امره بيد معتبره و من الظاهر ان الامر الاعتباري يختلف باختلاف الانظار و الاشخاص فلا مجال للتخطئة.

الجهة الرابعة: انه علي القول بكون الفاظ العقود اسامي لخصوص الصحيح الشرعي هل يمكن الاخذ بالإطلاق أم لا؟

الحق أن يفصل و يقال أما الاطلاق اللفظي فلا مجال له فان الاخذ بالإطلاق اللفظي يتوقف علي احراز صدق المفهوم و مع الشك في الصدق لا مجال للاخذ بالدليل لعدم جواز الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية كما تقدم.

و أما الاطلاق المقامي فالحق انه يمكن الاخذ به بتقريب: ان الشارع الاقدس بقوله احل اللّه البيع في مقام الافادة و اعطاء ضابطة كلية في جميع الموارد و اعلام المكلفين بأن البيع في قبال الربا امر جائز مؤثر شرعا.

و بعبارة واضحة: يكون الشارع الاقدس في مقام البيان فلو لم يكن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 20

البيع علي نحو الاطلاق صحيحا مؤثرا و تكون صحته منحصرة بخصوص البيع الواجد لجميع الشرائط المقررة الشرعية لا يترتب علي كلامه الاثر المرغوب منه و لعل قول الماتن «فتأمل» اشارة الي فساد اصل المبني كما هو كذلك فانه ظهر مما ذكرنا فساد توهم كون الفاظ العقود و الايقاعات موضوعة لخصوص الصحيحة شرعا فلاحظ.

[الكلام في المعاطاة]

اشارة

«قوله قدس سره: اعلم ان المعاطاة علي ما فسره جماعة أن يعطي كل من اثنين عوضا عما يأخذه … »

يقع الكلام في هذا المقام في جهات:
الجهة الأولي: في بيان معني المعاطاة

و المعاطاة لغة عبارة عن اعطاء كل واحد من شخصين شيئا لآخر علي ما هو مقتضي ما يفهم من باب المفاعلة و أما اصطلاحا فهي عبارة عن إنشاء البيع بالفعل و بعبارة اخري: لا يكون المراد من المعاطاة في اصطلاح الفقهاء تحقق مفهوم المفاعلة بل المراد منها البيع الفعلي في مقابل البيع اللفظي.

الجهة الثانية: في الاقوال الواردة في المعاطاة و بيان المختار منها.
القول الأول: ان المعاطاة تفيد الملكية الجائزة

. و فيه ان المعاطاة اما يصدق عليها عنوان البيع و اما لا يصدق أما علي الثاني فلا مقتضي لترتب الملكية عليها فلا موضوع للجواز و اللزوم و أما علي الاول فلا وجه للالتزام بكونها جائزة فان الجواز كاللزوم محتاج الي الدليل فلا بد من ملاحظة النصوص الخاصة كي نري انه هل فيها ما يدل علي القول المذكور.

القول الثاني: ان المعاطاة تفيد الملكية اللازمة ان كان الدال عليها اللفظ.

و فيه انه ان كان المراد من التفصيل المذكور انه لا بد من اقامة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 21

قرينة علي أن المراد من المعاطاة و المقصود منها البيع فالتفصيل المذكور حق اذ مع عدم اقامة قرينة علي إرادة البيع تكون المعاطاة أعم و ان كان المراد ان اللفظ له خصوصية، فيرد عليه انه لا خصوصية لكون القرينة لفظا بل الميزان بكون المراد بالمعاطاة البيع.

القول الثالث: ان المعاطاة تفيد إباحة جميع التصرفات الا التصرفات التي تتوقف علي الملك.

و فيه ان الكلام في المعاطاة التي يقصد بها الملك و يقصد به البيع فاما يصدق عليها البيع و يصح فلا بد من ترتب آثار البيع عليها و اما لا يصدق عنوان البيع عليها فتكون لغوا و بلا اثر فالقول به بالإباحة المجردة قول بلا دليل.

القول الرابع: انها معاملة فاسدة

. و فيه انه لا بد من ملاحظة ادلة صحة البيع و انها هل تقتضي بطلان البيع اذا كان بالمعاطاة.

القول الخامس: انها معاملة مستقلة مفيدة للملكية و لا تكون بيعا.

و فيه انه قد تقدم منا أن البيع عبارة عن اعتبار الملكية و ابراز ذلك الاعتبار بمبرز من قول أو فعل فاذا قصد بها مفهوم البيع تكون من مصاديق البيع و اذا لم يقصد بها مفهوم البيع فما هو المقصود منها؟

القول السادس: انها تفيد إباحة جميع التصرفات

حتي التصرفات المتوقفة علي الملك مع بقاء كل من العوض و المعوض علي ملك المالك و الانتقال يتوقف علي التلف فانه بتلف احدي العينين ينتقل كل من العوضين.

و فيه: انه قول بلا دليل فان المعاطاة المقصود بها البيع اما يشملها دليل صحة البيع و اما لا يشملها أما علي الاول فلا بد من ترتب الاثر المترتب علي البيع و أما علي الثاني فلا وجه لما افيد لعدم الدليل عليه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 22

القول السابع: ان المعاطاة كالبيع اللفظي بلا فرق بين المقامين

بتقريب أن المعاطاة المقصود بها البيع من مصاديق البيع فتكون كالبيع اللفظي مشمولا لدليل الامضاء و هذا القول موافق مع القاعدة فلا بد من الالتزام به.

اذا عرفت ما تقدم نقول يمكن الاستدلال علي كون المعاطاة مفيدة للملكية كالبيع بوجوه.
الوجه الأول: السيرة المستمرة الي زمان المعصوم عليه السلام

فانه لا اشكال في تحقق السيرة المذكورة ان قلت: ان السيرة المشار إليها ناشية عن قلة المبالاة بالدين قلت: ليس الامر كذلك فان السيرة جارية بين جميع الطبقات من المتدينين و العلماء و هذه السيرة مستمرة الي زمانهم عليهم السلام.

ان قلت: الاجماع المدعي علي أنّ المعاطاة لا تفيد الملك بل تفيد إباحة التصرف رادع للسيرة قلت: لم يقم الاجماع تعبدي فان أقوالهم مختلفة مضافا الي أن الاجماع علي فرض تحققه محتمل المدرك ان لم يكن مقطوعا به.

الوجه الثاني: قوله تعالي «قٰالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا»

«1». و يمكن الاستدلال بالآية الشريفة بنحوين: أحدهما: ان الآية الشريفة تدل علي امضاء المعاطاة بالدلالة المطابقية فان الحل في اللغة بمعني الاطلاق و الارسال و هذا المعني يناسب التكليف و الوضع كليهما فان المستفاد من الآية الشريفة ان البيع مطلق و مرسل لا حرمة فيه و يناسب الحلية الوضعية و التكليفية كليهما.

و بعبارة اخري: يراد من الكلمة الاطلاق علي نحو الاطلاق

______________________________

(1) البقرة/ 275.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 23

فلا يتوجه الاعتراض بأن استعمال اللفظ في أكثر من معني واحد خلاف القاعدة الاولية.

و ان ابيت عن ذلك نقول: لا اشكال في أن المراد من الآية الحلية الوضعية فان جواز الاعتبار النفساني بمبرز لفظي أو قولي كما لا اشكال فيه و غير قابل للذكر فيكون المراد الحلية الوضعية.

و بعبارة واضحة: يكون المولي في مقام جعل القانون للناس في معاملاتهم فلا يناسب بيان التكليف فقط بل اللازم بيان الوضع فلا اشكال في تمامية الاستدلال بالآية.

ثانيهما: ان الحل تعلق بالتصرفات الواقعة بعد البيع. و بعبارة واضحة: ان المستفاد من قوله تعالي حرم الربا، حرمة الربا تكليفا فيناسب أن المراد من الحلية المتعلقة بالبيع الحلية التكليفية و حيث ان الحلية

التكليفية بالنسبة الي نفس الانشاء أمر غير قابل للذكر كما سبق يكون المراد تحليل التصرفات الواقعة في المأخوذ بالمعاطاة فتدل الآية الشريفة علي خصوص الملكية بالمعاطاة بالدلالة الالتزامية فان حلية التصرفات حتي التصرفات المتوقفة علي الملك يستلزم عقلا تحقق الملكية بالمعاطاة.

و يمكن أن يرد علي التقريب المذكور بأن حلية التصرف لا تدل علي تحقق الملكية من اوّل الامر بل يكفي تحققها حين وقوع التصرف.

و ربما يقال: ان جواز التصرف ثابت من اوّل الامر فيدل علي تحقق الملكية من زمان حدوث البيع.

و يجاب عن التقريب المذكور ان جواز التصرف لا يستلزم تحقق الملكية بل المستلزم لها وقوع التصرف خارجا.

ان قلت: الحكم لا يعين موضوع نفسه و بعبارة اخري: الحكم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 24

لا يتعرض لموضوعه وجودا و عدما بل نسبة الموضوع الي الحكم نسبة الشرط الي المشروط فكيف يمكن أن يستفاد من جواز التصرف حصول الملكية؟

بل يمكن أن يقال: ان دليل التوقف يخصّص دليل جواز التصرف قلت: ان الحكم لا يتعرض لموضوعه و هذا صحيح و لا اشكال فيه لكن ندعي ان دليل جواز مطلق التصرف و عمومه يكشف عن حصول الملكية و مع كشف حصول الملكية لا مجال لتقريب التخصيص فان دليل الكشف وارد علي دليل اشتراط التصرف الكذائي بالملكية فان المفروض تحقق الملكية غاية لامر لا دليل علي حصول الملكية من اوّل الامر.

و يمكن اثبات حصول الملكية من اوّل الامر بتقريب آخر و هو ان المستفاد من قوله تعالي «احل اللّه البيع» جواز التصرفات المرتبة علي البيع و ان شئت قلت: العرف يفهم من هذه الجملة ان الشارع الاقدس جعل البيع علي ما هو عليه عند الناس فبالظهور العرفي يتم

الامر.

مضافا الي أنه لو تم هذا الاشكال يعم العقد اللفظي و لا يختص الاشكال بخصوص المعاطاة و الذي يهون الخطب ان الآية الشريفة تدل علي المدعي بالمطابقة فلا تصل النوبة الي التقريب الاخر فلاحظ.

الوجه الثالث: قوله تعالي «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ»

«1» فان المراد من الاكل في الآية الشريفة التملك و عليه اما يكون الاستثناء الواقع في الآية الشريفة متصلا و اما يكون منقطعا أما علي الاول فتدل الآية

______________________________

(1) النساء/ 29.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 25

علي عدم جواز تملك مال الغير باي سبب من الاسباب لكون الاسباب كلها باطلة الا التجارة عن تراض فان المستفاد من الآية ان السبب الوحيد الشرعي لتملك مال الغير عبارة عن التجارة عن تراض و حيث ان المعاطاة مصداق للتجارة عن تراض يحكم بصحتها.

و عن صاحب البلغة: ان الاستثناء الواقع في الآية اذا كان متصلا يلزم اما النسخ و اما التخصيص المستهجن اذ لا ينحصر جواز التملك بالتجارة عن تراض فانه يجوز تملك مال الغير بالهبة و الوصية و الوقف و الصدقة و اروش الجنايات و الاباحة و غيرها من النواقل الشرعية.

و الجواب عن الاشكال المذكور ان جملة من النواقل داخلة تحت عنوان التجارة عن تراض كالاجارة و الهبة و الصدقة و نحوها و الباقي لا يصل الي حد يوجب تخصيص الاكثر المستهجن.

مضافا الي أن الموضوع الذي جعل مستثني منه عنوان التملك و جملة من الاسباب خارجة عن العنوان المذكور كالارث و الزكوات و الاخماس و الوقوف و الوصية التمليكية علي احد الوجهين.

و صفوة القول: انه علي القول بالاتصال يستفاد حصر السبب في التجارة و أما علي فرض كون الاستثناء منفصلا فأيضا تدل الآية علي الحصر و ذلك لان المستفاد من الآية ان الشارع

الاقدس في مقام بيان تميز السبب الصحيح عن السبب الباطل فبالاطلاق المقامي يتم الامر.

و بعبارة اخري: علي القول بالانقطاع لا دلالة في الآية علي الحصر و لكن حيث ان المقام مقام بيان الضابطة فاهمال بعض الاسباب و عدم التعرض له يخل بالبيان فبمقتضي الاطلاق المقامي يتم تقريب الحصر فعلي كلا التقديرين يستفاد من الآية الشريفة حصر السبب المملك

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 26

شرعا في التجارة عن تراض و حيث ان المعاطاة مصداق للتجارة عن تراض يتم الاستدلال.

و لكن في المقام شبهة و هي ان اثبات كون التجارة أعم من البيع مشكل قال في أقرب الموارد: «تجر تجرا و تجارة باع و اشتري» الي أن يقول «التاجر الذي يبيع و يشتري» فانه يستفاد من كلامه اختصاص مفهوم التجارة بخصوص البيع و الشراء.

و قال في المنجد: «التجارة البيع و الشراء» و هذه العبارة أيضا تدل علي ترادف التجارة مع البيع و يدل علي الاختصاص أيضا حديث تحف العقول «1» فان عنوان المكاسب جعل في هذه الرواية مقسما للاقسام و جعلت اقسامه أربعة الولاية و التجارة و الصناعة و الاجارة فيعلم ان التجارة من أقسام المكاسب و لا يكون لفظ التجارة مرادفا للكسب و أيضا يعلم ان الاجارة قسيم للتجارة كما ان الصناعة كذلك و فسرت التجارة في الحديث بقوله عليه السلام و أما تفسير التجارات في جميع البيوع الخ فيعلم ان التجارة عبارة عن البيع فاذا علمنا مما ذكر ان التجارة عبارة عن البيع فهو و الا فلا اقل من الشك و لا طريق الي اثبات كون التجارة أعم من البيع.

و مع الشك يكون مقتضي الاستصحاب عدم عمومية المفهوم فلا مجال للاخذ بعنوان التجارة

عن تراض المذكور في الآية الشريفة لاثبات صحة غير البيع بتقريب: انه تجارة عن تراض فيحل اكل مال الغير بها فانه قد ظهر مما ذكرنا ان صدق التجارة علي غير البيع مشكوك فيه و عليه يستفاد من الآية الشريفة انحصار جواز تملك مال الغير بالتجارة عن تراض.

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 27

ان قلت يستفاد من قوله تعالي «رِجٰالٌ لٰا تُلْهِيهِمْ تِجٰارَةٌ وَ لٰا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ» «1»، ان البيع غير التجارة فانه عطف لفظ البيع علي التجارة و حمل العطف علي التفسيري خلاف الظاهر قلت: الامر كما ذكرت فان الظاهر من الآية ان البيع يغاير التجارة و لو بكونه اخص منه و لكن لا بد من رفع اليد عن الظهور المذكور بتصريح اهل اللغة و بحديث تحف العقول بالتقريب الذي ذكرنا.

اضف الي ذلك ان غاية ما في الباب ان لفظ التجارة استعمل في الاعم من البيع كي لا يلزم كون العطف تفسيريا لكن الاستعمال أعم من الحقيقة و اصالة الحقيقة لا تكون اصلا تعبديا كي يقال: ان مقتضي اصالة الحقيقة ان الموضوع له للفظ التجارة أعم من البيع.

فالنتيجة انه لا دليل علي تغاير اللفظين من حيث المعني بل يمكن أن يقال انه يتبادر من لفظ التجارة البيع و مقتضي الاستصحاب القهقري كون لفظ التجارة مرادفا للبيع في زمان الصادقين عليهما السلام.

ان قلت: علي فرض اختصاص عنوان التجارة بالبيع يلزم تخصيص الاكثر فانه يحل اكل مال الغير بالاتهاب و الاجارة و الصلح و القرض الي غيرها من الاسباب المملكة.

قلت يبقي تحت العام جميع التملكات الحاصلة بسبب العقود الفاسدة بالبيع الغرري أو الربوي

و بانواع القمار و المنابذة و الملامسة و الغارة و النهب و علي الجملة كل سبب موجب لتملك مال الغير اذا لم يكن تجارة عن تراض مع اجتماع الشرائط المقررة يكون باطلا الا موارد خاصة مع الشرائط المقررة و لا يلزم تخصيص الاكثر المستهجن.

______________________________

(1) النور/ 37.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 28

الوجه الرابع: قوله تعالي «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»

«1» فان مقتضي عموم الآية وجوب الوفاء بكل عقد و المعاطاة من العقود و وجوب الوفاء يستلزم صحة ذلك العقد فتكون المعاطاة صحيحة شرعا بمقتضي الآية الشريفة.

و فيه: ان وجوب الوفاء المستفاد من الآية ليس وجوبا تكليفيا اذ من الظاهر ان الفسخ ليس محرما شرعا فيكون مفاد الآية ارشادا الي اللزوم و عليه نقول: الاهمال غير معقول في الواقع فالعقد الذي حكم بلزومه اما يكون خصوص الصحيح أو الاعم منه و من الفاسد أو خصوص الفاسد لا سبيل الي الثاني و الثالث فيكون الشق الاول متعينا فيلزم فرض العقد صحيحا كي يترتب عليه اللزوم و كون المعاطاة من العقود الصحيحة اوّل الكلام.

و علي الجملة الآية الشريفة لا يمكن جعلها دليلا علي صحة العقود بل الآية دليل علي لزوم العقد الذي فرض كونه صحيحا في الرتبة السابقة.

الوجه الخامس: قوله صلي اللّه عليه و آله ان الناس مسلطون علي أموالهم
اشارة

«2» و تقريب الاستدلال بالحديث ان المستفاد منه ان كل احد مسلط علي أن يتصرف في ماله و مقتضي اطلاق التصرف عدم الفرق بين التصرف الخارجي و التصرف الاعتباري و المعاطاة تصرف اعتباري في المال فيجوز و يصح بمقتضي الحديث المزبور.

و يرد عليه: أولا ان الحديث ضعيف سندا

فلا يكون قابلا للاستناد إليه.

______________________________

(1) المائدة/ 1.

(2) البحار ج 2 ص 272 الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 29

ان قلت: ان المشهور عملوا بالخبر و عمل المشهور بالخبر الضعيف جابر لضعفه قلت: عمل المشهور به غير معلوم بل المشهور صحة المعاطاة و هذا اعم من العمل بالخبر اذ دليل صحة المعاطاة غير منحصر في الحديث المشار إليه مضافا الي ان عمل المشهور لا يكون جابرا لضعف الخبر كما قلنا مرارا و العجب من البناء علي عدم حجية الشهرة الفتوائية و الالتزام بكونها جابرة للخبر الضعيف و الحال ان ضم غير حجة الي مثله لا يترتب عليه الاثر هذا أولا.

و ثانيا انه قيل في المراد من الحديث وجوه:
الوجه الأول: أن يكون المراد منه تجويز كل تصرف علي نحو الاطلاق خارجيا كان أو اعتباريا

أي يكون المراد من الحديث تجويز كل تصرف في المال كما و كيفا و بعبارة واضحة: يكون الحديث في مقام تشريع كل تصرف ففي كل مورد شككنا في جواز تصرف يكون جائزا بمقتضي الحديث.

و فيه ان لازم هذا القول تحليل جملة من المحرمات كأكل الميتة مثلا و أمثاله بأن نقول بين هذه الرواية و ادلة المحرمات عموم من وجه و في مورد الاجتماع يتعارض الدليلان فان قلنا بالتساقط يكون المرجع بعده أصل البراءة و ان قلنا بلزوم اجراء قانون باب التعادل و الترجيح يلزم رعاية اجراء ذلك القانون و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟ كلا.

الوجه الثاني: أن يكون المراد من الحديث بيان الكمية فقط

بأن نقول لو شك في جواز العقد الفلاني كعقد السرقفلية أو التأمين يستدل علي الجواز بالحديث و أما من حيث الكيفية فلا يكون الحديث في مقام بيان حكمها و هذا الوجه أيضا مردود اذ لازمه أن يكون الحديث في مقام التشريع.

الوجه الثالث: أن يكون المراد من الحديث ان الناس مسلطون علي أن يتصرفوا في أموالهم علي الطرق الشرعية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 30

و لا يكون الحديث مشرعا فعلي جميع التقادير لا يترتب أثر علي الحديث و لا يستفاد منه المدعي أما علي التقدير الاول و الثاني فلما تقدم و أما علي التقدير الثالث فلان الجواز متوقف علي احراز مشروعيته في الرتبة السابقة فان المستفاد من الحديث ان التصرفات التي تكون جائزة في الشرع لا يكون الناس محجورين في تلك التصرفات.

الوجه السادس: اطلاق بعض ادلة الاجارة و الهبة

فان تلك الاطلاقات تقتضي صحة المعاطاة في الهبة و الاجارة و بعدم القول بالفصل يثبت المدعي في بقية العقود أو بالاجماع المركب.

و فيه انه قد ثبت في الاصول عدم حجية الاجماع المحصل فكيف بالمنقول و الذي يهون الخطب ان ما تقدم من الوجوه كافية لاثبات المدعي فلاحظ.

[دلالة كلام الفقهاء علي بعد التوجيهين]

«قوله قدس سره: من غير أن يكون ملكه أو دخل في ملكه … »

يظهر من هذه العبارة ان محل الكلام مورد عدم قصد البيع اذ مع قصد البيع يحصل قصد التمليك من قبل البائع و يحصل قصد التملك من قبل المشتري.

«قوله قدس سره: و لا ينافي ذلك قوله و ليس هذا من العقود الفاسدة … »

لا يبعد أن يكون نظره في وجه عدم التنافي الي أن العقد الفاسد لا يترتب عليه اثر و في المقام المفروض انه تترتب عليه الاباحة فلاحظ.

«قوله قدس سره: علي التأويل الاخر … »

لعل المراد بالتأويل الاخر عدم تحقق العقد اللفظي و التأويل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 31

الاول لزوم الغرر.

«قوله قدس سره: فكيف يتحقق ملك شخص بذهاب مال آخر في يده … »

نفرض انه لو كان كتاب زيد في يد بكر و عباء بكر في يد زيد فتلف كتاب زيد في يد بكر يصير العباء ملكا لزيد و كيف تتحقق الملكية لزيد أي كيف يصير العباء ملكا لزيد بتلف ملكه في يده بكر و الظاهر أن العبارة غير وافية بالمراد.

«قوله قدس سره: و من منع فقد أغرب … »

لعل المراد ان من منع عن الوطي فقد أغرب.

«قوله قدس سره: لكنه محل تأمل … »

لعل وجه التأمل ان الظاهر من كلمة احل الواقعة في الآية الشريفة الحكم التكليفي فلا يستفاد الحكم الوضعي

منها لكن قد سبق منا انه لا مانع من إرادة الحكم الوضعي من كلمة الاحلال و قلنا تدل الآية علي الجواز الوضعي و التكليفي بالمطابقة و لولاه لا يتم الامر اذ جواز البيع تكليفا لا يستلزم الصحة الوضعية و لذا نقول لا اشكال في جواز بيع مال الغير تكليفا مع عدم جوازه وضعا الا أن يقال: حيث ان الشارع الاقدس في مقام جعل القانون و الضابطة يفهم من حكمه بحلية البيع تكليفا ان المقصود انفاذ البيع أيضا فلاحظ.

«قوله قدس سره: و لذا ذكر بعض الاساطين في شرحه علي القواعد في مقام الاستبعاد ان القول بالإباحة المجردة مع فرض قصد المتعاطيين التمليك و البيع مستلزم لتأسيس قواعد جديدة»

أي

[ذكر بعض الأساطين إن القول بالإباحة المجردة مستلزم لتأسيس قواعد جديدة]
اشارة

يلزم تأسيس قواعد جديدة في جملة من الموارد

المورد الاول: ان العقود تابعة للقصود

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 32

فاذا قلنا ان المعاطاة لا تفيد الملك و تفيد الاباحة يلزم أن لا يكون العقد تابعا للقصد فان المفروض ان المتعاملين قصدا الملكية و المترتب علي معاملتهما الاباحة.

و اجاب الماتن عن الاشكال الاول بجوابين احدهما: ان القائل بالإباحة في المعاطاة لا يري المعاطاة من العقود و لا من القائم مقامها و بعبارة اخري: تبعية العقد للقصد باعتبار ان صحة العقد معناها ترتب ذلك الاثر المقصود علي ذلك العقد فالتخلف غير معقول و أما في المعاطاة فليس الامر كذلك فان المعاطاة علي ذلك المسلك لا تكون عقدا و لا قائما مقامه و الشارع الاقدس لا يري المعاطاة مؤثرة في الملكية و انما رتب عليها الاباحة فالاشكال المذكور غير وارد علي كلام القائل بالإباحة.

ثانيهما: ان تخلف العقد عن القصد في الشريعة المقدسة له مواضع منها: ان العقد الفاسد عندهم يوجب ضمان كل من العوضين بالقيمة و الحال ان المقصود ضمان كل من العوضين بالآخر و علي الجملة انهم اطبقوا علي أن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و قالوا بأن العقد الفاسد يوجب ضمان القيمة فالنتيجة ان العقد لم يتبع القصد لان المقصود ضمان كل من العوضين بالآخر و الحكم الشرعي الضمان بالقيمة.

ان قلت: المدرك للضمان بالقيمة قاعدة اليد قلت: قد عطفت القاعدة في كلام بعضهم علي الوجه الأول و هو اقدامهما علي الضمان فالمقصود قسم خاص من الضمان و لكن المترتب عليه قسم آخر منه.

اقول علي فرض كون المدرك قاعدة اليد يتم النقض أيضا علي كلام بعض الاساطين أي كاشف الغطاء فان المدعي تخلف العقد عن القصد و في مورد

العقد الفاسد تخلف العقد عن القصد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 33

لكن الذي يهون الخطب ان عدم التخلف و تبعية العقد للقصد لا يكون من القواعد العقلية التي لا تكون قابلة للتخصيص بل المراد من هذه القاعدة ان الشارع لو أمضي عقدا فلانيا يترتب عليه ذلك الغرض و هذا يحتاج الي دليل الامضاء و أما اذا فرض عدم امضاء الشارع ذلك العقد فاما يترتب عليه اثر آخر و اما لا يترتب أما علي الاول فيترتب عليه ذلك الاثر الاخر بمقتضي دليله و أما علي الثاني فلا يترتب عليه اثر و يكون فاسدا علي الاطلاق و علي كل تقدير لا يتوجه اشكال فان الاحكام الشرعية تكليفية أو وضعية وجودية كانت أو عدمية تابعة للادلة فلاحظ

و منها: انهم قائلون بان الشرط الفاسد لا يفسد العقد و الحال ان مقصود المتعاملين تحقق العقد مع ذلك الشرط فلم يتبع العقد القصد نعم لو قلنا بفساد العقد رأسا كما عليه بعض لم تنتقض القاعدة.

و قال سيدنا الاستاد «1» ما مضمونه تارة يكون الشرط شرطا لاصل العقد و الانشاء كما لو قال لو جاء زيد من السفر بعتك و الا لم ابع و اخري يكون الشرط شرطا لالتزام آخر غير الالتزام باصل العقد أما علي الاول فالعقد باطل من رأسه للاجماع علي بطلان التعليق بلا فرق بين كون الشرط صحيحا أو فاسدا و أما علي الثاني فلم تنقض القاعدة و لو قلنا بصحة العقد و فساد الشرط.

اقول: الشرط اذا كان لاصل العقد و كان وجود الشرط محرزا لا يكون العقد باطلا مثلا لو قال بعتك ان كان هذا اليوم الجمعة و المتعاملان يعلمان بكون اليوم يوم الجمعة لا يكون

التعليق مبطلا.

و علي الجملة: كون التعليق مبطلا لا يكون بحكم العقل كي لا يكون

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 2 ص 108.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 34

قابلا للتخصيص بل بالاجماع و الاجماع دليل لبي يقصر فيه بالمقدار المتيقن و القدر المتيقن منه مورد الشك و أما مع العلم بتحقق المعلق عليه لا يبطل و عليه نقول اذا علق العقد علي شرط فعل كما لو قال بعتك بشرط أن تخيط ثوبي يكون العقد صحيحا فان البيع لا يكون معلقا علي الخياطة الخارجية بل يكون معلقا علي عزم الطرف علي الخياطة و المفروض ان عزمه علي الخياطة امر محرز و لو من باب كون الظهور حجة.

و بعبارة اخري: المعلق عليه عزمه علي الفعل بالفعل و لو لم يعمل بعد و لذا يكون العقد صحيحا و لو لم يخط بعد غاية الامر التخلف يقتضي الخيار بالجعل الاخر فعلي هذا نقول لو قال بعتك بشرط أن تشرب الخمر و قبل المشتري البيع علي الشرط المذكور يصح العقد و يبطل الشرط لكونه خلاف الشرع فطبعا تكون القاعدة منقوضة فما افاده الشيخ من انتقاض القاعدة تام لكن لا يترتب عليه محذور فان مقتضي الجمع بين القواعد المستفادة من الشرع هكذا.

و منها: بيع ما يملك و ما لا يملك معا فانهم قائلون بالصحة مع ان العقد لم يتبع القصد فان المقصود بيع المجموع و الحال ان الصحة تختص بما يملك.

و اجاب عنه سيدنا الاستاد: بأن البيع فيما هو محل الكلام و ان كان واحدا صورة و لكن يكون متعددا في الحقيقة غاية الامر احد البيعين منجز و الاخر معلق علي اجازة المالك فلم تنقض القاعدة.

و فيه أولا: انه لو كان البيع

متعددا يلزم ان يتعلق بكل واحد منهما خيار مستقل و هل يمكن الالتزام بالخيار المتعدد بتعدد البيع بالانحلال؟

و ثانيا: ان حكم الامثال واحد فاذا باع احد داره بالف دينار مثلا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 35

فعلي مبني الانحلال يلزم أن يتحقق بيوع غير متناهية لاستحالة الجزء الذي لا يتجزي و هل يمكن الالتزام به؟ مضافا الي أنه كيف يتحقق في مورد بيع ما يملك و ما لا يملك بيعان فانه علي هذا المبني كل جزء تعلق به البيع فلا يكون البيع منحلا الي بيعين بل الي بيوع غير متناهية.

و الحق أن يقال: ان البيع في أمثال المقام بيع واحد و مقتضي القاعدة الاولية بطلانه اذ المجموع من حيث المجموع لا يشمله دليل الامضاء لكونه مقارنا مع المانع و أما صحة الجزء بما هو جزء فلا يمكن أن يشمله دليل الامضاء اذ ليس بيعا مستقلا نعم بمقتضي النص الخاص يمكن الالتزام بالتبعيض بالالتزام بالصحة في البعض دون البعض الاخر و نتعرض ان شاء اللّه لجهات المسألة عند تعرض المصنف فانتظر و علي الجملة الحق ان البيع الواقع علي المركب بيع واحد و مقتضي القاعدة الاولية هو البطلان و لكن بناء الاصحاب علي التفكيك و الحكم بالصحة فيما يملك فطبعا تكون القاعدة منقوضة فلاحظ.

و منها: ما لو باع الغاصب مال الغير لنفسه فاجازه المالك يقع البيع للمالك فلم يتبع العقد القصد اذ القصد كان لنفسه و العقد يقع للمالك فالقاعدة منقوضة.

و أجاب عنه سيدنا الاستاد: بأن البيع تبديل عين بعوض و قصد وقوعه عن المالك أو عن البائع خارج عن حدود البيع فلا يكون نقضا للقاعدة.

و فيه ان القاعدة عبارة عن تبعية العقد للقصد و

معناه ان العقد يكون علي طبق القصد طابق النعل بالنعل و المفروض ان الغاصب قصد تملك الثمن لنفسه و دليل الامضاء لم يمض العقد علي طبق القصد فالنقض وارد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 36

و الذي يختلج بالبال في هذه العجالة أن يقال: تارة يقصد الغاصب البيع عن المالك و يدعي انه مالك و في هذه الصورة اذا أجاز المالك يقع البيع للمالك بلا توجه النقض اذ المفروض ان البيع وقع عن المالك غاية الامر الغاصب يدعي المالكية و دعوي الغاصب لا تؤثر في الواقع و اخري يبيع لنفسه بمعني انه يقصد خروج المبيع عن كيس المالك و دخول الثمن في كيس نفسه ثم أجاز المالك العقد الفضولي علي ما وقع عليه فان قلنا بأنه لا مانع عن بيع العين بعوض بقصد دخول العوض في كيس غير المالك يصح العقد بالاجازة لما قرر في محله من صحة العقد الفضولي بالاجازة و ان قلنا بعدم الجواز و عدم صحة قصد دخول العوض في كيس غير البائع لا يكون العقد صحيحا.

و ثالثة يبيع لنفسه بمعني انه يقصد خروج المبيع عن كيسه و دخول العوض في كيسه فاجاز المالك العقد الواقع بهذا النحو و الظاهر فساده لعدم دليل علي صحته و علي جميع التقادير لا تنقض القاعدة و تفصيل الكلام موكول الي مجال آخر.

و منها: انه لو نسي ذكر الاجل في المتعة يصير العقد عقد دائم فالعقد لم يتبع القصد فان المقصود الانقطاع و الذي وقع عقد دائم.

و يمكن أن يقال: ان العاقد تارة يكون بنائه علي الانقطاع لكن نسي أو غفل عن البناء المذكور و حين العقد يقصد الدوام و اخري يقصد الانقطاع لكن لا

يذكر المدة غفلة أو نسيانا أو عمدا أما علي الاول فلا يلزم الانتقاض اذ المفروض انه قصد الدوام فالعقد علي طبق القصد و أما علي الثاني فالعقد باطل لتقوم الانقطاع بذكر الاجل و علي كلا التقديرين لا يلزم الانتقاض و تعرضنا للفرع في كتاب النكاح من كتابنا «مباني منهاج الصالحين» فراجع ما ذكرناه هناك.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 37

المورد الثاني: الالتزام بكون إرادة التصرف أو نفس التصرف من المملكات

فانه لو قلنا بأن المعاطاة لا تكون مملكة و المأخوذ بالمعاطاة مباح للآخذ و انما المملك إرادة التصرف أو نفس التصرف و الحال ان المالك لم يخطر بباله التصرف في ماله و لم يأذن فيه بل قصد التمليك فالالتزام بكون الإرادة أو التصرف مملكة أمر جديد و قاعدة جديدة تأسيسية.

و أجاب الماتن عن الاشكال المزبور بأن الجمع بين الادلة يقتضي ذلك فانه لو لم تكن المعاطاة مشمولة لدليل صحة البيع يكون مقتضي الاصل بقاء العين في ملك مالكه و من ناحية اخري علمنا من الشرع جواز جميع التصرفات حتي التصرف الموقوف علي الملك للآخذ بالمعاطاة فنلتزم بكون الإرادة أو التصرف موجبا لتحقق الملكية و مع قيام دليل شرعي علي الحكم لا وجه للاستبعاد.

اقول: أما كون التصرف مملكا فلا محصل له اذ المفروض توقف جواز التصرف علي الملكية و بعبارة اخري: رتبة الملكية مقدمة علي الحكم فكيف يمكن أن يكون التصرف مؤثرا في وجود ما يكون متقدما عليه بالرتبة.

و ان شئت قلت: التصرف الخارجي يتوقف علي كون المتصرف فيه ملكا و الحال ان الملك لا يحصل الا بالتصرف فالتصرف متوقف علي الملك و الملك متوقف علي التصرف و هذا دور و أما كون إرادة التصرف مملكة فأيضا لا ملزم له و لا دليل عليه

بل مقتضي الجمع بين الادلة الالتزام بتحقق الملكية قبل التصرف الذي يتوقف علي الملك آنا ما و كذا في مورد اتلاف الاخذ ما في يده فانه قبل تلف العين تتحقق الملكية آنا ما كي يتحقق الضمان بالمسمي و هذا الذي نقول نظير تصرف ذي الخيار و الواهب في العين التي باعها أو وهبها ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 38

قلنا بجواز تصرفهما في العين تصرفا موقوفا علي الملك.

المورد الثالث: [تلزم مخالفة جملة من الأصول المسلّمة في الفقه]

انه لو قلنا بكون المعاطاة التي يراد بها الملك مفيدا للاباحة و بقاء العين في ملك مالكها تلزم مخالفة جملة من الاصول المسلّمة في الفقه.

منها: تعلق الاخماس بما في يد الاخذ مع ان الخمس لا يتعلق الا بالملك.

و اجاب الشيخ قدس سره بأن تعلق الخمس بغير المملوك مجّرد استبعاد و انه لا مانع عنه ان قلت: يمكن دفع الاستبعاد المذكور بأن السيرة قائمة علي حصول الملكية بالمعاطاة فلا وجه للاستبعاد فان تعلق الخمس بالملك أمر علي القاعدة قلت: مرجع هذا البيان الي الالتزام بأن المعاطاة تفيد الملك بمقتضي السيرة فيرجع الامر بالاستدلال بالسيرة علي كون المعاطاة مفيدة للملكية لا الاباحة.

اذا عرفت ما ذكرنا نقول: المستفاد من الادلة كتابا و سنة و اجماعا ان الخمس يتعلق بالملك فان قلنا ان المعاطاة لا تفيد الملك نلتزم بعدم تعلق الخمس بالمأخوذ و لا يتوجه اشكال و لكنه مجرّد فرض اذ قد ثبت بالأدلّة المتقدمة ان المعاطاة كالبيع اللفظي تفيد الملكية فلاحظ.

و منها: تعلق الزكاة بما لا يكون مملوكا و بعبارة اخري: اذا قلنا ان المعاطاة لا تفيد الملكية و لم يوجد احد اسبابها و تمت شرائط تعلق الزكاة بما أخذ بالمعاطاة و الحال ان الزكاة تتعلق بالملك فالالتزام

بتعلق الزكاة بما اخذ بالمعاطاة التزام بتعلقها بغير الملك.

و يظهر الجواب في المقام مما ذكرناه في الخمس فانه ان قلنا بأن المعاطاة لا تفيد الملك مع الالتزام بأن الزكاة تتعلق بالمملوك نلتزم بعدم تعلق الزكاة بما اخذ بالمعاطاة و لكن قلنا ان الذي يهون

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 39

الخطب ان مقتضي الادلة عدم الفرق بين البيع اللفظي و المعاطاتي في أن كليهما يقتضيان الملك، و ان قلنا ان المعاطاة من أقسام البيع فيترتب عليها ما يترتب علي العقد اللفظي بلا فرق.

و أفاد سيدنا الاستاد- علي ما في التقرير- كلاما لا محصل له فانه دام ظله فصّل بين المأخوذ بالمعاطاة بحد النصاب و بين ما يكون المتمم مأخوذا بالمعاطاة فقال: أما اذا كان المأخوذ بالمعاطاة بحد النصاب فتعلق به الزكاة لاطلاق الادلة و أما اذا كان المتمم مأخوذا بالمعاطاة فلا تتعلق الزكاة بتقريب: ان ما يكون مملوكا لا يكون بحد النصاب و ما اخذ بالمعاطاة لا يكون مملوكا علي الفرض فشرط تعلق الزكاة مفقود.

و يرد عليه: انه اذا فرض ان المأخوذ بالمعاطاة لا يكون مملوكا كما هو المفروض فلا مجال للتمسك بإطلاق دليل تعلق الزكاة فان الزكاة تتعلق بما يكون مملوكا و ان قلنا بأن المعاطاة تفيد الملك فلا فرق بين المتمم و غيره و لعله ناظر الي امر لم يخطر ببالي لقاصر الفاتر و اللّه العالم.

و منها: حصول الاستطاعة بما اخذ بالمعاطاة و الحال ان الاستطاعة تتوقف علي كون المكلف مالكا لمئونة الحج.

و الجواب: انه لا يبعد ان يستفاد من الادلة حتي من اطلاق قوله تعالي «و للّه علي الناس حج البيت الآية» انه يصدق المستطيع علي من يكون في امكانه أن

يحج و بعبارة اخري: من كان عنده مال مباح له التصرف فيه باي نحو من التصرف يصدق عليه عنوان الاستطاعة و المستطيع فوجوب الحج عليه علي القاعدة.

و منها: صدق عنوان الغني المانع عن اخذ الحقوق الشرعية علي الاخذ و الحال ان المباح له لا يكون مالكا علي الفرض.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 40

و الجواب عنه: انه ان قلنا بأن تحقق الغني و صدق عنوان الغني بالإباحة و لا يكون صدقة متوقفا علي خصوص كون الشخص مالكا فلا موضوع للاشكال و ان قلنا ان المباح له فقير و لا توجب الاباحة سلب عنوان الفقير عنه نلتزم بجواز الاخذ فلا اشكال أيضا.

و منها: تعلق حق الشفعة بما اخذ بالمعاطاة و الحال ان حق الشفعة عبارة عن أن الشريك له ان يخرج الحصة المباعة عن ملك المشتري و يدخلها في ملكه.

و الجواب: انه ان قلنا بأن المعاطاة لا تفيد الملك لا يثبت حق الشفعة.

و عن صاحب الكفاية ثبوت الحق بالمعاطاة و لو علي القول بكونها مفيدة للاباحة لان موضوعه البيع و المفروض تحققه.

و يرد عليه: انه ان فرض صدق البيع علي المعاطاة فلا وجه لعدم تحقق الملكية و ان لم يصدق فلا موضوع للتقريب المذكور فلاحظ.

الا أن يقال: انه لا اشكال في صدق عنوان البيع عليها لكن حيث ان الاجماع قائم علي عدم افادتها الملكية نلتزم بالإباحة و لكن مع ذلك نقول: يجري فيها حق الشفعة لصدق البيع عليها فيشمله دليل حق الشفعة و اللّه العالم.

و منها: ان القول بالإباحة يستلزم جريان الربا في المباحات.

و فيه انه ان قلنا بأن المعاطاة بيع فلازمه بطلانه اذا كانت ربوية و لازم البطلان عدم ترتب اثر عليه و

ان قلنا انها لا تكون بيعا فان قلنا بجريان أحكام الربا في كل معاملة فالكلام هو الكلام و ان لم نقل به لا نلتزم بجريان الربا فيها.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 41

و منها: ان القول بالإباحة يستلزم ترتب الارث علي المباحات مع عدم كونها مملوكة للآخذ.

و أجاب عن هذا سيدنا الاستاد بأن موضوع الارث ما تركه الميت و المباح مما تركه الميت و لا تكون للملكية موضوعية.

و ما أفاده غريب فان المال المباح لا يكون مما تركه الميت بل ملك لمالكه و المقصود مما ترك مملوكاته لا أموال الناس و الحق في الجواب ان يقال: انه ان قلنا بأن موت احد المتعاملين يلزم المعاطاة يتم الامر اذ يموت الاخذ تتبدل الاباحة بالملكية فيرتفع الاشكال و لا موضوع للاستبعاد.

و منها: تعلق حق المقاسمة و المفارزة بالمباح. و الجواب انه ان قلنا بأن حق المقاسمة يتعلق بمن يجوز له التصرف و لو كان بالإباحة فلا يتوجه اشكال من هذه الجهة كما هو ظاهر.

و منها: تعلق حق المقاصة بغير الملك و الجواب انه علي القول بكون المعاطاة مفيدة للاباحة لا الملك نلتزم بعدم جواز المقاصة من المال المأخوذ بالمعاطاة

و منها: تعلق حق النفقات بغير المملوك و الجواب انه اذا كان التصرف في المأخوذ جائزا للآخذ فيجب عليه أن يعطي نفقة من تجب عليه نفقته.

و منها: تعلق الدين بغير المملوك. و فيه ان كان المراد حق الديان يوجب حجر الاخذ فلا دليل عليه لان المفلس يحجر عن التصرف في مملوكه و ان كان المراد انه يجب عليه اداء دينه فيمكن أن يكون ما ذكر علي القاعدة اذ بعد جواز التصرف في المال يجب عليه اداء ما

يجب عليه.

مضافا الي أن مثل هذه التصرفات يوجب خروج العين عن ملك

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 42

المالك الاصلي و دخوله في ملك الاخذ.

و منها: جواز الوصية في المباح. و فيه: ان الوصية تؤثر بعد الموت و بالموت ينتقل المال إليه فما دام حيا لا اثر للوصية و اذا مات فالمال يصير ملكا له فلا موضوع للاشكال.

«قوله قدس سره: و دفعه بمخالفته للسيرة رجوع إليها … ».

يمكن أن يكون المراد من العبارة انه لو دفع احد الاستبعاد المذكور بالسيرة بأن يقول: لا وجه للاستبعاد المذكور فان السيرة جارية علي الامور المذكورة نقول: مرجع هذا الكلام الي الرجوع الي السيرة و العمل بها و اذا رجعنا إليها نلتزم بكون المعاطاة مفيدة للملكية فلا موضوع للاستبعاد المذكور فلاحظ.

المورد الرابع: انه لو قلنا بعدم كون المعاطاة مملكة و قلنا انها مفيدة للاباحة يلزم كون التصرف من أحد الطرفين مملكا للطرف الآخر

فانه لا قائل بكون التصرف الصادر من احد مملكا للآخر مضافا الي أن استناد تحقق الملكية الي التصرف غريب.

و الجواب انه لو اقتضي الجمع بين الادلة نلتزم بمقتضاه و لا غرابة بعد تمامية المقتضي و عدم المانع فانه استفيد من الشرع ان الوطي يلزم أن يكون في الملك مثلا و من ناحية اخري لا يمكن الجمع بين العوض و المعوض فلو اشتري احد امة بالمعاطاة بفرش ثم وطئها يلزم أن تدخل الامة في ملك المشتري كي يقع الوطي في الملك و لا بد من الالتزام بدخول الفرش في ملك بايع الامة و الا يلزم الجمع بين العوض اي الفرش و المعوض اي الامة و هو غير ممكن.

المورد الخامس: ان القول بكون المعاطاة مفيدة للاباحة لا الملك يترتب عليه الالتزام بجملة من المفاسد.

الاول: كون التلف من احد الطرفين مملكا للطرف الاخر فانه لو

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 43

اشتري كتابا بدرهم بالمعاطاة ثم تلف الكتاب بالتلف السماوي يلزم أن يكون تلف الكتاب مملكا للدرهم و هو غريب و بعبارة اخري:

ان قلنا بأن الملكية تحصل بلا سبب فهو محال و ان قلنا بأن تلف احدي العينين يوجب ملكية الاخري فهو غريب.

الثاني: يلزم انه لو تلف كل من العوضين مع التفريط يكون التلف معينا للمسمي بالنسبة الي الطرفين و لا حق في الرجوع الي المثل أو القيمة و هذا غريب أيضا.

و بعبارة اخري علي القول بعدم الملكية في المعاطاة مقتضي القاعدة الرجوع الي المثل أو القيمة فالقول بضمان المسمي يستلزم الالتزام باحد الامرين و هما حصول الملكية بلا سبب أو حصولها بالتلف و كلاهما محذور.

الثالث: انه ان قلنا بأن من تلف عنده المال يملك التالف قبل التلف فتحقق الملكية قبل التلف ان كان بلا سبب يلزم المعلول بلا علة و

ان قلنا بأن التلف مملّك يلزم تقدم المعلول علي علته و ان قلنا يملكه حين التلف فان زمان التلف زمان انعدام الملكية لا زمان حدوثها.

مضافا الي أنه لا موجب للالتزام بالملكية في زمان التلف و ان قلنا بحصول الملكية بعد التلف يلزم تملك المعدوم و هو غير معقول مضافا الي أنه لغو محض و ان قلنا بعدم دخوله في ملك من تلف عنده يلزم تملك الطرف المقابل البدل بلا عوض و هو غريب و نفي الملك مخالف للسيرة و بناء المتعاملين.

الرابع: انه اذا وضع الغاصب يده علي المأخوذ بالمعاطاة أو تلف عنده فان قلنا بأن الغاصب ضامن للمباح له يلزم أن يكون الغصب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 44

أو التلف عند الغاصب مملكا و هو غريب و ان قلنا بأنه ضامن للمبيع فهو غريب و مناف للسيرة الخارجية.

و يرد عليه ان الاحكام الشرعية لا ترتبط بالامور الخارجية و لا مجال لاجراء الاحكام العقيلية فيها فلا مجال للاستدلال بعدم جواز تقدم المعلول علي علته أو استحالة وجود شي ء بلا علة أو غيرهما من المحاذير العقلية بل الاحكام الشرعية تابعة لادلتها فباي نحو استفيد الحكم الشرعي من دليله يلتزم به.

و علي هذا الاساس لا نبالي بالاستبعادات المذكورة فكل أمر اقتضاه الدليل نحكم به لكن الذي يهون الخطب انه لا وجه للالتزام بالإباحة كي تفتح الباب لهذه الابحاث فلاحظ.

المورد السادس: ان التصرف ان جعلناه من النواقل القهرية فهو بعيد

فان تحقق الملكية بالتصرف الخالي عن قصد التملك أمر بعيد و ان قلنا بتوقفه علي نية التملك فالواطئ للامة من غير نية التملك يكون واطئا بالشبهة و الجاني عليها و المتلف لها جان علي مال الغير و متلف له و هل يمكن الالتزام به؟

و مما ذكرنا آنفا

في الرد علي المورد الخامس يظهر الجواب عما ذكر في المورد السادس فانه لو اقتضي الجمع بين الادلة نلتزم به و لا يترتب عليه اشكال.

المورد السابع: ان تصرف الآخذ في نماء العين المأخوذة بالمعاطاة هل يكون جائزا أم لا؟

أما الثاني فلا سبيل إليه اذ لا اشكال في جواز التصرف و أما الاول فما هو المجوز لجواز التصرف فان قلنا بأن اذن المالك في التصرف يشمل التصرف في العين و في نمائها يقال ان شموله للتصرف في النماء أمر خفي فان المالك الاصلي لم يأذن الا في التصرف في نفس العين و ان قلنا بأن حدوث النماء مملك

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 45

و عليه ان قلنا بأن حدوثه مملك لخصوص النماء فقط فهو بعيد اذ لا وجه للتفكيك خصوصا في النماء المتصل.

مضافا الي عدم معهودية كون حدوث النماء من المملكات في الشريعة المقدسة و ان قلنا بأن حدوث النماء مملك للاصل و النماء اما بالاصالة في كليهما و اما بالاصالة بالنسبة الي العين و بالتبع بالنسبة الي النماء فهو غريب و ينافي مع قولهم بعدم حصول الملك الا بعد التصرف المتوقف علي الملك كالوطي مثلا.

و أجاب الشيخ قدس سره عن هذا المورد بجوابين الاول: ان النماء كالاصل لا يكون ملكا للآخذ نعم يجوز له التصرف كما يجوز له التصرف في الاصل.

الثاني: انه يمكن أن يكون إباحة التصرف في العين موضوعا لحكم الشارع بحدوث النماء في ملك المباح له.

و أورد سيدنا الاستاد علي كلا الوجهين أما الاول فلان المالك الاصلي اذا لم يأذن في التصرف في النماء فما وجه جوازه؟ و أما الثاني فلانه لا وجه لحدوث الملكية بعد عدم حصول مملك لاصله و لا نمائه و لا لهما.

و أفاد في مقام الجواب عن الاشكال وجهين آخرين

و قال: يجاب عن الاشكال المذكور بهما علي نحو المنفصلة الحقيقية.

الوجه الأول: ان الاذن في التصرف في شي ء اذن في التصرف في توابعه عرفا.

الوجه الثاني: ان المعاطاة بيع حقيقي و يراد بها التمليك كبقية موارد البيوع غاية الامر الاجماع قائم علي عدم تحقق الملكية و القدر المتيقن من الاجماع ما قبل حدوث النماء فلا يشمل الاجماع بعده

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 46

فنرفع اليد عن مقتضي البيع بهذا المقدار و أما الزائد عليه فيبقي بحاله.

و يرد علي الوجه الأول الذي أفاده ان المفروض ان المالك الاصلي لم يبح التصرف بل ملك العين و ربما لم يخطر بباله التصرف في العين كي يبيح أو لا يبيح مضافا الي أنه يري نفسه اجنبيا عن العين بعد البيع فلا موضوع للتقريب المذكور.

اضف الي ذلك ان كون الاذن في التصرف في عين اذن عرفا في التصرف في توابعه اوّل الكلام و الاشكال مثلا لو اذن المالك أن يتصرف فلان في ناقته بأن يركبه هل يكون اذنا في شرب لبنها أيضا.

و يرد علي الوجه الثاني ان المفروض ان المالك ملك العين من حين العقد و المفروض عدم تحقق ما قصده و بعبارة اخري: قام الاجماع علي تخلف العقد عن القصد فالالتزام بالملك من زمان حدوث النماء يحتاج الي الدليل و ببيان آخر: المالك قصد خروج العين من ملكه من زمان العقد و مقصوده لم يحصل و لم تخرج العين عن ملكه و لا مقتضي لخروجها بعد ذلك فالالتزام به يحتاج الي قيام دليل عليه.

و علي الجملة: ما افاده دام ظله في غاية الغرابة فالاولي أن يقال:

اذا اقتضي الدليل نلتزم بمفاده و الحكم الشرعي تابع لدليله و لا يكون

للعقل سبيل الي الرد و الايراد فيه.

المورد الثامن: قصر التمليك علي التصرف مستندا الي اذن المالك في التمليك

فيلزم كون الاخذ بالمعاطاة موجبا و قابلا مضافا الي أن التصرف المأذون فيه يتحقق بالقبض فلا وجه لتأخر الملكية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 47

عن زمان القبض بل القبض أولي بالتأثير لاقترانه باذن المالك بخلاف غيره.

و فيه انه لا محذور في اتحاد الموجب و القابل مضافا الي أنه مع اقتضاء الادلة نلتزم بأن التصرف بنفسه يقتضي الملكية كي لا يتوجه اشكال اتحاد الموجب و القابل و أما القبض فلا مجال لقياسه بالتصرفات المملكة لان القبض لا يتوقف علي كون المقبوض مملوكا للقابض بخلاف الوطي و نحوه فان الوطي يتوقف علي كون الموطوءة مملوكة للواطي فانه لا وطئ الا في ملك كما انه لا بيع الا في ملك.

«قوله قدس سره: أوفقها بالقواعد هو الاول … »

ان الماتن قدس سره بعد اختياره اللزوم في المعاطاة استدل علي مختاره بوجوه
الوجه الأول: استصحاب الملكية بعد الفسخ فان مقتضاه بقاء الملكية بعد الفسخ.

ان قلت: لا مجال للاستصحاب لان الامر دائر بين الفرد القصير الزائل بالفسخ و الفرد الطويل الباقي بعد الفسخ و مقتضي الاستصحاب عدم تحقق الفرد الطويل. و ان شئت قلت: ان كان الفرد الذي وجد في الخارج هو الفرد القصير فهو زائل بلا كلام و ان كان هو الفرد الطويل فهو باق لكن حيث انه مشكوك الحدوث يجري فيه استصحاب عدم تحققه و عدم وجوده فمقتضي ضم الاصل الي الوجدان احراز عدم بقاء الملكية.

قلت: هذا التقريب غير تام فان الملكية لا تنقسم الي الجائزة و اللازمة بل الجواز و اللزوم من أحكام الملك لا من أنواعه. و بعبارة واضحة: الاستصحاب الذي مورد البحث في المقام الاستصحاب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 48

الشخصي لا الاستصحاب الكلي.

ان قلت: نشك في بقاء العلقة للمالك الاول و عدمه و مقتضي الاستصحاب بقائها فله استرجاع العين بتلك العلاقة الباقية.

قلت: لا نتصور

للمالك الاول علقة بالنسبة الي العين غير الملكية الزائلة بالبيع فلا موضوع لاستصحابها بل مقتضي الاستصحاب عدم تحقق العلقة غير العلقة الملكية الزائلة نعم يمكن ثبوت الخيار له بجعل الشارع و لكن الخيار علي فرض وجوده حق جديد يحدث بعد البيع.

ان قلت: يمكن جريان الاستصحاب في حق الاسترجاع قلت: ظهر الجواب مما ذكرنا فان حق الاسترجاع ان كان فهو يحدث بعد البيع و مقتضي الاستصحاب عدم حدوثه و ان شئت قلت: أن وجوده قبل البيع أيضا مشكوك الحدوث و مقتضي الاستصحاب عدمه.

ان قلت: ان الملكية ذات مراتب و بعض مراتبها زال بالبيع و شك في بقاء بعضها الاخر و مقتضي الاستصحاب بقائه.

قلت: أولا: لا نتصور مراتب للملكية و ثانيا: نسلّم كونها ذات مراتب و لكن نقول اعتبار كل مرتبة مغاير مع الاعتبار الاخر و ان شئت قلت: كل مرتبة منها منوط باعتبار تلك المرتبة و بدون الاعتبار لا توجد و المفروض ارتفاع تلك المرتبة العليا و اما غير تلك المرتبة فلا دليل علي تحققها بل مقتضي الاستصحاب عدم تحققها.

ان قلت لا اشكال في انتفاء الملكية لكن السلطنة علي المال و قدرته علي التصرف في العين غير الملكية و الاستصحاب يجري في بقاء تلك السلطنة.

قلت: هذه السلطنة موضوعها الملك فلا مجال لبقائها بعد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 49

زوال الملك فلاحظ و علي الجملة مقتضي الاستصحاب بقاء ذلك الملك الشخصي كبقية موارد الاستصحابات الشخصية.

و لو سلم ما ذكر من دوران الامر بين القصير و الطويل نقول: لا مانع من جريان الاستصحاب الجامع بين الفردين فانه قد حقق في الاصول جريان الاستصحاب في القسم الثاني من أقسام الاستصحاب الكلي.

ان قلت: لا مجال للاستصحاب الكلي اذ

امر الكلي دائر بين مقطوع الانتفاء و مشكوك الحدوث و بعبارة اخري: وجود الكلي عين وجود الفرد و المفروض ان الفرد مردد بين مقطوع الزوال و مشكوك الحدوث.

قلت: الكلي ليس عين الفرد بل الكلي موجود بوجود الفرد و بعبارة اخري: الفرد و الكلي كلاهما موجودان في الخارج و حيث نقطع بتحقيق الكلي في الخارج و نشك في بقائه و زواله يكون موضوع الاستصحاب تاما و لا مانع من جريانه.

مضافا الي أنه نسلم ان الكلي عين الفرد لكن نقول: لا اشكال في تحقق فرد في الخارج و لا اشكال في الشك في بقائه فيجري الاستصحاب لتمامية اركانه.

ان قلت: الشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في حدوث الفرد الطويل و مقتضي الاستصحاب عدم حدوثه فلا تصل النوبة الي جريان الاصل في الكلي.

قلت: الشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في أن الفرد الذي وجد هو الطويل أو القصير و لا مجال لتشخيصه مضافا الي أن التسبب المذكور عقلي لا شرعي و لا دليل علي اعتبار الاصل المثبت و مع الاغماض عن هذا يكون جريان الاصل في كل طرف يعارض بجريانه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 50

في الطرف الاخر فانه علي هذا الاساس يمكن أن يقال: مقتضي الاصل عدم حدوث الفرد القصير فالكلي باق ببقاء الفرد الطويل و بعد التعارض تصل النوبة الي استصحاب الكلي الجامع بين الفردين و لعل الشيخ قدس سره اشار الي ما ذكر من الاشكال مع جوابه بقوله «فتأمل».

ثم انه افاد الشيخ بأنه لو سلمنا عدم جريان الاستصحاب في الكلي و يختص جريان الاستصحاب بالشخصي لكن يكفي للجريان الشك في أن اللزوم و الجواز من أحكام الملك أو من خصوصيات السبب.

و

وجهه الميرزا النائيني- علي ما نقل عنه- بأن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية غير جائز و لكن يجوز فيما يكون المخصص عقليا و في المقام كذلك اذ عدم جريان الاستصحاب فيما يدور الامر بين الفرد الطويل و الفرد القصير فان الامر دائر بين مقطوع الزوال و مشكوك الحدوث فلو شك في فرد انه داخل في هذا القسم أم لا؟ لا يكون مانع من الجريان اذ المفروض ان المخصص عقلي و يقتصر فيه علي القدر المتيقن.

و أورد عليه سيدنا الاستاد بأن هذا التقريب انما يصح فيما نحرز كون فرد من أفراد العام و نشك في خروجه عن تحت حكمه كما لو قال المولي لعن اللّه بني امية و علمنا من الخارج انه لا يشمل اللعن المؤمن منهم فلو علمنا بكون فرد من بني امية و شككنا في ايمانه يمكن الاخذ بعموم العام و أما اذا لم نحرز كونه من العام فلا مجال للاخذ بعموم العام و ما نحن فيه كذلك اذ مع الشك المذكور لا نحرز كون المورد من موارد نقض اليقين بالشك فلا مجال للاستصحاب.

ثم ان الشيخ قدس سره أيد عدم كون اللزوم و الجواز من خصوصيات الملك بأن المحسوس عدم الفرق بين الهبة اللازمة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 51

و الجائزة ثم قال: ان قلنا بأن اللزوم و الجواز و ان كانا من خصوصيات الملك فاما يكون التخصيص بجعل المالك و اما بحكم الشارع أما علي الاول فلازمه ان لزوم العقد و جوازه لا بد أن يكونا منوطين بقصد المالك الرجوع و عدم قصده و هو بديهي البطلان و أما علي الثاني فيلزم انتقاض كون العقود تابعة للقصود.

ان قلت: قد سبق انه

ترفع اليد عن القاعدة المذكورة في المعاطاة انتصارا للقائل بالإباحة فأيضا ترفع اليد عن تلك القاعدة في المقام.

قلت: قاعدة اللزوم اي استصحاب الملك بعد الفسخ تشمل العقود اللفظية و بجريانها في العقود اللفظية يثبت عم تنوع الملك بحكم الشارع و عدم الاختلاف في السبب في وعاء الشرع و بعد ثبوت المدعي في العقود اللفظية يثبت في المعاطاة بعدم القول بالفصل فالنتيجة: انه لو شك في أن العقد الفلاني جائز أو لازم تكون اصالة اللزوم محكمة كما انه لو شك في أن ما وقع في الخارج عقد لازم أو جائز يحكم باللزوم لاصالة لزوم كل عقد.

«قوله قدس سره: نعم لو تداعيا احتمل التحالف في الجملة … »

يمكن أن يكون المراد من العبارة انه تارة يدعي أحدهما جواز العقد و ثبوت الخيار فمن يدعي كون العقد هبة يكون مرجع دعواه الي أن له الخيار و من يدعي ان العقد صلح ينفي الخيار و حكم هذه الصورة ان المنكر للخيار ان يحلف فانّ قوله موافق للاصل و علي مدعي الخيار اقامة البيّنة و أما لو ادعي كل واحد منهما عقدا بخصوصه بحيث يكون المنظور اثبات ذلك الخاص يدخل المقام في باب التداعي و حكمه التحالف فيحتمل أن يكون من القسم الأول و يحتمل أن يكون من القسم الثاني فان كان داخلا في القسم الأول يدخل في باب المدعي و المنكر و ان كان داخلا في القسم الثاني

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 52

يدخل في باب التداعي فتحقق التحالف في الجملة لا بالجملة هكذا ينبغي أن يفسر هذه العبارة.

و يرد علي الشيخ قدس سره أولا: ان مرجع النزاع بين كون العقد هبة أو صلحا الي اثبات الخيار

و عدمه و بعبارة اخري: المدعي لكون العقد هبة في مقام اثبات الخيار و المدعي لاثبات كونه صلحا في مقام نفي الخيار فيكون مدعي الهبة مدعيا و مدعي الصلح منكرا و لا مجال للتحالف.

و ثانيا: انه سلمنا كون كل واحد مدعيا لكن مع ذلك لا يصل الامر الي التداعي لان مقتضي الاصل عدم كون العقد الواقع في الخارج هبة فلا خيار.

و بعبارة اخري: اصالة عدم كون العقد الواقع في الخارج هبة يترتب عليها عدم الخيار بلا وساطة واسطة و أما اصالة عدم كونه صلحا فلا يترتب عليها الخيار الاعلي تقدير اثبات كون الواقع في الخارج هبة و من الظاهر انه لا دليل علي الاصل المثبت فلاحظ.

و المتحصل مما تقدم انه لا مانع عن التمسك باستصحاب اللزوم لا ثبات عدم كون المعاطاة خياريا لكن الذي ذكرنا من حيث الاقتضاء و مع قطع النظر عن ابتلاء الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي باستصحاب عدم جعل الزائد و أما بلحاظه فلا مجال له اذ بالمعارضة يسقط كلا الاستصحابين فلا تغفل.

الوجه الثاني: قاعدة السلطنة

المستفادة من قوله صلي اللّه عليه و آله: ان الناس مسلطون علي اموالهم «1».

و تقريب الاستدلال بالحديث: ان المعاطاة مفيدة للملكية و الملكية لا تنفك عن السلطنة الفعلية و مقتضي السلطنة أن لا يمكن

______________________________

(1) بحار الانوار ج 2 ص 272 الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 53

لاحد أن يزاحم من له السلطنة فلا يكون لاحد أن يخرج الملك عن ملك مالكه.

ان قلت: ان السلطنة عارضة علي الملك و لا تنافي بين هذه السلطنة و خروج الملك عن الملكية باعمال الخيار. لا يقال: بعد اعمال الخيار و الفسخ يشك في زوال الملكية و عدمه و بالاستصحاب يحكم

ببقائها فانه يقال: هذا رجوع عن الاستدلال بالرواية و قاعدة السلطنة الي الاستصحاب.

قلت: السلطنة المطلقة علي المال تمنع عن تأثير اعمال الخيار و الفسخ. و يرد علي الاستدلال أولا: ان مدرك الاستدلال عبارة عن المرسلة المشار إليها و المرسل لا اعتبار به و ثانيا انه قد قلنا سابقا ان مفاد الحديث عدم محجورية المالك عن التصرفات المشروعة في ماله و هي التصرفات التي قد ثبت في الشرع جوازها.

و بعبارة اخري: لا تكون قاعدة السلطنة مشرعة فلا يدل الحديث علي مشروعية كل تصرف و ان لم يثبت كونه مشروعا في الرتبة السابقة كما انه لا يدل علي عدم تأثير الفسخ فالحديث قاصر عن افادة المدعي سندا و دلالة فلاحظ.

و بما ذكر ظهر انه لا مجال للاستدلال بالحديث علي لزوم القرض بعد القبض كما استدل به المحقق قدس سره في الشرائع- علي ما نقل عنه- فان الحديث المذكور لا يكون قابلا للاستدلال لا سندا و لا دلالة.

الوجه الثالث: قوله صلي اللّه عليه و آله في حديث سماعة

عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال من كانت عنده امانة فليؤدها الي من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 54

امرئ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفس منه «1».

بتقريب انه لا يجوز التصرف بأي نحو في مال الغير الا باذنه و من الظاهر ان تملك مال الغير من انواع التصرف فيه و عدم جواز التملك معناه عدم تأثيره شرعا.

ان قلت: الحكم دائر مدار موضوعه و المفروض ان بقاء الملكية بعد الفسخ مشكوك فيه. قلت: مقتضي التقريب الذي ذكرنا ان نفس التملك ممنوع شرعا فلا تصل النوبة الي الاشكال المشار إليه.

و لكن الاستدلال

بالحديث بالتقريب المتقدم مخدوش من ناحية اخري و هي ان عدم الحل تعلق في الحديث بالمال و لا يعقل تعلق الحرمة بالمال عينا كان أو منفعة الا بتقدير ما يناسب الحرمة و الظاهر بحسب الفهم العرفي انه تحرم التصرفات الخارجية التي تقع في الاعيان و عليه لا يرتبط الحديث بما نحن بصدده.

الوجه الرابع: قوله تعالي «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ»

«2» فان للاستدلال بالآية الشريفة علي لزوم المعاطاة تقريبين: الاول انه يستفاد من جملة المستثني حصر سبب التملك في التجارة عن تراض و حيث ان تملك مال الغير بالفسخ ليس داخلا في التجارة عن تراض لا يمكن أن يكون سببا للتملك.

و بعبارة اخري: الفسخ ليس مشمولا للتجارة عن تراض فلا يجوز التملك به شرعا و لا مجال للتوهم المتقدم و هو ان بقاء المال في ملك مالكه بعد الفسخ اوّل الكلام اذ قد فرض ان التملك منحصر

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب مكان المصلي الحديث 1.

(2) النساء/ 29.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 55

بالتجارة فلا يتحقق بالفسخ فلا مجال لان يشك في بقاء المال في ملك مالكه.

الثاني: ان يستدل بجملة المستثني منه بتقريب ان المستفاد من الآية النهي عن التملك بالباطل و حيث ان الفسخ من طرف واحد مستقلا باطل عرفا فلا يجوز و لا يصح.

و أورد عليه سيدنا الاستاد بأن الاستدلال المذكور مبني علي أن يكون المراد بالباطل، الباطل العرفي و الحال ان المراد به الباطل الواقعي و حيث انه لا ندري ان الفسخ باطل واقعي أم لا لا يمكن التمسك بالآية لعدم جواز الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية.

و فيه انه ما المراد من الباطل الواقعي فان الباطل من الامور التي تختلف فيه الانظار مثلا البيع الربوي باطل في نظر

الشارع و صحيح في نظر العقلاء الذين لا يعتقدون بالشريعة.

مضافا الي أن الخطاب الي العرف و الظاهر ان المراد بكلمة «الباطل» الباطل العرفي فعليه لا مانع من التمسك بالجملة الاولي أيضا و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: و التوهم المتقدم في السابق غير جار هنا … »

الظاهر ان الوجه فيه ان التملك و نقل مال الغير الي نفسه يتوقف علي التجارة عن تراض و المفروض ان الفسخ ليس تجارة عن تراض فلا مجال لاحتمال انتقال المال الي الفاسخ.

«قوله قدس سره: لان حصر مجوز اكل المال … »

ربما يتوهم كما هو الظاهر من العبارة ان العلة المذكورة علة لقوله «و التوهم المتقدم غير جار هنا» و لكن الظاهر ان الامر ليس كذلك لعدم ارتباط بين الامرين بل هذا جواب عن اشكال و هو انه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 56

لو قيل: ان جواز التصرف لا ينحصر بالتجارة بل يجوز التصرف في مال الغير باباحة المالك أو باباحة الشارع كما في المارة فانه يقال:

الكلام في التصرف و الاكل الذي يكون المأكول ملكا للآكل اقول:

الاكل في الآية الشريفة عبارة عن التملك، و التصرف في مال الغير بالإباحة المالكية أو الشرعية، يباين التملك فلا ربط بين المقامين فلا مجال للايراد المذكور فلاحظ.

«قوله قدس سره: و لذا كان اكل المارة من الثمرة الممرور بها … »

قد ظهر بما ذكرنا انه لا مجال للنقض بأكل المارة فان المار، يجوز له أن يأكل من الثمرة الممرور بها و الكلام في التملك نعم النواقل الشرعية كما في حق الشفعة و الخيار مصاديق للاكل و مع ذلك لا تكون باطلة لكونها مأذونة من قبل الشارع.

الوجه الخامس: لإثبات اللزوم عند الشك فيه و الجواز قوله عليه السلام،

في رواية فضيل عن أبي عبد اللّه عليه

السلام في حديث قال: قلت له: ما الشرط في غير الحيوان؟ قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فاذا افترقا فلا خيار بعد الرضاء منهما «1» فان الحديث المذكور يدل علي أن كل بيع يصير لازما بعد افتراق المتبايعين.

الوجه السادس: قوله تعالي «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»

«2» فان الآية الشريفة تدل علي لزوم كل عقد بيعا كان أو غيره لفظيا كان أو غيره فان الوفاء عبارة عن الاتمام و لذا يقال: الدرهم الوافي أي الدرهم التام و من الظاهر ان عدم الوفاء و عدم الاتمام و الفسخ لا تكون محرمة شرعا.

و بعبارة اخري: فسخ العقد لا يكون من المحرمات الالهية فالامر

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب الخيار الحديث 3.

(2) المائدة/ 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 57

بالوفاء ارشاد الي اللزوم و يكون المراد ان العقد لا ينفسخ بالفسخ فلا تفسخ.

الوجه السابع: قوله عليه السلام: المسلمون عند شروطهم الا كل شرط خالف كتاب اللّه عز و جل فلا يجوز

«1». بتقريب: ان الشرط عبارة عن مطلق الالتزام فيكون الالتزام البيعي من الشروط و يجب الوفاء به فلا يجوز الفسخ.

و يرد عليه ان الشرط علي ما يظهر من اللغة و من موارد استعمالاته عبارة عن ارتباط احد الامرين بالآخر فالالتزام الابتدائي لا يصدق عليه عنوان الشرط.

و أورد سيدنا الاستاد علي الاستدلال بالحديث اشكالا آخر و هو ان الظاهر من الحديث ان المراد منه الالتزامات الفعلية أي الالتزامات التي تتعلق بالافعال فوزان الحديث وزان قوله عليه السلام «المؤمن عند عدته» فلو سلم صدق الشرط علي الالتزام الابتدائي لا يشمل الالتزام الوضعي كالبيع و الاجارة و نحوهما.

و ما أفاده دام ظله غير تام اذ لا وجه للتقييد بل مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين المقامين نعم يشكل الامر من ناحية اخري و هي ان الالتزامات الوضعية لها اسباب خاصة و تحققها بالاشتراط يحتاج الي الدليل مثلا لو اشترط في ضمن البيع أن يكون الملك الفلاني مملوكا للمشتري و التزم به فان قلنا ان الهبة لا تتوقف علي صيغة خاصة نلتزم بتحققها.

و الذي يدل علي تمامية المدعي ان الاصحاب و منهم سيدنا الاستاد

قائلون بأنه يصح شرط النتيجة و الشرط عبارة عن الالتزام العقدي أو الايقاعي فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار الحديث: 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 58

فتحصل مما تقدم ان مقتضي القواعد كون المعاطاة مقيدة للملكية اللازمة
اشارة

و رفع اليد عن القواعد و الالتزام بالجواز فيها يتوقف علي قيام دليل عليه

و ما قيل في هذه المقام وجوه.
الوجه الأول: ما نقل عن صاحب الغنية من دعوي الاجماع علي عدم كون المعاطاة بيعا

فانه لو اريد من هذه الجملة ما ظاهرها اي تكون المعاطاة خارجة عن دائرة البيع و لا يصدق عليها عنوان البيع فبطلان الدعوي المذكورة أوضح من أن يخفي و لو اريد من الجملة نفي لزومها فيدخل الوجه الأول في الوجه الثالث.

الوجه الثاني: الشهرة الفتوائية علي عدم لزوم المعاطاة

و قد تحقق في محله عدم حجيتها.

الوجه الثالث: الاجماع:

و فيه ان الاجماع المنقول غير حجة و أما المحصل منه فعلي تقدير حصوله محتمل المدرك فلا يكون حجة أيضا فالنتيجة عدم تمامية الوجوه المذكورة لاثبات المدعي.

«قوله قدس سره: و قد يظهر ذلك من غير واحد من الاخبار … »

الظاهر من العبارة انه يظهر من بعض الاخبار اعتبار اللفظ في إنشاء البيع فيمكن أن يكون ناظرا الي ما ورد في بيع المصحف لاحظ ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن بيع المصاحف و شرائها فقال لا تشتر كتاب اللّه و لكن اشتر الحديد و الورق و الدفتين و قل اشتري منك هذا بكذا و كذا «1».

بتقريب ان المستفاد من هذه الطائفة اشتراط الصيغة في صحة البيع.

و يمكن أن يكون ناظرا الي ما ورد في بيع أطنان من قصب لاحظ ما رواه بريد بن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اشتري

______________________________

(1) الوسائل الباب 31 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 59

من رجل عشرة آلاف طن قصب في أتبار بعضه علي بعض من اجمة واحدة و الانبار فيه ثلاثون ألف طن فقال البائع قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن فقال المشتري قد قبلت و اشتريت و رضيت فاعطاه من ثمنه الف درهم و وكل المشتري من يقبضه فاصبحوا و قد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون الف طن و بقي عشرة آلاف طن فقال العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري و العشرون التي احترقت من مال البائع «1».

و يمكن أن يكون ناظرا الي النصوص الدالة علي حصر المحلل و المحرّم

في الكلام لاحظ ما رواه ابن الحجاج، قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام الرجل يجي ء فيقول اشتر هذا الثوب و اربحك كذا و كذا قال: أ ليس ان شاء ترك و ان شاء أخذ؟ قلت: بلي قال لا بأس به انما يحلل الكلام و يحرم الكلام «2».

«قوله قدس سره: بل يظهر منها ان ايجاب البيع باللفظ دون مجرد التعاطي كان متعارفا بين اهل السوق و التجار».

لاحظ ما رواه بريد «3» و علي جميع التقادير لا يتم ما أفاده فان هذه النصوص لا تكون في مقام بيان كيفية إنشاء البيع كي يقال: ان المستفاد منها اشتراط كون إنشاء البيع باللفظ فان الحديث الوارد في بيع المصحف اريد منه ان البيع يلزم أن لا يقع علي نفس القرآن كما أن الحديث الوارد في بيع الاطنان من القصب في مقام بيان انه لو باع الكلي في المعين و تلف من المبيع مقدار ما حكمه؟ و من ناحية اخري بيع الكلي في المعين كعشرة آلاف طن لا بد ان يبين باللفظ.

______________________________

(1) التهذيب ج 7 ص 126 الحديث 20.

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث 4.

(3) قد تقدم آنفا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 60

و علي الجملة: لا يستفاد من هذا الحديث اشتراط البيع بكونه لفظيا و أما حديث خالد بن الحجاج فهو ضعيف سندا مضافا الي أنه قد فرض فيه الكلام فقال عليه السلام: الكلام المفروض ان كان بعنوان المقاولة فلا بأس و ان كان علي نحو المعاملة فلا يجوز كما ان المتعارف الخارجي علي فرض تسلمه لا يكون دليلا علي لزوم اللفظ.

و يستفاد من الشيخ انه لو كان دليل لفظي دالا علي الاشتراط

كان الانسب أن يستدل به و الحال انه استدل بالسيرة و الاجماع و الشهرة فلاحظ.

و يمكن أن يكون ناظرا الي ما ذكره آنفا من قوله أم وجد و لكن لم ينشأ به بل كان من جملة القرائن علي قصد التمليك بالتقابض و قد يظهر ذلك من غير واحد من الاخبار الخ فيفهم من هذه الجملة انه يظهر من الاخبار ان اللفظ يكون قرينة علي المراد لا أن الاخبار تدل علي الاشتراط.

«قوله قدس سره: بل يمكن دعوي السيرة … »

يرد عليه ان الامر ليس كذلك فان السيرة الجارية في زماننا ليست كذلك فان السيرة جارية علي مجرّد التعاطي و علي فرض تحقق السيرة لا أثر لها فان مجرد جريان السيرة علي أمر في الخارج لا تدل علي الوجوب و اللزوم فالادلة الدالة علي كون المعاطاة تفيد الملكية اللازمة محكمة.

اضف الي ذلك ان المستفاد من كلامه ان السيرة جارية علي عدم الاكتفاء بالمعاطاة في بيع الامور الخطيرة اي لا يرون تحقق النقل و الانتقال بها فيها فكان المعاطاة الواقعة في الامور الخطيرة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 61

باطلة و الحال ان الكلام في لزوم المعاطاة لا في صحتها.

«قوله قدس سره: بل ينكرون علي الممتنع … »

ليس الامر كذلك بل الانكار علي الرد و الفسخ و بعبارة اخري:

يرون الفسخ من طرف واحد و الاستبداد به أمرا مستنكرا و لا يقبلون و هذا العرف و سوقهم فلاحظ.

[بقي الكلام في الخبر الّذي يتمسك به في باب المعاطاة]
اشارة

«قوله قدس سره: بقي الكلام في الخبر الّذي يتمسك به في باب المعاطاة»

و هو ما رواه ابن الحجاج «1».

«قوله قدس سره: الاول أن يراد من الكلام في المقامين اللفظ»

اساس الاستدلال بالحديث علي المدعي هذا الوجه بأن يكون المراد من الحديث

ان المحلل و المحرم منحصران في اللفظ فلا يحل شي ء و لا يحرم الا باللفظ فلا اثر للفعل في التحليل و التحريم و منه المعاطاة فلا يترتب عليها أثر من حيث الحلية و الحرمة.

و يرد علي الاستدلال بالرواية علي المدعي أولا ان الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به فان خالد بن الحجاج لم يوثق.

ان قلت: ان عمل المشهور به يجبر ضعفه قلت: يرد عليه أولا:

ان عمل المشهور به اوّل الكلام و الاشكال.

و ثانيا: انه قد ذكرنا مرارا ان عمل المشهور بالحديث الضعيف لا يكون جابرا لضعفه فالحديث من حيث السند لا يكون قابلا للاستدلال به.

و ثانيا: انه لا يرتبط الحديث بالمدعي فان المستفاد من الحديث

______________________________

(1) لاحظ ص: 59.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 62

ان ايجاب البيع يحرم و المقاولة عليه يحلل فيكون الحديث من حيث المفاد اجنبيا عن المدعي.

و ثالثا: انه كيف يمكن الالتزام بحصر المحلل و المحرم في الكلام و الحال ان تحقق التحليل و التحريم بغير اللفظ كثير جدا.

و أليك جملة منها فمنها اذا تنجس المأكولات و المشروبات محرم و تطهيرها محلل و صيرورة العصير خمرا محرم و تخليلها محلل و غليان العصير العنبي محرم و ذهاب ثلثيه محلل و جلل الحيوان محرم و استبرائه محلل و خلط المال الحلال بالحرام محرم و تخميسه محلل و وطئ الحيوان محرم و وطئ المرأة محرم لتزويج بنتها و الايقاب بالغلام محرم لتزويج أمه و بنته و اخته و التصرف في الاراضي المتسعة و الانهار الكبار جائز مع عدم محلل لفظي و كذلك الاكل من الشجرة الممرور بها.

و أيضا يجوز التصرف في أموال الناس مع احراز رضاهم و لو من القرائن و أيضا يجوز

الاكل من بيوت الاصدقاء و جملة من الارحام الي غيرها من الموارد و أيضا نقل الاتفاق من العامة و الخاصة علي جواز التصرف في المأخوذ بالمعاطاة فانه لا يتوقف التحليل في هذه الموارد علي محلل لفظي فالتحليل غير اللفظي أمر كثير.

«قوله قدس سره: الثاني أن يراد بالكلام اللفظ مع مضمونه»

فيكون المراد ان المضمون الواحد اذا ابرز بلفظ كذائي يكون محللا و الا يكون محرما فان المتعة لو ابرزت بلفظ متعتك نفسي يحصل الحلية و الا فلا و هذا الاحتمال لا يناسب مع مورد السؤال كما هو ظاهر لمن يتأمل في الحديث.

«قوله قدس سره: منها ما في التهذيب»

لاحظ ما رواه سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 63

عن الرجل يزارع فيزرع أرض آخر فيشترط للبذر ثلثا و للبقر ثلثا قال لا ينبغي أن يسمّي بذرا و لا بقرا فانّما يحرم الكلام «1».

«قوله قدس سره: الثالث أن يراد بالكلام في الفقرتين الكلام الواحد»

و هذا الاحتمال يناسب مورد السؤال في الرواية كما في كلام الشيخ قدس سره فيكون المراد ان وجود إنشاء البيع محرم و عدمه محلل.

و أورد عليه سيدنا الاستاد أولا بأن الظاهر من هذه الجملة ان المحلل و المحرم منحصر ان في الكلام اي منحصران في الكلام الموجود و بعبارة واضحة: ان وجود الكلام محلل كما ان وجود الكلام محرم لا أنّ وجود الكلام محلل أو محرم و عدمه محلل أو محرم و ثانيا ان الالتزام به يستلزم التفكيك بين الجملتين و بين الفقرتين و هو موجب لصيرورة الكلام مستهجنا هذا كلامه.

اضف الي ذلك ان بقاء كل عين في ملك مالكه ببقاء علته لا بعدم علة

ضده كما ان الايجاب المتعلق بما ليس عنده لا يكون محرما بل المحرم عدم تحقق الايجاب الصحيح لا تحقق الايجاب الفاسد.

الا أن يقال: انه لا بد منه و بعبارة اخري: قوله عليه السلام انما يحرم الكلام الخ لا ينطبق علي مورد السؤال الا بهذا النحو بأن نقول المقاولة محللة أي لا توجب الحرمة و ايجاب البيع محرم اذ يوجب التصرف في مال الغير بلا سبب شرعي فلاحظ.

«قوله قدس سره: و يحتمل هذا الوجه الروايات الواردة في المزارعة»

بأن نقول المراد من تلك الروايات ان الاتيان باللفظ علي النحو

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من ابواب المزارعة الحديث 6.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 2، ص: 64

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 64

الخاص المفسد للقصد محرم و عدم الاتيان به محلل.

«قوله قدس سره: الرابع: أن يراد من الكلام المحلل خصوص المقاولة»

و هذا الاحتمال ظاهر من الرواية و منطبق علي مورد السؤال فيها فلا يرتبط الحديث بمسألة المعاطاة.

«قوله قدس سره: نعم يمكن استظهار اعتبار الكلام في ايجاب البيع بوجه آخر»

و حاصل كلام الماتن انه يستفاد الحصر بوجه آخر و هو ان المستفاد من الرواية ان المحلل و المحرم منحصران في الكلام و مع صحة المعاطاة لا يصح الحصر هذا حاصله كلامه.

و يرد عليه أولا ان ما افاده عين الوجه الأول من الوجوه الاربعة التي ذكرها و ليس شيئا جديدا و ثانيا ان الحصر اضافي أي الرواية ناظرة الي مورد السؤال و قد فرض في مورد السؤال وجود الكلام فلا تدل الرواية علي الانحصار علي نحو الاطلاق و

لعله اشار الي ما ذكرناه بقوله «فتأمل» و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: اذ المفروض ان المبيع عند مالكه الاول»

و أورد عليه سيدنا الاستاد أولا بأن المتاع عند الدلال بقرينة قول المشتري اشتر هذا و اشار الي الثوب فالثوب حاضر.

و يرد عليه انه يمكن أن يشير المشتري الي الثوب الموجود عند مالكه في دكانه فلا يتوجه ايراده علي الشيخ.

و أورد عليه ثانيا بأنه يكفي لتحقق المعاطاة وجود الثمن وحده و لا تتوقف المعاطاة علي وجود المبيع و بعبارة اخري: تتحقق المعاطاة باعطاء الثمن من قبل المشتري و اخذه من قبل البائع.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 65

و يرد عليه ان ايجاب البيع قائم بالبايع فما دام لم يتحقق الايجاب لا مجال لتحقق القبول و عليه لا اثر لاعطاء الثمن قبل اعطاء المبيع لان اعطاء الثمن لا يمكن أن يكون ايجابا كما هو ظاهر فلا بد من كونه قبولا و من الظاهر ان القبول متفرع علي الايجاب فلا يتم الامر باعطاء الثمن فلاحظ.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم انه لتوضيح المدعي و ترتيب البحث نقول

ما يمكن ان يذكر لاشتراط اللفظ في العقود و عدم صحة المعاطاة وجوه.
الوجه الأول: الشهرة الفتوائية

و قد ثبت في بحث الشهرة عدم اعتبارها فلا يترتب اثر عليها.

الوجه الثاني: الاجماع المنقول

و فيه انه قد ثبت في محله عدم اعتبار الاجماع المحصل فكيف بالمنقول منه.

الوجه الثالث: حديث خالد بن الحجاج

«1» و قد مرّ الكلام حوله و قلنا انه غير معتبر سندا مضافا الي عدم تماميته دلالة فراجع ما ذكرناه حول الحديث.

الوجه الرابع: النصوص الواردة في النهي عن بيع المصحف

«2» و قد ذكرنا عدم ارتباط تلك النصوص بالمقام فراجع ما ذكرناه.

الوجه الخامس: ما ورد في بيع اطنان من القصب

لاحظ ما رواه بريد بن معاوية «3» و قد ذكرنا عدم ارتباط بين الحديث و بين المقام فراجع ما ذكرناه.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 59.

(2) قد تقدم في ص 59.

(3) قد تقدم في ص 59.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 66

الوجه السادس: جملة من النصوص الواردة في المزارعة

و قد استدل الامام عليه السلام بجملة انما يحرم الكلام و انما يحلل الكلام منهما ما رواه الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يزرع الارض فيشترط للبذر ثلثا و للبقر ثلثا قال لا ينبغي أن يسمّي شيئا فانما يحرم الكلام «1».

و منها ما رواه سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يزارع فيزرع ارض آخر فيشترط للبذر ثلثا و للبقر ثلثا قال لا ينبغي أن يسمّي بذرا و لا بقرا فانما يحرم الكلام «2».

و منها ما رواه أبو الربيع الشامي عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن الرجل يزرع ارض رجل آخر فيشترط عليه ثلثا للبذر و ثلثا للبقر فقال: لا ينبغي أن يسمّي بذرا و لا بقرا و لكن يقول لصاحب الارض أزرع في أرضك و لك منها كذا و كذا نصف أو ثلث أو ما كان من شرط و لا يسمّي بذرا و لا بقرا فانما يحرم الكلام «3».

و هذه الطائفة من النصوص لا ترتبط بالمقام كما تقدم.

الوجه السابع: ما يدل من النصوص الدالة علي النهي عن بيع الملامسة و المنابذة و الحصاة

«4» بتقريب ان النهي عن المذكورات بلحاظ عدم اللفظ و فيه أولا ان السند مخدوش و ثانيا انه يمكن أن يكون الوجه فيه الجهالة مضافا الي أنه يكفي عدم العلم بوجه الفساد فالنتيجة عدم تمامية دليل علي المطلوب و مقتضي الادلة العامة كون المعاطاة كالبيع اللفظي في كونها مفيدة للملكية اللازمة فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب المزارعة الحديث 4.

(2) عين المصدر الحديث 6.

(3) عين المصدر الحديث 10.

(4) مصباح الفقاهة ج 2 ص 154.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 67

«قوله قدس سره: كما يشعر به قوله عليه السلام … »

لاحظ ما رواه

يحيي بن الحجاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قال لي: اشتر هذا الثوب و هذه الدابة و بعينها أربحك فيها كذا و كذا قال: لا بأس بذلك اشترها و لا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها «1».

لا اشعار في الرواية علي المدعي اذ غاية ما يستفاد منها ان مورد السؤال ايجاب البيع باللفظ و لا اشعار فيه علي لزوم اللفظ في إنشاء البيع مضافا الي عدم دلالة في الرواية علي وقوع البيع باللفظ و الظهور المدعي في كلام الماتن عهدة اثباته عليه.

«قوله قدس سره: و يشعر به أيضا رواية العلاء»

قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يبيع البيع فيقول:

ابيعك بده دوازده أو ده يازده فقال: لا بأس انما هذه المراوضة فاذا جمع البيع جعله جملة واحدة «2».

قد ظهر ما في كلامه مما ذكرناه آنفا فان مورد الحديث فرض فيه الانشاء باللفظ و هذا لا يدل علي عدم كفاية المعاطاة كما هو ظاهر.

«قوله قدس سره: و في صحيحة ابن سنان … »

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس تبيع الرجل المتاع ليس عندك تساومه ثم تشتري له نحو الذي طلب ثم توجبه علي نفسك ثم تبيعه منه بعد «3» و الكلام فيه هو الكلام فلاحظ.

[و ينبغي التنبيه علي أمور]
[الأول الظاهر أن المعاطاة قبل اللزوم]

«قوله قدس سره: الاول الظاهر ان المعاطاة قبل اللزوم … »

ملخص ما افاده انه ان قلنا: ان المعاطاة تفيد الملكية الجائزة

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من ابواب أحكام العقود الحديث 13.

(2) الوسائل الباب 14 من ابواب أحكام العقود الحديث 5.

(3) عين المصدر الباب 8 من هذه الابواب الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 68

تشترط فيها شرائط البيع و الوجه فيه انها

من مصاديق البيع فلا بد من رعاية شرائط البيع فيها و أما ان قلنا بكونها مفيدة للاباحة لا الملك فتارة نقول: المعاطاة المقصود بها الملك تفيد الاباحة و اخري نقول: المعاطاة المقصود بها الاباحة تفيدها أما علي الاول فلا بد من رعاية جميع شرائط البيع فيها اذ المعاطاة علي هذا القول بيع عرفي و الشارع الاقدس لم يرتب الملكية عليها فلا بد من اجتماع الشرائط فيها كي تحصل الاباحة بدل الملكية.

و بعبارة واضحة: الدليل قائم علي ترتب الاباحة علي المعاطاة التي تكون بيعا ففي الحقيقة هي مصداق للبيع غاية الامر يختلف الاثر عن المؤثر في حكم الشارع و أما علي الثاني فلا ترتبط بالبيع بل تكون داخلة في الاباحة بالعوض.

و أفاد الشيخ قدس سره: لا بد في نفي القيود المحتملة و الشرائط الممكنة من التمسك بقاعدة السلطنة المستفادة من الرواية.

و يرد عليه أولا ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا: انه قد ذكرنا سابقا ان المستفاد من الحديث ان المالك لا يكون محجورا عن التصرف فالمستفاد منه ان التصرفات الجائزة في الرتبة السابقة جائزة للمالك.

و بعبارة اخري: الناس مسلطون علي أموالهم بالتصرفات الجائزة لا أن الناس مسلطون علي أحكامهم.

و أفاد الشيخ قدس سره انه لو تمسك بالسيرة فلا بد من رعاية الشرائط المحتملة حيث ان السيرة دليل لبي و لا بد فيها من الاقتصار علي القدر المتيقن.

اقول: لا اشكال في أن الاباحة المالكية تقتضي جواز التصرف و عدم المنع من ناحية حرمة التصرف في مال الغير و أما لو شك في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 69

جواز تصرف خارجي او اعتباري من غير ناحية كون المال ملكا للغير فلا بد من ملاحظة دليل ذلك

التصرف مثلا لو شك في جواز اكل التفاح قبل طلوع الشمس لا بد من ملاحظة دليل جواز اكله من حيث ان اطلاقه يشمل اكله قبل طلوع الشمس أم لا و هكذا و هكذا.

و علي الجملة: المعاطاة التي يقصد بها الملكية من مصاديق البيع فيشترط فيها ما يشترط في البيع بلا فرق بين الالتزام بكونها مفيدة للاباحة أو الملكية أما علي فرض افادتها الملكية فظاهر و أما علي تقدير الالتزام بكونها مفيدة للاباحة فلان هذه الاباحة لا تكون مالكية بل إباحة شرعية و المفروض ترتبها علي المعاطاة التي من مصاديق البيع و من ناحية اخري قد دلت الادلة علي اشتراط البيع بشروط و قيود فلا بد من رعايتها.

و ان شئت قلت: ان موضوع الاباحة الشرعية المعاطاة الخاصة لا مطلق المعاطاة باي وجه كانت و الا يلزم ترتب الاباحة علي المعاطاة التي يكون احد المتعاطيين صغيرا أو مجنونا فان حكم الامثال واحد و هل يمكن الالتزام به؟

و في مقابل هذا القول قول بعدم الاشتراط بشروط البيع علي الاطلاق أي اعم من القول بافادتها الاباحة و من القول بافادتها الملك اما علي القول بالإباحة فواضح حيث انها خارجة عن دائرة البيع فلا يشترط فيها ما يشترط في البيع و أما علي القول بافادتها الملك فلان المطلق ينصرف الي الفرد المحكوم باللزوم.

و الوجهان المذكور ان كلاهما باطلان أما الوجه الأول فلان البيع مفهوم عرفي و لا تكون له حقيقة شرعية و المفروض ان الشارع الاقدس اعتبر فيه شروطا لا بد من رعايتها و قد علم من الخارج ان المعاطاة التي من مصاديق البيع قد رتبت عليها الاباحة فما دام لا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 70

تتوفر فيه

الشرائط المقررة لا يترتب عليه الاثر و لا تفيد الاباحة اذ المفروض ان الاباحة لا تكون مالكية بل إباحة شرعية فلا بد من ملاحظة القيود المستفادة من دليلها.

و بعبارة واضحة: المستفاد من الدليل ترتب الاباحة علي البيع المعاطاتي فلا تترتب علي المعاطاة التي لا تكون واجدة للشرائط و أما الوجه الثاني فهو أوهن من الاول فان البيع مشروط في وعاء الشرع بشرائط و لا فرق فيه بين كونه لازما أو جائزا.

و ببيان واضح: قد سبق ان الخيار و اللزوم حكمان شرعيان مترتبان علي البيع لا أن الملكية قسمان بل الملكية أمر واحد و هذا الامر الواحد قد يكون لازما و اخري يكون جائزا فلاحظ.

و مما ذكرنا علم فساد التفصيل الّذي يستفاد من كلام الشيخ بأن نقول: ان قلنا بأنها تفيد الاباحة لا تشترط فيها الشرائط المقررة و ان قلنا بانها تفيد الملك تشترط بتقريب: انها علي الاول لا تكون بيعا و علي الثاني تكون من مصاديق البيع فعلي الاول لا تشترط فيها و علي الثاني تشترط.

و صفوة القول: انه لا بد من اجتماع الشرائط المقررة في البيع بلا فرق بين كون الدليل اللفظ و كونه الاجماع اذ بدون رعاية الشروط المقررة لا يتحقق عنوان البيع الصحيح و مع عدم تحقق العنوان المذكور لا طريق الي احراز ان الشارع الاقدس رتب الملكية أو الاباحة عليها فلا تغفل.

«قوله قدس سره: حيث ان الشروط المذكورة شرائط للبيع العقدي اللازم»

لم يظهر لي وجه ما أفاده فان مقتضي اطلاق ادلة الشروط

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 71

المعتبرة اعتبارها في مطلق البيع بلا فرق بين البيع العقدي اللفظي و البيع المعاطاتي و لا وجه للاختصاص و الذي يهون الخطب

ان الماتن بنفسه يصرح بخلاف ما أفاده فلاحظ.

«قوله قدس سره: فتأمل»

يمكن ان الوجه في الامر بالتأمل ان كونها معاوضة عرفا لا تقتضي جريان الربا فيها فان الربا يختص بالمعاوضة التمليكية و الكلام في المعاطاة التي قصد بها الاباحة فلا وجه لجريان الربا فيها.

و الحق أن يقال ان الاحكام الشرعية امور تعبدية و لا بد فيها من الاقتصار علي مقدار قيام الدليل و حيث ان الدليل الدال علي حرمة الربا يختص بالبيع فلا وجه للالتزام بسريانه في غيره.

«قوله قدس سره: لانها إباحة عندهم فلا معني للخيار»

الامر كما افاده اذ الخيار عبارة عن ملك فسخ العقد و المفروض ان العقد المعاطاتي لا يؤثر الاثر المقصود و بعبارة اخري: لا موضوع للخيار علي القول بالإباحة فان العين باقية في ملك مالكها و له التصرف فيها.

«قوله قدس سره: بناء علي صيرورتها بيعا بعد اللزوم»

علي هذا القول تكون المعاطاة بيعا من أول الامر و بعبارة اخري:

تكون المعاطاة من اوّل تحققها بيعا لا انها تصير بيعا بعد اللزوم.

و ان شئت قلت: الشي ء لا ينقلب من قبل نفسه فاذا لم تكن بيعا حدوثا لا يكون بيعا بقاء لكن الحق كما ذكرنا كونها بيعا من اوّل الامر و عليه يترتب عليها الخيار بمقتضي ادلته.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 72

«قوله قدس سره: لاختصاص ادلتها بما وضع علي اللزوم»

لا مقتضي لهذا التفصيل فان لزوم كل عقد بحسب طبعه الاولي اي مع قطع النظر عن دليل الخيار فلو كان دليل الخيار مختصا بالعقد الذي يكون لازما من قبل بقية الجهات لزم تعدد الخيار في عقد واحد و هو كما تري فموضوع الخيار العقد الذي يكون لازما في حد نفسه فلا ينافي كونه جائزا

من قبل خيار آخر فلاحظ.

[الأمر الثاني أن المتيقن من مورد المعاطاة هو حصول التعاطي فعلا من الطرفين]

«قوله قدس سره: الأمر الثاني ان المتيقن من مورد المعاطاة هو حصول التعاطي فعلا من الطرفين»

لا اشكال في أن الميزان صدق عنوان البيع و لا خصوصية لصدق المعاطاة بما لها المفهوم كما انه لا اشكال في صدق عنوان البيع بالاقباض و الاعطاء من قبل البائع و القبض و الاخذ من قبل المشتري فيترتب عليه ما يترتب علي البيع العقدي اللفظي.

هذا علي تقدير أن يقصد بالمعاطاة البيع و التمليك و أما اذا قصد بها الاباحة فالكلام فيها هو الكلام و التقريب هو التقريب و أما اذا قصد بها التمليك لكن يترتب عليها الاباحة بحكم الشارع فلا بد من الاقتصار علي مقدار قيام الدليل اذ المفروض ان ترتب الاباحة مع قصد التمليك علي خلاف القاعدة و علي خلاف كون العقد تابعا للقصد و من ناحية اخري التصرف في مال الغير حرام فلا بد من الاقتصار علي مقدار دلالة الدليل الشرعي علي الجواز.

«قوله قدس سره: فلو كان المعطي هو الثمن كان دفعه علي القول بالملك و البيع اشتراء»

قد مرّ منا سابقا ان الاشتراء عبارة عن قبول ايجاب البيع و القبول لا يمكن تقدمه علي الايجاب الا علي نحو التعليق و الاشتراط.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 73

و بعبارة واضحة: قوام القبول بوقوعه بعد الايجاب و الا لا يكون قبولا لما أوجبه الموجب بل امر مستقل فيلزم الخلف.

«قوله قدس سره: و أما علي القول بالإباحة فيشكل»

قد اشرنا آنفا الي ما أفاده و قلنا علي القول بالإباحة لا بد من التماس دليل و أما التمسك بالسيرة كما في كلامه فغريب اذ المفروض ان المعاطاة من مصاديق البيع فهي مفيدة للملكية و السيرة شاهدة

للمدعي فلا مجال للتمسك بالسيرة علي الاباحة.

«قوله قدس سره: كما تعارف اخذ الماء مع غيبة السقاء و وضع الفلس».

ليس هذا شاهدا علي المدعي فانه لا اشكال في جواز التصرف في مال الغير برضاه و وضع الفلس في المكان المعدّ له وفاء لما في الذمة فان السقاء انما يرضي بالشرب مع العوض لا مجانا فاذا شرب الظامي تشتغل ذمته بالعوض فوضعه الفلس في ذلك المكان اداء لما في ذمته و لا يمكن جعل الشرب و وضع الفلس بيعا معاطاتيا اذ قبل الشرب لم تتحقق المعاطاة و بعد الشرب لا موضوع للبيع فانه يتلف بالشرب فلا موضوع لان يباع فهذا لا يكون شاهدا علي ما ادعاه من تحقق المعاطاة بمجرد ايصال الثمن و اخذ المثمن.

«قوله قدس سره: و كذا غير الماء من المحقرات»

لا يبعد أن يكون ما ذكر داخلا في التوكيل العام بأن نقول المالك يوكل من يريد الاشتراء أن يبيع من قبل المالك وكالة فيكون الاخذ وكيلا من قبل المالك فيبيع وكالة من قبله و يشتري اصالة فان بيعه بالوكالة و اشترائه بالاصالة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 74

و ربما يقال: ان هذه الوكالة لا تكون شخصية فتكون باطلة فانه يقال الوكالة الشخصية انما تعتبر في الوكالة الشخصية و أما الوكالة النوعية فلا تكون وكالة شخصية فلا تكون باطلة.

ان قلت: الوكالة من العقود و العقد يحتاج الي الايجاب و القبول و المفروض عدم تحققهما في المقام قلت: الوكالة من العقود الاذنية فيكفي الاذن من المالك و ان لم تتحقق الوكالة و بعبارة واضحة: المالك اذا اذن في التصرف في ماله يجوز التصرف فيه بلا فرق بين التصرف و التصرف الاعتباري.

«قوله قدس سره: و من

هذا القبيل دخول الحمام و وضع الاجرة في كوز»

الذي يختلج بالبال أن يقال ان صاحب الحمام يرضي بالاغتسال لمن يدفع كذا مقدار فان دفع الداخل في الحمام ذلك المقدار يكون مصداقا لمورد رضي المالك و ان لم يدفع يكون تصرفه عدوانيا و تشتغل ذمته باجرة المثل و أما وضع الفلس في الكوز فهو مصداق للاقباض و القبض فان كوزه كيده فكأن صاحب الحمام خرج عن الحمام و لكن يده مبسوطة لاخذ الاجرة فلا اشكال.

«قوله قدس سره: ثم انه لو قلنا بأن اللفظ الغير المعتبر».

مراده قدس سره من العبارة المذكورة غير واضح فان المراد ان كان مجرد المقاولة و التباني فلا يصدق عليه العقد البيعي فلا يترتب عليه اثر و ان كان المراد ان البيع ينشأ باللفظ الفاقد للشرائط المقررة شرعا فلا أثر له فان القضية بشرط المحمول ضرورية.

لكن الذي يهون الخطب ان الحكم مترتب علي عنوان البيع و التجارة فلو صدق العنوان يتحقق النقل و الانتقال و لذا نقول:

يتحقق البيع بالمعاطاة فالميزان الوحيد صدق عنوان البيع و التجارة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 75

بأي وجه لا أزيد من هذا المقدار.

[الأمر الثالث: تمييز البائع عن المشتري في المعاطاة الفعلية]

«قوله قدس سره الأمر الثالث: تمييز البائع عن المشتري في المعاطاة الفعلية.»

الذي يختلج بالبال أن يقال ان البيع عبارة عن الايجاب و القبول و من ناحية اخري كما ذكرنا سابقا ان القبول من ناحية المشتري فما دام لا يتحقق الايجاب من قبل البائع لا مجال لان يتحقق القبول من ناحية المشتري فعليه يكون المقام في الانشاء بايعا.

و ببيان واضح: البيع عبارة عن تمليك عين بعوض و الاشتراء عبارة عن قبول تمليك البائع فلا يعقل تقديم الاشتراء علي البيع اذ يلزم الخلف فتميز البائع

عن المشتري امر واضح ظاهر و اذا فرض ان كل واحد من المتعاملين ملك ماله بالعوض يكون كل منهما بايعا و لا يرتبط فعل احدهما بالآخر بل يكون كل من الانشائين إنشاء مستقلا و لا يترتب علي انشائهما اثر اذ المفروض ان البيع مركب من الايجاب و القبول لا من الايجابين.

و صفوة القول: ان البيع عبارة عن تمليك العين بالعوض و الاشتراء عبارة عن قبول التمليك المذكور و لا فرق بين أن يكون كل من العوضين عروضا أو نقدا فكل عين ملكت بالعوض يكون بيعا فلو ملك دينار بمن من الحنطة يكون المملك للدينار بايعا و يكون الدينار مبيعا كما ان القابل و المتملك للدينار مشتريا و الحنطة تكون ثمنا فلا تغفل.

«قوله قدس سره: ففي كونه بيعا و شراء بالنسبة الي كل منهما»

علي ما ذكرنا لا مجال لهذا التقريب لانا ذكرنا ان البيع عبارة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 76

عن تمليك عين بعوض و الاشتراء عبارة عن قبول التمليك المذكور فلا يعقل اجتماع العنوانين المذكورين في عقد واحد بل لا بد من اختصاص كل واحد من المتعاملين بعنوان من العنوانين و قلنا يلزم أن يكون عنوان البيع متقدما علي عنوان الاشتراء.

«قوله قدس سره: أو كونها معاطاة مصالحة»

الصلح عبارة عن التسالم لا تمليك عين بعوض فلا مجال للترديد و بعبارة اخري: اذا ملك المالك مملوكه بالعوض يكون بيعا و اذا تسالم مع الطرف المقابل علي أمر يكون صلحا فكل يغاير الاخر فكيف يتردد الامر بين العنوانين.

«قوله قدس سره: و لذا حملوا الرواية»

لاحظ ما رواه ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام انه قال في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه و لا

يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك ولي ما عندي فقال لا بأس بذلك اذا تراضيا و طابت أنفسهما «1».

«قوله قدس سره: لا يخلو ثانيهما عن قوة».

هذا هو المتعين فان من يملك العين بالعوض يكون بايعا و الطرف المقابل اذا قبل التمليك المذكور يكون مشتريا و أما اذا ملك أيضا العين بالعوض يكون كل منهما بايعا و لا يرتبط احدهما بالآخر بل كل واحد منهما ايجاب مستقل و لا يترتب عليه اثر شرعا.

[الرابع أن أصل المعاطاة و هو إعطاء كل منهما الآخر ماله يتصور بوجوه]

«قوله قدس سره: احدها أن يقصد كل منهما تمليك ماله بمال الاخر فيكون الاخر في أخذه قابلا و متملكا»

الظاهر ان ما افاده في المقام ينافي ما افاده في الأمر الثاني

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب الصلح الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 77

حيث قال «المتقين من المعاطاة حصول التعاطي فعلا من الطرفين»

فان المعاطاة اذا فرض تحققها بالاعطاء من جانب و الاخذ و القبول من جانب آخر و يكون دفع العوض وفاء بالعقد كما هو كذلك فلا مجال لان يقال: المتيقن من مورد المعاطاة أن يتحقق العطاء من الطرفين.

و علي الجملة: ان العقد المعاطاتي عبارة عن تحقق العقد بالفعل الخارجي في مقابل القول اللهم الا أن يكون غرض الماتن مما أفاده في الأمر الثاني ان تحقق المعاطاة بما لها المفهوم متوقف علي العطاء من الطرفين فان مفهوم باب المفاعلة متقوم به و كيف كان الامر كما أفاده فان المراد من المعاطاة تحقق المعاملة بالفعل دون القول و ليس المراد تحقق هذا المفهوم كي يحتاج الي تحقق العطاء من الطرفين.

«قوله قدس سره: و مثله في هذا الاطلاق لفظ المصالحة»

الظاهر ان مقصود الماتن

ان المصالحة و ما ذكره بعدها لا يتوقف تحققها بما لها المفهوم بل باعتبار تحقق الصلح من طرف و قبوله من الطرف الاخر.

«قوله قدس سره: و بهذا الاطلاق يستعمل المعاطاة»

أي باعتبار تحقق العقد بالفعل الخارجي يستعمل لفظ المعاطاة في الموارد المذكورة مع ان المعاطاة بما لها المفهوم القائم بالطرفين لا تتحقق في الموارد المذكورة.

«قوله قدس سره: و في صحته تأمل»

حيث ان مفهوم المفاعلة بمفهومها متقوم بالطرفين.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 78

«قوله قدس سره: و هذا بعيد عن معني البيع»

بل اجنبي عن البيع بالكلية فان البيع عبارة عن تمليك عين بعوض و المفروض في المقام انه جعل التمليك في مقابل التمليك و لا بد من تحقيق الحال فنقول: تارة يملك التمليك بإزاء التمليك بأن يملكه تمليكه في مقام تمليك الاخر تمليكه و علي هذا الفرض لا يتحقق بالانشاء الاول تمليك العين بل يملك كل واحد من المتعاملين تمليكه في مقابل تمليك الاخر تمليكه.

و لا دليل علي صحة هذا النحو من التمليك الا علي القول بأن التجارة عن تراض مفهوم يشمل كل معاملة و عقد و هذه الدعوي بلا دليل.

و اخري يملك العين و يشترط تمليك الاخر أيضا عينه و هذا يكون هبة معوضة و تتحقق الملكية بالتمليك الاول غاية الامر لو لم يملك الثاني و لم يف بالشرط يحصل للواهب الاول خيار الفسخ.

و ثالثة يملك العين بداعي ان الطرف المقابل يملك أيضا و في هذا الفرض لو لم يملك الطرف لا يحصل خيار تخلف الشرط بل يترتب علي العقد المذكور أحكام الهبة غير المشروطة فان تخلف الداعي لا يقتضي الخيار.

«قوله قدس سره: اذ لو لم يملكه الثاني هنا لم يتحقق التمليك من الاول»

قد

ظهر مما ذكرنا عدم تمامية ما افاده قدس سره فان التمليك اذا تعلق بالتمليك فكل من الطرفين يملك تمليك الاخر و ان تعلق التمليك بالعين فان كان تمليكا بعوض يكون بيعا و ان كان مشروطا يكون هبة مشروطة و ان لم يكن مشروطا يكون هبة غير مشروطة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 79

فعلي جميع التقادير ما افاده غير تام.

«قوله قدس سره: ثالثها أن يقصد الاول إباحة ماله بعوض»

اقول: تارة يملك اباحته في مقابل تمليك الاخر اي تجعل المبادلة بين الاباحة و التمليك و يقع الكلام في صحة هذه المعاوضة و المبادلة و قد مرّ الكلام حوله آنفا و اخري يبيع لمن يملك و في هذا الفرض تتحقق الاباحة لكن لمن يكون مملكا و في الفرض المزبور لا معاوضة و لا اشكال في جواز مثلها فان هذه الاباحة كإباحة المالك ملكه لمن يكون زائرا للحسين عليه السلام مثلا و بعبارة اخري: لا كلام و لا اشكال في جواز إباحة المالك ماله لشخص خاص أو في زمان مخصوص.

«قوله قدس سره: رابعها أن يقصد كل منهما الاباحة بإزاء إباحة».

الكلام في هذا القسم هو الكلام فانه تارة تجعل المبادلة بين الاباحتين و اخري يبيح ماله لمن يبيح ماله و قد مرّ الكلام حول الفرع السابق و ما ذكرناه يجري في هذا الفرع أيضا فلا نعيد.

«قوله قدس سره: و منشأ الاشكال أوّلا الاشكال في صحة إباحة جميع التصرفات»

الوكالة من العقود الاذنية فكل ما يترتب علي الوكالة يترتب علي الاذن مثلا يجوز بيع مال الغير بالوكالة فيجوز بالاذن فيه و قس عليه العتق و هكذا و هكذا هذا في التصرفات الاعتبارية و أما التصرف التكويني الخارجي فالظاهر جوازها بالإباحة

مثلا وطئ امة الغير يجوز بالتحليل فاذا أباح وطء الامة يكون مرجعها الي تحليلها فعليه يمكن أن يقال: انه يجوز للمالك إباحة جميع التصرفات اعتبارية كانت أو تكوينية.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 80

الا أن يقال: ان تحليل الامة يشترط بصيغة خاصة فلا يتحقق بالإباحة و صفوة القول: ان دليل سلطنة الناس علي أموالهم لا يمكن جعله مستندا في الموارد المشار إليها اذ قد قلنا سابقا ان دليل السلطنة مخدوش سندا.

مضافا الي أنه لا يكون مشرعا فلا مجال لاستفادة جواز التصرف في المال كيف ما كان و إلا جاز اكل لحم ما يكون حراما بإباحة المالك الي غيره من المحرمات الشرعية و هو خلاف الضرورة.

و لكن الذي يهون الامر ما قلناه و هو ان كل تصرف اعتباري من التصرفات التي تكون جائزة للمالك يجوز التوكيل فيها للغير و كل أمر يجوز فيه الوكالة يجوز بالاذن فان المطلوب حصول الاذن المالكي و الاذن المالكي تارة يحصل بالوكالة و اخري يحصل بلا تحقق الوكالة بأن يأذن المالك لغيره في التصرف الفلاني كما لو اذن للغير في بيع داره أو اجارتها أو طلاق زوجتها و هكذا فلاحظ نعم اذا كان التصرف الاعتباري أو الخارجي لم يكن جائزا للمالك لا يجوز بالاذن للغير بلا كلام.

«قوله قدس سره: فاذا كان بيع الانسان مال غيره لنفسه بأن يملك الثمن مع خروج المبيع عن ملك غيره غير معقول»

لم يظهر لي وجه عدم معقوليته بل لا مجال في مثل المقام الاستدلال بحكم العقل فان مثله لا يرتبط العقل بل يرتبط بالعرف و الشرع و الظاهر انه امر واقع في العرف مثلا اذا سئل السائل بالكف أن يشتري له رغيفا فاشتري المسئول

من الخباز رغيفا للسائل يخرج الثمن من كيس المسئول و يدخل الرغيف في ملك السائل هذا بحسب العرف و أما شرعا فالظاهر انه لا دليل علي المنع عنه فالنتيجة انه جائز عرفا و شرعا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 81

«قوله قدس سره: و يكون بيع المخاطب بمنزلة قبوله»

كيف يمكن ما أفاده و الحال ان البيع علي حسب تقريره يتوقف علي صيرورة العين ملكا له و بعبارة اخري: ما دام لم تدخل العين في ملكه لا يجوز له البيع و المفروض ان الملكية تتحقق بالبيع و ان شئت قلت: لازم هذا الكلام ان العين الواحدة في زمان واحد تدخل في ملك البائع و أيضا تخرج عن ملكه و هذا أمر غير معقول.

«قوله قدس سره: و يقدر وقوعه قبل العتق»

لا اشكال في أن الالتزام بمثله متوقف علي قيام دليل عليه و ببيان واضح هذا و أمثاله لا يمكن الالتزام بها علي طبق القواعد الاولية كما هو ظاهر.

«قوله قدس سره: مع ان الاباحة المتحققة من الواهب يعم جميع التصرفات»

الواهب لا يقصد الاباحة بل يقصد التمليك فاذا لم يتحقق التمليك يكون العقد فاسدا بلا اثر نعم اذا قام الدليل علي أن الهبة الكذائية تترتب عليها الاباحة نلتزم بها و الميزان في سعة دائرة الاباحة و ضيقها مقدار دلالة ذلك الدليل الدال علي تحقق الاباحة فلاحظ.

«قوله قدس سره: و عرفت أيضا ان الشهيد في الحواشي لم يجوز اخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة»

ان قلنا بتعلق الخمس أو الزكاة بالعين فلا يجوز تبديلها بمال الغير و بعبارة اخري لا يجوز الاخراج من مال الغير لعدم الدليل عليه نعم يجوز الاخراج من مال نفسه اذا كان من التعدد للدليل

الخاص و أما ان كان متعلقا بالذمة فأداء ما في الذمة بمال الغير علي طبق

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 82

القاعدة الاولية هذا بحسب الكبري الملكية.

و أما المأخوذ بالمعاطاة فلا اشكال في أن المالك لم يقصد بعطائه الخارجي الاباحة بل قصد البيع و التمليك و الاباحة علي القول بها إباحة شرعية فلا بد من ملاحظة مقدار الدليل عليها فان كان مقتضي الدليل إباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك نأخذ به فان الميزان في الامور التعبدية المتابعة للشارع الاقدس و لكن هذا مجرّد فرض و خيال اذ قد علم مما تقدم و سبق ان مقتضي الادلة ان المعاطاة كالبيع اللفظي تؤثر في حصول الملكية و انها قسم من أقسام البيع بلا فرق بينها و العقد اللفظي.

«قوله قدس سره: و ثمن الهدي»

قال سيدنا الاستاد في هذا المقام «1» الظاهر عدم اعتبار الملك في ثمن الهدي فان ما يظهر من الاخبار وجوب سوق الهدي في حج القران و وجوب ذبحه هناك في حج التمتع و ليس في شي ء منهما تعرض لملك الثمن أصلا بل لا يبعد استفادة عدمه مما ورد في بذل الحج هذا.

مضافا الي أنه لا يتصور لاخراج ثمن الهدي من مال الغير معني معقول و ذلك لان المهدي اما أن يشتري الهدي بذمته ثم يؤديها مما ابيح له و عليه يكون الثمن مال نفسه و انما أوفاه من مال الغير و أما أن يشتريه بشخص مال الغير و عليه ان قصد الشراء للمالك فالهدي بنفسه يكون للمبيح فهو نظير أن يبيح له سوق الهدي الموروث له من والده مثلا و ان قصد الشراء لنفسه فهو داخل فيما هو معلوم من شراء احد بمال

الغير لنفسه شيئا و لا معني لاخراج ملك الغير في ثمن الهدي.

______________________________

(1) محاضرات في الفقه الجعفري ج 2 ص 93.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 83

«قوله قدس سره: و لا وطي الجارية»

المستفاد من الآية الشريفة توقف الجواز علي الملكية و أما التحليل فان كان المستفاد من الدليل لزوم كونه بلفظ خاص فلا يجوز بمطلق الاباحة و لكن الكلام في المقام في الاباحة الشرعية فالميزان بسعة دائرة دلالة الدليل و ضيقها و حيث ان التوقف شرعي لا عقلي يمكن للشارع أن يجوز الوطي و لو مع عدم الملك بلا كلام و لا اشكال.

«قوله قدس سره: مع ان مقصود المتعاطيين الاباحة المطلقة».

مقصود المتعاطيين التمليك لا الاباحة لا المطلقة و لا المقيدة فلا تغفل.

«قوله قدس سره: الا انه لا يباح بتلك الاباحة المطلقة الا ما هو جائز بذاته في الشريعة».

مضافا الي أنه قد سبق و تقدم ان سند الحديث ضعيف و لا جابر له.

«قوله قدس سره: بمقتضي العقل و النقل»

لم يقم دليل علي بطلانه لا من العقل و لا من النقل أما العقل فلا يرتبط بالمقام و أما النقل فقد دل علي صحة البيع و البيع أمر عرفي لغوي و لم يستفد من العرف لزوم دخول كل من العوضين في محل خروج العوض الاخر عن ذلك المحل بل قوام البيع بالتمليك بالعوض بلا فرق بين دخول المعوض في كيس من خرج عنه العوض و بين دخوله في كيس غير من خرج عنه الثمن كما مثلنا باشتراء احد الخبز من الخباز للفقير فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 84

و لقد اجاد السيد قدس سره في الحاشية حيث قال: «قد عرفت امكان اعتبار البدلية بين المالين

مع قطع النظر عن المالكين و لذا يطلق علي بيع الغاصب لنفسه البيع مع ان المعوض للغير و دعوي ان ذلك من جهة ادعائه الملكية كما تري اذ كثيرا لا يخطر بباله هذا التنزيل و هذا الادعاء و مع ذلك يطلق عليه البيع.

نعم لا يبعد أن يقال بأن قوام البيع عرفا بخروج المبيع عن كيس البائع و دخول الثمن في كيسه فلا يمكن أن يبيع احد داره في مقابل مائة دينار تدخل في كيس ثالث و علي فرض الشك في الصدق لا يمكن الاخذ بإطلاق دليل الامضاء لعدم جواز الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية مضافا الي أنه يمكن احراز عدم كون المصداق المشكوك فيه من مصاديق العام أو المطلق باستصحاب عدم كونه كذلك فلاحظ.

«قوله قدس سره: نعم لو كان هناك تعارض و تزاحم من الطرفين بحيث أمكن تخصيص كل منهما لاجل الاخر».

اذا كان التعارض من الطرفين بحيث لا يكون احدهما مقدما علي الاخر بالتخصيص أو بالحكومة كما لو كانت النسبة بين الدليلين عموما من وجه لا مجال لتخصيص احدهما بالآخر بل اللازم في مثله اما التساقط لعدم الترجيح اذ المفروض عدم مرجح لاحدهما علي الاخر و اما الترجيح بمرجح خارجي ان كان.

و لعل الوجه في امره بالتأمل بقوله «فتأمل» ما ذكرنا و اللّه الهادي الي سواء السبيل و العجب من السيد قدس سره في الحاشية حيث صرح بأن اللازم تخصيص احدهما بالآخر مع كون النسبة بالعموم من وجه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 85

«قوله قدس سره: من جهة كشف البيع عن الرجوع»

ان قام دليل علي صحة الرجوع المشار إليه فهو و الا فيشكل الالتزام بتماميته اذ الرجوع من الامور الانشائية المحتاجة الي الابراز

و ابرازه بالبيع أو بالعتق دوري اذ المفروض انه ما لم يتحقق الرجوع و لم يتحقق الملك لا يصح البيع و العتق و الحال ان الرجوع المعتبر يتوقف علي البيع أو العتق فلاحظ.

«قوله قدس سره: و بالجملة فما نحن فيه لا ينطبق»

توضيح كلامه: انه لا يمكن تصحيح التصرف الموقوف علي الملك كالبيع لنفسه في المقام لا بالتمليك الضمني لعدم قصد التمليك من قبل المالك علي الفرض و لا بالتمليك الفرضي التقديري لعدم التنافي لان المفروض ان قاعدة السلطنة لا تكون مشرعة و لا يكشف البيع عن تحقق سبب الملك كما هو كذلك في بيع الواهب أو عتقه اذ المفروض انه لم يتحقق سبب ملك بالنسبة الي المباح له بل العين باقية في ملك المبيح.

«قوله قدس سره: وقع البيع للمالك اما لازما»

مقتضي الصناعة عدم وقوع البيع للمالك لا بنحو اللزوم و لا بنحو الجواز اما عدم تحققه لازما فلعدم قصد المباح له المالك بل انما قصد نفسه و أما عدم وقوعه للمالك بالاجارة فلما ذكرنا من عدم قصده فلا موضوع للاجازة.

«قوله قدس سره: و لكن الّذي يظهر من جماعة منهم قطب الدين»

المشتري لا يبيح للبائع الغاصب التصرفات في الثمن بل تسليم الثمن بعنوان الوفاء بالعقد و لذا قالوا بأن ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و لعل الماتن اشار الي ما ذكر بقوله «فتأمل».

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 86

«قوله قدس سره: ليست معاوضة مالية»

ان قلنا بأن كل واحد يملك اباحته في مقابل تملك إباحة الاخر تكون المعاوضة متحققة لكن الظاهر ان المقصود الاباحة في مقابل الاباحة أي في ظرف إباحة الاخر و من الظاهر انه لا معاوضة في الصورة المفروضة.

«قوله قدس سره: من جهة

خروجه عن المعاوضات المعهودة شرعا و عرفا»

بل لا معاوضة اصلا فلا تصل النوبة الي أنها معاوضة عرفا أو شرعا و قلنا انها إباحة في ظرف خاص و في هذه الصورة لا تكون تجارة بلا كلام بل قد قلنا سابقا ان صدق عنوان التجارة علي غير البيع اوّل الكلام و الاشكال.

«قوله قدس سره: الا أن يكون نوعا من الصلح»

الصلح عبارة عن التسالم و نتيجته تختلف باختلاف قصد المتصالحين.

«قوله قدس سره: كما يستفاد من بعض الاخبار»

لاحظ ما رواه محمد بن مسلم «1» و لا يستفاد من هذه الرواية عدم اشتراط الاتيان بلفظ الصلح في المصالحة بل المستفاد من هذه الرواية جواز المبادلة بهذا النحو من التراضي و بعبارة اخري:

يستفاد من هذا الحديث جواز المبادلة و المعاوضة بين المالين بهذا النحو و لكن مع ذلك لا يمكن الحكم بجواز الاباحة بالإباحة و بالتمليك بهذا النحو لان المستفاد من الحديث المبادلة بين العينين فلاحظ.

«قوله قدس سره: و نحوه ما ورد في مصالحة الزوجين»

لاحظ ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن قول

______________________________

(1) تقدم في ص 76.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 87

اللّه عز و جل «وَ إِنِ امْرَأَةٌ خٰافَتْ مِنْ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً» فقال:

هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها: اني اريد ان اطلقك فتقول له: لا تفعل اني اكره أن تشمت بي و لكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت و ما كان سوي ذلك من شي ء فهو لك و دعني علي حالتي فهو قوله تعالي «فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يُصْلِحٰا بَيْنَهُمٰا صُلْحاً»

و هذا هو الصلح «1».

و ما عن علي بن أبي حمزة قال سألت أبا الحسن عليه السلام

عن قول اللّه عز و جل «وَ إِنِ امْرَأَةٌ خٰافَتْ مِنْ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً» قال اذا كان كذلك فهّم بطلاقها فقالت له امسكني و ادع لك بعض ما عليك و احللك من يومي و ليلتي حل له ذلك و لا جناح عليهما «2».

و ما رواه ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن قول اللّه جل اسمه «وَ إِنِ امْرَأَةٌ خٰافَتْ مِنْ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً»

قال هذا تكون عنده المرأة لا تعجبه فيريد طلاقها فتقول له امسكني و لا تطلقني و ادع لك ما علي ظهرك و اعطيك من مالي و احللك من يومي و ليلتي فقد طاب ذلك كله «3».

و ما رواه زرارة قال سئل ابو جعفر عليه السلام عن النهارية يشترط عليها عند عقدة النكاح أن يأتيها ما شاء نهارا أو من كل جمعة أو شهر يوما و من النفقة كذا و كذا؟ قال فليس ذلك الشرط بشي ء من تزوج امرأة فلها ما للمرأة من النفقة و القسمة و لكنه ان تزوج امرأة فخافت منه نشوزا أو خافت أن يتزوج عليها فصالحت من

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب القسم و النشوز و الشقاق الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 2.

(3) عين المصدر الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 88

حقها علي شي ء من قسمتها أو بعضها فان ذلك جائز لا بأس به «1».

«قوله قدس سره: و لو كانت معاملة مستقلة كفي فيها عموم الناس مسلطون»

العجب كل العجب من الماتن حيث افاد آنفا بعدم كون القاعدة مشرعة و مع ذلك يقول في المقام بكفاية القاعدة لاثبات المدعي و العصمة مخصوصة باهلها و علي الجملة: لا مجال للاستدلال بالقاعدة فانها

مخدوشة سندا و دلالة كما مر الكلام حول كلا الامرين.

«قوله قدس سره: و المؤمنون عند شروطهم»

الشرط لا يصدق علي الجعل الابتدائي فلا مجال لاتمام الامر بقاعدة نفوذ الشرط و لكن ذكرنا سابقا ان جواز الاباحة المقيدة علي طبق القواعد الاولية و لا تحتاج الي التماس دليل فانه لا اشكال في أن المالك له أن يبيح التصرف في ماله لغيره.

«قوله قدس سره: ففي لزومها مطلقا لعموم المؤمنون عند شروطهم»

الاشكال في صحة مثل التمليك المذكور و علي فرض الاغماض يمكن الاستدلال علي اللزوم بوجوب الوفاء بالعقد بمقتضي قوله تعالي «أوفوا بالعقود» و أما لو قلنا بأنها إباحة في ظرف خاص فلا اشكال في عدم لزومها لعدم ما يقتضي اللزوم فلاحظ.

[الخامس في حكم المعاطاة في غير البيع من العقود و عدمه]

«قوله قدس سره: سيما»

الظاهر انه لا موقع لهذه الكلمة لانه مع فرض فساد الاجارة لا يجوز التصرف في مال المستأجر.

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب القسم و النشوز و الشقاق الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 89

«قوله قدس سره: لا يدل علي جريان المعاطاة فيها»

بل يدلّ، اذ مع فرض كون الهبة فاسدة لا يجوز للمتهب التصرف في العين الموهوبة.

«قوله قدس سره: و لكن الاظهر بناء علي جريان المعاطاة في البيع جريانها في غيره»

الحق جريان المعاطاة في جميع العقود الا فيما قام الدليل علي عدم كفاية المعاطاة و تقريب المدعي هو التقريب الذي ذكرناه في البيع.

و ملخص الكلام: انه لا فرق بين الفعل و القول فكل فعل صدق عليه عنوان البيع أو الاجارة أو الهبة الي غيرها من العقود و الايقاعات نلتزم بالكفاية لاطلاق الدليل و الاجماع المدعي علي عدم الكفاية غايته اجماع منقول و قد حقق في الاصول انه لا اعتبار بالاجماع المحصل فكيف

بمنقوله.

«قوله قدس سره: و لعل وجه الاشكال عدم تاتي المعاطاة بالاجماع»

ظهر بما ذكرنا فساد أصل الاشكال و ان الحق جريان المعاطاة في عامة العقود و الايقاعات الا ما خرج بالدليل المعتبر فلا تصل النوبة الي الاشكالات المتفرعة عليه فلاحظ.

«قوله قدس سره: لاطلاق بعض ادلة الرهن»

لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن السلم في الحيوان و الطعام و يرتهن الرجل بماله رهنا قال نعم استوثق من مالك «1» فان مقتضي الاطلاق المستفاد من الحديث عدم الفرق بين وقوعه بالقول و بالفعل.

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من الرهن الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 90

«قوله قدس سره: فتأمل»

قال السيد قدس سره في الحاشية «لعل وجهه ان مجرد عدم معروفية الجواز فيه غير مانع و لا يكون دليلا علي كون بنائه شرعا علي اللزوم بأن يكون من لوازمه هذا علي أن القبض عند بعضهم شرط في اللزوم فيكون الوقف قبله صحيحا جائزا» انتهي محل الحاجة من كلامه و الحق ان المعاطاة جارية في الوقف و لعل السيرة جارية عليه و اللّه العالم.

[السادس في ملازمات المعاطاة علي كل من القول بالملك و القول بالإباحة]
اشارة

«قوله قدس سره: من الوجوه الثمانية»

اي الوجوه التي استدل بها علي لزوم المعاطاة سابقا.

«قوله قدس سره: و اصالة سلطنة المالك»

لا يحتاج الي الاصل المذكور اذ المفروض ان العين باقية في ملك مالكها و مقتضي اطلاق دليل جواز التصرفات الصادرة من المالك جوازه حتي بعد تحقق الاباحة الشرعية المفروضة في مورد المعاطاة و أما علي فرض الاحتياج الي اجراء الاصل فيشكل بكون الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

«قوله قدس سره: و هي حاكمة»

لان الشك في بقاء الاباحة ناش من بقاء تلك السلطنة و

مع جريان الاصل في السبب لا تصل النوبة الي الاصل في المسبب.

«قوله قدس سره: لو سلم جريانها»

لعل وجه الترديد ان المورد من موارد الشك في المقتضي و الماتن لا يري جريان الاستصحاب فيما يكون الشك في المقتضي.

«قوله قدس سره: مندفع بما سيجي ء»

و هو ان الضمان قبل التلف لم يكن و بعبارة اخري لم تكن اليد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 91

قبل التلف يد ضمان و بعد التلف نشك في الضمان و مقتضي استصحاب عدمه بقاء العدم بحاله و ببيان آخر نشك في حدوث الضمان و مقتضي الاستصحاب عدم حدوثه.

«قوله قدس سره: و حيث ارتفع مورد التراد امتنع»

و علي الجملة موضوع الخيار العين الخارجية و مع عدم بقائها لا مجال لتوهم الخيار و لا فرق فيما ذكر بين تلف كلتا العينين و تلف احداهما اذ المتيقن جواز التراد و مع عدم امكانه لا خيار هذا علي تقدير العلم بكون الموضوع للخيار عبارة عن تراد العينين و أما اذا شك في أن الموضوع العين الخارجية أو العقد فأيضا تكون النتيجة عدم الخيار فان المحكم اصالة اللزوم فيلزم قيام دليل معتبر علي الخيار و حيث ليس فليس.

و علي الجملة: اذا قلنا: ان المستفاد من الاجماع ان موضوع الخيار متقوم بتراد العينين فلا اشكال و لا كلام في انتفائه مع تلف العينين و أما لو شك في أن متعلقه التراد أو العقد أو العين كما في الهبة يكون دليل اللزوم محكما و مقتضيا للحكم باللزوم.

«قوله قدس سره: لاصالة بقاء سلطنة مالك العين الموجودة و ملكه لها»

لا مجال لهذا الاصل فان استصحاب الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد لكن لا يحتاج الي الاستصحاب المذكور فان خروج العين

عن مالك مالكها يتوقف علي الدليل و لا دليل علي الخروج فيمكن الرجوع الي القاعدة الاولية.

الا أن يقال: لا يمكن الالتزام به اذ يلزم الجمع بين العوض و المعوض و صفوة القول: انه لو قلنا بأن المستفاد من الشرع الاقدس انه لا يمكن الجمع بين عدم ضمان من تلفت احدي العينين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 92

عنده و بقاء العين الاخري الباقية في ملكه فلا مجال للرجوع بل مقتضي القاعدة الالتزام بصيرورة العين الباقية مملوكة لمن تكون عنده.

«قوله قدس سره: انما الكلام في الضمان اذا اراد الرجوع»

قد ظهر مما تقدم انه لا مجال لرجوعه فانا لو قلنا بأنه لا يمكن الجمع بين العوض و المعوض و المفروض عدم ضمان من تلفت عنده العين فلا مجال لرجوعه.

«قوله قدس سره: و ليس هذا من مقتضي اليد»

اذ المفروض ان العين التالفة قبل تلفها لم تكن مضمونة و بعد تلفها لا موضوع للضمان.

«قوله قدس سره: و لكن يمكن أن يقال: ان اصالة بقاء السلطنة حاكمة علي اصالة عدم الضمان»

الظاهر ان مراده ان مقتضي الاستصحاب بقاء سلطنة مالك العين الموجودة و بعد رجوعه في العين لا يبقي مجال لاصالة البراءة عن الضمان بالمثل أو القيمة لكن الاشكال في أن الاستصحاب معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد و المتعين أن يقال: ان العين الموجودة باقية في ملك مالكها فرجوعه فيها لا يتوقف علي الاصل بل الرجوع علي طبق القاعدة الاولية و ان قلنا بصيرورتها مملوكة لذي اليد فلا مجال للرجوع.

و يمكن أن يقال: ان مقتضي بقاء العين الموجودة في ملك مالكها جواز استردادها لمالكها و لازمه كون الاخذ ضامنا للتالف بالمثل أو القيمة.

و لقائل أن يقول: لا مجال لهذا البيان

و ان اصالة بقاء السلطنة و استصحابه حاكم علي اصالة عدم الضمان لان الاستصحاب معارض

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 93

باستصحاب عدم الجعل الزائد و علي فرض جريانه لا يكون حاكما علي اصالة عدم الضمان الاعلي القول بالمثبت لان لازم بقاء السلطنة كون التالف مضمونا بالمثل أو القيمة و لا نقول بالمثبت.

و ان شئت قلت:

يمكن تقرير الحكومة بوجهين
الوجه الأول: أن يقال: ان الشك في ثبوت الضمان بالمثل أو القيمة مسبّب عن الشك في بقاء سلطنة المالك الاول

و عدم بقائها و الاصل السببي حاكم علي الاصل المسبّبي.

و فيه ان مجرد كون احد الاصلين مسببا عن الاخر لا يوجب الحكومة بل الحكومة تتوقف علي كون الاثر المترتب علي الاصل المسببي اثرا للاصل السببي و من الظاهر ان المقام لا يكون كذلك اذ الاثر المترتب علي اصالة بقاء السلطنة جواز رجوع المالك في العين و لازمه ضمان من تلفت العين عنده بالمثل أو القيمة و هذا من مصاديق الاصل المثبت الذي لا نقول به.

الوجه الثاني: أن يقال: ان الاستصحاب الجاري في طرف يتقدم علي البراءة في الطرف الآخر

ففي المقام الاستصحاب الجاري في طرف مالك العين الباقية يتقدم علي اصالة براءته عن المثل أو القيمة.

و يرد عليه أولا: ان تقدم الاستصحاب علي البراءة فيما يكون مجراهما واحدا مثلا لو شك في حلية لحم و حرمته من حيث الشك في التذكية و عدمها يكون استصحاب عدم التذكية حاكما علي اصالة البراءة و أما اذا لم يكن كذلك كما لو علم اجمالا بأنه اما وقع نجاسة في الاناء الفلاني و تنجس ما فيه من المائع الموجود فيه و اما يكون ذلك المائع الاخر بولا لا يمكن أن يقال ان استصحاب عدم وقوع النجاسة في الاناء يجري و به يحرز كون المائع الاخر بولا الاعلي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 94

القول باعتبار الاصل المثبت بل يقع التعارض بين الاستصحاب و قاعدة الطهارة الجارية في الاناء الاخر.

و ثانيا: انه يمكن أن يقال: ان مقتضي الاستصحاب عدم اشتغال ذمة مالك العين الموجودة بالمثل أو القيمة فالتعارض بين الاستصحابين لا بين الاستصحاب و البراءة.

اضف الي ذلك كله: ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد و الحق أن يقال- كما قلنا: - لا دليل علي ضمان التالف و من

ناحية اخري لا يمكن الجمع بين العوضين فنقول: القاعدة دخول العين الباقية في ملك ذي اليد بمجرد تلف العين الاخري أي بتلف العين التالفة تدخل العين الباقية في ملك من تكون في يده.

و قال سيدنا الاستاد: مقتضي استصحاب بقاء العين التالفة في ملك مالكها تحقق الضمان بالمثل أو القيمة.

و يرد عليه أولا: ان الاستصحاب المذكور معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد و ثانيا انه باي دليل نحكم بالضمان مع عدم كون اليد يد ضمان.

و قال أيضا في هذا المقام: ان المعاطاة تقتضي الملكية غاية الامر الاجماع قائم علي عدم تحقق الملكية و تحقق الاباحة الي زمان تلف احدي العينين فنلتزم بدخول العين قبل التلف في ملك من تلفت عنده و دخول مقابل التالف في ملك من تكون العين باقية في يده فلا تصل النوبة الي استصحاب بقاء السلطنة و لو اغمض عن الدليل الاجتهادي نقول: مقتضي استصحاب بقاء كل من العينين في ملك مالكه الضمان بالمثل أو القيمة فلا تصل النوبة الي استصحاب بقاء السلطنة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 95

و يرد عليه: ان المستفاد من الاجماع ان الملكية لم تحصل فيكون البيع الصادر من المالك غير مؤثر و بعبارة اخري: بعد قيام الاجماع نعلم ان ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد فاذا كان كذلك يكون الالتزام بتحقق الملكية حين التلف محتاجا الي قيام دليل شرعي عليه.

و علي الجملة: بعد قيام الاجماع يسقط البيع الواقع الصادر عن المالك عن الاعتبار هذا بالنسبة الي ما أفاده أولا و يرد عليه بالنسبة الي ما أفاده ثانيا بأنّ استصحاب بقاء الملكية معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

مضافا الي انه ما الدليل علي تحقق الضمان بالمثل

أو القيمة فلاحظ.

اذا عرفت ما ذكرنا فالحق كما تقدم ان نقول: ان العين التالفة مضمونة بالعين الباقية بمقتضي السيرة العقلائية و لكن الذي يهون الخطب انه لا اساس لهذا البحث المذكور و الحق ان المعاطاة قسم من البيع فلا مجال لهذا البحث الطويل العريض الا من باب تبعية الاساطين حيث تعرضوا لهذا الفروع التي لا أصل لها.

و يمكن أن يقال: ان مقتضي قاعدة التسلط علي المال تسلط المالك علي ارجاع العين الموجودة و حيث ان قاعدة التسلط دليل اجتهادي يترتب عليه ان ضمان التالف بالمثل أو القيمة الا أن يقال:

انه لا دليل علي أن كل دليل اجتهادي يترتب عليه اللوازم العقلية و بعبارة اخري: لا دليل علي اعتبار مثبتات الامارة علي الاطلاق فلاحظ.

«قوله قدس سره: فعلي القول بالملك يملكه من في ذمته فيسقط عنه»

كما هو المعروف عندهم من أن نتيجة ملك ما في الذمة السقوط

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 96

عما في الذمة و ربما يرد عليه بأن ملكية الانسان لما في نفسه ان كانت امرا ممكنا فلا وجه للسقوط و ان لم تكن ممكنة فلا وجه للحدوث و بعبارة اخري: لا وجه للتفريق بين الحدوث و البقاء.

و يمكن أن يجاب عن الاشكال المذكور ان المراد من الحدوث الملك التقديري الفرضي نظير ملكية الانسان للعمودين.

«قوله قدس سره: و يحتمل العود و هو ضعيف»

بل لا وجه له و يمكن الاستدلال علي المدعي بوجه آخر أيضا و هو ان القدر المعلوم من الاجماع صورة امكان التراد و حيث انه لا مجال له فلا خيار فلاحظ.

«قوله قدس سره: و الظاهر ان الحكم كذلك علي القول بالإباحة»

بأن نقول: يملك المدين ما في ذمته فيسقط. و يرد عليه

انه لا موجب لتملكه ما في ذمته بمجرد الاباحة و لعله اشار الي هذا بقوله «فافهم» و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: و لو نقل العينان»

فان القدر المعلوم من الاجماع صورة امكان التراد و أما اذا لم يمكن فلا خيار.

«قوله قدس سره: و كذا علي القول بالإباحة»

الكلام فيه هو الكلام بلا كلام.

«قوله قدس سره: فيستصحب»

لا مجال للاستصحاب المذكور اذ المفروض ان موضوع التراد انعدم و ارتفع الخيار و عوده خلاف مقتضي الاستصحاب فان مقتضاه عدم العود مضافا أن استصحاب الحكم الكلي معارض بعدم الجعل الزائد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 97

«قوله قدس سره: لكن الوجهين ضعيفان»

أما وجه ضعف الوجه الأول فلان دخول العين في ملك البائع يقطع علقة العين عن المالك الاول و لا دليل علي رجوعها و أما وجه ضعف الوجه الثاني فلما تقدم من الماتن من عدم جواز البيع من غير المالك و قد تقدم منّا النقاش في الدعوي المذكورة فلا نعيد.

«قوله قدس سره: نعم لو كان غير المعاوضة كالهبة».

بلا فرق بين كون الاباحة شرعية أو مالكية اذ علي كلا التقديرين تكون العين باقية في ملك المالك الاول.

«قوله قدس سره: لم يبعد كون اجازته رجوعا»

بل يبعد اذ علي القول بالملكية لا بد من انتقال العين الي ملك المالك الاول فتأثير الاجازة يتوقف علي الفسخ و الحال ان الفسخ يتوقف علي الاجازة.

«قوله قدس سره: لغي الرجوع»

ما ذكر مبني علي كون الاجازة معرفة محضة و هذا القول فاسد مضافا الي أن القول المذكور مبني علي صدور الاجازة من المالك و المفروض ان الرجوع الذي فرض قبلها اخرج العين عن ملك المجيز فلا اثر للاجازة بعد رجوع المالك الاول.

«قوله قدس سره: و هو ضعيف»

اذ لا

وجه للرجوع بعد عدم امكان التراد.

«قوله قدس سره: فالاصل بقاء التسلط علي ماله»

ان كان المراد من الاصل المذكور الاستصحاب فيرد عليه ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد كما مرّ مرارا و ان كان المراد قاعدة سلطنة المالك علي ماله

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 98

فالظاهر تمامية المدعي بلا فرق بين كون الاباحة مالكية أو شرعية.

«قوله قدس سره: فلا لزوم علي القول بالإباحة».

لعدم المقتضي لتحقق اللزوم كما مرّ آنفا.

«قوله قدس سره: ففي اللزوم وجهان»

لا مجال للاستصحاب أما أولا فلان مقتضي دليل كون العقد لازما لزومه و أما ثانيا فلعدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلي.

«قوله قدس سره: ثم انك قد عرفت مما ذكرنا انه ليس جواز الرجوع»

تارة نقول بأن المعاطاة توجب الملكية و الانتقال غاية الامر بلحاظ الاجماع نلتزم بالملكية الجائزة و اخري نقول: بأن المعاطاة التي قصد بها الملكية توجب الاباحة و ثالثة نتكلم في المعاطاة التي قصد بها الاباحة أما علي الاول فنقول: القدر المعلوم من الاجماع وجود الخيار ما دام كون المتعاملين في قيد الحياة و لم يعرضهما جنون أو سفه فيؤخذ بدليل اللزوم الا في المقدار الذي علم بوجود الخيار كما ان مقتضي الاقتصار علي القدر المعلوم عدم الخيار علي فرض الاسقاط.

و بعبارة اخري: المقتضي لبقاء الخيار بعد الاسقاط احد أمرين احدهما: اطلاق دليل الخيار ثانيهما: استصحاب الخيار بعد الاسقاط و شي ء من الوجهين لا يؤثر أما الوجه الأول فلان المفروض عدم الاطلاق و الدليل هو الاجماع و الاجماع دليل لبي لا اطلاق له.

و أما الوجه الثاني فلان الاستصحاب لا يجري في الحكم الكلي و أما علي الثاني فلا بد من متابعة الدليل اذ قد مر

منا ان مقتضي دليل الاباحة الشرعية ان ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد و لا مجال

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 99

لان يقال: ان البيع الصادر من المالك أثر في الانتقال و الملكية فنأخذ بمقتضاه و نرفع اليد بالمقدار الذي دل الدليل علي ارتفاعه فان المقصود للمالك البائع و المشتري الانتقال من اوّل الامر و المفروض عدم تحققه و أيضا المفروض انهما لم يقصدا الا الملكية الخاصة و لم تحصل و غيرها لم يكن مقصودا و التمسك لاثبات القسم الاخر بالسيرة غير صحيح اذ المفروض ان السيرة جارية علي الملكية من أول الامر علي نحو اللزوم و لا سيرة علي فرض القول بالإباحة.

و أما علي الثالث فالامر أشكل فان المفروض ان المتعاملين لم يقصدا البيع بل مقصودهما الاباحة و تحقق الملكية بلا معاملة جديدة يحتاج الي الدليل و لولاه فمقتضي القاعدة بقاء العين في ملك مالكها و عدم انتقالها الي غيره فلاحظ.

[السابع: أن الشهيد الثاني ذكر في المسالك وجهين في صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف]

«قوله قدس سره: السابع: ان الشهيد الثاني ذكر في المسالك وجهين في صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف»

تارة يقصد المتعاقد ان بالمعاطاة الاباحة و اخري يقصد ان الملكية و علي الفرض الثاني تارة نقول بأنها تفيد الملك اللازم كالعقد اللفظي و اخري نقول انها تفيد الملك الجائز و ثالثة نقول انها تفيد الاباحة فالصور المتصورة اربع.

أما الصورة الاولي فلا كلام في كونها خارجة عن دائرة البيع و لا مجال لتوهم جريان احكام البيع عليها اذ المفروض ان المالك قصد الاباحة فان لكل مالك أن يبيح التصرف في ماله لغيره و بقاء الاباحة ببقاء إباحة المالك و من بيده الامر.

و أما الصورة الثانية فلا اشكال في ترتب احكام البيع عليها

و لا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 100

اختصاص لتلك الاحكام بالعقد اللفظي و لا دليل عليه و عهدة دعوي انصراف ادلة تلك الاحكام الي العقد اللفظي، علي مدعيها.

و أما الصورة الثالثة فأيضا الامر كذلك اي يترتب عليها احكام البيع من الخيار و غيره و اختصاص حكم الخيار بالعقد الذي بنائه علي اللزوم لو لا ترتب الخيار، لا وجه له و الا يلزم عدم ترتبه علي البيع الّذي اشترط فيه الخيار من اوّل الامر.

و أما الصورة الرابعة فان قلنا بأنه استفيد من الشرع الاقدس انه لا تترتب عليها الملكية الا بعد عروض احد الملزمات نلتزم بجريان أحكام البيع عليها من ذلك الزمان كزمان التلف مثلا نظير تحقق الانتقال في الصرف و السلم من زمان تحقق القبض.

و علي الجملة: ان تم الدليل يمكن أن يقال ان البيع المؤثر الشرعي عبارة عن المعاطاة و تحقق الملزم فتكون المعاطاة قسما من البيع و يترتب عليها احكام البيع من الخيار و غيره و عليه يكون مبدأ الخيار من زمان اعتبار الشارع كونها بيعا و هو زمان الانتقال و قبله تكون العين باقية علي ملك مالكها غاية الامر الشارع الاقدس جوز التصرفات التي تصدر ممن تكون العين في يده و هذا الّذي نقول لا ينافي مع ما مرّ منا من أن الحكم بالإباحة ينافي الصحة بل لا بد من الحكم بالبطلان فان ما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع، فان ما ذكرناه سابقا مبني علي عدم قيام دليل علي الصحة من زمان اللزوم و أما مع قيام الدليل فلا مانع عن الالتزام بهذه المقالة كما ان الامر كذلك في بابي الصرف و السلم.

و بما ذكرنا ظهر ان

المعاطاة بيع من اوّل الامر لا انها تصير بيعا بعد التلف كي يقال: انه لا مقتضي لكونها بيعا بعد ما لم تكن فانها بيع من اوّل الامر غاية الامر الشارع الاقدس قيدها بقيد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 101

و اشترط فيها شرطا.

«قوله قدس سره: لاطباقهم علي أنها ليست بيعا حال وقوعها»

الظاهر ان مرادهم بالنفي عدم ترتب اثر البيع عليها حال وقوعها لا سلب العنوان اي عنوان البيع عنها و بين المقامين بون بعيد.

«قوله قدس سره: فهل الثلاثة من حين المعاطاة»

قد ظهر مما ذكرنا ان مبدأ الخيار من حين اللزوم لا من باب ان الخيار لا يتصور مع الجواز بل من باب ان الخيار حكم للعقد الصحيح و المفروض ان العقد قبل تحقق الملزم غير تام في نظر الشارع.

«قوله قدس سره: اللهم الا أن يجعل المعاطاة جزء السبب»

فانه المتعين.

«قوله قدس سره: و الاقوي عدم ثبوت خيار الحيوان»

بل مقتضي القاعدة جريان خيار الحيوان فيها بعد تحقق اللزوم و أما قبله فلا يجري فيه خيار الحيوان و لا غيره لعدم تمامية العقد شرعا كما مرّ.

«قوله قدس سره: و أما خيار العيب و الغبن»

قد ظهر بما ذكرنا عدم الفرق بين أقسام الخيار و ان جميع اقسامه تجري في المعاطاة.

«قوله قدس سره: كما ان خيار المجلس منتف»

لا فرق بين خيار الحيوان و المجلس فلاحظ.

«قوله قدس سره: أو بيعا متزلزلا»

هذا هو المتعين فانه لا اشكال في كونها بيعا غاية الامر تكون جائزة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 102

«قوله قدس سره: حتي يتبعه حكمها بعد اللزوم»

بل تعرضها احكام البيع قبل اللزوم كما مرّ.

«قوله قدس سره: فافهم»

لعله اشارة الي ان القول بالإباحة لا تنافي الالتزام بالملكية بعد تحقق احد

الملزمات.

[الثامن لا إشكال في تحقق المعاطاة المصطلحة التي هي المعركة بين الخاصة و العامة بما إذا تحقق إنشاء التمليك أو الإباحة بالفعل]

«قوله قدس سره: فهل يرجع ذلك الانشاء القولي الي حكم المعاطاة»

الذي يختلج بالبال أن يقال انه لا وجه لاشتراط قيد في العقود و الايقاعات بل الميزان بصدق العنوان المأخوذ في دليل صحة ذلك العقد أو الايقاع فانه مع صدق العنوان يؤخذ بإطلاق دليل الصحة مثلا الميزان في باب البيع صدق عنوانه و بعد فرض الصدق يؤخذ بإطلاق قوله تعالي «احل اللّه البيع» و هكذا في بقية العقود و الايقاعات و لا يشترط في شي ء منها خصوص اللفظ فضلا عن اشتراط شروط في اللفظ فان الامر الانشائي متقوم بالاعتبار النفساني و ابراز ذلك الاعتبار بمبرز بلا فرق بين الفعل و القول.

نعم يشكل الامر في موردين احدهما: في مورد لا يكون لدليل الامضاء اطلاق فلا بد فيه من الاقتصار علي القدر المتيقن اذ مع الشك يكون المرجع في باب الوضعيات التقييد و التضييق بخلاف باب التكاليف فان المرجع فيها أصل البراءة.

ثانيهما: أن يقوم دليل علي الاشتراط في مورد خاص كما هو كذلك في باب الطلاق فانه لا يتحقق الا بالصيغة الخاصة فعلي هذا الاساس لا يبقي مجال لهذا البحث لكن لو اغمض عما ذكرنا و قلنا:

ان البيع لا يتحقق الا بالصيغة الخاصة فلو تحقق اللفظ خاليا عن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 103

الشرط فهل يترتب عليه حكم المعاطاة؟

الحق انه لا يترتب عليه فانه علي هذا الاساس يكون الالتزام بتأثير المعاطاة في الاباحة الشرعية بدليل خاص و لا وجه لتسرية ذلك الحكم الوارد في ذلك المقام الي غيره بلا فرق بين تحقق التقابض بعد العقد اللفظي الفاسد و عدمه اذ التقابض الواقع بعد اللفظ كالتقابض الواقع بعد كل عقد فاسد و كالتقابض الواقع بعد القمار

فانه وفاء بذلك العقد الفاسد نعم لو قصدا المعاملة و تعاملا معاطاة يترتب عليها ذلك الاثر اذ لا نشترط في المعاطاة أن لا يسبقها عقد فاسد لكن هذا استثناء منفصل و أيضا لو كان المالك راضيا بتصرفات الطرف الاخر في ماله يجوز التصرف له بجواز التصرف في مال الغير برضاه و هذا فرض خارج عن محل الكلام و لو أراد كل منهما إباحة ماله للآخر باللفظ تتحقق الاباحة بلا كلام و لا اشكال.

«قوله قدس سره: و لا يكفي فيه عدم العلم»

قال سيدنا الاستاد في هذا المقام: «انه لا مجال لاستصحاب بقاء الرضا اذ كل تصرف يحتاج الي الرضا و مقتضي الاصل عدمه فالاستصحاب يقتضي الحرمة لا الجواز».

و الذي يختلج بالبال أن يقال: تارة يتعلق رضي المالك بالتصرف في ماله بمقدار ساعة فلو شك في الزائد يكون مقتضي الاصل عدم حدوثه، و اخري يتعلق بالتصرف بمقدار ساعة و قبل انتهاء الساعة يشك في رجوعه فلا اشكال في أن مقتضي الاستصحاب عدم رجوعه الغير في داره و يقول في الحال الحاضر انا راض بسكونتك في داري و أما بعد فلعل اللّه يحدث امرا فلا اري مانعا من استصحاب بقاء رضاه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 104

بالسكونة لو شك في بقاء رضاه كما ان الامر كذلك في بقية الموضوعات مثلا لو كان زيد مشغولا بالتكلم و نشك في بقائه و عدمه يجري الاستصحاب و نحكم ببقائه علي التكلم و كذا لو كان قائما و هكذا و هكذا فلاحظ.

«قوله قدس سره: جهة تقييدية»

أي دفع العين بعنوان ان المدفوع إليه مالك للعين و داين و بعبارة اخري: لا يرضي بالدفع الا بعنوان الوفاء بالعقد و لا يكون راضيا

بالدفع علي الاطلاق.

«قوله قدس سره: فان بناء الناس علي أخذ الماء»

لا يبعد أن تتحقق المعاطاة بما ذكر فان المالك أي صاحب الدكان قد اذن بقبض الماء و البقل و وضع الفلوس في المحل المعدّ له فكأن القابض و الاخذ بالوكالة من المالك يأخذ البقل و بالاصالة يدفع الفلس و صاحب البقل باذنه في الوضع في المحل المعد له كانّه يقبض الفلوس بالواسطة و بالآلة فيتحقق البيع و الشراء بهذا النحو.

«قوله قدس سره: و علي دخول الحمام»

لا يبعد أن يكون صاحب الحمام راضيا بالغسل بالضمان فالداخل في الحمام يصير ضامنا و يدفع دينه بوضع الفلوس في الكوز و كان الحمامي يأخذ الفلوس بالواسطة فلاحظ.

«قوله قدس سره: علي القول بالإباحة»

بل الامر كذلك علي القول بالملكية و لم يعلم وجه تخصيص الحكم بصورة القول بالإباحة أما الاباحة المالكية أي يكون آخذ البقل يقصد الاباحة فهو خارج عن محل الكلام اذ الكلام في المعاملات المتعارفة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 105

التي يقصد بها التمليك و مع قصد التمليك لا فرق في النتيجة بين أن يحكم الشارع بالملكية و بين ما يحكم بالإباحة فلاحظ.

مقدمة في خصوص الفاظ البيع:

اشارة

«قوله قدس سره: قد عرفت ان اعتبار اللفظ في البيع بل في جميع العقود مما نقل عليه الاجماع»

ربما يقال: انه يمكن الاستدلال علي المدعي أي اعتبار اللفظ في العقود بأمور: الاول الشهرة العظيمة الفتوائية.

و فيه انه قد ثبت في محله ان الشهرة الفتوائية لا تكون حجة بلا فرق بين العظيمة منها و غيرها.

الثاني: الاجماع المنقول. و فيه: انه قد تقرر في محله عدم اعتبار الاجماع المحصل فكيف بالمنقول منه سيّما في المقام حيث انه يحتمل استناد المجمعين الي بعض النصوص الذي نشير إليه إن

شاء اللّه تعالي.

الثالث: جملة من النصوص و قد تعرضنا لهذه النصوص في اوائل بحث المعاطاة تبعا للشيخ حيث قال قدس سره «و قد يظهر ذلك من غير واحد من الاخبار» فراجع ما ذكرناه هناك و ملخص ما قلناه هناك ان الاخبار المشار إليها لا تدل علي المدعي أما النص الوارد في بيع المصحف «1» فيدل علي النهي عن بيع المصحف و جواز بيع الغلاف و نحوه.

و أما الخبر الدال علي تحليل الكلام و تحريمه «2» فقد فرض في

______________________________

(1) تقدم في ص 59.

(2) تقدم في ص 59.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 106

مورده الكلام و أما الخبر الوارد في بيع القصب «1» فقد فرض كون البيع واقعا علي الكلي و لا يتحقق بالمعاطاة بالإضافة الي أن السائل يسأل عن حكم ما لو احترق القصب فلا يستفاد من تلك الاخبار الاشتراط و يضاف الي ذلك عدم تمامية اسناد تلك الروايات فلاحظ.

«قوله قدس سره: لا لاصالة عدم وجوبه»

فان مقتضي الاصل في الامور الوضعية هو الاشتراط و التقييد مثلا لو شك في اعتبار العربية في صيغة النكاح لا بد من الالتزام باعتبارها اذا لم يكن اطلاق لان مقتضي الاستصحاب عدم تحقق الزوجية و قس عليه بقية الموارد بخلاف باب التكاليف فان مقتضي البراءة السعة و عدم الالزام.

و ربما يقال- كما عن المحقق الايرواني قدس سره-: انه لا فرق بين التكليف و الوضع من هذه الجهة أي يمكن رفع الحكم الوضعي بحديث الرفع حيث ان الامام عليه السلام استدل بحديث الرفع علي فساد طلاق المكره و عتاقه.

لاحظ ما عن أبي الحسن عليه السلام قال سألته عن الرجل يستكره علي اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك

أ يلزمه ذلك؟ فقال: لا ثم قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله وضع عن امتي ما اكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطئوا «2».

و لاحظ ما رواه سعد بن أبي خلف قال: قلت لابي الحسن موسي عليه السلام اني كنت اشتريت أمة سرا من امرأتي و انه بلغها ذلك فخرجت من منزلي و أبت أن ترجع الي منزلي فاتيتها في منزل أهلها فقلت لها ان الذي بلغك باطل و ان الذي أتاك بهذا عدو لك أراد أن

______________________________

(1) تقدم في ص 59.

(2) الوسائل الباب 16 من ابواب الايمان الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 107

يستفزّك فقالت: لا و اللّه لا يكون بيني و بينك خير ابدا حتي تحلف لي بعتق كل جارية لك و بصدقة مالك ان كنت اشتريت جارية و هي في ملكك اليوم فحلفت لها بذلك فأعادت اليمين و قالت لي: فقل:

كل جارية لي الساعة فهي حرة فقلت لها: كل جارية لي الساعة فهي حرّة و قد اعتزلت جاريتي و هممت ان أعتقها و اتزوجها لهواي فيها فقال ليس عليك فيما احلفتك عليه شي ء و اعلم انه لا يجوز عتق و لا صدقة الا ما اريد به وجه اللّه عز و جل و ثوابه «1».

فانه يستفاد من النص الخاص ان الحديث الرفع يرفع الحكم الوضعي كما يرفع الحكم التكليفي.

اقول: يرد علي الاستدلال المذكور أولا ان حديث الرفع المتضمن لرفع ما لا يعلم ضعيف سندا و علي فرض تسلم ان المشهور عمل به لا اثر له لما ذكرناه مرارا من عدم جبر الحديث الضعيف سندا بعمل المشهور.

و ثانيا: ان الرفع قابل في مورد يكون الوضع قابلا و

حيث ان الجزئية و الشرطية و المانعية و القاطعية امور واقعية انتزاعية و غير قابلة للجعل لا يمكن رفعها أيضا الا برفع منشأ انتزاعها.

توضيح المدعي: ان الامر اذا تعلق بمركب اعتباري كالصلاة مثلا ينتزع من المركب المأمور به ان الركوع جزء للصلاة و أيضا السجود من أجزائها و هكذا و الا فلا يتصور كون الامر الفلاني جزء للصلاة و هذا الجزء المنتزع لا يسقط عن الجزئية الا برفع الامر عن المركب و اذا فرض رفع الامر عن المركب فتعلق الامر بالمركب الفاقد لذلك الجزء يحتاج الي دليل آخر غير حديث الرفع.

و ان شئت قلت: ان حديث الرفع يكون متكفلا للرفع لا للوضع

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من الايمان الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 108

و قس علي الجزئية بقية المذكورات من الشرطية و المانعية و القاطعية.

و ما ورد من الامام عليه السلام من الاستدلال بحديث الرفع لرفع الاثر عن الطلاق الاكراهي مغاير مع المقام فان المستفاد من حديث الرفع و كذلك من استدلال الامام عليه السلام ان الامر الاكراهي لا أثر له و لا يكون موضوعا للحكم الشرعي.

و بعبارة اخري: يكون الرفع واقعيا و تكون النتيجة انه يشترط الطلاق مثلا بعدم كونه اكراهيا و لا يقاس مقامنا بذلك المقام حيث ان ما لا يعلم يكون الحكم الواقعي محفوظا فيه في الواقع فان الاحكام الواقعية محفوظة في حال الجهل كما حقق في محله.

فغاية ما يمكن أن يقال ان حديث الرفع لا يختص بالتكليف بل يشمل الامور الوضعية فتكون النتيجة رفع الحكم عن المجهول و لكن لا دليل علي تعلق الاثر بالفاقد فطبعا يكون داخلا في مورد الشك و مقتضي الاصل عدم ترتب الاثر و

عليه لا بد من الالتزام بالتفصيل بأن نقول في كل عقد أو ايقاع اذا كان اطلاق أو عموم موجودا يرجع إليه في كل مورد مشكوك فيه و يدفع احتمال القيد الفلاني و الشرط الكذائي و مع عدم الاطلاق و العموم لا مناص عن الاحتياط و التحفظ علي كل قيد و شرط الا مع قيام اجماع تعبدي كاشف في مورد خاص.

«قوله قدس سره: بل لفحوي ما ورد من عدم اعتبار اللفظ في طلاق الاخرس»

لاحظ ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل تكون عنده المرأة ثم يصمت فلا يتكلم قال:

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 109

يكون أخرس؟ قلت: نعم فيعلم منه بغض لامرأته و كراهته لها أ يجوز أن يطلق عنه وليه؟ قال: لا و لكن يكتب و يشهد علي ذلك قلت: لا يكتب و لا يسمع كيف يطلقها؟ فقال بالذي يعرف منه من فعاله مثل ما ذكرت و من كراهته و بغضه لها «1»

«قوله قدس سره: ثم لو قلنا ان الاصل في المعاطاة اللزوم بعد القول بافادتها الملكية»

يختلج بالبال ان مراده قدس سره من العبارة ان المعاطاة علي فرض عدم كونها كالبيع اللفظي و عدم جوازها انما يختص الحكم بالخروج بالنسبة الي القادر علي الانشاء باللفظ و أما من لا يقدر علي اللفظ فالمعاطاة الصادرة عنه كالبيع اللفظي بلا فرق.

«قوله قدس سره: لفحوي ما ورد من النص علي جوازها في الطلاق»

لاحظ ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: طلاق الاخرس أن يأخذ مقنعتها فيضعها علي رأسها و يعتزلها «2» و الحديث ضعيف سندا.

«قوله قدس سره: و في بعض روايات الطلاق ما يدل

علي العكس»

لاحظ ما رواه البزنطي «3» فانه يفهم من الحديث ان الكتابة مقدمة علي الاشارة فلاحظ.

«قوله قدس سره: عملا باصالة بقاء الملك»

قد ذكرنا مرارا ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض

______________________________

(1) الكافي ج 6 ص 128 باب طلاق الاخرس الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 3.

(3) تقدم في ص 108.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 110

باستصحاب عدم الجعل الزائد فلا يجري استصحاب بقاء الملك و لكن لا تصل النوبة إليه بل لو لم يتم الدليل علي النقل لكفي لبقاء كل عين في ملك صاحبها قوله تعالي «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ»

فان المستفاد من الآية الشريفة بقاء كل ملك في ملك مالكه و يكون السبب الوحيد للخروج التجارة عن تراض.

«قوله قدس سره: و لان المخاطب لا يدري بم خوطب»

هذا الاشكال في غاية السقوط اذ يمكن افهام المخاطب باقامة القرينة بحيث لا يبقي له شك في المراد و مقتضي القاعدة أن يقال كما مرّ: ان كل عقد أو ايقاع يكون لدليل امضائه الاطلاق و صدق عنوان ذلك العقد أو الايقاع في الخارج يحكم بصحته بمقتضي ذلك الاطلاق الذي فرض بلا فرق بين كون المبرز لذلك الاعتبار النفساني لفظا أو فعلا و علي تقدير كونه لفظا لا فرق بين كونه باللفظ الصريح و كونه بالظاهر في المراد و بلا فرق بين كونه مجازا أو كناية و لا وجه لاشتراط أمر آخر بل الميزان انطباق ذلك العنوان علي ما في الخارج.

«قوله قدس سره: فيفيد إرادة نفسه بالقرائن»

الظاهر انه لا مصداق لهذا الكلي المذكور فان البائع اذا قال أدخلت الدار في ملكك بكذا مقدار و اراد البيع يتحقق البيع و بعبارة اخري: الادخال في الملك له مصاديق فان

كان مع العوض يكون بيعا و ان كان بلا عوض يكون هبة و هكذا.

و ببيان آخر: الانشاء يقع من أول الامر علي التمليك الخاص الا أن يقال هذا هو المقصود اي المقصود ان الادخال في الملك لازم اعم.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 111

و فيه ان الادخال في الملك مع العوض ليس الا البيع و لا يقاس بقول القائل زيد كثير الرماد فانه يخبر عن كثرة رماده لكن مراده الجدي كونه جوادا نعم لا يبعد أن ينطبق علي المقام ما لو قال البائع للمشتري تصرف في هذه العين تصرفا جائزا و أراد بهذا الجملة بيع العين فان جواز التصرف في العين لازم أعم للبيع اذ جواز التصرف يجتمع مع البيع و الاجارة و الهبة و العارية و القرض الي غيرها فلاحظ.

«قوله قدس سره: و الّذي يظهر من النصوص المتفرقة»

قد اشيرت الي هذه النصوص سابقا و قلنا هذه النصوص لا تدل علي اشتراط اللفظ في الايجاب و القبول فراجع ما ذكرناه هناك.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل وجه الامر بالتأمل ان الفقهاء الذين لم يتعرضوا لخصوص لفظ خاص في الايجاب لم يكونوا في مقام البيان من هذه الجهة بل كانوا في مقام بيان لزوم كون العقد باللفظ فقط فلا يمكن استفادة الاطلاق من كلامهم لعدم تمامية مقدمات الحكمة هذا.

و لكن يرد علي هذا البيان انه لو فتح باب هذا التقريب لا نسد باب الاخذ بإطلاق الكلام في كل مورد شك في كون المتكلم في مقام البيان أم لا و الحال ان مقتضي اصالة البيان حمل كون المتكلم في مقام البيان فلاحظ.

«قوله قدس سره: بلفظ السلم»

السلم عبارة عن تعجيل الثمن و التأخير في المبيع و بعبارة اخري

دفع الثمن عاجلا و تسليم المبيع آجلا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 112

«قوله قدس سره: وليتك العقد … »

التولية في البيع، بيع السلعة برأس المال فان هذا كله يؤيد ما قلناه من عدم وجه لاشتراط مادة خاصة و نحو مخصوص في صيغة البيع بل ينعقد بكل لفظ يدل علي المراد و يصدق عليه في العرف عنوان البيع.

«قوله قدس سره: و التشريك في المبيع بلفظ شركتك»

لا يبعد أن يكون المراد من الجملة أن المشتري بعد اشتراء العين يشرك صديقه في المبيع و يبيع نصف العين منه و يقول له شركتك.

«قوله قدس سره: فالخطاب في نفسه محتمل لا يدري المخاطب … »

لا اشكال في أن ابراز ما في النفس يمكن باللفظ فابراز المقصود باللفظ أمر ممكن و عليه لا يتجه ما أفاده الماتن و لا يصح ما أفيد في المقام فلاحظ.

«قوله قدس سره: لكن هذا الوجه لا يجري في جميع ما ذكروه من أمثله الكناية»

مثلا لو قال البائع: أدخلت الدار في ملكك بكذا يكون الدال علي البيع اللفظ الكنائي و مع ذلك يكون باللفظ اضف الي ما مرّ آنفا من أنه يمكن الابراز باللفظ في جميع الموارد.

«قوله قدس سره: دخلت في الكناية التي عرفت ان تجويزها رجوع الي عدم … »

قد عرفت انه يمكن الانشاء باللفظ و لا ينافي الاتيان بالكنايات مع الانشاء باللفظ فلا يتم التوجيه المذكور و صفوة القول: انه لو صدق في العرف ان زيدا باع داره من بكر يترتب عليه الاثر اعم من أن يكون انشائه بلفظ بعت أو بغيرها فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 113

«قوله قدس سره: منها لفظ بعت في الايجاب»

لا اشكال في تحقق ايجاب البيع

بلفظ بعت انما الاشكال في أن المستفاد من كلام المصباح- حيث قال في مقام تعريف البيع- «مبادلة مال بمال» ان مفهوم البيع مفهوم متقوم بالطرفين و من ناحية اخري الصحة الوضعية عارضة علي البيع بمقتضي قوله تعالي «احل اللّه البيع» فيقع الكلام في أنه ان قلنا ان البيع عبارة عن مجموع الايجاب و القبول يلزم أن يكون استعمال البيع في قول البائع بعت استعمالا مجازيا أو نلتزم بكون لفظ البيع مشتركا بين معنيين و الالتزام بكلا الامرين مشكل.

و ان قلنا البيع اسم لخصوص الايجاب فتعريف المصباح يقع مورد الاشكال مضافا الي أن لازمه أن يكون البيع في قوله تعالي «احل اللّه البيع» مجازا اذ من الظاهر ان مجرد الايجاب لا يكون مورد الامضاء فما الحيلة.

و الذي يختلج بالبال أن يقال لفظ البيع موضوع لخصوص الايجاب مقابل الاشتراء و أيضا مفهوم البائع في مقابل المشتري و لا يتوجه اشكال.

و أما امضاء البيع فنقول المراد من البيع الذي يكون مورد الامضاء الحصة الخاصة منه و هي الايجاب المتعقب بالقبول مع بقية الشرائط.

و ان شئت قلت: لا اشكال في أن البيع علي اطلاقه و ارساله لا يكون مورد الامضاء بل الممضي بالفتح البيع مع جميع الشرائط المقررة و من جملة تلك الشرائط أن يتعلق به القبول.

و أما تعريف المصباح فيمكن أن يقال ان مراده من المبادلة التبديل و استعمال باب المفاعلة بالفعل القائم بطرف واحد كثير و ليس بعزيز و يمكن أنه أراد بالبيع الحصة الخاصة منه مضافا الي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 114

أن الامر اذا وصل الي كلامه يكون سهلا اذ غاية ما يلزم أن يكون كلامه ناشيا عن الاشتباه و هو أمر ممكن.

[الإشارة إلي بعض ألفاظ عقد البيع]

«قوله قدس سره: و لا يخلو عن وجه»

و لكنه غير وجيه فان الميزان الذي ذكرناه صدق عنوان ذلك العقد أو ذلك الايقاع و لا دليل علي أكثر من هذا المقدار فلاحظ.

«قوله قدس سره: و فيه اشكال»

لعل وجه الاشكال ان مقتضي اطلاق كلامهم عدم الفرق فلا وجه للتفصيل.

«قوله قدس سره: و أما القبول فلا ينبغي الاشكال في وقوعه بلفظ قبلت»

ظهر مما تقدم منا ان هذه التفصيلات بلا طائل فان الميزان بصدق عنوان العقد المقصود أو الايقاع كذلك و الزائد عن هذا المقدار لا دليل عليه.

و لسيدنا الاستاد كلام في المقام و هو انه لو تحقق الايجاب من الطرفين بأن قال احدهما بعت داري ببستانك و مقارنا لهذا الايجاب قال الاخر بعتك بستاني بدارك يتحقق العقد و يترتب عليه الاثر لصدق العقد و التجارة فان العقد ارتباط احد الالتزامين بالآخر و التجارة لا تتقوم بالايجاب و القبول.

و يرد عليه أولا ان قد ذكرنا مرارا ان دليل وجوب الوفاء بالعقد لا يمكن أن يكون ناظرا الي جعل الصحة بل متعرض للزوم العقد الذي فرض كونه صحيحا و ذكرنا أيضا ان صدق التجارة علي غير البيع محل الكلام و الاشكال و ثانيا: انه كيف يرتبط احد الايجابين بالآخر مع فرض كون ايجاب كل واحد من الطرفين ايجاب مستقل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 115

و إنشاء اجنبي عن إنشاء الطرف المقابل.

«قوله قدس سره: وجهين»

ربما يقال بأن القبول لا يتحقق بلفظ الامضاء اذ الامضاء يتعلق بالعقد و العقد مركب من الايجاب و القبول فالامضاء متأخر عن القبول رتبة.

و بعبارة واضحة ان الامضاء فرع تحقق العقد و العقد مركب من الايجاب و القبول فكيف يمكن تحقق القبول بلفظ الامضاء و

فيه انه يكفي في تحقق القبول انشائه فاذا فرض صدق انشائه بانشاء مفهوم الامضاء يتحقق الموضوع و لا وجه للاشكال فالصحيح تحققه به.

«قوله قدس سره: لو اوقعا العقد بالالفاظ المشتركة»

يمكن تصوير المقام علي نحو يدخل في باب المدعي و المنكر مثلا لو كان احد العوضين حيوانا فادعي من انتقل إليه الحيوان كونه مشتريا و ادعي الاخر كونه بايعا يكون المدعي للخيار قوله خلاف الاصل و يلزم عليه أن يقيم البينة و أما الطرف الاخر فيكون قوله موافقا للاصل و هو اللزوم و عدم الخيار فيكون القول قوله.

[في شروط عقد البيع]
[مسئلة المحكي عن جماعة منهم السيد عميد الدين و الفاضل المقداد و المحقق و الشهيد الثانيان اعتبار العربية في العقد]
اشارة

«قوله قدس سره: مسئلة المحكي عن جماعة منهم السيد عميد الدين و الفاضل المقداد و المحقق و الشهيد الثانيان اعتبار العربية في العقد»

ما يمكن أن يذكر أو ذكر في وجه الاشتراط امور:
الأمر الأول: التأسي بالنبي صلي اللّه عليه و آله

فانه كان ينشئ العقود و الايقاعات بالعربي و فعله حجة كقوله و تقريره.

و فيه انه لا دليل علي وجوب التأسي به علي الاطلاق الا فيما علم ان فعله بعنوان التشريع و بيان الحكم و لم يعلم منه ذلك في المقام بل علم عدمه فانه لو كانت العربية شرطا في عقد البيع لذاع و شاع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 116

و لم يقع مورد البحث مع عموم البلوي به في كل زمان و مكان مضافا الي أن احتمال اشتراطها مرفوع بإطلاق دليل صحة البيع و التجارة فالوجه المذكور في غاية السقوط.

الأمر الثاني: ان عدم جواز إنشاء البيع بالعربي غير الماضي يدل بالاولوية علي عدم جوازه بغير العربي.

و فيه: أولا ان عدم الجواز بغير الماضي ممنوع فلا موضوع للاولوية المدعاة.

و ثالثا: انه قد دل بعض النصوص علي جواز إنشاء البيع بغير الماضي و غير العربي لاحظ حديث محمد قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام أني لاكره بيع عشرة باحدي عشر و عشرة باثني عشر و نحو ذلك من البيع و لكن أبيعك بكذا و كذا مساومة، قال: و أتاني متاع من مصر فكرهت أن ابيعه كذلك و عظم علي فبعته مساومة «1».

و حديث العلاء قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يبيع البيع فيقول ابيعك بده دوازده أو ده يازده فقال لا بأس انما هذه المراوضة فاذا جمع البيع جعله جملة واحدة «2».

و رابعا: انه لا مجال لتوهم الاشتراط المذكور فان السيرة جارية في تمام انحاء العالم الاسلامي غير العربي بانشاء البيع بلغات مختلفة و هل يمكن الالتزام ببطلان معاملاتهم كلا.

الأمر الثالث: ان مفهوم العقد لا يصدق علي الانشاء بغير العربي فلا بد من التحفظ علي العربية.

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من ابواب احكام العقود الحديث 4.

(2) عين المصدر الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 117

و بطلان دعوي المذكور أوضح من أن يخفي فان الانشاء عبارة عن ابراز ما في النفس باي نحو بلا تقيده بقيد من القيود فاذا كان امرا قائما بالطرفين يصدق عليه العقد و ان كان قائما بالطرف الواحد يصدق عليه الايقاع فلاحظ.

«قوله قدس سره: و هل يعتبر عدم اللحن من حيث المادة و الهيئة بناء علي اشتراط العربي الاقوي ذلك».

قال سيدنا الاستاد في هذا المقام: لا بد من التفصيل بين كون الملحون غلطا كلفظ «بغت» بدل «بعت» و ما لم يكن غلطا فنقول بعدم الصحة في الاول و بها في الثاني.

و يرد عليه أولا انه كيف يجمع بين كونه

ملحونا و عدم كونه غلطا قال في مجمع البحرين «يقال لحن فلان في كلامه اذا مال عن صحيح النطق» و قال أيضا «غلط في منطقه كفرح غلطا بالتحريك أخطأ وجه الصواب» و الحاصل انه لا واسطة بين الغلط و الصحيح.

و ثانيا: ان الميزان صدق عنوان البيع فان صدق العنوان يحكم بصحته لعدم دليل علي التقييد في مقابل دليل الامضاء فكل قيد و شرط يرفض بالإطلاق الا أن يقوم دليل معتبر علي الاعتبار فنأخذ به.

«قوله قدس سره: و حكي عن فخر الدين الفرق»

بما ذكرنا ظهر انه لا وجه للتفصيل المذكور و أمثاله فان كلها بلا وجه و المتبع اطلاق دليل الامضاء المقتضي لالغاء جميع القيود.

«قوله قدس سره: الا مع العجز عن التعلم و التوكيل»

لا فرق بين القادر و العاجز فان القادر العالم بجميع الخصوصيات لو أنشأ البيع بغير العربي أو بالعربي غير الماضي غلطا بداع من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 118

الدواعي يكون مؤثرا لاطلاق الدليل حتي في صورة تغير المعني اذ الميزان الكلي كما ذكرنا صدق عنوان البيع.

«قوله قدس سره: ثم هل المعتبر عربية جميع أجزاء الايجاب»

علي ما ذكرنا لا مجال لهذه الابحاث و لكن علي القول به لا بد من ملاحظة المدرك فان كان المدرك الاجماع فلا بد من الاقتصار فيه علي القدر المتيقن منه حيث انه دليل لبي الا أن يفرض اطلاق في معقد الاجماع و هذا فرض في فرض.

و ان كان المدرك للاشتراط الاقتصار علي القدر المتيقن بدعوي ان مقتضي الاصل الفساد فلا بد من رعاية جميع القيود المحتملة كما لا بد من رعاية الخصوصيات المعتبرة في قراءة الصلاة اذ بدون رعايتها لا يحصل اليقين و مقتضي الاصل الفساد.

«قوله قدس

سره: ثم انه هل يعتبر كون المتكلم عالما تفصيلا»

الحق انه يصدق انه إنشاء البيع بالعربي و لا يتوقف علي معرفة المتكلم الخصوصيات المذكورة في كلام الماتن و اللّه العالم.

[مسألة المشهور كما عن غير واحد اشتراط الماضوية]
اشارة

«قوله قدس سره: المشهور كما عن غير واحد اشتراط الماضوية»

يظهر من كلامه قدس سره أن

ما يمكن ان يذكر في مقام الاستدلال علي الاشتراط وجوه:
الوجه الأول الشهرة الفتوائية

و قد حقق في محله عدم كون الشهرة حجة.

الوجه الثاني: الاجماع المدعي.

و فيه انه حقق في الاصول عدم اعتبار الاجماع المحصل فكيف بمنقوله.

الوجه الثالث: عدم صراحة المضارع و الامر في إنشاء البيع.

و فيه أولا انه لا وجه للصراحة بل يكفي الظهور. و ثانيا: انه تتحقق

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 119

الصراحة مع القرينة.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 2، ص: 119

و ان شئت قلت: لا فرق بين قول البائع «بعت» و قوله «أبيع» فان كل واحد من اللفظين مع القرينة يمكن أن يكون صريحا في المراد و أما مع عدم القرينة فشي ء منهما لا يكون صريحا و لا ظاهرا.

الوجه الرابع: عدم التعارف الخارجي:

و فيه: انه علي فرض التسليم لا يشترط في صيغة البيع التعارف الخارجي بل بمقتضي الاطلاق أي اطلاق قوله تعالي «احل اللّه البيع» و قوله تعالي «تجارة عن تراض» كفاية صدق العنوان.

«قوله قدس سره: في بيع الآبق»

لاحظ ما رواه رفاعة النخاس قال: سألت أبا الحسن موسي عليه السلام قلت له: أ يصلح لي أن اشتري من القوم الجارية الآبقة و أعطيهم الثمن و أطلبها انا؟ قال: لا يصلح شراؤها الا أن تشتري منهم معها ثوبا أو متاعا فتقول لهم اشتري منكم جاريتكم فلانة و هذا المتاع بكذا و كذا درهما فان ذلك جائز «1».

و لاحظ ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يشتري العبد و هو آبق عن أهله قال: لا يصلح الا أن يشتري معه شيئا آخر و يقول أشتري منك هذا الشي ء و عبدك بكذا و كذا فان لم يقدر علي العبد كان الذي نقده فيما اشتري منه «2».

«قوله قدس سره: و اللبن في الضرع»

لاحظ ما رواه سماعة قال: سألته عن اللبن يشتري و هو في الضرع فقال

لا الا أن يحلب لك منه اسكرجة فيقول اشتر مني هذا اللبن الذي في الاسكرجة و ما في ضروعها بثمن مسمي فان لم يكن

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 120

في الضرع شي ء كان ما في الاسكرجة «1».

«قوله قدس سره: و فحوي ما دل عليه في النكاح»

و هي جملة من النصوص منها ما رواه ابان بن تغلب قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام كيف اقول لها اذا خلوت بها؟ قال تقول أتزوجك متعة علي كتاب اللّه و سنة نبيه لا وارثة و لا موروثة كذا و كذا يوما و ان شئت كذا و كذا سنة بكذا و كذا درهما و تسمي (من الاجر) ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا فاذا قالت نعم فقد رضيت و هي امرأتك و انت أولي الناس بها «2».

و منها ما رواه ابن أبي نصر عن ثعلبة قال: تقول: اتزوجك متعة علي كتاب اللّه و سنة نبيه نكاحا غير سفاح و علي أن لا ترثيني و لا ارثك كذا و كذا يوما بكذا و كذا درهما و علي أن عليك العدة «3».

و منها ما رواه هشام بن سالم قال: قلت كيف يتزوج المتعة؟

قال يقول اتزوجك كذا و كذا يوما بكذا و كذا درهما فاذا مضت تلك الايام كان طلاقها في شرطها و لا عدة لها عليك «4».

و منها ما رواه ابو بصير قال: لا بد من أن يقول فيه هذه الشروط اتزوجك متعة كذا و كذا يوما بكذا و كذا درهما نكاحا غير سفاح علي كتاب اللّه و سنة نبيه و علي أن

لا ترثيني و لا ارثك و علي أن تعتدي خمسة و اربعين يوما و قال بعضهم حيضة «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من هذه الابواب الحديث 2.

(2) الوسائل الباب 18 من ابواب المتعة الحديث 1.

(3) عين المصدر الحديث 2.

(4) عين المصدر الحديث 3.

(5) عين المصدر الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 121

و منها ما رواه الاحول قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام قلت:

ادني ما يتزوج الرجل به المتعة قال كفّ من برّ يقول لها زوجيني نفسك متعة علي كتاب اللّه و سنة نبيه نكاحا غير سفاح علي أن لا ارثك و لا ترثيني و لا أطلب ولدك الي أجل مسمي فان بدا لي زدتك و زدتني «1».

و منها ما رواه هشام بن سالم الجواليقي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال قلت ما اقول لها قال تقول لها اتزوجك علي كتاب اللّه و سنة نبيه و اللّه وليي و وليك كذا و كذا شهرا بكذا و كذا درهما علي أن لي اللّه عليك كفيلا لتفين لي و لا اقسم لك و لا اطلب ولدك و لا عدة لك عليّ فاذا مضي شرطك فلا تتزوجي حتي يمضي لك خمسة و اربعون يوما و ان حدث بك ولد فاعلميني «2».

«قوله قدس سره: علي وجه لا يحتاج الي قرينة»

يرد عليه أولا انه لا وجه لهذا الاشتراط فان الميزان صدق عنوان البيع أو غيره من العقود و الايقاعات باي وجه كان و ثانيا انه كيف يمكن تصوير ما أفاده فان فعل المضارع لا يستفاد منه إنشاء البيع أو غيره الا مع القرينة حالية أو مقالية أو غيرهما فصراحته في الانشاء بلا قرينة أمر غير

ممكن ظاهرا.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل وجه الامر بالتأمل ما ذكرناه فلاحظ.

بقي شي ء و هو ان سيدنا الاستاد أفاد في المقام بانه يجوز إنشاء البيع بالجملة الاسمية كما لو قال هذا لك بكذا اذا قام قرينة علي أن القائل في مقام البيع و أما إنشاء البيع بقوله انا بايع و نحوه فلا

______________________________

(1) الوسائل الباب 18 من ابواب المتعة الحديث 5.

(2) نفس المصدر الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 122

يجوز اذ يعد في نظر العرف من الاغلاط و مع عدم صدق عنوان البيع علي ما يتحقق في الخارج من الانشاء لا يصح البيع.

و فيه أولا انا نمنع عن كون مثله غلطا و ثانيا انه يفرض كونه غلطا لكن لا نسلم ان عنوان البيع لا يصدق علي الانشاء الغلط و اللّه العالم.

[مسألة الأشهر كما قيل لزوم تقديم الايجاب علي القبول]

«قوله قدس سره: مسئلة الاشهر كما قيل لزوم تقديم الايجاب علي القبول»

ربما يستدل علي المدعي بالاجماع و حال الاجماع في الاشكال ظاهر مضافا الي أنه علي تقدير تحققه يحتمل استناده الي بعض الوجوه المذكورة في المقام.

كما ان الاستدلال عليه بأن تقديم القبول علي الايجاب خلاف المتعارف مردود بأن مقتضي اطلاق الدليل عدم الفرق بين المتعارف و غيره.

و الذي يختلج بالبال أن يقال: ان القبول علي قسمين احدهما:

أن يكون متضمنا للمطاوعة للايجاب ثانيهما: أن لا يكون كذلك بل ينشأ به الاشتراء من دون قصد المطاوعة قال الراغب في مفرداته:

«البيع اعطاء المثمن و أخذ الثمن» «و الشراء اعطاء الثمن و أخذ المثمن» فالشراء عبارة عن اخذ المبدل و اعطاء البدل فان كان القبول بعنوان المطاوعة فلا بد أن يكون متأخرا عن الايجاب اذ قوام المطاوعة بقبول ما وقع في الخارج فلا يعقل فيه التقدم.

و أما

ان لم يكن كذلك فلا محظور في تقدمه علي الايجاب و يؤيد المدعي بل يدل عليه جملة من النصوص منها ما رواه رفاعة «1» فان المستفاد من الحديث جواز تقديم الاشتراء علي ايجاب البيع.

______________________________

(1) تقدم ذكر الحديث في ص 119.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 123

و منها ما رواه سماعة «1» و التقريب هو التقريب و منها ما رواه سماعة أيضا 2 و التقريب هو التقريب.

و صفوة القول: ان القبول اذا كان متضمنا للمطاوعة فلا بد من تأخره عن الايجاب و الا فلا.

و ما في كلام سيدنا الاستاد من التفصيل بين مطاوعة المصدر و اسم المصدر بأن المطاوعة للمصدر غير لازم و مطاوعة معني اسم المصدر لا يتوقف علي التأخر لا يرجع الي محصل صحيح اذ المقصود ان العقد مركب من الايجاب و القبول و لا دليل علي لزوم تقدم الايجاب لكن القبول اذا كان عبارة عن إنشاء الرضا بما تحقق من قبل الموجب فلا يعقل تحققه قبل الايجاب الا علي نحو الوعد و لا يكون قابلا للتفصيل و الظاهر ان عنوان القبول لا يمكن تحققه الا أن يقع بعد الايجاب.

فالنتيجة انه لا يشترط في القبول أن يكون متأخرا عن الايجاب بل البيع متقوم بالتبديل بين المثمن و الثمن و ان الموجب يعطي المعوض و يأخذ الثمن و المشتري يأخذ المعوض و يدفع الثمن بلا فرق بين تأخره عن الايجاب و تقدمه عليه.

و أما لزوم تأخره عنه فيما يكون بعنوان القبول فهو من باب خصوصية في عنوان القبول و مادته.

و ربما يقال: يمكن الاستدلال علي المدعي أي علي عدم اشتراط تأخر القبول عن الايجاب بالنصوص الواردة في المتعة الدالة علي جواز تقدم القبول

علي الايجاب «3».

______________________________

(1) (1 و 2) لاحظ ص: 119.

(3) تقدم تلك النصوص في ص 119 و 120 و 121.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 124

بتقريب ان النصوص المشار إليها تدل علي المقصود في المقام بالاولوية: و فيه انه لا أولوية بل الامر علي العكس اذ يمكن ان الشارع الاقدس سهل الامر في باب النكاح حذرا عن وقوع الزنا فما دونه بخلاف غيره فالتسهيل في ذلك الباب لا يدل علي أن غيره مثله في السهولة.

«قوله قدس سره: و لعله الاصل»

قد ظهر بما ذكرنا انه لا أصل للاصل المذكور و ان المتعارف الخارجي لا يكون مانعا عن الاخذ بالإطلاق و لا يوجب الانصراف فلاحظ.

«قوله قدس سره: و زاد بعضهم ان القبول فرع الايجاب»

قد ظهر مما تقدم ان القبول الذي شرب فيه مفهوم المطاوعة و الرضا بما وقع في الخارج لا بد من أن يكون متأخرا عن الايجاب لكن قد ذكرنا ان البيع متوقف علي البيع من قبل البائع و الاشتراء من قبل المشتري باي نحو تحقق و لا دليل علي لزوم تأخر الاشتراء عن ايجاب البيع بل الدليل علي خلافه.

«قوله قدس سره: و رواية السهل الساعدي»

لاحظ ما رواه سهل الساعدي ان النبي صلي اللّه عليه و آله جاءت إليه امرأة فقالت: يا رسول اللّه اني قد وهبت نفسي لك فقال صلي اللّه عليه و آله لا اربة لي في النساء فقالت زوجني بمن شئت من أصحابك فقام رجل فقال يا رسول اللّه زوجنيها فقال: هل معك شي ء تصدقها فقال و اللّه ما معي الا ردائي هذا فقال ان اعطيتها اياه تبقي و لا رداء لك هل لك شي ء من القرآن فقال نعم سورة كذا و

كذا فقال صلي اللّه عليه و آله زوجتكها علي ما معك من القرآن «1».

______________________________

(1) المستدرك الباب 1 من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 125

«قوله قدس سره: و التحقيق ان القبول اما أن يكون بلفظ قبلت و رضيت»

قسم القبول الي اقسام الاول: أن يكون بلفظ قبلت و رضيت و أفاد بأنه لا يجوز تقديمه علي الايجاب و استدل عليه بوجوه.

الوجه الأول: الاجماع. الوجه الثاني: انه خلاف المتعارف من العقد.

الوجه الثالث: ان الرضا بالايجاب يستلزم النقل في الحال لا مجرد ابراز الرضا كي يقال انه يمكن ابراز الرضا بالامر المستقبل.

و يرد علي الوجه الأول ان الاجماع المحصل لا اعتبار به فضلا عن المنقول منه سيما في مثل المقام. و يرد علي الوجه الثاني ان التعارف الخارجي لا يكون مانعا عن الاطلاق كما تقدم. و يرد علي الوجه الثالث ان القبول متضمن للنقل بلا فرق بين تقدمه علي الايجاب و تأخره عنه فان الملكية المتحققة في البيع اما ملكية شرعية و أما عقلائية و اما من قبل البائع و اما من قبل المشتري.

توضيح المدعي: انه لو قال البائع للمشتري بعتك داري بكذا تكون الدار منتقلة الي المشتري و الثمن منتقلا الي البائع و اذا قال المشتري قبل ايجاب البائع اشتريت منك دارك بكذا يتحقق الانتقال كذلك فاذا وقع انشائهما موردا لامضاء العقلاء يتحقق الملكية العقلائية و اذا وقع مورد امضاء الشرع تتحقق الملكية الشرعية.

و صفوة القول: ان الملكية و الانتقال يتحقق من قبل كل واحد من البائع و المشتري بالفعل غاية الامر تارة يكون صحيحا بلحاظ الشرع و اخري لا يكون صحيحا فهذا الوجه أيضا غير صحيح.

و علي

الجملة: ان القبول علي الاطلاق متضمن للنقل بالفعل و لا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 126

يفرق فيه بين تقدمه علي الايجاب و تأخره عنه فالحق أن يقال كما تقدم ان القبول اذا كان بعنوان المطاوعة و الرضا بما تحقق فلا بد من كونه متأخرا عن الايجاب و لا يمكن تقدمه عليه و الا فلا مانع من تقدمه و الظاهر ان مادة القبول لا بد فيها من تأخرها.

ثم ان الماتن منع عن جواز تقديم القبول اذا كان بلفظ الامر و استدل عليه بأن الامر يدل علي الرضا بالمعاوضة و لا يدل علي تحققه خارجا.

و بعبارة اخري: الامر طلب للمعاوضة لارضاء بها و ببيان واضح:

لا يتحقق النقل بالفعل بالطلب فلا يتحقق القبول.

و يرد عليه انه تارة يراد بالامر و الطلب مجرد الاستدعاء و طلب إنشاء المعاملة و اخري يقصد بالطلب و الامر الاشتراء اي ينشئ بالامر ما ينشئ بقوله اشتريت فعلي الاول لا يتحقق القبول و أما علي الثاني فيمكن القول بتحقق احد ركني العقد و الالتزام بتقدم الاشتراء علي البيع.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله اشارة الي ان دعوي الاجماع موهونة بكثرة الخلاف و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: متعاكسان»

لا يبعد أن يكون المراد من العبارة ان لفظ رضيت لو تأخر عن الايجاب يدل بالمطابقة علي القبول و بالملازمة علي نقل مال البائع الي نفسه و أما لفظ اشتريت لو تأخر عن الايجاب يدل بالمطابقة علي النقل و بالملازمة علي الرضاء و أما لو تقدم علي الايجاب فلا تدل علي الرضاء بالايجاب حتي التزاما و يدل علي النقل بالمطابقة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 127

و أما لفظ رضيت لو تقدم علي الايجاب فلا يدل علي

النقل بل يدل علي الرضاء بالايجاب.

«قوله قدس سره: و لا يخفي انه لا يصدق الارتهان»

لو فرض عدم صدق الارتهان الا بعد تحقق الرهن من الراهن فما أفاده تام بلا اشكال لكن الكلام و الاشكال في أصل الدعوي فان باب الافتعال لم يشرب فيه عنوان المطاوعة و لذا يصدق عنوان الاكتساب و أمثاله علي فعل الشخص ابتداءً.

و دعوي ان اخذ شي ء بعنوان الوثيقة متوقف علي الايجاب السابق من قبل الراهن بلا دليل و علي الجملة: يتصور تقديم القبول علي الايجاب في جميع الموارد المذكورة فلا وجه للتفصيل نعم عنوان المطاوعة و قبول ما وقع من قبل الموجب يتوقف علي التأخر و الا يلزم الخلف المحال.

و صفوة القول: انه لا دليل في مقام الثبوت علي لزوم تأخر القبول عن الايجاب نعم لا بد في مقام الاثبات من وجود دليل يمكن الاخذ به و الا يكون مقتضي الاصل الاولي الجاري في المعاملات الفساد فلاحظ.

[و من جملة شروط العقد الموالاة بين ايجابه و قبوله]
اشارة

«قوله قدس سره: و من جملة شروط العقد الموالاة بين ايجابه و قبوله»

قال سيدنا الاستاد في منهاج الصالحين في بحث شروط العقد في مسألة 3 «يعتبر في تحقق العقد الموالاة بين الايجاب و القبول فلو قال البائع بعت فلم يبادر المشتري الي القبول حتي انصرف البائع عن البيع لم يتحقق العقد و لم يترتب عليه الاثر أما اذا لم ينصرف و كان ينتظر القبول حتي قبل صح».

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 128

و هذه العبارة تدل علي أن سيدنا الاستاد لا يري الموالاة بين الايجاب و القبول معتبرة و كيف كان

الذي يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي المدعي وجوه:
الوجه الأول: الاجماع

و اشكاله ظاهر.

الوجه الثاني: ما افاده المحقق الايرواني قدس سره

و هو انه مع عدم الموالاة ان القبول إما يطابق الايجاب و إما يخالفه أما علي الاول فيلزم تحقق الملكية من حين الايجاب نظير كون الاجازة في البيع الفضولي كاشفا عن صحة العقد من حين تحققه و أما علي الثاني فلا يكون العقد صحيحا لاشتراط التطابق بين الايجاب و القبول.

و فيه أولا: ان الاشكال المذكور جار فيما يكون الفصل قصيرا فان حكم الامثال واحد.

و ثانيا: انه لا دليل علي لزوم التطابق بين الايجاب و القبول بهذا المقدار فان البائع يعتبر المبادلة بين العوضين من زمان الايجاب و المشتري يعتبر المبادلة بينهما من زمان القبول و الشارع الاقدس يمضي العقد من زمان تحققه.

الوجه الثالث: ما عن الشهيد قدس سره

من أن كل أمرين أو امور يجمعها عنوان واحد كالصلاة و الاذان و أمثالهما تشترط الموالاة بينها و يعتبر عدم الفصل بين أجزائها بحيث لا تنعدم الصورة الاتصالية و من هذا القبيل العقد فانه لا بد في تحققه من عدم الفصل بين ايجابه و قبوله و الا لا يصدق عليه عنوان العقد.

و بعبارة اخري: الامر المتدرج الذي له صورة اتصالية لا بد فيه من الموالاة كي لا تختل صورته و أما اذ اختلت الصورة لا يترتب عليه الاثر المطلوب شرعا و العقد من هذا القبيل فلا بد فيه من رعاية الموالاة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 129

و فيه أولا: ان العقد عبارة عن ارتباط احد الالتزامين بالالتزام الاخر و ليس العقد من باب الالفاظ كي يجري فيه هذا التقريب نعم يحتاج العقد الي الابراز و مبرزه ربما يكون اللفظ كما انه يمكن أن يبرز بالفعل كما لو أبرز بالمعاطاة.

و ثانيا: انا نفرض كونه من عالم الالفاظ لكن لا تشترط في صدق

العنوان الموالاة و لذا نري انه لو قرء و ختم القرآن احد في مدة شهر يصدق انه ختم القرآن و عليه الديدن الخارجي و المتعارف عند المؤمنين فصدق العنوان لا يتوقف علي الموالاة علي نحو الاطلاق.

و لا يقاس المقام بالفصل بين الاستثناء و المستثني منه فانه مع الاتصال يكون للكلام ظهور واحد بخلاف صورة الانفصال و لذا يقال الاستثناء من الاثبات نفي و من النفي اثبات و اذا قال احد لا إله و لم يقل الا اللّه يحكم عليه بالكفر.

و علي الجملة: الظهورات العرفية معتبرة عند العقلاء و المستفاد من جملة الاستثناء و المستثني منه يتوقف علي الاتصال.

و بعبارة واضحة: قوامه بالاتصال و أما مسألة استتابة المرتد و أيضا مسألة وجوب تحريم المأموم قبل ركوع الامام فلا يرتبطان بالبحث بل ترتبطان بالدليل الشرعي فان تم الدليل علي الفورية نلتزم بها و الا فلا كما ان لزوم الموالاة في التعريف في مسألة اللقطة متقوم بالدليل الدال عليه و لا يرتبط بالمقام.

نعم لا اشكال في أن الامر التدريجي المتصل المتوالي اذا صار موضوعا للحكم لا بد من رعاية الموالاة فيه فان القضية بشرط المحمول ضرورية لكن الكلام في الصغري.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 130

و ثالثا: انا نفرض عدم صدق عنوان العقد لكن يكفي عنوان البيع و التجارة.

الوجه الرابع: ما عن الميرزا النائيني

و هو ان العقد المعاوضي خلع و لبس و مع عدم الموالاة يلزم أن يتحقق الخلع بلا لبس فيلزم الخلف.

و فيه أولا: ان الاشكال المذكور علي تقدير تماميته جار في الفصل القصير فان حكم الامثال واحد.

و ثانيا: ان الخلع من قبل البائع ملازم مع اللبس كما ان الامر كذلك بالنسبة الي المشتري بيان ذلك: ان البائع اذا

باع داره من احد بالف دينار يخلع ملكية الدار عن نفسه و يجعل تلك الملكية للمشتري و يخلع ملكية الدينار عن المشتري و يجعل لنفسه و المشتري أيضا يفعل مثل فعل البائع غاية الامر ينعكس الامر من قبله و تتحقق المبادلة بفعلهما و العرف يمضي المبادلة المذكورة و كذلك الشارع ففي جميع المراحل يكون الخلع ملازما مع اللبس و لا يلزم الانفكاك فلا يتم الوجه المذكور أيضا.

الوجه الخامس: ان المتعارف الخارجي تراعي فيه الموالاة.

و فيه ان الاطلاق كما ذكرنا مرارا لا ينصرف الي المتعارف الخارجي و التعارف الخارجي لا يكون مانعا عن الاخذ بالإطلاق.

فالنتيجة انه لا دليل علي اشتراط الموالاة بين الايجاب و القبول بل

يمكن الاستدلال علي عدم لزوم الموالاة بوجوه.
الوجه الأول: اطلاق دليل صحة البيع

كقوله تعالي «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» فان مقتضي الاطلاق عدم اشتراط الموالاة.

الوجه الثاني: السيرة العقلائية الخارجية بل السيرة الجارية بين المتشرعة

فانا نري بالعيان و الوجدان عدم رعايتهم للموالاة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 131

في عقودهم فانهم يرسلون الهدايا من البلاد النائية و يحصل قبولها بعد زمان طويل و أيضا يوكلون غيرهم في أمر و يحصل قبول الوكالة من الوكيل بعد فصل زماني طويل.

و الحاصل انه لا اشكال في تحقق المعاملات و العقود بين العقلاء مع كونهم متباعدين و السيرة جارية بينهم بلا نكير من احد.

الوجه الثالث: ما رواه الساعدي

«1» فان المستفاد من الحديث تحقق الفصل بين ايجاب المرأة و قبول نكاحها.

الوجه الرابع: ما رواه ابن صدقة

عن جعفر عن ابيه عليهما السلام قال ولد لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من خديجة القاسم و الطاهر، الي أن قال ثم ولد لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من أمّ ابراهيم ابراهيم و هي مارية القبطية أهداها إليه صاحب الاسكندرية مع البغلة الشهباء و أشياء معها «2».

فانه يستفاد من هذه الرواية الفصل بين الايجاب و القبول ان قلت:

الكلام في العقد اللفظي و قصّة المارية تحققت بالمعاطاة قلت:

الكلام في اشتراط الموالاة بين الايجاب و القبول فلا فرق بين اللفظ و الفعل.

[و من جملة الشرائط التي ذكرها جماعة التنجيز في العقد]
اشارة

«قوله قدس سره: و من جملة الشرائط التي ذكرها جماعة التنجيز في العقد»

ما يمكن أن يذكر لتقريب المدعي وجوه
الوجه الأول: الاجماع

. و قد حقق في محله عدم اعتبار الاجماع المحصل فكيف بالمنقول منه مضافا الي امكان استنادهم الي الوجوه المذكورة في المقام ان لم يكن مقطوعا به.

______________________________

(1) تقدم ذكر الحديث في ص 124.

(2) البحار ج 22 ص 151.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 132

الوجه الثاني: ان التعليق في العقد غير معقول.

و فيه ان التعليق في الانشاء غير معقول اذ الانشاء إما يتحقق و إمّا لا يتحقق و أما التعليق في المنشأ فأمر معقول و واقع في الخارج فان الوصية إنشاء للملكية مثلا بعد الموت و قد حقق في الاصول ان الواجب ينقسم الي المطلق و المشروط فالتعليق اذا تعلق بالمنشإ فلا مانع منه.

الوجه الثالث: ان وجوب الوفاء بالعقد لا ينفك عن العقد فلا بد من كون العقد منجزا كي يترتب عليه وجوب الوفاء.

و يرد عليه أولا: ان وجوب الوفاء ليس وجوبا تكليفيا بل وجوب وضعي أي يكون العقد لازما و لا تنافي بين التعليق و اللزوم و بعبارة اخري: مقتضي وجوب الوفاء انه ليس للعاقد الفسخ.

و ثانيا: انه سلمنا ان وجوب الوفاء وجوب تكليفي لكن وجوبه تابع لموضوعه فان كان موضوعه فعليا يكون مترتبا عليه بالفعل و الا يترتب عليه عند تحققه.

و ثالثا: ان هذا التقريب علي فرض تماميته يتم فيما لو كان المعلق عليه أمرا استقباليا كما لو قال بعتك بعد قدوم زيد من السفر و أما لو علق علي أمر فعلي كما لو قال بعتك ان كان هذا اليوم يوم الجمعة فلا يتوجه الاشكال.

و رابعا: انا فرضنا عدم ترتب اللزوم علي العقد لكن نقول لا ينحصر دليل صحة العقد بدليل وجوب الوفاء كي يتم التقريب المذكور فان قوله تعالي «احل اللّه البيع» و أيضا قوله تعالي «تجارة عن تراض» يدلان علي صحة العقد فهذا الوجه أيضا غير تام.

الوجه الرابع: ان دليل صحة العقود توقيفي

فلا بد من الاقتصار علي ما علم من الشرع كونه مؤثرا و الا يكون محكوما بالفساد بمقتضي اصالة الفساد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 133

و يرد عليه ان الميزان اطلاق دليل الامضاء و المفروض ان اطلاق دليل الصحة يقتضي صحة المعلق.

الوجه الخامس: ان اطلاق الدليل ينصرف الي المتعارف فاذا كان التعليق خلاف المتعارف لا يشمله دليل الصحة.

و فيه انه لا دليل علي كون المطلق منصرفا الي المتعارف مضافا الي أن كون التعليق غير المتعارف غير تام.

و ربما يقال ان التقريب المذكور علي فرض تماميته انما يتم بالنسبة الي الدليل المطلق كقوله تعالي «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» لكن لا يتم بالنسبة الي العموم كقوله «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

و هذا التوهم فاسد اما أولا فلان دليل وجوب الوفاء لا يكون دليلا للصحة بل دليل للزوم العقد الصحيح فانا ذكرنا سابقا ان الوجوب المستفاد من دليل وجوب الوفاء ليس وجوبا تكليفيا اذ من الظاهر ان الفسخ لا يكون حراما فيكون ارشادا الي اللزوم و من الظاهر ان اللزوم فرع الصحة و من ناحية اخري الحكم غير متعرض لموضوع نفسه بل الحكم تابع لوجود موضوعه فلا بد من فرض وجوده كي يترتب عليه الحكم.

و عليه نقول: العقد الذي يترتب عليه اللزوم اما خصوص العقد الباطل أو الجامع بين الفاسد و الصحيح أو خصوص الصحيح لا سبيل الي الاول و الثاني فيكون المراد منه خصوص الصحيح فالنتيجة ان دليل وجوب الوفاء لا يكون دليلا للصحة هذا أولا.

و ثانيا: ان الاطلاق عبارة عن الشمول المستفاد من دليل الحكمة و بعبارة واضحة: الشمول و السريان تارة يستفاد من دليل الحكمة و اخري من الوضع فاذا قال المولي اكرم العالم يستفاد سريان الحكم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 134

من اجراء مقدمات الحكمة في مفهوم العالم و اذا

قال اكرم كل عالم يستفاد العموم من وضع لفظ الكل للعموم و السريان و لكن الحكم يشمل لكل فرد قابل لان يكون مصداقا لمفهوم العالم و لذا لا يشمل من لا يكون عالما.

و بعبارة واضحة: العموم المستفاد من لفظ الكل يقتضي سريان الحكم بالنسبة الي كل فرد من أفراد العالم و أما غير العالم فلا فلو ثبت انصراف لفظ العالم الي خصوص الفقيه لا يستفاد من دليل وجوب الاكرام وجوب اكرام غير الفقيه من العلماء و لا مجال لدعوي ان العموم يقتضي الشمول و عليه لو ادعي احد ان العقد منصرف الي العقد المتعارف الخارجي و فرضنا ان المتعارف الخارجي ما لا يكون فيه التعليق يثبت المدعي و لا اثر للعموم اذ العموم ناظر الي تسرية الحكم الي كل فرد من أفراد مدخول الكل.

و بعبارة اخري: ما يفهم من المدخول يصير عاما ببركة الكل فالعمدة في الجواب عن الاشكال ان الانصراف البدوي لا اثر له.

الوجه السادس: انه يشترط الجزم في العقد و التعليق ينافي الجزم.

و يرد عليه أولا: انهم قائلون بالصحة في مورد التعليق علي ما يتوقف عليه صحة العقد كما لو قال الموكل اذا كانت هذه الدار مملوكة لي فانت وكيلي في بيعها و الحال ان الجزم هنا أيضا مفقود.

و ثانيا: انه ما المراد من الجزم اذ مع تحقق الشرط يجزم بالصحة و التمامية و بعبارة اخري: يجزم العاقد بتحقق العقد مع تحقق الشرط و أي دليل دل علي اشتراط الجزم علي الاطلاق.

و ان شئت قلت: الاستدلال علي المدعي بهذا الوجه مصادرة بالمطلوب مضافا الي أنه يلزم القول بالصحة فيما لو علق علي أمر

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 135

استقبالي يجزم بتحققه كما لو قال بعتك داري ان جاء زيد من

السفر يوم الجمعة و يلزم القول بالبطلان مع عدم الجزم و لو فيما علق علي امر تتوقف صحة العقد عليه كما لو قال ان كان لي هذا بعتك و الحال انه لا يدري له أم لا و الاصحاب قائلون بعدم الصحة في الصورة الاولي و بالصحة في الصورة الثانية.

و الانصاف انه لا ترجع كلماتهم تحت ضابط كلي و لذا نري ان بياناتهم متناقضة حيث يقولون اذا قال الموكل للوكيل في يوم الاربعاء مثلا انت وكيلي في يوم الجمعة في بيع داري تكون الوكالة باطلة للتعليق و اما لو قال انت وكيلي في بيع داري و لا تبع داري الا في يوم الجمعة تصح الوكالة و الحال انه لا فرق بين الموردين إلا من حيث اللفظ فان الوكالة في المورد الثاني أما مطلقه و أما معلقة و أما مهملة أما الاهمال فهو غير معقول و أما التعليق فالمفروض انه باطل و أما الاطلاق فهو ينافي النهي الواقع في الذيل فان الوكالة الطلقة تقتضي كون الوكيل مطلق العنان و أما الذيل فهو يقتضي التقييد فالذيل ينافي الصدر.

فالنتيجة: انه لا دليل علي لزوم التنجيز في العقود لكن هل يمكن الالتزام بالجواز علي الاطلاق و هل يمكن أن يلتزم الفقيه بجواز بيع زيد داره بعد مضي عشرة أيام؟ أو هل يمكن أن يلتزم بجواز تزويج المرأة نفسها من أول السنة الآتية؟ و هكذا كلا ثم كلا.

«قوله قدس سره: و ان كان الشرط المشية»

المراد من المشية مشية المشتري الاشتراء و من الظاهر ان البيع غير معلق علي مشية المشتري و لذا يمكن أن يقال ان المشتري اذا كان جامعا للشرائط و كان عازما علي عدم البيع و مع ذلك باع

عمدة

المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 136

البائع منه متاعه و قال بعتك داري و بعد ايجاب البائع بدا له و عزم علي القبول و قبل و قال اشتريت دارك، يصح البيع.

الا أن يقال: ان المراد من العبارة ان التعليق يضر بصحة العقد و لو كان المعلق عليه المشية و ليس المراد اشتراط العقد بالمشية فلا يرد الاشكال علي العبارة.

«قوله قدس سره: لان هذه صفة يقتضيها اطلاق العقد»

يمكن أن يكون المراد من العبارة ان اطلاق العقد من المشتري يدل علي مشيته اذ لو لم يرد لم يشتر و الامر سهل.

«قوله قدس سره: و لهذا احتمل العلامة في النهاية و ولده في الايضاح بطلان بيع الوارث»

الظاهر انه لا وجه للبطلان فان التعليق علي موت المورث تعليق علي ما يتوقف عليه صحة العقد و مثله غير مضر بالصحة جزما فلا وجه للاشكال.

«قوله قدس سره: كما لو شرط في البيع تسليم الثمن»

الظاهر ان مثله خارج عن محل الكلام فان الكلام في تعليق نفس العقد علي أمر و تسليم الثمن متفرع علي العقد فلو علق العقد علي تسليمه لدار فلاحظ.

«قوله قدس سره: أو ان المشتري راض حين الايجاب»

قد تقدم منا ان ايجاب البائع لا يشترط برضي المشتري لا شرعا و لا عقلا و لا عرفا و لا عند البائع فلا يكون داخلا في محل البحث.

«قوله قدس سره: كعدم الزوجية»

الانشاء خفيف المئونة و يتحقق علي كل تقدير فلا فرق بين العلم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 137

بالزوجية و الشك فيها و القطع بعدمها فان اعتبار طلاق الاجنبية أمر ممكن فلا تغفل.

[و من جملة شروط العقد التطابق بين الايجاب و القبول]

«قوله قدس سره: و من جملة شروط العقد التطابق بين الايجاب و القبول»

اشتراط التطابق من الامور الواضحة

فان العقد مركب من الايجاب و القبول و اشرب في القبول المطاوعة و مع عدم المطابقة لا تحصل المطاوعة و لا يرتبط احد الامرين بالآخر فلا بد من التطابق بين الايجاب و القبول في الثمن و المثمن.

و أما الشروط فأفاد سيدنا الاستاد ان الشروط لا ترتبط بالعقد و الا يلزم التعليق في العقد.

و ما أفاده غريب اذ يرد عليه أولا: ان لازم كلامه انه لو باع احد داره من شخص و اشترط عليه أن يخيط ثوبه لم تكن الخياطة علي المشتري واجبا اذ لا يرتبط بالعقد.

و ثانيا: ان الشرط لا يتحقق بماله من المفهوم الا مع الارتباط كما ذكرناه مرارا فالحق أن يقال ان جميع الشروط مربوطة بالعقد فلو باع داره بشرط الخياطة يكون معناه تعليق البيع علي الالتزام بالخياطة فالبيع معلق علي الالتزام و بهذا الاعتبار يصدق مفهوم الشرط و يتعلق به الوجوب فان المؤمن عند شرطه و لا ينفك عنه.

و أما تعليق العقد علي الالتزام فهو غير مضر فان التعليق علي الامر الموجود بالفعل المحرز عند المتعاملين خارج عن مورد الاجماع مضافا الي أنه لا اشكال في صحة مثله و الا يلزم بطلان الشرط علي الاطلاق و هو خلاف ضرورة الفقه فان شرط الفعل جائز بالضرورة.

نعم لو تخلف المشروط عليه و عصي و لم يخط الثوب يترتب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 138

عليه الخيار فان المستفاد من الشرع جواز جعل الخيار علي الاطلاق أو عند التخلف و بعبارة اخري: جعل خيار الشرط ارتكازي و يجوز بلا اشكال.

«قوله قدس سره: و لو قال بعتك العبد بكذا فقال اشتريت نصفه بتمام الثمن أو نصفه لم ينعقد»

قال السيد اليزدي قدس سره في حاشيته في

هذا المقام: «اقول فيه اشكال و لا يبعد الصحة بل ينبغي القطع بها فيما لو قال بعتك الكتاب بدرهم و الثوب بدرهم و كذا لو قال بعتك الكتاب بدرهم و بعتك الثوب فقال قبلت البيع دون الهبة أو قال بعتك كذا و انكحتك بنتي فقال قبلت البيع أو النكاح و هكذا فيما يرجع الي تعدد المعاملة في الحقيقة» انتهي موضع الحاجة من كلامه.

و الذي يختلج بالبال أن يقال انه تارة يكون العقد متعددا و انما الوحدة في مقام الانشاء كالجمع بين البيع و النكاح و اخري لا يكون كذلك كبيع الدار فان المشتري لو قبل البيع و لم يقبل النكاح يكون صحيحا لتمامية المقتضي و عدم المانع غاية الامر ثبوت خيار الفسخ للبائع ان قلنا بأن المستفاد من كلامه بحسب الفهم العرفي جعل الخيار لنفسه في ظرف عدم قبول النكاح.

و أما لو أوقع البائع البيع علي الدار و قال بعتك داري بمائة دينار فقال المشتري اشتريت نصفها بالمائة أو بخمسين دينارا لم يصح العقد لعدم التطابق و يترتب علي ما ذكر انه لو باع الدار و بعد البيع انكشف ان الدار مشتركة بين البائع و غيره يكون البيع باطلا لان ما وقع غير قابل شرعا للصحة و ما يكون قابلا لها لم يقع.

و الالتزام بالصحة بالنسبة بتقريب الانحلال غير تام و الا يلزم تعدد البيع الي ما لا نهاية له لامتناع الجزء الذي لا يتجزي و ثبوت

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 139

خيار المجلس كذلك و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟ و هل يمكن أن يلتزم الفقيه بتعدد الخيار باعتبار كون المبيع ذا اجزاء؟ كلا ثم كلا.

و صفرة القول: ان الميزان تعدد العقد

و وحدته فمع التعدد يمكن الالتزام بجواز التبعيض من قبل المشتري و أما مع عدمه فلا مجال للصحة و ليكن هذا في ذكرك كي ينفعك فيما بعد إن شاء اللّه تعالي.

«قوله قدس سره: لم يقع»

الامر كما أفاده اذ المفروض انه بيع واحد و عقد فارد و لا مجال للتبعيض و ما أفاده يؤيد ما بيناه و نعم المؤيد.

«قوله قدس سره: لا يبعد الجواز»

يمكن أن يقال ان ما افاده قدس سره يرجع الي التناقض اذ لو فرض التعدد في الايجاب فما الوجه فيما أفاده أولا بقوله لم يقح؟

و اذا فرض ان العقد واحد فما الوجه فيما افاده ثانيا بقوله لا يبعد.

و الحق أن يقال: يتوقف العقد علي قبولهما معا بأن يقولا قبلنا البيع فكأن المشتري مجموعهما و المبيع مجموع الدار فالمشتري واحد كما ان المبيع كذلك.

«قوله قدس سره: و فيه اشكال»

قد ظهر مما ذكرنا وجه الاشكال فان المفروض ان البيع واحد و المبيع واحد أيضا فلا مجال لقول المشتري قبلت كل نصف فان العقد لم يتعلق بالنصف و بالكسر المشاع و الا فلا يقف الي حد معين فلاحظ.

و في المقام رواية و هي مكاتبة الصفار انه كتب الي أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام في رجل له قطاع ارضين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 140

«الارض» فيحضره الخروج الي مكة و القرية علي مراحل من منزله و لم يكن له من المقام ما يأتي بحدود ارضه و عرف حدود القرية الاربعة فقال للشهود اشهدوا اني قد بعت فلانا يعني المشتري جميع القرية التي حدّ منها كذا و الثاني و الثالث و الرابع و انما له في هذه القرية قطاع أرضين فهل يصلح للمشتري

ذلك و انما له بعض هذه القرية و قد اقر له بكلها؟ فوقع عليه السلام لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك «1».

فانه ربما يستفاد من الحديث انحلال البيع بانحلال أجزاء المبيع و يمكن أن يقال: ان القاعدة الاولية كما بينا عدم الجواز فلا بد من رفع اليد عن القاعدة بمقدار دلالة المكاتبة و أما الزائد فلا و المقدار المستفاد من الحديث ان البائع لو باع مملوكه و غير مملوكه صفقة واحدة يصح البيع بالنسبة الي مملوكه و لا يصح بالنسبة الي غير مملوكه و أما لو باع داره و قبل المشتري بيع نصف الدار فهل يمكن الحكم بالجواز بلحاظ حديث الصفار؟ الانصاف انه يشكل الالتزام بعموم الحكم فالنتيجة الحكم بعدم الجواز الا بالمقدار المستفاد من الحديث فلاحظ.

«قوله قدس سره: و من جملة الشروط في العقد أن يقع كل من ايجابه و قبوله في حال يجوز لكل واحد منهما الانشاء»

لم يرد في هذا المقام دليل خاص لا من الكتاب و لا من السنة و انما الميزان صدق العناوين المأخوذة في لسان ادلة الامضاء من البيع و التجارة و أمثالهما.

فنقول: لا دليل علي لزوم كون المشتري واجدا لشرائط الصحة

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب عقد البيع و شروطه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 141

حين إنشاء البائع فلو كان محجورا حين انشائه و بعد تمامية انشائه زال عنه الحجر و قبل يصح العقد و هكذا و لذا نري ان فلانا يكتب كتابا الي غيره و يبيعه كذا مقدار حنطة بثمن و يصل المكتوب الي الطرف بعد شهر و في اثناء الشهر المذكور يمكن أن لا يكون الطرف

قابلا للمعاقدة لجنون أو حجر أو غيرهما و أما عند وصول الكتاب يكون جامعا للشرائط يكون العقد صحيحا لو تم القبول من قبل الطرف المقابل.

نعم لو زال جواز التصرف من قبل البائع كما لو صار مجنونا قبل قبول الطرف لا يصح العقد و أما لو غفل أو نام أو نسي كما هو المتعارف الخارجي فلا يضر بصحة القبول فالميزان الكلي صدق العنوان المأخوذ في موضوع الدليل و عدم قيام دليل من الخارج علي الخلاف فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم انهم صرحوا بجواز لحوق الرضا لبيع المكره»

المصنف يتعرض لحكم بيع المكره و نتعرض هناك لما يخطر ببالنا القاصر إن شاء اللّه تعالي فانتظر.

[فرع لو اختلف المتعاقدان اجتهادا أو تقليدا في شروط الصيغة فهل يجوز أن يكتفي كل منهما بما يقتضيه مذهبه أم لا وجوه]

«قوله قدس سره: فرع لو اختلف المتعاقدان اجتهادا أو تقليدا في شروط الصيغة فهل يجوز أن يكتفي كل منهما بما يقتضيه مذهبه أم لا وجوه ثالثها اشتراط عدم كون العقد المركب منهما مما لا قائل بكونه سببا في النقل كما لو فرضنا انه لا قائل بجواز تقديم القبول علي الايجاب و جواز العقد بالفارسي أردؤها اخيرها»

يمكن أن يكون وجه كونه أردأ الوجوه ان عدم القائل بالفارسية مثلا ان كان موجبا لكشف بطلان القول بها فالقائل بها أيضا يرجع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 142

عن قوله فلا يبقي موضوع للاختلاف و ان لم يكن موجبا لكشف البطلان فلا خصوصية لعدم القول بها.

«قوله قدس سره: و الاولان مبنيان»

أما علي القول بالطريقية في باب الامارات فالامر ظاهر فان الاثر مترتب علي الواقع و لا اثر لوجود الامارة و بعبارة اخري:

وجود الامارة كعدمها و الميزان هو الواقع و أما علي السببية فالشيخ قدس سره في مقام التصحيح.

و قد فسر مرامه بعض المحققين بأنه فرق بين الامور

التكليفية و الامور الوضعية فان الامور التكليفية تختص بالقائل بها حتي علي القول بالموضوعية مثلا لو ذهب مجتهد الي القول بجواز شرب العصير قبل ذهاب الثلثين لا وجه لتسرية الحكم الي غيره و النتيجة ان الشرب يكون للقائل جائزا و لغيره حراما و أما في البيع و أمثاله فلا مجال للتفصيل مثلا لو ذهب فقيه الي جواز البيع بالعقد الفارسي و باع داره به تكون الدار خارجة عن ملكه واقعا و يكون الثمن داخلا في ملكه واقعا فكيف يمكن أن لا تكون الدار داخلة في ملك الطرف المقابل القائل بالبطلان هذا ملخص التقريب المستفاد من كلام بعض اهل النظر في مقام توجيه كلام الشيخ قدس سره.

و الذي يختلج ببالي القاصر أن يقال لا يتم التقريب المذكور و لا وجه للتفصيل بين التكليف و الوضع فان الاعتبار خفيف المئونة و أي تناف بين اعتبار كون شي ء ملكا لزيد بالنسبة الي احد و عدم اعتباره بالنسبة الي الاخر و لا نري تلازما بين الامرين فكما انه يمكن التفكيك في الحكم الظاهري كذلك يمكن في الحكم الواقعي فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 143

«قوله قدس سره: و أما الموالاة و التنجيز»

فعليه لا بد من التفصيل بين القسم الأول و الثاني بأن يلتزم بالصحة في الاول و الفساد في الثاني بالتقريب المذكور في العبارة.

و يرد عليه انه ان قلنا و التزمنا بالصحة في القسم الأول لا بد من الالتزام بها في القسم الثاني أيضا اذ لا اشكال في ارتباط احد الامرين بالآخر فان الايجاب لو لم يكن تاما عند القابل يكون قبوله لغوا و أيضا لو كان القبول باطلا في نظر الموجب يكون ايجابه لغوا فلا مجال

للتفصيل اذ لو كانت الصحة عند احدهما كافية بالنسبة الي الاخر يتحقق العقد علي نحو الكمال عنده و الا فلا و لعل أمره بالتأمل في ذيل كلامه اشارة الي ما ذكرنا.

[مسألة لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه و ضمانه عليه]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه»

هذا من الواضحات اذ المفروض فساد العقد و الفارق بين السبب الفاسد و الصحيح عدم ترتب الاثر علي الاول و ترتبه علي الثاني و بعبارة واضحة: دليل الامضاء إمّا يشمل السبب الفاسد و إمّا لا يشمل أما علي الاول فيلزم الخلف المحال فانّه فرض فساد السبب و أما علي الثاني فيتم المدعي و علي الجملة: فهذا المقدار مما لا كلام فيه و لا ريب يعتريه فلاحظ.

[الأول مما يتفرع علي القبض بالعقد الفاسد الضمان]
اشارة

«قوله قدس سره: و أما الضمان بمعني كون تلفه عليه»

المدعي ان المقبوض بالعقد الفاسد لو تلف في يد القابض يكون ضمانه عليه

و ما يمكن أن تذكر في تقريب الاستدلال عليه وجوه:
الوجه الأول: الاجماع.

و فيه ان الاجماع المحصل لا يكون حجة كما ثبت في محله فكيف بالمنقول منه مضافا الي أن المظنون بل المقطوع به ان المجمعين مستندون الي الوجوه المذكورة في المقام.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 144

الوجه الثاني النبوي المعروف «علي اليد ما أخذت حتي تؤديه «1»»

و هذه الرواية ضعيفة سندا و لا جابر لها.

ان قلت: ان المشهور عملوا بها و عملهم بالحديث الضعيف جابر له قلت: أولا ان عملهم بها اوّل الكلام و الاشكال فتأمل و ثانيا: انّه قد ذكرنا مرارا ان عمل المشهور بحديث ضعيف لا يجبر ضعفه.

و ان شئت: فقل ان الشهرة بنفسها لا تكون حجة فكيف توجب اعتبار ما لا اعتبار له و بعبارة اخري: ضم ما لا حجية له الي مثله لا يوجب الا تكثير عدد غير المعتبر هذا بالنسبة الي سند الحديث.

و أما من حيث الدلالة فان الحديث لا ينطبق علي ما هو المشهور عند القوم من ضمان المثل في المثلي و القيمة في القيمي من أول الامر فان المستفاد من الحديث ان المأخوذ بعينه في عهدة الاخذ و لا يستفاد التفصيل منه.

و يمكن أن يقال: ان المستفاد من الحديث ان المأخوذ ما لم يرد الي مالكه يكون ضمانه علي الاخذ و بعبارة اخري: الحديث متعرض لاصل الضمان و أما ما يضمن به فالحديث ساكت عنه و لا ينطبق علي القول المشهور فان المدعي ان الاخذ ضامن للبدل الواقعي و الحال ان الحديث غير متعرض لهذه الجهة.

الوجه الثالث: [حرمة مال المؤمن كحرمة دمه]

ما رواه ابو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله سباب المؤمن فسوق و قتاله كفر و أكل لحمه معصية و حرمة ماله كحرمة دمه 1.

و فيه أولا: ان الموضوع المأخوذ في الدليل عنوان المؤمن فالدليل اخص من المدعي.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من أبواب الغصب الحديث: 4.

(2) الوسائل الباب 158 من ابواب العشرة الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 145

و ثانيا: ان الظاهر من الدليل بيان الحكم

التكليفي اي يحرم التصرف في مال المؤمن بدون اذنه و أما الضمان فلا يستفاد من الرواية.

و ثالثا: ان الحديث علي فرض دلالته علي الضمان انما يدل عليه في مورد الاتلاف و الكلام في المقام في التلف و لو كان تلفا سماويا و هل يتوهم احد انه يستفاد من الحديث المذكور ان تلف مال احد بالتلف السماوي يوجب الضمان.

ان قلت: ان المستفاد من الحديث عدم جواز مزاحمة المالك لا حدوثا و لا بقاء أو هذا لا يستفاد منه الا الحكم التكليفي لكن يدل علي الضمان بالالتزام أي لا يجوز المزاحمة حتي بعد التلف فيدل علي الضمان بالالتزام.

قلت: الدلالة الالتزامية المذكورة فرع تحقق الضمان و لا دليل عليه و بعبارة اخري: ما دام لا يكون ضمان لا يكون موضوع للمزاحمة و لا دليل علي الضمان.

و ان شئت قلت: دلالة الحديث علي الضمان بالتقريب المذكور متوقف علي فرض الضمان فلو توقف الضمان علي دلالة الحديث لدار فلاحظ.

الوجه الرابع: ما يدل علي عدم حلية مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه

لاحظ ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: من كانت عنده أمانة فليؤدها الي من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفسه «1».

بتقريب ان المستفاد من هذه الطائفة ان عدم حلية ماله يقتضي

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب مكان المصلي الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 146

الضمان عند التلف. و يرد عليه أولا: ان المذكور في النص عنوان المسلم فالدليل اخص من المدعي.

و ثانيا: انه لا مجال لتعلق الحرمة بالعين الخارجية فان الحكم الشرعي لا يتعلق بالاعيان بل يتعلق بالافعال فلا بد من التقدير فيكون المراد انه لا

يجوز التصرف في مال الغير كما ورد التصريح به في حديث الاحتجاج «و اما ما سألت عنه عن أمر الضياع لناحيتنا هل يجوز الي أن قال فلا يحل لاحد أن يتصرف في مال غيره بغير اذنه فكيف يحل ذلك في مالنا الخ» «1»

و ثالثا: انّه علي فرض الاغماض عما ذكرنا يدل الحديث علي الضمان في مورد الاتلاف و الكلام في كون التلف موجبا للضمان و لو كان تلفا سماويا اذ كيف يمكن ان يكون تلف مال المسلم بنفسه موجبا لضمان الغير.

الوجه الخامس: النصوص الدالة علي ان الامة المسروقة اذا وجدت بعد ان أولدها المشتري أخذها صاحبها و اخذ المشتري ولده بالقيمة،

لاحظ ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قضي في وليدة باعها ابن سيدها و أبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاما ثم قدم سيدها الاول فخاصم سيدها الاخير فقال هذه وليدتي باعها ابني بغير اذني فقال خذ وليدتك و ابنها فناشده المشتري فقال خذ ابنه يعني الذي باع الوليدة حتي ينفذ لك ما باعك فلمّا أخذ البيع الابن قال ابوه أرسل ابني فقال لا أرسل ابنك حتي ترسل ابني فلمّا رأي ذلك سيد الوليدة الاول اجاز بيع ابنه «2».

و ما رواه زرارة قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: الرجل يشتري

______________________________

(1) احتجاج الطبرسي المطبوع بالنجف ص 268.

(2) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 147

الجارية من السوق فيولدها ثم يجي ء الرجل فيقيم البيّنة علي أنها جاريته لم تبع و لم توهب فقال يرد إليه جاريته و يعوضه بما انتفع قال: كان معناه قيمة الولد «1».

و ما رواه جميل بن دراج عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اشتري جارية فأولدها فوجدت الجارية مسروقة قال يأخذ الجارية

صاحبها و يأخذ الرجل ولده بقيمته «2».

و ما رواه زرارة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: رجل اشتري جارية من سوق المسلمين فخرج بها الي ارضه فولدت منه أولادا ثم ان أباها يزعم أنها له و أقام علي ذلك البينة قال يقبض ولده و يدفع إليه الجارية و يعوضه في قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها «3».

و ما رواه جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجي ء مستحق الجارية قال يأخذ الجارية المستحق و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد و يرجع علي من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه «4».

فان الحكم بضمان الولد مع كونه نماء لم يستوفه المشتري يدل علي ضمان الاصل بالاولوية ان قلت: الكلام في المقام في التلف و المفروض في الرواية الاتلاف قلت: الاستيلاد لا يكون من قبيل اتلاف النماء بل من قبيل احداث نمائها غير قابل للمملوكية فهو كالتالف لا كالمتلف.

و فيه ان الانصاف يقتضي أن يكون من قبيل الاتلاف اذ قد فرض انه قد اشتغل رحمها و جعلها معطلة و لعل أمر الماتن بالفهم بقوله

______________________________

(1) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث 3.

(3) نفس المصدر الحديث 4.

(4) نفس المصدر الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 148

«فافهم» اشارة الي ما ذكرنا.

مضافا الي أن الكلام في المقام في أخذ العين من مالكها بالعقد الفاسد و النصوص المشار إليها موردها الاخذ من الغاصب و لا اشكال في أن الاخذ من الغاصب يوجب الضمان و لو كان الاخذ بعنوان الهبة فلا وجه لقياس المقام علي ذلك الباب. و

ان ابيت عما ذكرنا فلا اقل من الاجماع و عدم الظهور في مدعي الخصم.

الوجه السادس: النصوص الدالة علي عدم صلاح ذهاب حق احد

لاحظ ما رواه سماعة قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شهادة أهل الملة قال: فقال لا تجوز الاعلي أهل ملتهم فان لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم علي الوصية لانه لا يصلح ذهاب حق احد «1».

و لاحظ ما رواه الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام هل تجوز شهادة اهل الذمة علي غير اهل ملتهم قال نعم ان لم يوجد من اهل ملتهم جازت شهادة غيرهم انه لا يصلح ذهاب حق احد 2.

بتقريب ان اطلاق النص يشمل المقام. و فيه: ان الاستدلال يتوقف علي كون المراد من الحق المال و كون المراد من عدم الذهاب الضمان و لا دليل علي شي ء من الامرين فان النص في مقام بيان اثبات حق الوصية فيجوز اشهاد غير أهل الملة علي الوصية.

مضافا الي أنه لو قلنا بأن الحديث يدل علي الضمان فانما يدل علي مورد الاتلاف و الكلام في التلف و هل يمكن الالتزام بأن المستفاد من النص انه لو تلف مال احد بتلف سماوي يكون غيره ضامنا؟

الوجه السابع: النصوص الدالة علي نفي الضرر في الشريعة المقدسة

منها ما عن أبي عبيدة الحذاء قال: قال أبو جعفر عليه السلام كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط بني فلان فكان اذا جاء

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 40 من أبواب الشهادات الحديث 4 و 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 149

الي نخلته ينظر الي شي ء من أهل الرجل يكرهه الرجل قال فذهب الرجل الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فشكاه فقال: يا رسول اللّه ان سمرة يدخل عليّ بغير اذني فلو أرسلت إليه فأمرته أن يستأذن حتي تأخذ أهلي حذرها منه فأرسل إليه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فدعاه فقال يا

سمرة ما شأن فلان يشكوك و يقول يدخل بغير اذني فتري من أهله ما يكره ذلك يا سمرة استأذن اذا أنت دخلت ثم قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يسرك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك؟ قال: لا قال: لك ثلاثة قال: لا قال: ما أراك يا سمرة الا مضارّا اذهب يا فلان فاقطعها [فاقلعها] و اضرب بها وجهه «1» و منها ما عن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال ان الجار كالنفس غير مضارّ و لا اثم 2.

الي غيرها من النصوص بتقريب انه لو تلف مال البائع بالبيع الفاسد في يد المشتري و لم يصر المشتري ضامنا للتالف يكون عدم الحكم بالضمان ضررا علي البائع و بمقتضي نفي الضرر في الشريعة ينفي عدم الالزام بالتدارك.

و يرد عليه أولا انا قد ذكرنا في بحث لا ضرر ان حديث لا ضرر غير ناظر الي نفي الاحكام الضررية في الشريعة بل مفاد الحديث النهي عن الاضرار بالغير فلا يرتبط مفاد الحديث بالمقام.

و ثانيا: انه علي فرض الاغماض عما ذكرنا هناك و سلمنا مقالة المشهور في مفاد الحديث نقول: المستفاد من الحديث نفي الحكم الضرري مثلا لو كان الوضوء ضرريا ينفي وجوبه بالحديث و تصل النوبة الي التميم و بعبارة واضحة: المستفاد من الحديث النفي لا الاثبات فلا يستفاد منه اعتبار الضمان.

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 12 من أبواب احياء الموات الحديث 1 و 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 150

و ثالثا: ان الضمان في المقبوض بالعقد الفاسد يكون بالبدل الواقعي لا بالمسمي فربما يكون أزيد من المسمي بكثير فالحكم بضمان القابض بالبدل الواقعي مع عدم اقدامه عليه

ضرر بالنسبة إليه فيقع التعارض بين الضررين.

الوجه الثامن: قاعدة الاقدام بتقريب ان كل طرف من طرفي المعاملة أقدم علي الضمان

و بعبارة اخري: القابض أقدم علي الضمان بالمسمي فاذا لم يسلم له المسمي يرجع الي المثل في المثلي و الي القيمة في القيمي.

و في التقريب المذكور ايرادات: الايراد الاول: انه ربما يكون الاقدام موجودا و لا ضمان فانه لو تلف المبيع قبل القبض يكون ضمانه علي البائع و الحال ان المشتري أقدم علي الضمان.

و هذا الايراد غير وارد علي الوجه المذكور اذ عدم الضمان قد ثبت بدليل قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه و قالوا بمقتضي القاعدة المذكورة ينفسخ العقد و في فرض الانفساخ لا موضوع للضمان.

و ربما يقال: ان المشتري يشترط بالشرط الضمني علي البائع أن يكون ضامنا لو تلف المبيع قبل القبض بل يمكن أن يقال: ان مقتضي الارتكاز العقلائي اشتراط الضمان بالقبض فلاحظ.

الايراد الثاني: انه ربما لا يكون اقدام و مع ذلك يتحقق الضمان كما لو شرط المشتري في ضمن العقد كون ضمان المبيع علي البائع اذا تلف المبيع في يد المشتري.

و فيه ان الاقدام بالضمان تحقق غاية الامر قد شرط المشتري علي البائع شرطا فاسدا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 151

الايراد الثالث: ان البيع بلا ثمن و الاجارة بلا اجرة و أمثالهما ليس فيها اقدام و مع الوصف الضمان موجود.

و فيه ان البيع بلا ثمن مرجعه الي التمليك المجاني فلا يكون بيعا و لا مقتضي للضمان فيه.

الايراد الرابع: ان الاقدام متعلق بالضمان الخاص و هو ضمان المسمي فما وقع لم يمض و ما امضي من قبل الشارع لم يتحقق.

و عن المحقق الخراساني ان المتعاقدين أقدما علي أصل الضمان في الضمان الخاص و الشارع الاقدس أمضي اصل الضمان و

لم يمض الخصوصية.

و فيه: انهما لم يقدما علي امرين بل أقدما علي امر خاص و المفروض انه لم يمض و هذا الاشكال متين.

الوجه التاسع: السيرة الارتكازية المتشرعية

فان مقتضاها الضمان و بعبارة واضحة: السيرة جارية علي أن وضع اليد علي مال الغير بلا اذن شرعي يوجب الضمان.

لا يقال: علي هذا الاساس لا بد من الالتزام بالضمان في الهبة الفاسدة و أمثالها و الحال انهم غير ملتزمين بالضمان هناك.

قلت: في مورد الهبة الفاسدة و ان كان وضع اليد بلا مجوز شرعي لكن حيث ان دليل الضمان السيرة و لا اطلاق لها فلا بد من الاقتصار علي المقدار المتيقن منها فلاحظ و اللّه العالم بحقائق الامور.

[قاعدة ما يضمن]

«قوله قدس سره: ثم ان هذه المسألة من جزئيات القاعدة المعروفة كل عقد يضمن»

فلا بد من ملاحظة المراد من القاعدة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 152

«قوله قدس سره: ان المراد بالعقد اعمّ من الجائز و اللازم».

اذ ملاك الضمان موجود حتي في مورد العقد غير اللازم و أيضا ملاك الضمان موجود في الايقاع الذي فيه شائبة العقد أي يكون الامر قائما بالطرفين كالجعالة مثلا فان الجعالة لا تتم الا بقيام الغير بالعمل الذي لاجله جعل الجعل و أيضا الامر كذلك في الخلع فلاحظ.

«قوله قدس سره: أو كان أقرب إليه».

بتقريب ان الجعالة تحقق بفعل الجاعل فيكون أقرب الي الايقاع و كذلك الخلع طلاق فيكون أقرب الي الايقاع و لكن مع ذلك لا يتحقق الجعل الا بالعمل و لا يتحقق الخلع الا بالعوض من ناحية الزوجة فلاحظ.

«قوله قدس سره: و المراد بالضمان في الجملتين»

أي المراد بالضمان الزامه.

«قوله قدس سره: مثل تلف الموهوب»

يظهر من كلماتهم في المقام ان الاقوال حول المسألة مختلفة القول الاول: عدم الضمان.

القول الثاني: تعيّن دفع العوض المسمي اذ انه كان مخيرا في صورة عدم التلف بين رد نفس العين و دفع العوض المسمي فاذا تلفت العين

تعين الاخر.

القول الثالث: وجوب اقل الامرين من المسمي و العوض الواقع للعين اذ المتهب مخيّر بين رد العين و العوض المسمي فان كان العوض المسمي اقل فقد رضي الواهب به و ان كان الاقل العين فقد فرض ان المتهب مخير بين رد العين و العوض فاذا تلفت يمكنه رد عوضه الواقعي.

و الذي يختلج بالبال أن يقال: ان المتعين دفع العوض المسمي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 153

فان المفروض انه المجعول بالعقد فيلزم القيام علي مقتضاه و للمسألة مجال آخر.

«قوله قدس سره: فافهم»

يمكن أن يكون امره بالفهم اشارة الي أن الضمان بقول مطلق عبارة عن كون خسارته علي الضامن أي اذا تلف يضمن الضامن بمثله أو قيمته فلا بد من التفكيك و بعبارة واضحة: الضمان بالعوض المسمي غير الضمان بالعوض الواقعي.

«قوله قدس سره: ثم المتبادر من اقتضاء الصحيح»

لا ينبغي بسط الكلام حول هذه الجملة اذ المفروض انها لم تصدر عن مخزن الوحي فلا وجه للتطويل حول مفرداتها و جملها و لكن لو اغمض عما ذكر فالحق ان يقال: ان مقتضي القاعدة ان ما يضمن بصحيحه و لو بالشرط يضمن بفاسده كذلك فلا وجه لما أفاده الشيخ قدس سره من التفصيل.

«قوله قدس سره: و يضعف بأن الموضوع هو العقد الّذي»

أفاد سيدنا الاستاد في المقام ان المراد شخص العقد بأن يقال كل شخص من العقد اذا فرض الضمان فيه علي تقدير كونه صحيحا يكون فاسده أيضا موجبا للضمان فليس المراد النوع أو الصنف و السرّ فيه ان هذه الجملة لم ترد تحت دليل لفظي كي يحمل علي النوع أو الصنف.

و يرد عليه ان الكلام فيما يظهر من هذه الجملة و الظاهر منها كما يقول الشيخ قدس

سره ان كل عقد له فردان بالفعل و يكون أحدهما صحيحا و الاخر باطلا اذا كان الصحيح منه موجبا للضمان يكون فاسده أيضا يوجبه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 154

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل الامر بالتأمل اشارة الي أنه لا تنافي بين كون السبب للضمان العقد و بين اشتراط كونه مؤثرا بالقبض.

«قوله قدس سره: بشرط القبض»

قد ذكرنا سابقا ان مقتضي السيرة تحقق الضمان بوضع اليد علي مال الغير بلا اذن شرعي فلا دخل للعقد الفاسد في الضمان بل الدخيل القبض فلاحظ. و الاولي أن يكون الجار للظرفية لا للسببية لكن الانصاف ان الظاهر من اللفظ السببية.

«قوله قدس سره: الا ان مورده مختص بالاعيان».

لا اشكال في أن الضمان علي خلاف الاصل الاولي و علي خلاف القاعدة فان الضمان أمر حادث و مسبوق بالعدم و مقتضي الاستصحاب عدم تحققه فيحتاج الالتزام به من التماس دليل معتبر عليه و قلنا مقتضي السيرة تحقق الضمان في المقبوض بالعقد الفاسد كما ان اتلاف مال الغير يوجب الضمان بمقتضي الارتكاز و السيرة و أما المنافع فلا اشكال في أن استيفاء منافع مال الغير يوجب الضمان بمقتضي السيرة و الارتكاز بل من الواضحات كما أن الامر بعمل محترم يوجب الضمان بمقتضي السيرة العقلائية.

«قوله قدس سره: لم يعد نفعه الي الاخر»

الظاهر ان عود النفع لا موضوعية له بل الميزان في تحقق الضمان الاستيفاء أو الامر و لذا لا مقتضي للضمان في السابقة الفاسدة فلا ضمان للمسبوق بالنسبة الي السابق.

«قوله قدس سره: شرعيته علي خلاف القاعدة»

بتقريب انه مصداق للاكل للمال بالباطل فلا يجوز و لا يصح

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 155

و لكن ذكرنا مرارا ان الجار في الآية الشريفة لا

يكون للمقابلة كي يتم التقريب المذكور بل الجار سببية نعم المسابقة نوع من أنواع القمار فحرمتها تكليفا و فسادها وضعا علي طبق القاعدة الاولية و انما الشارع جوزها تكليفا و وضعا لمصلحة و من الممكن أن تكون المصلحة المجوزة كونها سببا لكون الشخص مستعدا للحرب و من الفنانين في هذا المجال فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم انه لا فرق فيما ذكرنا من الضمان»

ربما يقال: بأن الدافع المالك اذا كان عالما بالفساد و كان القابض جاهلا به لا يكون قبضه موجبا للضمان بتقريب: ان المالك بنفسه أقبض مملوكه من الغير فيكون المدفوع من مصاديق الامانة المالكية فلا ضمان.

و فيه ان المفروض ان دفع المالك العين لا يكون بعنوان الامانة بل من باب ترتيب الاثر علي العقد الصادر منهما و لذا لا يجوز للقابض التصرف في العين اذ فرض فساد العقد و التصرف في مال الغير غير جائز.

و من ناحية اخري قد مرّ ان وضع اليد علي مال الغير بلا مجوز شرعي يوجب الضمان.

و ربما يتوهم ان القابض لا يكون ضامنا لقاعدة الغرور و فيه:

ان المفروض ان قبضه علي مبني المعاملة و المعاوضة و ليس قبضا مجانيا و تمليكا بلا عوض نعم اذا كان الدافع عالما و كان القابض جاهلا جهلا قصوريا و كان اقدامه علي العقد الفاسد ناشيا من ناحية الدافع بحيث صدق عنوان الغرور لا يكون ضامنا بالنسبة الي أزيد من المسمي اذ المفروض ان الدافع أي المالك غرّه و خدعه و اما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 156

اذا كان المال مملوكا لثالث يضمن القابض له و يرجع فان المغرور يرجع الي من غره فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان مقتضي ذلك عدم ضمان العين

المستأجرة»

ربما يقال: ان العين المستأجرة بالاجارة الفاسدة في يد المستأجر مضمونة لقاعدة اليد. و فيه: ان قاعدة اليد دليلها ضعيف فلا يعتد بها و الذي يختلج ببالي القاصر أن يقال: ان الموجب لضمان العين اما الاتلاف و اما وضع اليد علي مال الغير بلا مجوز شرعي بمقتضي السيرة و الارتكاز العقلائي المتشرعي أما الاتلاف فلم يفرض في المقام فان الكلام في التلف السماوي و أمثاله و أما وضع اليد علي مال الغير و ان كان مفروضا لكن الوضع المفروض في المقام لا يكون موجبا للضمان اذ المفروض ان اليد موضوعة علي الامانة المالكية.

توضيح ذلك ان الموجر للدار مثلا يقبض الدار من المستأجر و يجعلها في يده امانة فوجه عدم ضمان العين في الاجارة الصحيحة كون العين امانة في المستأجر و الامين لا يكون ضامنا الا مع الاتلاف أو التفريط و الخيانة.

و هذا الوجه اي كون العين امانة مشترك بين الاجارة الصحيحة و الفاسدة فان المالك يجعل العين امانة في يد المستأجر غاية الامر بداعي كونه ملزما بمقتضي الاجارة و الميزان في تحقق الامانة التي لا ضمان فيها علي الامين قصد المالك و وضع العين بهذا العنوان و لا يؤثر في حكم الامانة اختلاف الدواعي مثلا اذا تخيل زيد ان وضع ماله عند بكر الامانة واجب عليه و وضعه بعنوان الامانة و الحال انه مشتبه و لا يكون الوضع واجبا عليه فهل يتوهم احد ان الامين في الصورة المفروضة ضامن؟ كلا ثم كلا.

ان قلت: ما الفرق بين المقام و بين اقباض العين المبيعة بالبيع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 157

الفاسد و بأي بيان يفرق بين المقامين و يقال هناك يكون القبض موجبا للضمان و

أما في المقام فلا.

قلت: المفروض عدم صحة العقد هناك و الشارع لم يمض العقد و لا يكون اقباض العين بعنوان الامانة بل بعنوان انها مملوكة للمشتري و المفروض ان الشارع لا يري العين مملوكة للمشتري اذ المفروض انه لم تتحقق التجارة عن تراض و يكون اكل المال بالباطل فوضع اليد علي المال غير جائز شرعا و اليد عدوانية فلا بد من الالتزام بالضمان لتمامية اركانه.

و أما في مسئلة الاجارة فالمفروض تحقق عنوان الامانة و الامين ليس عليه الا اليمين و اللّه العالم بالامور.

و صفوة القول: ان الميزان لعدم ضمان القابض تحقق عنوان الامانة من قبل المالك و هذا الميزان متحقق في الاجارة الفاسدة كما انه متحقق في الاجارة الصحيحة بلا فرق.

[ثم إنه يشكل اطراد القاعدة في موارد]
[منها الصيد الذي استعاره المحرم]
اشارة

«قوله قدس سره: منها: الصيد الّذي استعاره المحرم»

وقع الكلام بين القوم في استعارة المحرم الصيد من المحل بأن مقتضي قاعدة عدم الضمان فيما لا يضمن بصحيحة عدمه و الحال انهم حكموا بالضمان

و ما ذكر في تقريب المدعي وجهان:
الوجه الأول: ان الكلام في التلف و أما الاتلاف فلا اشكال في كونه موجبا للضمان

و المفروض ان المحرم المستعير يجب عليه ارسال الصيد و ارساله اتلافه فالضمان بلحاظ الاتلاف لا التلف.

و فيه أولا: انه يرد عليه النقض بمورد يجب اتلاف العارية كما لو توقف انجاء نفس محترمة علي اتلاف العارية فهل يحكم بالضمان بمجرد الايجاب؟ أو ان الضمان متوقف علي الاتلاف؟

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 158

و ثانيا: انا نجيب بالحل و هو ان مجرد الايجاب الشرعي لا يقتضي الضمان فان الضمان مترتب علي عنوان الاتلاف و ما دام لا يتحقق الموضوع في الخارج لا يترتب عليه الحكم و لذا لو عصي المحرم ورد الصيد الي مالكه فهل يكون ضامنا؟ كلا أو اذا ارسل الصيد فأخذه مالكه هل يمكن القول بالضمان؟ فهذا الوجه غير تام.

الوجه الثاني: ان اخذ المحرم الصيد من المحل يوجب خروجه عن ملكه فيكون اتلافا لمال الغير فالضمان بلحاظ الاتلاف فلا تتحرم القاعدة.

و فيه: انه قول بغير دليل و بعبارة اخري قيام الدليل علي عدم تملك المحرم الصيد لا يدل علي خروج الصيد عن ملك مالكه باستعارة المحرم. فالحق ان يقال: انه لا دليل علي الضمان و مقتضي القاعدة الاولية عدمه اذ المفروض انه امانة مالكية و لا ضمان فيها فلاحظ.

[و يشكل اطراد القاعدة أيضا في البيع الفاسد]

«قوله قدس سره: و يشكل اطراد القاعدة أيضا في البيع الفاسد بالنسبة الي المنافع التي لم يستوفها»

وقع الكلام في انه ما الوجه في تخصيص الاشكال بالمنافع المستوفاة و يمكن أن يكون الوجه في التخصيص ان المنفعة المستوفاة تدخل تحت قاعدة الاتلاف و الكلام في التلف و الذي يختلج بالبال أن يقال: ان المدرك في اصل القاعدة و عكسها هي السيرة و مقتضي السيرة الضمان بالنسبة الي المنافع بلا فرق بين المستوفاة و غير المستوفاة فلاحظ.

«قوله قدس سره: بحمل المبيع فاسدا»

ما أفاده قدس سره في مقام المصالحة بين الجانبين متين فانه لو جعل جزء المبيع يترتب عليه حكم المبيع و النتيجة الضمان و لو لم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 159

يجعل جزءا له لا مقتضي للضمان لانه يكون امانة عند المشتري و ليس علي الامين الا اليمين.

«قوله قدس سره: بناء علي أنه لا يجوز»

عدم جواز التصرف تكليفا لا يقتضي الضمان فان لمس الامة الاجنبية حرام و مع ذلك لا يكون موجبا للضمان كما ان جواز التصرف لا يلازم عدم الضمان فانه يجوز للمستعير التصرف في العارية المضمونة و مع ذلك ضامن.

و الحق: ان المقام ليس من موارد النقض فان المال المشترك في عقد الشركة اذا كان في يد الشريك و تلف لا يوجب الضمان لان المالك جعله في يد الشريك امانة و الامين لا يكون

ضامنا.

«قوله قدس سره: هي الاولوية»

لا مجال للاخذ بالاولوية اذ لا أولوية فان الحكم بالضمان و عدمه تابع لدليله فان دلّ الدليل علي الضمان نلتزم به و الا فلا و قد تقدم ان مدرك الضمان عبارة عن السيرة الجارية و الارتكاز و المفروض انه لا سيرة علي الضمان في أمثال الموارد المذكورة و مقتضي الاصل الاولي عدم الضمان فان الضمان أمر وجودي يحتاج اثباته الي دليل شرعي و مع الشك يحكم بعدمه ببركة الاستصحاب.

[الثاني من الأمور المتفرعة علي عدم التملك بالبيع الفاسد وجوب رده فورا إلي مالكه]
اشارة

«قوله قدس سره: وجوب رده فورا الي المالك و الظاهر انه مما لا خلاف فيه علي تقدير عدم جواز التصرف فيه»

يقع الكلام في مقامين:
اشارة

المقام الأول: في أنه هل يجوز التصرف في المقبوض بالعقد الفاسد أم لا.

المقام الثاني: في وجوب رد المقبوض الي مالكه

أما المقام الاول فنقول: لا يجوز التصرف في المقبوض بالعقد الفاسد

اذ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 160

المفروض ان العقد فاسد و من ناحية اخري لا يجوز التصرف في مال الغير بدون اذنه.

ان قلت: ان المالك بنفسه سلط الغير علي مملوكه فالتصرف يكون باذن المالك. قلت: تسليم المالك و اقباضه للمال مبني علي كون العين مملوكة للطرف و لا مجال لان يقال: ان التصرف باذنه فان الانسان يأذن للغير أن يتصرف في ماله لا أن يتصرف في مال نفسه.

و بعبارة اخري: بعد العقد يكون المالك أجنبيا عن مملوكه فلا مجال لان يأذن في التصرف فيه و الا يلزم القول بجواز التصرف في المال المأخوذ بعنوان القمار لعين الملاك و هل يمكن الالتزام به؟

ثم انه هل يفرق بين علم الدافع بالفساد و جهله به أم لا؟ الحق هو الثاني اذ علي القول بالتفصيل يلزم أن يفصل في المأخوذ بالقمار أيضا و هل يمكن الالتزام به؟ مضافا الي أنه قد تقرر آنفا تحقق الضمان و السر في تحقق الضمان علي ما ذكرنا ان القابض وضع يده علي مال الغير بلا مجوز شرعي و بعد اتمام الامر لا تصل النوبة الي البحث المذكور.

و صفوة القول: ان الدافع في المقبوض بالعقد الفاسد اذا كان راضيا بالتصرف مع قطع النظر عن العقد فهو خروج عن الفرض و يترتب عليه عدم الضمان و ان لم يكن كذلك كما هو المفروض فلا اشكال في عدم جواز التصرف فلاحظ هذا تمام الكلام في المقام الاول.

و أما المقام الثاني ففي وجوب رد المقبوض بالعقد الفاسد فورا الي مالكه
اشارة

و ما يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي المدعي أو ذكر وجوه:

الوجه الأول: الاجماع.

و حال الاجماع في الاشكال ظاهر خصوصا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 161

مع كثرة الوجوه المذكورة في المقام.

الوجه الثاني: النبوي المعروف

و هو قوله صلي اللّه عليه و آله علي اليد ما اخذت حتي تؤدي «1».

و هذا الحديث ضعيف سندا و لا جابر له و عليه لا وجه لملاحظة تقريب دلالته علي المدعي.

الوجه الثالث: ما رواه سماعة «2»

بتقريب ان الحكم الشرعي التكليفي يتعلق بافعال المكلف فالمقدر في الرواية التصرف أي لا يحل التصرف في مال المسلم الا باذنه.

و يرد عليه أولا: ان الدليل المذكور اخص من المدعي اذ الحديث يختص بحرمة التصرف في مال المسلم.

و ثانيا: ان مجرد امساك مال الغير لا يكون تصرفا و لذا لو وقع ثوب زيد في دار عمرو باطارة الريح لا يكون تسليمه واجبا نعم الامتناع عن التسليم و الكف عن الدفع مصداق للتعدي و من مصاديق الغصب و أما مجرد الامساك فلا.

و ان شئت قلت: التخلية بين المال و مالكه تكفي في اداء الوظيفة و لا دليل علي الازيد من ذلك.

الا أن يقال: لا وجه للمقايسة بين المقام و اطارة الريح ثوب الغير فان المفروض في المقام انه وضع يده علي مال الغير و أخذه بلا مجوز شرعي فانه يصدق عرفا انه متصرف في مال الغير بامساكه و عدم رده و الا يلزم انه لو سرق سارق فرش الغير ثم تاب لم يكن الرد واجبا عليه بتقريب: ان الامساك بما هو لا يكون تصرفا و هل يمكن الالتزام به؟

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من ابواب الغصب الحديث 4.

(2) قد تقدم الحديث في ص 145.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 162

الوجه الرابع: قوله تعالي «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِليٰ أَهْلِهٰا» «1»

فان المستفاد من الآية الشريفة وجوب رد أموال الناس إليهم و الظاهر ان الاستدلال المذكور علي المدعي تام.

الوجه الخامس: التوقيع الشريف «2»

بتقريب ان امساك مال الغير نوع تصرف فيه و لا يجوز و السند مخدوش مضافا الي الاشكال المتقدم ذكره مع رده.

الوجه السادس: جملة من النصوص التي تدل علي وجوب رد المال الي صاحبه

منها ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل يصيد الطير الذي يسوي دراهم كثيرة و هو مستوي الجناحين و هو يعرف صاحبه أ يحل له امساكه؟ فقال اذا عرف صاحبه رده عليه و ان لم يكن يعرفه و ملك جناحه فهو له و ان جاءك طالب لا تتهمه رده عليه «3».

و منها ما رواه حفص بن غياث قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا و اللص مسلم هل يرد عليه؟ فقال لا يرده فان أمكنه أن يرده علي أصحابه فعل و الا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا فان أصاب صاحبها ردها عليه و الا تصدق بها فان جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الاجر و الغرم فان اختار الاجر فله الاجر و ان اختار الغرم غرم له و كان الاجر له «4» فان المستفاد من هذه الطائفة وجوب رد المال الي مالكه.

______________________________

(1) النساء/ 58.

(2) و قد تقدم ذكره في ص 146.

(3) الوسائل الباب 15 من اللقطة الحديث 1.

(4) الوسائل الباب 18 من اللقطة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 163

«قوله قدس سره: لوجوب ما لا يتم الرد الا به»

الامر كما أفاده قدس سره فان مقدمة الواجب واجبة عقلا فيلزم كبقية الموارد.

«قوله قدس سره: الا أن يقيد»

تارة نقول بأن المستفاد من دليل لا ضرر الحكم التكليفي فقط أي حرمة الاضرار كما عليه شيخ الشريعة و اخترناه و اخري نلتزم بمفاد

القاعدة علي طبق المشهور فيما بين القوم أما علي الاول فلا مجال للبحث كما هو ظاهر و أما علي الثاني فلا وجه للتفصيل بين المئونة الكثيرة و القليلة فان مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين القليل و الكثير و الميزان صدق الضرر.

و العجب من سيدنا الاستاد حيث انه يظهر من كلامه في المقام علي ما في التقرير- ان الضرر يوجب ارتفاع الايجاب الضرري و الحال ان رفع الضرر حكم امتنائي و رفع الايجاب خلاف الامتنان بالنسبة الي صاحب المال نعم علي ما هو الحق عندنا في الحكم الامتناني لا يتوجه الاشكال فانا ذكرنا و قلنا مرارا ان الامتنان يلزم أن يتحقق بالنسبة الي من يشمله دليل الحكم فان رفع وجوب الوضوء الضرري يلزم أن يكون امتنانيا بالنسبة الي من يرتفع عنه وجوب الوضوء لا بالنسبة الي غيره و لذا نلتزم برفع الوجوب عن الوضوء و لو كان الرفع خلاف الامتنان بالنسبة الي الغير فلاحظ.

بقي شي ء و هو انه لو قلنا بوجوب رد المقبوض بالعقد الفاسد الي مالكه كما قلنا فهل يفرق بين موارده بأن يفصل بين نقل العين من بلد القبض الي ذلك البلد و بين انتقال المالك من بلد القبض الي بلد آخر بأن يقال: يجب الرد في الصورة الاولي و لا يجب في الثانية أم لا يفرق بين الموارد؟.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 164

الظاهر انه لا فرق في الحكم المذكور بين المصاديق فانه ما دام لم يعرض عنوان ثانوي كالحرج أو التغرير من قبل المالك يجب الرد بلا فرق بين الصور لوحدة الملاك نعم يرتفع الوجوب بالحرج الرافع للاحكام الاولية كما انه لو صار القابض مغرورا من قبل المالك يمكن أن

يقال: انه لا يجب عليه الرد بل تكفي التخلية بين المال و مالكه.

[الثالث لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشتري قبل الرد كان عليه عوضها]
اشارة

«قوله قدس سره: الثالث انه لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشتري قبل الرد كان عليه عوضها»

وقع الكلام بين الاصحاب في أن استيفاء المنافع من العين المقبوضة بالعقد الفاسد هل يوجب الضمان أم لا،

و ما يمكن أن تذكر في تقريب الاستدلال علي الضمان وجوه
الوجه الأول الاجماع

و اشكاله واضح و لا يحتاج الي البيان.

الوجه الثاني قاعدة علي اليد «1»

و قد تقدم ان الحديث ضعيف سندا و غير منجبر فلا يعتد به مضافا الي أن الظاهر منه ان الموضوع المذكور فيه العين الخارجية فلا يصدق العنوان المأخوذ في الحديث علي المنافع.

الوجه الثالث: ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله «2»

و قد تقدم ان المستفاد من الحديث الحكم التكليفي و أما الحكم الوضعي أعني الضمان فلا.

و بعبارة اخري: يستفاد من الحديث انه كما يكون دم المؤمن محترما لا تجوز اراقته كذلك لا يجوز اتلاف ماله و ان ابيت عما ذكر

______________________________

(1) تقدم ذكر الحديث في ص 161.

(2) تقدم ذكره في ص 146.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 165

فلا اقل من الاجمال مضافا الي أن الموضوع المأخوذ في الدليل عنوان المؤمن فلا يشمل غير المؤمن.

الوجه الرابع: ما رواه سماعة «1»

و فيه ان الظاهر من الحديث الحكم التكليفي و أما الضمان فلا يستفاد منه مضافا الي أن العنوان المأخوذ في الدليل عنوان المسلم فالدليل اخص من المدعي.

الوجه الخامس: التوقيع الشريف «2»

و فيه ان الحديث بصراحته يدل علي عدم جواز التصرف في مال الغير تكليفا و لا يرتبط بالمقام مضافا الي أن السند مخدوش.

الوجه السادس: النصوص الدالة علي نفي الضرر في الشريعة «3»

بتقريب ان عدم تضمين القابض يوجب تضرر الدافع و هو منفي في الشريعة المقدسة.

و فيه أولا: انا ذكرنا في بحث القاعدة ان المستفاد من النصوص المشار إليها النهي لا النفي فلا ترتبط تلك القاعدة بما نحن فيه.

و ثانيا: انا نفرض ان المستفاد منها النفي كما عليه المشهور لكن نقول: المستفاد منها نفي الحكم الضرري لا اثبات الضمان.

و بعبارة اخري يستفاد من القاعدة نفي الاحكام الضررية و ان الشارع لا يجعل حكما موجبا للاضرار لا أن الشارع يحكم بتدارك الضرر الوارد.

مضافا الي أن الحكم بضمان القابض حكم ضرري بالنسبة إليه و لا وجه لترجيح احد الطرفين علي الاخر.

الوجه السابع: السيرة العقلائية الممضاة عند الشارع

فانه

______________________________

(1) تقدم ذكره في ص 146.

(2) تقدم ذكره في ص 148.

(3) تقدم ذكر تلك النصوص في ص 148 و ص 149.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 166

لا اشكال في أن استيفاء منافع مال الغير يوجب الضمان عند العقلاء و لا يمكن الاستيفاء مجانا و بلا عوض مع عدم ما يقتضي العدم.

الوجه الثامن: قاعدة «من أتلف مال الغير فهو له ضامن»

فانه يمكن أن تستفاد القاعدة المذكورة من جملة من النصوص و ان اتلاف مال الغير يوجب الضمان منها ما رواه أبان بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في الرهن اذا ضاع من عند المرتهن من غير أن يستهلكه رجع بحقه علي الراهن فأخذه و ان استهلكه ترادّا الفضل بينهما «1».

و منها ما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال اذا رهنت عبدا أو دابة فمات فلا شي ء عليك و ان هلكت الدابة أو أبق الغلام فأنت ضامن «2».

و منها ما رواه اسحاق بن عمار قال سألت أبا ابراهيم عليه السلام عن الرجل يرهن الرهن بمائة درهم و هو يساوي ثلاثمائة درهم فيهلك أعلي الرجل أن يرد علي صاحبه مائتي درهم؟ قال: نعم لانه اخذ رهنا فيه فضل وضيعه قلت: فهلك نصف الرهن قال: «علي» حساب ذلك قلت: فيترادان الفضل؟ قال: نعم «3».

و منها ما رواه ابو حمزة قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول علي عليه السلام يترادان الفضل فقال: كان علي عليه السلام يقول ذلك قلت: كيف يترادان فقال ان كان الرهن أفضل مما رهن به ثم عطب رد المرتهن الفضل علي صاحبه و ان كان لا يسوي رد الراهن

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب الرهن الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث 8.

(3) الوسائل

الباب 7 من ابواب الرهن الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 167

ما نقص من حق المرتهن «1».

و منها ما رواه ابن بكير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام في الرهن فقال: ان كان اكثر من مال المرتهن فهلك أن يؤدي الفضل الي صاحب الرهن و ان كان اقل من ماله فهلك الرهن أدّي إليه صاحبه فضل ماله و ان كان الرهن سواء فليس عليه شي ء «2».

و منها ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قضي أمير المؤمنين عليه السلام في الرهن اذا كان اكثر من مال المرتهن فهلك ان يؤدّي الفضل الي صاحب الرهن و ان كان الرهن أقل من ماله فهلك الرهن أدّي الي صاحبه فضل ماله و ان كان الرهن يسوي ما رهنه فليس عليه شي ء «3».

و منها ما رواه عبد اللّه بن الحكم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل رهن عند رجل رهنا علي ألف درهم و الرهن يساوي ألفين وضاع قال: يرجع عليه بفضل ما رهنه و ان كان انقص مما رهنه عليه رجع علي الراهن بالفضل و ان كان الرهن يسوي ما رهنه عليه فالرهن بما فيه «4»

و منها ما رواه وهب عن جعفر عن أبيه عليهما السلام ان عليا عليه السلام كان يقول من استعار عبدا مملوكا لقوم فعيب فهو ضامن «5».

و منها ما رواه محمد بن الحسن قال كتبت الي أبي محمد عليه السلام:

رجل دفع الي رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت هل يجب

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من ابواب الرهن الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 3.

(3) عين المصدر الحديث 4.

(4) عين المصدر الحديث 5.

(5) الوسائل الباب 1

من ابواب العارية الحديث 11.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 168

عليه اذا خالف أمره و أخرجها عن ملكه فوقع عليه السلام: هو ضامن لها ان شاء اللّه «1».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سئل عن القصّار يفسد فقال كلّ اجير يعطي الاجرة علي أن يصلح فيفسد فهو ضامن «2».

و منها ما رواه الحلبي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في الغسال و الصباغ ما سرق منهم من شي ء فلم يخرج منه علي أمر بين انه قد سرق و كل قليل له أو كثير فان فعل فليس عليه شي ء و ان لم يقم البينة و زعم انه قد ذهب الذي ادّعي عليه فقد ضمنه ان لم يكن له بينة علي قوله «3».

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال كان أمير المؤمنين عليه السلام يضمّن الصباغ و القصّار و الصائغ احتياطا علي أمتعة الناس و كان لا يضمن من الغرق و الحرق و الشي ء الغالب … الحديث «4».

و منها ما رواه أبو الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن الثوب أدفعه الي القصار فيخرقه قال أغرمه فانك انما دفعته إليه ليصلحه و لم تدفع إليه ليفسده «5».

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان أمير المؤمنين عليه السلام رفع إليه رجل استأجر رجلا يصلح بابه فضرب المسمار

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب الوديعة.

(2) الوسائل الباب 29 من ابواب الاجارة الحديث 1.

(3) نفس المصدر الحديث 2.

(4) نفس المصدر الحديث 6.

(5) نفس المصدر الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 169

فانصدع الباب فضمّنه أمير المؤمنين

عليه السلام «1».

و منها ما رواه ابو الصباح قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القصّار هل عليه ضمان؟ فقال: نعم كل من يعطي الاجر ليصلح فيفسد فهو ضامن «2».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يعطي الثوب ليصبغه فيفسده فقال: كل عامل اعطيته اجرا علي أن يصلح فأفسد فهو ضامن «3».

هذا تمام الكلام في الوجوه التي يمكن أن يستدل بها علي الضمان و في مقابل هذا القول قول بعدم الضمان و نسب هذا القول الي ابن حمزة و استدل علي المدعي بالنبوي و هو قوله صلي اللّه عليه و آله «الخراج بالضمان» «4».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان منافع العين في مقابل ضمانها فمن يكون ضامنا لنفس العين لا يكون ضامنا لمنافعها و قد احتمل في معني الحديث احتمالات عديدة و حيث ان الرواية ضعيفة سندا و غير قابلة للاستناد إليها لا وجه لملاحظة معناها فالمتعين صرف النظر عنها.

مضافا الي أنه يستفاد من حديث أبي ولاد الحناط قال: اكتريت بغلا الي قصر ابن هبيرة ذاهبا و جائيا بكذا و كذا و خرجت في طلب غريم لي فلمّا صرت قرب قنطرة الكوفة خبّرت ان صاحبي توجه الي النيل فتوجهت نحو النيل فلما اتيت النيل خبّرت ان صاحبي

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من ابواب الاجارة الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 13.

(3) نفس المصدر الحديث 19.

(4) سنن البيهقي ج 5 ص 321 نقلنا المدرك عن الجزء الثالث من كتاب مصباح الفقاهة ص 133.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 170

توجه الي بغداد فاتبعته و ظفرت به و فرغت ممّا بيني و بينه و رجعنا الي الكوفة و كان ذهابي و

مجيئي خمسة عشر يوما فأخبرت صاحب البغل بعذري و أردت ان اتحلل منه مما صنعت و ارضيه فبذلت له خمسة عشر درهما فأبي أن يقبل فتراضينا بأبي حنيفة فأخبرته بالقصة و أخبره الرجل.

فقال لي ما صنعت بالبغل. فقلت: قد دفعته إليه سليما قال: نعم بعد خمسة عشر يوما قال: فما تريد من الرجل؟ فقال: اريد كراء بغلي فقد حبسه عليّ خمسة عشر يوما فقال: ما أري لك حقا لانه اكتراء الي قصر ابن هبيرة فخالف و ركبه الي النيل و الي بغداد فضمن قيمة البغل و سقط الكراء فلمّا رد البغل سليما و قبضته لم يلزمه الكراء، قال: فخرجنا من عنده و جعل صاحب البغل يسترجع فرحمته مما افتي به أبو حنيفة فاعطيته شيئا و تحللت منه و حججت تلك السنة فاخبرت أبا عبد اللّه عليه السلام بما أفتي به أبو حنيفة.

فقال: في مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء ماءها و تمنع الارض بركتها، قال: فقلت لابي عبد اللّه عليه السلام: فما تري انت؟

فقال: أري له عليك مثل كراه بغل ذاهبا من الكوفة الي النيل و مثل كراء بغل راكبا من النيل الي بغداد و مثل كراه بغل من بغداد الي الكوفة توفيه اياه.

قال: فقلت: جعلت فداك قد علفته بدراهم فلي عليه علفة؟ فقال لا لانك غاصب قال: فقلت: له أ رأيت لو عطب البغل و نفق أ ليس كان يلزمني؟ قال: نعم قيمة بغل يوم خالفته قلت فان اصاب البغل كسر أو دبر أو غمز فقال عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده عليه فقلت: من يعرف ذلك؟ قال: انت و هو اما أن يحلف هو علي القيمة فيلزمك فان رد

اليمين عليك فحلفت علي القيمة لزمه ذلك أو يأتي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 171

صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل حين اكتري كذا و كذا فيلزمك.

فقلت: اني كنت اعطيته دراهم و رضي بها و حللني فقال: انما رضي بها و حللك حين قضي عليه أبو حنيفة بالجور و الظلم و لكن ارجع إليه فأخبره بما افتيتك به فان جعلك في حلّ بعد معرفته فلا شي ء عليك بعد ذلك … الحديث «1»، فساد القاعدة المذكورة حيث ان الامام عليه السلام رد علي أبي حنيفة و قال عليه السلام: «لمثل هذا ينقطع المطر من السماء».

لكن يرد عليه ان حديث أبي ولاد وارد في الغصب و الكلام في المقام في المقبوض بالعقد الفاسد.

و ربما يقال: ان مذهب ابن حمزة و هو عدم الضمان يستفاد من جملة من الروايات منها ما رواه اسحاق بن عمار قال حدثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السلام و سأله رجل و انا عنده فقال: رجل مسلم احتاج الي بيع داره فجاء الي اخيه فقال ابيعك داري هذه و تكون لك احبّ إليّ من أن تكون لغيرك علي أن تشترط لي ان انا جئتك بثمنها الي سنة أن ترد علي فقال لا بأس بهذا ان جاء بثمنها الي سنة ردها عليه قلت: فانها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة لمن تكون الغلة؟ فقال:

الغلة للمشتري ألا تري انه لو احترقت لكانت من ماله «2».

و منها ما رواه معاوية بن ميسرة قال سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل باع دارا له من رجل و كان بينه و بين الرجل الذي اشتري منه الدار حاصر فشرط انك أن

اتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك فاتاه بماله قال: له شرطه قال له

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من ابواب الاجارة الحديث 1.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 2، ص: 171

(2) الوسائل الباب 8 من ابواب الخيار الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 172

ابو الجارود: فان ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين قال: هو ماله و قال أبو عبد اللّه عليه السلام أ رأيت لو أن الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار دار المشتري «1».

و منها ما رواه اسحاق بن عمار قال قلت لابي ابراهيم عليه السلام الرجل يرهن الغلام و الدار فتصيبه الآفة علي من يكون؟ قال علي مولاه ثم قال: أ رأيت لو قتل قتيلا علي من يكون؟ قلت: هو في عنق العبد قال ألا تري فلم يذهب مال هذا ثم قال أ رأيت لو كان ثمنه مائة دينار فزاد و بلغ مائتي دينار لمن كان يكون؟ قلت: لمولاه قال كذلك يكون عليه ما يكون له «2».

بتقريب: ان المستفاد من هذه النصوص ان ضمان العين يقتضي عدم ضمان المنافع. و فيه: ان المستفاد من هذه الروايات ان منافع العين تابعة للعين في كونها مملوكة لمالك العين و لا ترتبط بما نحن بصدده فالحق هو القول المشهور فلاحظ.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله قدس سره بأمره بالتأمل يشير الي أنه لا تنافي بين الامرين و بعبارة اخري: ضمان العين يقتضي عدم ضمان المنافع أعم من أن يكون الضامن مالكا للمنفعة أو مالكا للانتفاع.

«قوله قدس سره: و

أما المنفعة الفائتة بغير استيفاء»

يظهر من كلماتهم ان

المشهور بين الاصحاب ضمان المنافع غير المستوفاة
و ما يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي المدعي وجوه:
الوجه الأول: الاجماع

و حال الاجماع في الاشكال- خصوصا في امثال المقام- واضح.

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من ابواب الخيار الحديث 2.

(2) الوسائل الباب 5 من ابواب الرهن الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 173

الوجه الثاني: قاعدة علي اليد

بتقريب ان وضع اليد علي العين و قبضها يستلزم تسلم المنافع فالمنافع مأخوذة.

و فيه ان حديث علي اليد ضعيف سندا فلا يكون قابلا للاستناد إليه.

الوجه الثالث: قاعدة الاتلاف

فان امساك مال الغير و حبسه و عدم تسليمه منه اتلاف لمنافعه و قد تقدم ان المستفاد من جملة من النصوص الخاصة كون الاتلاف موجبا للضمان.

الوجه الرابع: السيرة العقلائية الممضاة عند الشارع

فانها جارية علي احترام أموال الناس و ان حبسها من غير حق يوجب الضمان و الظاهر عدم الفرق بين علم المالك بالفساد و جهله فان الميزان في تحقق الضمان عدم كون الاستيلاء عن حق.

«قوله قدس سره: و انما يتحقق ذلك في الاستيفاء»

قد ظهر مما ذكرنا عدم اختصاص عنوان الاتلاف بصورة الاستيفاء.

«قوله قدس سره: موافق للاصل»

جريان الاصل متوقف علي عدم الدليل علي الضمان و أما مع قيام الدليل كما قام فلا مجال لجريانه.

«قوله قدس سره: شمول قاعدة ما لا يضمن»

هذه القاعدة المشهورة لا اساس لها فلا وجه للتعرض لها و اللازم ملاحظة الادلة المعتبرة و الالتزام بمقتضاها.

«قوله قدس سره: مضافا الي الاخبار الواردة في ضمان المنافع المستوفاة»

و تقريب الاستدلال بهذه النصوص «1» ان الامام عليه السلام في

______________________________

(1) قد تقدم ذكر تلك النصوص في ص 147 و ص 148.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 174

مقام بيان حكم المنافع و لم يتعرض لضمان المنافع غير المستوفاة و مقتضي عدم تعرضه لهذه الجهة مع كونه في مقام البيان، عدم الضمان.

و يرد عليه انه عليه السلام تعرض في هذه النصوص لحكم الولد و لعله لدفع توهم كون الولد رقا و لم يتعرض لحكم المنافع المستوفاة و الحال انه لا اشكال في ضمانها. و بعبارة واضحة: عدم التعرض من ناحيته عليه السلام لا يدل علي العدم و الا يلزم أن تكون النصوص المشار إليها دليلا علي عدم ضمان المنافع المستوفاة و هو كما تري.

بقي شي ء و هو انه هل يكون فرق بين العين

المغصوبة و المقبوض بالعقد الفاسد؟ أفاد سيدنا الاستاد علي ما في تقرير مقرر بحثه ان: الفارق بينهما كالشمس في كبد السماء لان الغاصب يأخذ المال من المغصوب منه بالقهر و الغلبة فيكون ضامنا لجميع الخصوصيات و أما في المقبوض بالعقد الفاسد فالمالك يدفع العين باختياره الي القابض و المفروض ان القابض لا يمنع الدافع عن التصرف في العين ففوت المنافع مستند الي نفس المالك فلا وجه لقياس المقام بالمغصوب.

و فيه انه لو فرض ان الغاصب لا يمنع عن التصرف في العين فلازم كلامه عدم الضمان أيضا و هل يلتزم به؟

و ثانيا: ان المفروض في العقد الفاسد ان دفع المالك لا أثر له و لذا لا يجوز التصرف في العين و قد تقدم ان يد القابض يد ضمان و يجب عليه أن يرد العين الي مالكه فما الفارق بين المقامين؟ و انا لا نري فارقا بينهما.

و يؤيد ما ذكرنا ما عن التذكرة و هذا لفظه: «ان منافع الاموال

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 175

من العبد و الثياب و العقار و غيرها مضمونة بالتفويت و الفوات تحت اليد العادية فلو غصب عبدا أو جارية أو ثوبا أو عقارا أو حيوانا مملوكا ضمن منافعه سواء أتلفها بأن استعملها أو فاتت تحت يده بأن بقيت مدة في يده لا يستعملها عند علمائنا اجمع» الخ.

فنسأل ان اليد علي المقبوض بالعقد الفاسد عادية أو أمانية فان كانت امانية فما الوجه في الضمان اذا تلفت العين؟ و ان كانت عادية فتشمله العبارة المنقولة عن التذكرة.

و يؤيد المدعي أيضا ما عن السرائر في آخر باب الاجارة من الاتفاق علي ضمان منافع المغصوب الفائتة مع قوله في باب البيع ان البيع الفاسد

عند اصحابنا بمنزلة الشي ء المغصوب الخ.

«قوله قدس سره: و ان كان المترائي من ظاهر صحيحة أبي ولاد «1»»

الانصاف ان ما ادعاه الماتن من الظهور في الحديث محل الاشكال و الكلام اذ لم يفرض نفع غير مستوفي كي يكون عدم تعرضه عليه السلام لضمانه دليلا علي عدم ضمان المنفعة غير المستوفاة مضافا الي أن عدم الضمان في المغصوب خلاف الاجماع و التسالم فلا يعتد بالظهور المدعي علي فرض تسليمه فلاحظ.

[الرابع: لو تلف المبيع فان كان مثليا وجب مثله]
اشارة

«قوله قدس سره: الرابع: اذا تلف المبيع فان كان مثليا وجب مثله»

ما يمكن أن يذكر أو ذكر في تقريب الاستدلال علي المدعي وجوه:
الوجه الأول: الاجماع

و عدم الخلاف و اشكال الوجه المذكور واضح.

الوجه الثاني: حديث علي اليد «2»

و يرد عليه أولا ان الحديث ضعيف سندا و لا جابر له و ثانيا انه لا ينطبق الحديث علي المشهور

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 169 و 170.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 161.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 176

بين الاصحاب في باب الضمان فانهم قائلون بضمان المثل في المثلي و القيمة في القيمي من أول الامر و لا يستفاد مدعاهم من الحديث بل المستفاد منه ان نفس العين العين في العهدة.

و ثالثا: انه يمكن أن يقال: ان الحديث في مقام بيان ان الاخذ للعين ضامن لها الي زمان تأديتها الي مالكها و لا تعرض في الحديث بأنها اذا تلفت بما ذا تشتغل ذمة القابض و من في يده العين.

الوجه الثالث: ما رواه ابو بصير «1»

و فيه انه قد تقدم ان المستفاد من الحديث الحكم التكليفي و انه كما يحرم اراقة دمه يحرم التصرف في ماله فلا تعرض في الرواية للحكم الوضعي مضافا الي أنه علي فرض التسليم لا تدل علي التفصيل بأن نقول: يجب المثل في المثلي و القيمة في القيميّ.

و بعبارة اخري: علي فرض التعرض تكون الرواية متعرضة لاصل الضمان لا للتفصيل المذكور اضف الي ما ذكر ان الدليل اخص من المدعي حيث ان المأخوذ في الموضوع عنوان المؤمن.

الوجه الرابع: النصوص الواردة في الامة المسروقة «2»

فانها تدل علي أن المشتري يأخذ الولد بالقيمة.

و فيه ان هذه النصوص لا تدل علي ضمان المثل في المثلي بل لا تدل علي ضمان القيمة في القيمي و انما تدل علي ضمان القيمة في المورد الخاص نعم لا تخلو من الاشعار بالنسبة الي ضمان القيمة في القيمي.

الوجه الخامس: قوله تعالي «فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ» «3».

بتقريب ان المستفاد من الآية الشريفة

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 144.

(2) قد تقدم ذكر تلك النصوص في ص 147 و 148.

(3) البقرة/ 194.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 177

المماثلة فيما يعتدي به فان كان مثليا يجب المثل و ان كان قيميا تجب القيمة.

و قال سيدنا الاستاد في هذا المقام: ان استفادة المدعي عن الآية تتوقف علي ثلاثة امور:

الأمر الأول: أن يكون لفظ «ما» المذكور في الآية موصولا لا مصدرا.

الأمر الثاني: أن يكون المراد بالموصول الشي ء المعتدي به.

الأمر الثالث: أن يكون المراد من المعتدي به المثل في المثلي و القيمة في القيمي و هذه المقدمات كلها مخدوشة أما الأمر الأول فيخدش بأنه يمكن أن اللفظ يكون مصدرا أي يكون الفعل الصادر مثل ما صدر عن المعتدي فان كان ضربا يكون مثله و ان كان شتما يكون كذلك و هكذا.

و أما الأمر الثاني فيمكن أن يكون المراد من الموصول الفعل لا العين الخارجية أي يكون ما يعتدي به مثل ما اعتدي به المعتدي ابتداءً فلا ترتبط بالمقام.

و أما الأمر الثالث ففيه انه علي تقدير تسليم المدعي يكون المستفاد من الآية وجوب المثل علي الاطلاق لا التفصيل المذكور في كلام القوم من وجوب المثل في المثلي و القيمة في القيمي.

اضف الي ما ذكر انه بعد تمامية المقدمات فرضا لا يستفاد من الآية الحكم الوضعي الذي هو محل

الكلام بل المستفاد من الآية الشريفة الحكم التكليفي.

الوجه السادس: ان مقتضي السيرة العقلائية

و الارتكاز ان الانسان اذا وضع يده علي مال غيره بلا مجوز يكون ضامنا لذلك المال و تلك العين في عهدته و ضمانه فما دامت موجودة يجب ادائها

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 178

و ايصالها الي مالكها و اذا تلفت يجب عليه اداء مثلها من باب أن المثل اقرب الي التالف و مع عدم المثل تصل النوبة الي القيمة.

و بعبارة واضحة: في المرحلة الاولي يجب اداء نفس تلك العين التالفة و لذا لو عادت بعد التلف الي صورتها الاولية يجب ردها و لا تصل النوبة الي المثل أو القيمة.

و العجب من سيدنا الاستاد حيث أفاد في المقام بأنه يجب المثل في المثلي و القيمة في القيمي و لا يكفي اداء احدهما عن الاخر الا أن يرضي المالك «1».

فانه يرد عليه أولا: انه كيف يمكن اداء المثل في القيمي فان القيمي قوامه بعدم المماثل. و ثانيا: ان الحق ان العين بنفسها في العهدة و انما الاكتفاء بغيرها من باب الاقربية بالتالف و علي هذا الاساس لا مجال لما اشتهر بين القوم من وجوب المثل في المثلي و القيمة في القيمي بل الواجب في المرحلة الاولي اداء نفس العين و مع عدم الامكان تصل النوبة الي الاقرب و لا اشكال في أن المثل أقرب الي التالف و علي تقدير عدم امكان المثل تصل النوبة الي القيمة.

[كلمات أصحابنا في تعريف المثلي]

«قوله قدس سره: و قد اختلف كلمات أصحابنا في تعريف المثلي»

مفهوم المثل من المفاهيم الواضحة العرفية و لا يحتاج الي تطويل البحث فيه و القيل و القال فان أصناف الحنطة من المثليات و البقر من القيميات.

و علي الجملة: الاحالة الي العرف تكفي لبيان الموضوع و لا موضوعية للتحديد كي

يشكل تارة بعدم كونه جامعا و اخري بعدم كونه مانعا و لا أثر للاجماع المدعي في المقام لا الاجماع علي الحكم و لا القائم علي الموضوع أما القائم علي الحكم فان كان منقولا فقد

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 3 ص 150.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 179

حقق في الاصول عدم اعتباره و ان كان محصلا فعلي فرض تحققه يرد فيه بأنه لا اعتبار به خصوصا مع الاحتمال بل القطع بكونه مدركيا و أما القائم علي الموضوع فحاله أسوأ فان المثل مفهوم عرفي واضح و لا يحتاج الي قيام الاجماع عليه الا أن يرجع الي الحكم فيدخل تحت القسم الأول.

«قوله قدس سره: فلا بد من ملاحظة ان الاصل الّذي يرجع إليه»

مقتضي ما ذكرنا عدم وصول النوبة الي الشك فان الثابت في الذمة بمقتضي السيرة العقلائية نفس العين التالفة و وصول النوبة الي المثل ثم الي القيمة من باب عدم امكان اداء نفس العين أو المثل فلا مورد للشك نعم بعد وصول النوبة الي القيمة يمكن أن يشك في مقدارها من حيث الزيادة و النقيصة و مقتضي الاصل عدم وجوب الاكثر مثلا لو تردد أمر قيمة الشي ء الفلاني بين الخمسة و السبعة يكون مقتضي الاصل عدم وجوب السبعة و هذا الذي نقول لا فرق فيه بين الجهة الوضعية و التكليفية فان مقتضي الاستصحاب عدم ثبوت الضمان بالاكثر كما ان مقتضي البراءة عدم وجوبه.

و يظهر من كلام الشيخ قدس سره

ان الاحتمالات المتصورة في المقام متعددة و وجوه عديدة
الوجه الأول: أن يكون الواجب من أول الامر المثل

من باب ان الاقرب الي التالف المثل و انما يكفي اداء القيمة في القيميات من باب الارفاق بالضامن فلو دار الامر بين كون الضمان بالمثل أو القيمة يتعين المثل فان الامر دائر بين التعيين و التخيير.

و أورد

علي التقريب المذكور أولا: ان الثابت في القيميات القيمة فالكبري الكلية المدعاة غير تامة.

و ثانيا: ان دوران الامر بين التعيين و التخيير اذا كان بين الحكمين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 180

المتزاحمين و دار الامر بين محتمل الاهمية و غيره يكون المتعين الاخذ بما يكون محتمل الاهمية لسقوط الاطلاق عن الطرف الاخر و عدم سقوطه في هذا الطرف و أما اذا كان المورد موردا لحكم واحد و دار الامر بين تعلقه بالجامع أو بالمقيد يكون المرجع البراءة لا الاشتغال.

و يرد عليه: ان هذا التقريب انما يتم فيما يكون الشك في التكليف و في المقام لا اشكال في تعلق المثل بالعهدة فان الضمان لا يكون تكليفا محضا و انما الشك في الارفاق و عدمه و الاصل عدم الارفاق. و ان شئت قلت: لا ريب في ثبوت المثل في الذمة و انما الشك في سقوطه باداء القيمة و عدمه و يكون مقتضي الاصل بقائه.

ان قلت: استصحاب بقاء المجعول يعارض باستصحاب عدم الجعل الزائد قلت: الشك في البقاء مسبب عن الشك في الارفاق و الاصل عدمه فلاحظ.

الوجه الثاني: الضمان بالقيمة عند الشك في المثلية و القيمية

و تقريب الاستدلال عليه: ان المقام من موارد دوران الامر بين الاقل و الاكثر فلا بد من الاخذ بالاقل فان المراد بالقيمة المالية المشتركة بين جميع الاشياء فالجامع بين جميع الموارد الجهة الجامعة غاية الامر في المثلي ذلك الجامع مقيد بقيد خاص و علي هذا الاساس في مورد الشك يكون الامر دائرا بين الاقل و هو الجامع و الاكثر و هو المقيد بالقيد الخاص و مقتضي البراءة عدم وجوب الزائد و عليه يكون الضامن مخيرا بين اداء المثل و اداء القيمة.

و فيه: ان القيمة في القيمي المالية المتقيدة بالنقود

و في المثلي الجامع المقيد بالمثلية فالامر دائر بين المتباينين لا الاقل و الاكثر.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 181

الوجه الثالث: خيار الضامن بين اداء المثل و القيمة

بتقريب:

انه اما ضامن للمثل و أما ضامن للقيمة و بمقتضي الضرورة و الاجماع و قاعدة الضرر لا يكلف بكلا الامرين فيحكم بالتخيير.

و يرد عليه أولا: ان الالزام بحكم العقل لا بحكم الشارع و ثانيا:

انه يمكن أن يرجع الامر الي الحاكم الشرعي و يتصالح المالك و الضامن علي شي ء واحد فان الحاكم مرجع الامور عند التشاح و النزاع و أما احتمال الرجوع الي القرعة فهو بعيد اذ لا دليل عليها في الشبهات الحكمية بل هي تختص بالشبهة الموضوعية.

و يمكن تقريب الاكتفاء باحد الامرين و كون الضامن مخيرا بوجه آخر و هو انه بعد اداء المثل أو القيمة يشك في بقاء الاشتغال فيتعارض الاصل الجاري في المجعول مع الاصل الجاري في مقدار الجعل و بعد التعارض و التساقط تصل النوبة الي البراءة عن الالزام فلاحظ.

الوجه الرابع: خيار المالك بين الامرين بأن يكون الاختيار بيده

بتقريب: ان ذمة الضامن و ان كانت مشغولة باحد أمرين لكن ما يختاره المالك اما بدل واقعي و أما بدل البدل و علي كلا التقديرين يكفي أما علي الاول فظاهر و أما علي الثاني فلرضا المالك و لا بد من تحصيل رضاه فان مقتضي الاصل عدم فراغ ذمة المالك الا برضا المالك.

و يرد عليه انه لا بد من مراجعة الحاكم في أمثال المقام كما مرّ آنفا و أما استصحاب بقاء الاشتغال فهو معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

و ببيان واضح. بعد اداء المثل أو القيمة لو شك في الفراغ يكون

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 182

مقتضي استصحاب. اشتغال الذمة بقاء الشغل و مقتضي استصحاب عدم الجعل الزائد عدم الاشتغال و بعد التعارض و التساقط تكون اصالة البراءة عن التكليف محكمة فلاحظ.

و أما ما أفاده الشيخ قدس سره من تخيير المجتهد في

الفتوي فلا دليل عليه فان تخيير المجتهد في باب تعارض الاخبار و أما في المقام فلا وجه له و لعله اشار الي ما ذكرنا بقوله «فتأمل».

و الذي يختلج بالبال ما تقدم منا من أن الثابت في الذمة نفس العين و عند التعذر تصل الي المثل و مع تعذره تصل النوبة الي القيمة.

و يؤيد المدعي بل يدل عليه بعض النصوص منها ما رواه محمد ابن عيسي عن يونس قال كتبت الي أبي الحسن الرضا عليه السلام انه كان لي علي رجل دراهم و ان السلطان أسقط تلك الدراهم و جاء بدراهم أعلي من تلك الدراهم الاولي و لهم اليوم وضيعة فاي شي ء لي عليه الاولي التي اسقطها السلطان أو الدراهم التي أجازها السلطان؟ فكتب عليه السلام الدراهم الاولي «1».

و منها ما رواه صفوان قال سأله معاوية بن سعيد عن رجل استقرض دراهم من رجل و سقطت تلك الدراهم أو تغيرت و لا يباع بها شي ء الصاحب الدراهم الدراهم الاولي أو الجائزة التي تجوز بين الناس؟ قال: فقال: لصاحب الدراهم الدراهم الاولي «2».

الا أن يقال: ان النصوص المشار إليها لا يؤيد المدعي حيث ان الدرهم مثلي. لكن يرد عليه: انه لو كان مثليا يلزم أن يدفع بدل الدرهم درهم و الحال انه يكفي دفع نصفي درهم بدل الدرهم الواحد.

______________________________

(1) تهذيب الاحكام ج 7 ص 117 الحديث 507.

(2) عين المصدر الحديث 508.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 183

و أيضا يؤيدنا في هذه المقالة انه يظهر من الماتن الميل الي هذا القول حيث قال: «و لكن يمكن أن يقال ان القاعدة المستفادة من اطلاقات الضمان في المغصوبات و الامانات المفرط فيها و غير ذلك هو الضمان بالمثل

لانه أقرب الي التالف من حيث المالية و الصفات ثم بعده قيمة التالف من النقدين و شبههما» الي آخر كلامه رفع في علو مقامه.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل أمره بالتأمل اشارة الي أنه لا يترتب اثر شرعي علي مثل هذه الاجماعات و بعبارة أخري لا يمكن جعل الاجماع مدركا للحكم و اللّه العالم.

[الخامس لو لم يوجد المثل الا بالأكثر]

«قوله قدس سره: الخامس ذكر في القواعد انه لو لم يوجد المثل الا باكثر»

مقتضي القاعدة انه يلزم اداء المثل و لو مع كون ثمنه اكثر لا للوجوه المذكورة في كلام الشيخ فان الوجوه المذكورة مخدوشة أما الاجماع فلا يكون حجة و أما النصوص فقد مرّ الاشكال فيها اما سندا و أما دلالة و أما من كلتا الناحيتين و أما الفتاوي فلا أثر لها و لا اعتبار بها و أما الفحوي فأيضا لا يترتب عليه اثر اذ الحكم في الاصل مستند الي الفتاوي.

«قوله قدس سره: و هو ضرر»

أما علي مسلكنا في مفاد القاعدة فلا مجال للاستدلال بها علي المدعي كما هو ظاهر و أما علي مسلك القوم و ان مفادها النفي، فتارة تكون الزيادة زيادة سوقية و اخري تكون الزيادة باعتبار طمع البائع في الزيادة و الحال ان القيمة السوقية اقل أما علي الاول فلا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 184

مجال للاخذ بالقاعدة لان المفروض ان الحكم الشرعي وارد في مورد الضرر و لا بد من تخصيص القاعدة كما في نظائر المقام.

و أما علي الثاني فأيضا يشكل الاخذ و الاستدلال بها لان الالزام بحكم العقل لا بحكم الشارع فلا بد من الالتزام بوجوب الشراء و لو باضعاف القيمة الا أن يقال ان مدرك وجوب المثل السيرة و في الفرض المذكور لا سيرة.

«قوله

قدس سره: ثم انه لا فرق في جواز مطالبة المالك بالمثل»

الظاهر ان ما أفاده تام و الامر كما قرره قدس سره و صفوة القول:

ان الذي يختلج بالبال ان المالك له المطالبة في كل مكان فانه مسلط علي مملوكه و يجب علي الضامن رد المثل الي المالك و لو ببذل مال كثير لكن لقائل أن يقول: العمدة في مستند الحكم السيرة العقلائية فلا بد من رعايتها و مقدار تحققها.

[السادس: لو تعذر المثل في المثلي فمقتضي القاعدة وجوب دفع القيمة]
اشارة

«قوله قدس سره: السادس: لو تعذر المثل في المثلي فمقتضي القاعدة وجوب دفع القيمة»

يقع الكلام في المقام في فروع:
الفرع الأول: انه لا اشكال انه لو تعذر المثل تصل النوبة الي القيمة

فان السيرة جارية عليه فوجوب القيمة مع تعذر المثل في الجملة مما لا اشكال فيه.

الفرع الثاني: ان الميزان قيمة يوم التلف أم قيمة يوم الاخذ أم قيمة يوم الدفع أم اعلي القيم

من زمان الاخذ الي يوم الدفع أو الي يوم التلف و هذا الاختلاف ناش من تبدل المثل الي القيمة فوقع الكلام بين القوم في أن التبدل المذكور متي يتحقق و أما اذا لم نلتزم بالتبدل فلا موضوع لهذا الاختلاف.

و ربما يقال: ان الضمان لا بد أن ينتقل الي القيمة عند اعواز

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 185

المثل في الخارج و الا لم ينتقل الي المثل أيضا عند تلف العين الشخصية.

و أجاب عنه سيدنا الاستاد بأن انتقال العين بعد التلف الي المثل أمر قهري لانه لا معني لبقائها في الذمة مع تلفها و أما المثل فهو امر كلي قابل للبقاء في الذمة الي حين الاداء.

و الذي يحتلج بالبال أن يقال: ان التالف بشخصه ثابت في الذمة و لا مانع من اعتباره و بقائه فيها فان الاعتبار خفيف المئونة و لا فرق بين الجزئي الخارجي و الكلي من هذه الجهة.

و الذي يدل علي المدعي ان التالف لو رجع الي ما كان أولا ببركة دعاء ولي من الاولياء يجب رده الي صاحبه و لا مجال لاداء المثل أو القيمة و علي هذا يكون المناط قيمة يوم الاداء.

الفرع الثالث: انه لا يجوز للضامن اجبار المالك بأخذ القيمة مع الاعواز

فانه لا وجه له و بعبارة اخري لا يجوز اجبار المالك علي قبول شي ء آخر بدلا عن ملكه و لذا لا اشكال في عدم جواز اجبار مالك العين الموجودة علي قبول شي ء آخر بدلا عن العين الموجودة.

و هذا مع رجاء وجدان المثل ظاهر و أما مع اليأس فأفاد سيدنا الاستاد قدس سره: بأنه لا يجوز الاجبار أيضا. و لكن لقائل أن يقول:

مع فرض اليأس لا وجه لامتناع المالك عن القبول فان التأخير و ابقاء ذمة الضامن مشغولة بالعين لا

وجه له و اللّه العالم.

الفرع الرابع: انه يجوز اجبار المالك الضامن بدفع القيمة

فان المالك مسلط علي حقه و يجوز له أن يأخذ القيمة مع الاعواز و الصبر.

و ان شئت قلت: لا اشكال في تحقق السيرة العقلائية علي ذلك.

و لا مجال لتوهم ان اجباره علي دفع القيمة اضرار بالنسبة الي الضامن فلا يجوز فانه يقال: هذا التوهم فاسد و ذلك لانه ليس

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 186

اضرارا بالنسبة إليه بل ارفاق حيث رفع اليد عن الخصوصية و اكتفي بالقيمة و لا فرق فيما ذكر بين التعذر الابتدائي و التعذر العارضي كما انه لا فرق فيما ذكر بين كون التعذر مستمرا أو موقتا فلاحظ.

الفرع الخامس: في مناط التعذر و الاعواز

لا يبعد أن يقال ان الميزان التعذر الشخصي فمع التمكن من تحصيل المثل و لو من البلاد البعيدة التي لا يتعارف نقل المثل منها يجب تحصيله علي الضامن. و بعبارة واضحة: يجب عليه تحصيله باي وجه ممكن و لا وجه لجعل ميزان و معيار له.

و قال سيدنا الاستاد قدس سره: انه لو كان في نقله من بلد بعيد مئونة زائدة بحيث يتضرر نحكم بعدم الوجوب لقاعدة نفي الضرر.

و يرد عليه أولا: ان الاخذ بدليل نفي الضرر متوقف علي مقالة المشهور في مفاد القاعدة و أما علي مقتضي مختار شيخ الشريعة قدس سره فلا مجال للاخذ بها كما هو ظاهر.

و ثانيا: ان الاخذ بالقاعدة لنفي الوجوب ينافي مسلكه حيث انه يقول ان القاعدة قاعدة امتنانية و لا بد أن لا يكون اجرائها علي خلاف الامتنان و المفروض ان الاخذ بها في المقام و نفي وجوب التحصيل خلاف الامتنان بالنسبة الي المالك.

فالحق أن يقال: يجب تحصيل المثل علي الضامن مطلقا و لا وجه لقياس المقام بباب السلف اذ يمكن أن يقال ان مقتضي الانصراف

تحصيل المبيع من بلد المعاملة فتأمل مضافا الي النصوص الواردة في ذلك الباب منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سئل عن الرجل يسلم في الغنم ثنيان و جذعان و غير ذلك الي اجل مسمّي؟

قال: لا بأس ان لم يقدر الذي عليه الغنم علي جميع ما عليه أن يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها أو ثلثيها و يأخذ رأس مال ما بقي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 187

من الغنم دراهم و يأخذون دون شروطهم و لا يأخذون فوق شرطهم و الاكسية أيضا مثل الحنطة و الشعير و الزعفران و الغنم «1».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسلم في الطعام الي أن قال: أ رأيت ان أوفاني بعضا و عجز عن بعض أ يصلح أن آخذ بالباقي رأس مالي قال: نعم ما أحسن ذلك «2».

و منها ما رواه سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسلم في الزرع فيأخذ بعض طعامه و يبقي بعض لا يجد وفاءه فيعرض عليه صاحبه رأس ماله قال يأخذه فانه حلال الحديث «3».

و رواه الشيخ باسناده عن احمد مثله و زاد: قلت فانه يبيع ما قبض من الطعام فيضعف قال و ان فعل فانه حلال «4».

و منها ما رواه ابان بن عثمان عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يسلم الدراهم في الطعام الي اجل فيحل الطعام فيقول: ليس عندي طعام و لكن انظر ما قيمته فخذ مني ثمنه فقال لا بأس بذلك «5».

و منها ما رواه العيص بن القاسم عن ابي عبد اللّه عليه

السلام قال: سألته عن رجل أسلف رجلا دراهم بحنطة حتي اذا حضر الاجل لم يكن عنده طعام و وجد عنده دواب و متاعا و رقيقا يحلّ له أن يأخذ من عروضه تلك بطعامه قال نعم يسمّي كذا و كذا بكذا و كذا صاعا «6».

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب السلف الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 2.

(3) عين المصدر الحديث 3.

(4) عين المصدر الحديث 4.

(5) عين المصدر الحديث 5.

(6) عين المصدر الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 188

و منها غيرها.

فانه ربما يدعي ان المستفاد من تلك الروايات ان الميزان بالقدرة علي التحصيل في بلد المعاملة و ان كان للنقاش في هذه المقالة مجال اذ يمكن أن يقال ان المستفاد من النصوص المشار إليها ان الميزان عدم القدرة علي الاطلاق فلاحظ.

ثم ان الميزان بالقيمة في بلد المطالبة و لا مدخلية لبلد الضمان و ببيان واضح: ان المفروض ان المثل ثابت في ذمة الضامن فلا بد من اداء قيمته عند التعذر و لا فرق فيما ذكر بين عزة الوجود و عدمها لوحدة الملاك.

و قال سيدنا الاستاد لو طالب من عنده المثل بأزيد من القيمة السوقية لم يجب الدفع لقاعدة الضرر. و يرد عليه ما أوردناه عليه آنفا من الايرادين فلاحظ.

الفرع السادس: انا ذكرنا انه لو تلف المأخوذ بالعقد الفاسد تصير ذمة الضامن مشغولة بنفس العين أو بالمثل

علي المعروف بين القوم فلو فرض سقوطه عن المالية كالماء علي الشاطئ اذا أتلفه في المفازة و المهلكة و الثلج في الشتاء اذا أتلفه في الصيف فما حكمه؟ قال سيدنا الاستاد تثبت في ذمة الضامن قيمة يوم السقوط عن المالية بتقريب ان المثل ثابت في ذمته الي ذلك الزمان و المثل في ذلك الزمان في حكم التالف فالميزان بقيمة ذلك الوقت.

و يترتب علي ما أفاده

انه لو لم يدفع القيمة النازلة و هي قيمة ذلك الزمان المشار إليه و صار الماء أو الثلج عزيز الوجود و ترقت قيمته لا يجب علي الضامن الا اداء ذلك المقدار القليل الذي انتقل الي ذمته و علي الشاطئ مثلا و هل يمكن الالتزام به؟

و أيضا يترتب عليه انه لو قنع المالك بالمثل مع عدم كونه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 189

متمولا لا يجب علي الضامن دفع الماء أو الثلج و هل يمكن الالتزام به؟ و اللّه العالم.

الفرع السابع: لو دفع القيمة في المثل المتعذر ثم تمكن من المثل فما حكمه؟

أفاد الشيخ قدس سره: الظاهر عدم عود المثل بذمته لان المثل كان دينا سقط عن الذمة بالتراضي فلا يعود كما لو تراضيا بعوضه مع وجوده.

و هذا علي المختار من كون المثل ثابتا في الذمة ظاهر و أما علي القول بعدم بقاء المثل في الذمة بل يتبدل بالقيمة فان قلنا بأن التالف بالاعواز يصير قيميا فالامر أوضح اذ المدفوع مصداق للثابت في الذمة فلا وجه للعود و أما لو قلنا ان المثل الثابت في الذمة يصير قيميا فيحتمل العود و يكون المدفوع بدل الحيلولة.

و يرد عليه: ان الالتزام ببدل الحيلولة متوقف علي بقاء العين في ملك مالكه و في المقام المفروض انقلاب ما في الذمة الي القيمة فلا مجال لاجراء قاعدة بدل الحيلولة في المقام.

مضافا الي فساد اصل المدعي فانه لا وجه لهذا التقريب بل الحق بقاء نفس العين في الذمة بلا فرق بين الموارد و بعبارة واضحة:

انه لا وجه للالتزام بالقسمين بل الامر منحصر فيما ذكرنا و هو ثبوت نفس العين في ذمة الضامن.

«قوله قدس سره: فليتأمل»

يمكن أن يكون اشارة الي أن المراد بيوم المطالبة يوم الدفع اذ لا خصوصية ليوم المطالبة بلا دفع فالمناط

و الميزان الدفع.

«قوله قدس سره: فافهم»

لعله اشارة الي ضعف المبني فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 190

[السابع لو كان التالف المبيع فاسدا قيميا]
اشارة

«قوله قدس سره: السابع لو كان التالف المبيع فاسدا قيميا»

أقول: اذا تلف القيمي فهل يضمن التالف بمثله أو يضمن بقيمته و الكلام حول هذه المسألة يقع في مقامات

المقام الأول: في مقتضي القاعدة الاولية

فنقول: القاعدة تقتضي أن يضمن التالف بعينه علي ما قلنا أو يضمن بمثله كما ذهب إليه سيدنا الاستاد قدس سره و نسب الي المشهور انه يضمن بالقيمة. و الحق ما ذكرنا فانه لو خلي و طبعه يكون المضمون نفس العين بلا فرق بين تعذر المثل و عدمه.

و قال سيدنا الاستاد قدس سره: انه مع التعذر المطلق ينتقل الضمان الي القيمة بتقريب: ان اعتبار الاشتغال مع عدم امكان اداء المثل لغو.

و فيه: ان لازم ما أفاده انه لو وجد المثل اتفاقا و علي خلاف القاعدة الطبيعية لا يكون دفعه مؤثرا و موجبا للبراءة بل الواجب رد القيمة بدلا عن التالف و هل يمكن الالتزام به؟ فالحق ما أفاده السيد قدس سره في الحاشية من المنع عن الانتقال علي الاطلاق و لا يرد عليه ما أورده عليه سيدنا الاستاد: من أن لازم كلامه جواز امتناع المضمون له عن قبول القيمة و لو مع التعذر علي الاطلاق لان المفروض ان الذمة مشغولة بالمثل.

فان ما أورده عليه غير تام اذ ذكرنا سابقا انه مع اليأس عن الوجدان لا وجه لبقاء ذمة الضامن مشغولة فانه خلاف سلطنة الناس علي انفسهم و ذمهم.

و صفوة القول: ان القاعدة الاولية تقتضي الاشتغال بالعين أو المثل بلا فرق بين المثلي و القيمي و يؤيد المدعي بعض النصوص منها ما رواه الصباح بن سيابة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 191

عبد اللّه بن أبي يعفور أمرني ان أسألك

قال: انا نستقرض الخبز من الجيران فنردّ أصغر منه أو اكبر فقال عليه السلام: نحن نستقرض الجوز الستين و السبعين عددا فيكون فيه الكبيرة و الصغيرة فلا بأس «1».

و منها ما رواه اسحاق بن عمار قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام:

استقرض الرغيف من الجيران و نأخذ كبيرا و نعطي صغيرا و نأخذ صغيرا و نعطي كبيرا قال لا بأس «2».

المقام الثاني: انه لا بد من رفع اليد عن القاعدة الاولية بالدليل الدال علي أن التالف في القيمي يضمن بالقيمة
اشارة

و ما يمكن أن يذكر في تقريب المدعي وجهان:

الوجه الأول الاجماع

و فيه: ان الاجماع المنقول لا يكون حجة و علي فرض تحصيله محتمل المدرك.

الوجه الثاني: ما أفاده الشيخ قدس سره

بقوله و تدل عليه الاخبار المتفرقة في كثير من القيميات و لا بد من ملاحظة هذه الاخبار المشار إليها في كلامه منها ما ورد في تحرير بعض الشركاء نصيبهم من العبد.

لاحظ ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق احدهم نصيبه، فقال: ان ذلك فساد علي أصحابه (فلا يستطيعون) بيعه و لا مؤاجرته فقال: يقوّم قيمة فيجعل علي الذي أعتقه عقوبة و انما جعل ذلك عليه «عقوبة» لما أفسده «3».

فانه يستفاد من الحديث ان الملاك و الميزان في ضمان القيمة الافساد حيث قال في ذيل الرواية و انما جعل ذلك عليه عقوبة لما

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من ابواب الدين و القرض الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

(3) الوسائل الباب 18 من العتق الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 192

أفسده فبعموم العلة نحكم بضمان القيمة في القيمي فلا مجال لان يقال: ان الحكم المذكور وارد في موضوع خاص و لا مجال لتسريته الي غير مورده.

و مثله في الدلالة علي المدعي بالتقريب المذكور ما رواه سماعة قال: سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق احدهم نصيبه فقال: هذا فساد علي أصحابه يقوّم قيمة و يضمن الثمن الذي أعتقه لانه أفسده علي أصحابه «1».

و يمكن التعرض لاشكالين في المقام الأول: انه ما الوجه في اختصاص الحكم بخصوص القيمي فان عموم العلة يقتضي الحكم بضمان القيمة في كلية الموارد بلا فرق بين القيمي و المثلي.

الا أن يقال: لا اشكال في ضمان المثل في المثلي بالتسالم و السيرة الجارية بين العقلاء الممضاة من قبل الشارع الاقدس.

الثاني:

انه بمقتضي العلة لا بد من تخصيص الحكم بمورد الاتلاف و أما في مورد التلف فلا مجال للاخذ بعموم العلة فان الموضوع المأخوذ في لسان الدليل كما تري عنوان الافساد.

ان قلت: حيث انه لا قول بالفصل يلزم عموم الحكم أي لاجل عدم الفصل في القيميات لا بد من الالتزام بعموم الحكم فيها قلت:

عدم القول بالفصل غايته الاجماع و لا يترتب علي الاجماع اثر مع احتمال كونه مدركيا و من الممكن استناد الاجماع الي النصوص المشار إليها.

و منها ما ورد في بيان حكم سفرة مطروحة لاحظ ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها

______________________________

(1) الوسائل الباب 18 من العتق الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 193

و بيضها و فيها سكين فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يقوم ما فيها ثم يؤكل لانه يفسد و ليس له بقاء فان جاء طالبها غرموا له الثمن فقيل يا أمير المؤمنين عليه السلام: لا يدري سفرة مسلم أو سفرة مجوسي فقال: هم في سعة حتي يعلموا «1».

فان المستفاد من الحديث انه يضمن المأكول بالقيمة و الحديث ضعيف سندا بالنوفلي.

و منها مرسلة الصدوق قال الصادق عليه السلام أفضل ما يستعمله الانسان في اللقطة اذا وجدها أن لا يأخذها و لا يتعرض لها فلو ان الناس تركوا بما يجدونه لجاء صاحبه فأخذه و ان كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلا تعرفها فان وجدت في الحرم دينارا مطلسا فهو لك لا تعرفه و ان وجدت طعاما في مفازة فقومه علي نفسك لصاحبه ثم كله فان جاء صاحبه فردّ عليه القيمة فان

وجدت لقطة في دار و كانت عامرة فهي لاهلها و ان كانت خرابا فهي لمن وجدها «2».

فان المستفاد من الحديث ان الضمان بالقيمة و المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل أصاب شاة في الصحراء هل تحل له؟ قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله هي لك أو لاخيك أو للذئب فخذها و عرفها حيث اصبتها فان عرفت فردّها الي صاحبها و ان لم تعرف فكلها و انت ضامن لها ان جاء صاحبها يطلب ثمنها أن تردها عليه «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من ابواب اللقطة.

(2) الوسائل الباب 2 من هذه الابواب الحديث 9.

(3) الوسائل الباب 13 من ابواب اللقطة الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 194

فان المستفاد من الحديث ان الشاة تصير مضمونة بالقيمة و يشكل بأنه حكم وارد في مورد خاص و لا وجه لاسرائه الي غيره من الموارد مضافا الي أن الظاهر من الرواية ان المضمون عين الشاة حيث قال عليه السلام: «فكلها و انت ضامن لها» فان الظاهر أن تحقق الضمان زمان الاكل و الظاهر من قوله في ذيل الحديث: «ان جاء صاحبها يطلبها أن ترد عليه ثمنها» ان الضمان يرتفع برد ثمن الشاة حين الرد.

و بعبارة واضحة: ان الواجب عليه قيمة الشاة حين الدفع فالثابت في الذمة عين الشاة و لذا الميزان قيمتها في ذلك الزمان.

و منها ما رواه أيضا علي بن جعفر عن أخيه قال: و سألته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرفها سنة ثم يتصدق بها فيأتي صاحبها ما حال الذي تصدق بها و لمن الاجر هل عليه أن يردّ علي

صاحبها أو قيمتها؟ قال: هو ضامن لها و الاجر له الا أن يرضي صاحبها فيدعها و الاجر له «1»

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان الضمان بالقيمة. و فيه انه حكم خاص في مورد مخصوص فلا وجه للتعدي مضافا الي أن المستفاد من الحديث ان الضامن ضامن للقيمة في زمان التغريم أي قيمة ذلك الوقت و الحال ان مقتضي ضمان المضمون بالقيمة القيمة الثابتة للعين في زمان التصدق فلاحظ.

و منها ما رواه زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام قال: أتاه رجل تكاري دابة فهلكت و أقرّ انه جاز بها الوقت فضمنه الثمن و لم يجعل عليه كراء «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من هذه الابواب الحديث 14.

(2) الوسائل الباب 17 من الاجارة الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 195

و المستفاد من الحديث ان الضامن ضمن بقية زمان التغريم فلا تدل الرواية علي المدعي.

و منها ما رواه ابو حمزة «1» بتقريب ان المستفاد من الحديث ان الذي يثبت في الذمة القيمة و لذا حكم عليه السلام بالتهاتر و الا لم يكن وجه له: و الظاهر ان التقريب تام كما ان السند لا خدش فيه لكن لا دليل الحديث لتخصيص الحكم بخصوص القيمي بل مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين المثلي و القيمي.

و منها ما رواه ابن عمار «2» و التقريب هو التقريب و منها ما رواه ابن بكير «3» و منها ما رواه محمد بن قيس «4» و التقريب هو التقريب و منها ما رواه ابان بن عثمان «5» و منها ما رواه سليمان بن خالد «6».

و يستفاد من الحديث التفصيل بين التفريط و عدمه باثبات الضمان علي نحو التهاتر في الاول و عدم الضمان

في الثاني و الظاهر ان الاستدلال بهذه النصوص علي المدعي لا اشكال فيه غاية الامر يلزم عدم التفصيل بين المثلي و القيمي الا أن يتم التفصيل بالاجماع و التسالم و وضوح الحكم و اللّه العالم.

و أيضا يلزم أن يفصل بين الاتلاف و التلف فان المستفاد من نصوص الرهن الضمان بالقيمة في صورة الاتلاف أي في صورة التفريط و عدم التحفظ و الحال انهم لم يفرقوا بين الصورتين في

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 167.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 166.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 167.

(4) قد تقدم ذكر الحديث في ص 167.

(5) قد تقدم ذكر الحديث في ص 166.

(6) قد تقدم ذكر الحديث في ص 166.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 196

ضمان القيمي الا أن يستند عموم الحكم الي الاجماع و هل يمكن تحصيل اجماع تعبدي كاشف في المقام؟

«قوله قدس سره: و يدل عليه الاخبار المتفرقة في كثير من القيميات»

قد اشرنا الي جملة من الاخبار التي اشار إليها في كلامه.

«قوله قدس سره: فلا حاجة الي التمسك بصحيحة أبي ولاد» «1»

و حديث أبي ولاد مورده الغصب و الخيانة و لا اطلاق فيه فباي وجه نتعدي الي مطلق التالف و لو لم يكن مورده التعدي و العدوان اللهم الا أن يتم الامر بالاجماع التعبدي فلاحظ.

«قوله قدس سره: و لا بقوله عليه السلام من أعتق شقصا»

لاحظ ما رواه في عوالي اللئالي قال النبي صلي اللّه عليه و آله:

من أعتق شقصا له من مملوك و له مال قوم عليه الباقي «2».

و لا يخفي انه اذا قطع النظر عن واحد واحد من هذه الاحاديث لا يبقي مستند لما ادعاه و ان شئت قلت: كيف

يجمع بين قوله يدل عليه الاخبار المتفرقة و بين قوله لا حاجة الي التمسك الخ.

«قوله قدس سره: بل قد عرفت ان مقتضي اطلاق ادلة الضمان»

ما أفاده مخدوش فانا ذكرنا ان مقتضي القاعدة الاولية ان التالف بشخصه مضمون و يستفاد المدعي من جملة من النصوص كما اشرنا الي بعضها.

«قوله قدس سره: بقوله تعالي «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ»

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 169.

(2) المستدرك الباب 16 من العتق الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 197

كيف يستدل بالآية علي المدعي و الحال ان موردها الاعتداء مضافا الي أنه لا يبعد أن يستفاد من الآية الشريفة ان العدو ان كالضرب و الشتم و أمثالهما يجوز مثله و أما الضمان فلا يستفاد منها فلاحظ.

«قوله قدس سره: فيكون الفصل بين التيسر و عدمه قولا ثالثا»

فيكون خرقا للاجماع المركب هذا تقريب كلامه. و يرد عليه ان الاجماع البسيط مع كونه محتمل المدرك لا أثر له فكيف بالمركب منه. و بعبارة واضحة: مع ذهاب الاصحاب الي القولين المذكورين و اختلافهم لا اجماع لهم علي أمر فعلي تقدير اعتبار الاجماع لا اعتبار له في أمثال المقام اذ عدم قول كل واحد من القولين بالقول الثالث ناش من التزامه بما ذهب إليه.

و ببيان أوضح: ان الاصحاب لم يجمعوا علي نفي القول الثالث فلا اجماع لهم فلا تغفل.

«قوله قدس سره: ثم انهم اختلفوا في تعيين القيمة»

وقع الخلاف بين القوم في تعيين القيمة المضمونة
اشارة

و قد ذكرت في المقام أقوال:

القول الاول: المضمون قيمة زمان التلف

و استدل عليه ان العين ما دامت باقية يجب ردها و الانتقال الي القيمة زمان التلف فالميزان ذلك الزمان.

و أورد فيه بأن زمان الانتقال و ان كان زمان التلف و لكن مجرد الانتقال لا يقتضي تعين قيمة العين في ذلك الزمان.

و هذا الاشكال غير تام لانه تارة نقول بأن العين التالفة مطلقا بنفسها باقية في الذمة الي زمان ارتفاع الضمان أي زمان الدفع كما هو ليس ببعيد فلا موضوع للانتقال و أما علي القول بالانتقال الي القيمة فلا مناص عن الالتزام بانتقال القيمة الثابتة في ذلك

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 198

الزمان الا أن يقوم دليل علي الخلاف.

القول الثاني: ان الميزان قيمة يوم الدفع

بتقريب ان العين ثابتة في الذمة فلا بد من ملاحظة قيمة ذلك الزمان أي زمان الدفع.

و بعبارة اخري: زمان الدفع يتبدل ما في الذمة بالقيمة فلا بد من ملاحظة ذلك الزمان.

و قال سيدنا الاستاد قدس سره: ان هذا القول ينافي ان الضامن له الزام المالك بقبول القيمة فانه يقتضي أن لا تجب علي الضامن الا القيمة فلا تكون العين ثابتة في ذمته.

و يرد عليه ان المبني الذي بني عليه فاسد فان اليأس من الظفر بالعين كما تقدم منا يقتضي جواز الزام المالك لان الضامن مسلط علي نفسه لكن قبل اداء القيمة لو وجد المثل أو لو اعيد التالف بدعاء ولي من أولياء اللّه يكون الواجب رده.

و هذا القول تام بحسب القاعدة الاولية الا أن يقوم دليل علي الخلاف فلنا ان نقول ان حديث الحناط مرجع في جميع الموارد حتي فيما لا يكون الاخذ غاصبا و يلزم رفع اليد عن القاعدة الاولية و نلتزم بأن الواجب دفع قيمة يوم الغصب.

القول الثالث: وجوب رد اعلي القيم من زمان القبض الي يوم الاداء
اشارة

و قد استدل علي القول المذكور بوجوه:

الوجه الأول: ان الضمان لا يختص بوقت معين

ففي كل يوم ارتفعت القيمة تكون الذمة مشغولة بها و النتيجة اعتبار أعلي القيم من زمان القبض الي زمان الاداء.

و يرد عليه: ان العين ما دامت موجودة لا تصل النوبة الي ضمان القيمة بل الواجب ادائها و أما بعد التلف فكما تقدم تكون ثابتة في الذمة و لا مقتضي لانتقالها الي القيمة بل هي بنفسها في الذمة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 199

فالميزان قيمة وقت الاداء لا أعلي القيم و علي القول بانتقال القيمة الي الذمة يكون الميزان قيمة زمان التلف فعلي كلا التقديرين لا وجه للالتزام بضمان أعلي القيم.

الوجه الثاني: ان المستفاد من حديث أبي ولاد الحناط «1» ان المغصوب مضمون علي الغاصب من يوم الغصب

و كل يوم يصدق عليه هذا العنوان فان رد نفس العين فهو و الا فان رد أعلي القيم فقد رد قيمة يوم المخالفة بقول مطلق لدخول السفلي في العليا ضرورة عدم وجوب رد قيمة كل يوم و اذا رد القيمة النازلة لم يرد القيمة بقول مطلق فلا بد من دفع أعلي القيم من يوم الغصب الي يوم الاداء.

و فيه أولا: ان المقبوض بالعقد الفاسد مع جهل الاخذ بالغصبية لا يكون غصبا و ثانيا: انه مع بقاء العين لا تصل النوبة الي القيمة و أما مع التلف فالمستفاد من حديث الحناط وجوب اداء يوم الغصب و الدليل عليه قوله عليه السلام «و لو شهد شاهدان علي قيمة يوم الاكتراء» فان يوم الاكتراء هو يوم الغصب اذ الاكتراء في الاسفار القريبة نفس يوم السفر لا من قبل ذلك اليوم بايام.

هذا بالنظر الي الرواية و أما مع قطع النظر عنها فان قلنا ببقاء نفس العين في الذمة فلا تصل النوبة الي ملاحظة القيمة الا حين الاداء كما هو ظاهر و ان قلنا بالانتقال فالمنتقل إليه فرد

من أفراد القيمة فلا وجه لملاحظة أعلي القيم.

الوجه الثالث: ان الغاصب بمجرد وضع يده علي العين تشتغل ذمته

فان أدي العين أو أعلي القيم تفرغ ذمته قطعا و أما في غير

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 169.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 200

هذين التقديرين يشك في البراءة و الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة كذلك.

و يرد عليه ان العين قبل التلف في عهدة الاخذ و بعد التلف ان قلنا ببقائها في ذمته فالميزان قيمة يوم الدفع و ان قلنا تشتغل الذمة بالقيمة حين التلف فلازمه اشتغال الذمة بقيمة ذلك الزمان هذا بالنسبة الي القاعدة الاولية و أما بلحاظ حديث الحناط فالميزان قيمة يوم الغصب.

اضف الي ذلك انه قد ثبت في محله من الاصول انه لو دار الامر بين الاقل و الاكثر خصوصا مع عدم كونهما مرتبطين كالمقام يكون المرجع البراءة من الاكثر فلا مجال للاشتغال.

و ان شئت فقل: ان قاعدة الاشتغال عند القائلين بها انما تجري فيما يشك في الفراغ بعد العلم بالاشتغال و أما مع الشك في الاشتغال فلا مجال للقاعدة و المقام كذلك اذ الشك في اشتغال الذمة بالاكثر و الاصل عدمه.

الوجه الرابع: ان مقتضي الاستصحاب بقاء الاشتغال الا فيما يدفع الاعلي.

و فيه أولا: انه مع وجود النص لا مجال للاصل و ثانيا:

ان مقتضي الاستصحاب عدم الاشتغال الا بالاقل.

و ثالثا: ان استصحاب بقاء الاشتغال يعارض باستصحاب عدم الجعل الزائد فلاحظ.

الوجه الخامس ان قاعدة لا ضرر تقتضي دفع أعلي القيم و الا يتضرر المالك.

و يرد عليه أولا ان ضرر المالك يعارض بضرر الغاصب ان قلت:

الغاصب يؤخذ بأشق الاحوال قلت: لا أصل صحيح لهذه الكلية مضافا الي أن كل ضامن لا يكون غاصبا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 201

و ثانيا: ان المستفاد من حديث الحناط ان المناط قيمة يوم الغصب.

و ثالثا ان الاستدلال بقاعدة لا ضرر انما يتم علي مسلك المشهور في مفادها و أما علي مسلك شيخ الشريعة الذي اخترناه فلا يتم الاستدلال فان مفاد لا ضرر علي مسلكه النهي عن الاضرار لا نفي الضرر كي تكون القاعدة حاكمة علي ادلة الاحكام.

و رابعا: ان حديث لا ضرر يقتضي النفي أي ينفي الاحكام الضررية لا انه يثبت امرا.

الوجه السادس: ان الغاصب ازال يد المالك عن العين في جميع الازمنة

و منها زمان علو القيمة فان رد العين فقد خرج من الضمان و أما مع تلف العين فلا يخلص من الضمان الا بدفع أعلي القيم اذ المفروض انه حال بين المال و مالكه و لذا يجب بدل الحيلولة.

و يرد عليه أولا: ان وجوب بدل الحيلولة اوّل الكلام و الاشكال و نتعرض لحكمه تبعا للماتن إن شاء اللّه تعالي فانتظر.

و ثانيا: ان قياس المقام بذلك الباب مع الفارق فان بدل الحيلولة مع بقاء العين و المفروض في المقام تلف العين فان قلنا المرجع حديث الحناط فالمستفاد منه ان اللازم دفع قيمته يوم الغصب و ان قلنا لا بد من العمل علي طبق القاعدة فان قلنا العين بعد التلف موجودة في الذمة فالميزان قيمة يوم الدفع و ان قلنا انها تنتقل الي القيمة فالميزان قيمة يوم التلف اذ يوم التلف يوم الانتقال.

اضف الي جميع ذلك ان اسراء حكم الغصب الي مطلق موارد الضمان يتوقف علي قيام دليل عليه.

الوجه السابع: قوله تعالي «فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 202

بمثل ما اعتدي عليكم» «1» فان الاعتداء يلزم أن يكون بمقدار من الاعتداء الذي تحقق لا أزيد و حيث انه يصدق الاعتداء بأعلي القيم اذ المفروض ان العين في ضمان الغاصب في ذلك الزمان فيجوز الاخذ منه بهذا المقدار.

و يرد عليه أولا: انه قد تقدم انه لا يستفاد من الآية الشريفة الحكم الوضعي بل المستفاد منها مجرد الحكم التكليفي فلا يرتبط الآية بالمقام.

و ثانيا: انه ما دام العين موجودة لا تصل النوبة الي اشتغال الذمة بالبدل و أما بعد التلف فان عملنا بحديث الحناط فالميزان المذكور فيه قيمة يوم الغصب و ان لم نعمل به فاما نقول ببقاء العين في الذمة

الي زمان الدفع فالميزان ذلك الزمان و ان قلنا بالانتقال الي القيمة فالميزان قيمة يوم التلف.

الوجه الثامن: ان اليد يد ضمان في جميع الازمنة و من جملة تلك الازمنة زمان علو القيمة فلا بد من رعاية الاعلي.

و فيه: انه مع بقاء العين لا ضمان للقيمة و الا يلزم الجمع بين العوض و المعوض مضافا الي أنه خلاف الاجماع و التسالم و ان كان المراد انه يلزم رعاية الا علي بعد تلف العين فلا دليل عليه مضافا الي أنه خلاف النص المشار إليه فتحصل ان هذا القول أيضا غير تام.

القول الرابع: ان العبرة بأعلي القيم من يوم القبض الي يوم التلف

بتقريب: ان مراتب القيمة كلها مضمونة و بعبارة اخري:

العين ما دامت باقية تكون مضمونة فمراتب قيمتها مضمونة الي زمان التلف و أما بعد التلف فلا أثر للتفاوت اذ المفروض ان القيمة تنتقل الي الذمة.

______________________________

(1) البقرة/ 194.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 203

و يرد عليه: ان العين ما دامت باقية مضمونة بنفسها فلا تصل النوبة الي زمان القيمة و أما بعد التلف فان قلنا ان العين تنتقل الي الذمة يكون الميزان قيمة يوم الدفع و ان قلنا بتبدل العين بالقيمة حين التلف يكون الميزان قيمة يوم التلف.

هذا بحسب القاعدة الاولية و أما بحسب حديث الحناط فلا بد من ملاحظته و الحكم علي طبق ما يستفاد منه.

القول الخامس: ان العبرة بأعلي القيم من يوم التلف الي زمان الاداء

و يمكن أن يقال في تقريب وجهه ان الضمان بالقيمة انما يتحقق عند التلف فما دام لا يخرج الضامن عن عهدة الضمان تكون القيمة في ذمته.

و بعبارة اخري: المفروض تبدل العين بالقيمة هذا من ناحية و من ناحية اخري ان المفروض اختلاف القيمة بحسب اختلاف الازمان.

و فيه انه ان قلنا بكون العين في الذمة الي زمان اداء القيمة يكون الميزان قيمة يوم الاداء و ان قلنا يلزم العمل بحديث الحناط فالمستفاد منه ان الميزان قيمة يوم الغصب.

القول السادس: ان العبرة بقيمة يوم القبض

بتقريب ان المستفاد من حديث الحناط ان المناط قيمة يوم الاكتراء و المفروض ان يوم الاكتراء يوم القبض هذا علي تقدير العمل بالنص الخاص الوارد في المقام و هو حديث الحناط بتقريب ان الحديث و ان كان واردا في مورد الغصب و لكن ببركة الاجماع المستفاد من كلام الشيخ الاعظم قدس سره يعم الحكم المقبوض بالعقد الفاسد قال قدس سره في جملة كلام له في هذا المقام «نعم لو تم ما تقدم عن الحلي في هذا المقام من دعوي الاتفاق علي كون البيع فاسدا بمنزلة المغصوب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 204

الا في ارتفاع الاثم الحقناه بالمغصوب» «1» الخ.

و اما لو لم نتعد من مورد الحديث و خصّصناه بمورد الغصب نقول: ان قلنا ببقاء نفس العين حتي بعد التلف في الذمة يكون الميزان قيمة يوم الدفع و ان قلنا بانتقال العين الي القيمة حين التلف يكون الميزان قيمة يوم التلف.

القول السابع: ان الميزان قيمة يوم البيع

قال السيد قدس سره في الحاشية نقل عن المفيد و القاضي و الحلبي و قال: لا بد من تأويله الي القول الاول أي كون الميزان بيوم القبض هذه هي الاقوال المذكورة في كلمات القوم قدس اللّه اسرارهم.

[فالمهم حينئذ صرف الكلام الي معني الصحيحة]
اشارة

«قوله قدس سره: فالمهم حينئذ صرف الكلام الي معني الصحيحة»

المراد منها ما رواه الحناط «2».

«قوله قدس سره: اما لما ادعاه الحلي»

حيث ادعي كما تقدم قريبا ان المبيع بالبيع الفاسد بمنزلة المغصوب اتفاقا الا في ارتفاع الاثم.

و قد ثبت في محله من الاصول عدم اعتبار الاجماع المنقول بل ثبت هناك عدم اعتبار المحصل منه و معه كيف يمكن تأسيس قاعدة كلية جارية في جميع الموارد مضافا الي أنه لو تم الاجماع بالنسبة الي المقبوض بالعقد الفاسد فما الوجه في سراية الحكم الي بقية الموارد و ببيان واضح: لا وجه للالتزام بالكبري الكلية.

«قوله قدس سره: و اما لكشف الصحيحة»

الظاهر انه لا طريق الي كشف هذه الجهة من الحديث كما

______________________________

(1) كتاب المكاسب المطبوع في التبريز ج 1 ص 109.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 169.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 205

سيظهر عن قريب إن شاء اللّه تعالي و صفوة القول: انه ان قلنا لا بد من العمل علي طبق القاعدة الاولية فالذي يختلج بالبال كما ذكرنا كرارا أن نقول: اذا تلفت العين المضمونة تنتقل بنفسها الي الذمة فالمدار بيوم الدفع.

نعم هنا اشكال لا يختص بصورة تلف العين بل يعم صورة بقائها و هو ان تنزل القيمة السوقية لا يوجب الضمان عند القوم و الحال ان الجزم به و بأنه موافق مع السيرة العقلائية مشكل لكن الشك في السيرة يكفي لعدم الضمان فان عدمه علي طبق الاصل الاولي و

الضمان يحتاج الي الدليل و اللّه العالم.

و أما ان قلنا بأن المستفاد من النص الخاص أي حديث أبي ولاد جار في جميع الموارد و لو بضميمة الاجماع المدعي فلا بد من ملاحظة مدلول النص و عليه ينبغي بل يلزم النظر في مفاد الحديث و استخراج الحكم الكلي منه كي يكون مرجعا في جميع الموارد و قد مرّ ان الالتزام بقيمة يوم الغصب الذي هو احد الاقوال مستفاد من حديث الحناط «1» و محل الشاهد في الرواية قوله عليه السلام «نعم قيمة بغل يوم خالفته».

[احتمالات في المراد من قوله ع نعم قيمة بغل يوم خالفته]
اشارة

و في المراد من الجملة اختلاف و احتمالات:

الاحتمال الأول: أن يكون لفظ القيمة مضافا الي البغل و لفظ البغل يكون مضافا الي اليوم

بتتابع الاضافات فيكون المراد القيمة يوم الغصب.

و فيه ان تتابع الاضافات و ان كانت امرا جائزا كقول الشاعر.

«و ليس قرب قبر حرب قبر»

لكن في المقام لا يمكن الالتزام به لوجهين احدهما: ان لفظ البغل في بعض النسخ ذكر مع الألف و الكلام و المعرف بهما لا يضاف.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 169.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 206

ثانيهما: ان لفظ البغل من أسماء الذوات و اسماء الذوات لا تضاف الي الزمان و لا يقيد بها مثلا لا يصح أن يقال رجل يوم الجمعة.

و يمكن أن يقال ان الوجهين المذكورين غير واردين أما الوجه الاول فانا لم نظفر بنسخة يكون لفظ البغل مع الألف و اللام و أما الوجه الثاني فالظاهر ان الاستعمال المذكور لا بأس به فلو قيل ان فلانا رجل اليوم يصح الاستعمال كما انه لو قيل ان فلانا كان من رجال الزمان السابق يكون الاستعمال صحيحا.

الاحتمال الثاني: أن يضاف لفظ القيمة أولا الي البغل و ثانيا يضاف الي اليوم

و هذا الاحتمال و ان كان مصونا من الاشكالين لكن الاستعمال المذكور غير معهود فلا يصار إليه.

الاحتمال الثالث: أن يضاف لفظ القيمة أولا الي لفظ البغل ثم يضاف المجموع من المضاف و المضاف إليه الي اليوم

كقولهم ماء رمان زيد و الحال انه لا يكون رمان له بل له مائه.

و يتوجه إليه انه قد مرّ ان لفظ البغل في بعض النسخ معرف باللام و المعرف لا يضاف و قد مرّ الجواب عن الاشكال المذكور.

فالنتيجة انه استعمال صحيح كما يقال ماء رمان زيد لكنه صرح سيدنا الاستاد علي ما في التقرير بان لفظ البغل في بعض نسخ التهذيب و نسخة الوافي معرف باللام فلا يمكن الالتزام بصحة اضافة لفظ البغل الي اليوم.

الاحتمال الرابع: أن يكون الظرف أي قول عليه السلام «يوم خالفته» متعلقا بقوله عليه السلام «نعم»

أي يلزمك يوم المخالفة فيكون المراد ان الضمان بالقيمة يحصل يوم المخالفة و لكن لا تعرض لمقدار القيمة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 207

و في هذا الاحتمال اشكالان: احدهما: ان لازمه تحقق الضمان بالقيمة قبل تلف العين و هذا خلاف الاجماع فان العين ما دامت باقية مضمونة بها.

ثانيهما: ان تحقق الضمان يوم المخالفة أمر ظاهر و لا يحتاج الي البيان. ان قلت: أصل الضمان أمر ظاهر و لكن الضمان بالقيمة أمر غير ظاهر. قلت: ان كان المراد الضمان بالقيمة علي الاطلاق حتي قبل تلف العين فهو خلاف الاجماع و ان كان المراد أصل الضمان فهو أمر معلوم. مضافا الي أنه لا وجه لذكر القيمة.

الاحتمال الخامس: أن يكون اليوم ظرفا للقيمة بلا إضافة
اشارة

و يؤيد هذا الاحتمال كون لفظ البغل معرفا في بعض النسخ و المعرف لا يضاف و أيضا يؤيده كون لفظ القيمة أقرب الي لفظ اليوم من لفظ نعم و الاقرب يمنع الابعد فيكون المستفاد من الحديث ان الواجب قيمة يوم الغصب.

و أورد في المقام وجوه من الاشكال:
الوجه الأول: انه لو كان المناط قيمة يوم المخالفة فما الوجه لتعرضه عليه السلام ليوم الاكتراء

بقوله عليه السلام أو يأتي صاحب البغل الخ فلا خصوصية ليوم الغصب.

و الجواب انه يمكن أن يكون الوجه فيه ان يوم الاكتراء هو يوم الغصب اذ الاكتراء في الاسفار القريبة يوم السفر بخلاف الاسفار البعيدة حيث يتحقق الاكتراء قبل يوم السفر بايام و قصر ابن هبيرة قريب من الكوفة فيوم الاكتراء يوم السفر كما ان يوم السفر يوم الغصب كما انه يظهر من نفس الحديث.

الوجه الثاني: ان أبا ولاد قال قلت: فان أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز

فقال عليه السلام: «عليك قيمته ما بين الصحة و العيب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 208

يوم ترده عليه» حيث ان الظاهر من الجملة ان الميزان قيمة يوم الرد فتكون منافية مع كون الميزان قيمة يوم الغصب.

و الجواب ان المستفاد من هذه الجملة ان اللازم رد ما به التفاوت في يوم الرد و لم يتعرض الامام عليه السلام لمقدار التفاوت بالنسبة الي أي يوم فيعلم انه اكتفي بما يفهم من الجملة السابقة الصادرة عنه عليه السلام حيث علم من كلامه ان المناط قيمة يوم الغصب.

الوجه الثالث: ان الظرف متعلق بلفظ القيمة

فيكون الميزان قيمة يوم الرد. و أورد عليه الشيخ قدس سره بأن الاجماع قائم علي عدم التفكيك بين ضمان العين و ضمان العيب في المقدار و ان الارش تابع لضمان أصل العين.

و أورد عليه سيدنا الاستاد قدس سره بأن الاجماع علي عدم التفكيك لا يقتضي أن يكون الميزان بقيمة يوم الغصب بل يمكن أن يكون المناط قيمة يوم الرد.

و الذي يختلج بالبال ان يقال: ان المستفاد من ذيل الخبر ان المناط بقيمة يوم الغصب حيث ان السائل يسأل الامام عليه السلام بقوله: «فقلت من يعرف ذلك» قال عليه السلام: «انت و هو» الي آخر كلامه عليه السلام فان المستفاد بالصراحة من كلام الامام عليه السلام ان الميزان قيمة يوم الاكتراء و من الظاهر ان الفصل الزماني بين يوم الاكتراء و يوم الرد كثير و لا يكونان متحدين و لكن يوم الاكتراء و يوم الغصب متحدان فيكون الميزان بيوم الغصب.

و ان ابيت عن ذلك نقول: مقتضي قوله عليه السلام «قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده» ان الميزان يوم الرد و مقتضي قوله عليه السلام «يشهدون ان قيمة البغل

حين اكتري» ان الميزان يوم الغصب و بالتعارض يتساقطان فتصل النوبة الي الاخذ بقوله عليه السلام

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 209

«قيمة بغل يوم خالفته» حيث ان المستفاد من كلام الامام عليه السلام كما تقدم ان الميزان يوم الغصب و بعد قيام الاجماع علي عدم التفكيك بين ضمان العين و الارش في المقدار نلتزم بأن الميزان في كلا الموردين يوم الغصب فيتم الاستدلال.

لكن تبقي شبهة ان الحديث مورده الغصب فلا وجه للتعدي الي المقام الا أن يتم اجماع تعبدي كاشف عن قول المعصوم عليه السلام الدال علي عموم الحكم و هل يمكن الجزم بتحقق مثل هذا الاجماع؟

و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: اما باضافة القيمة المضافة الي البغل إليه ثانيا»

قد تقدم ان تعدد الاضافة في كلمة واحدة غير معهود و خلاف الاستعمالات المتعارفة فلا يصار إليه مضافا الي أنه علي هذا التقدير لا وجه لاسقاط التعريف من البغل فان الحذف في صورة اضافة لفظ البغل و المفروض في كلامه ان لفظ القيمة اضيف الي البغل أولا و الي اليوم ثانيا.

ان قلت: المراد اضافة لفظ القيمة الي البغل ثم اضافة مجموع المضاف و المضاف إليه الي اليوم كقولهم «ماء رمان زيد» فيلزم حذف حرف التعريف للاضافة قلت: علي هذا التقدير لا يتم قوله ثانيا فان المجموع لم يضف أولا كي يصح أن يقال ثانيا فلاحظ.

«قوله قدس سره: الثانية قوله: أو يأتي صاحب البغل بشهود»

بتقريب ان يوم الاكتراء بما هو لا موضوعية له فيفهم ان الميزان قيمة يوم الغصب و الا فلا وجه لذكر يوم الاكتراء و بعبارة اخري:

انه يفهم من الخبر ان المستأجر للبغل خالف و صار غاصبا في نفس يوم الاكتراء فيوم الاكتراء نفس

يوم الغصب و عليه يكون المراد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 210

من يوم الاكتراء يوم الغصب و هذا هو المقصود.

«قوله قدس سره: فالظرف متعلق بعليك»

أي يلزمك في ذلك اليوم.

«قوله قدس سره: اذ لا عبرة في ارش العيب بيوم الرد اجماعا»

أورد عليه السيد قدس سره في الحاشية بأن التبعية المذكورة محل المنع و علي فرض تحقق الاجماع يمكن أن يقال بأن الميزان قيمة يوم الرد بأن نقول: المستفاد من هذه الجملة ان الميزان قيمة يوم الرد هذا من ناحية و من ناحية اخري ان الاجماع قائم علي الاتحاد فيعلم ان الميزان في ضمان العين قيمة يوم الدفع فيؤيد ما ذكرناه من ان العين بنفسها تبقي في الذمة فيكون المدار يوم الرد.

أقول: لا اشكال في أن ذكر يوم الاكتراء يدل علي كون الميزان يوم الغصب و قوله عليه السلام في الذيل «يوم ترده» يدل علي كون العبرة بيوم الرد فيقع التعارض بين الجملتين و بالتعارض يتساقطان.

و لقائل أن يقول: علي هذا الاساس تقع المعارضة بين قوله عليه السلام «يوم ترده» و قوله «يوم الاكتراء» و أيضا يقع التعارض بين قوله عليه السلام «يوم ترده» و قوله «نعم قيمة بغل يوم خالفته»

فان قوله «قيمة بغل يوم خالفته» يدل علي أن الميزان يوم الغصب و كذا قوله عليه السلام «يوم الاكتراء» يدل علي أن الميزان بيوم الغصب و أما قوله في الذيل «يوم ترده» فيدل علي أن الميزان يوم الرد فان تم الاجماع التعبدي الكاشف علي اتحاد الميزان في كلا الموردين كما يدعيه الشيخ قدس سره لا بد من السقوط بالتعارض و لا يبعد أن يقال: الميزان يوم الرد و اما ان قلنا بأن تحقق الاجماع محل

الاشكال و الكلام فنفصل بين ضمان العين و الارش بأن نقول

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 211

الميزان في ضمان العين يوم الغصب لحديث الحناط و الميزان في ضمان الارش يوم الرد للقاعدة الاولية.

«قوله قدس سره: و يحتمل أن يكون قيدا للعيب»

الظاهر انه لا فرق بين كون اليوم متعلقا بالعيب و كونه متعلقا بالقيمة من حيث النتيجة و ان الظاهر من سوق العبارة رجوعه الي قوله عليه السلام «قيمة ما بين» الخ.

«قوله قدس سره: لم يسقط ضمان ما حدث منه و ارتفع علي مقتضي الفتوي»

قال السيد قدس سره في الحاشية: «فيه منع لان الواجب رد العين كما كانت و هو متحقق مع عود الصحة و الظاهر ان فتواهم أيضا علي هذا لا علي ما ذكره الشيخ و المصنف بل لم اجد من صرح بما ذكره و ان لم اتبع نعم صرح في المسالك بما ذكرنا من سقوط الضمان و يظهر منه المسلمية» الي آخر كلامه.

و نعم ما أفاده قدس سره فانه لا مقتضي للضمان مع العود و الواجب رد العين علي ما كانت و المفروض تحقّقه و يظهر من كلامه عدم تحقق الفتوي مضافا الي أن غاية ما يتحقق الشهرة الفتوائية و من الظاهر عدم اعتبارها فلا بد من العمل علي طبق القواعد الاولية.

«قوله قدس سره: فتعين تعلقه بقوله عليه السلام عليك»

قد ظهر مما ذكرنا انه لا تعين له بل الظاهر من كلامه عليه السلام انه متعلق بلفظ القيمة فالميزان ان في الارش قيمة يوم رد العين و هذا موافق مع الاعتبار و مع السيرة العقلائية الجارية فيما بينهم.

«قوله قدس سره: تعين حمل هذا أيضا»

لا وجه للتعين أما مع عدم تمامية الاجماع علي اتحاد

الحكمين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 212

فلا ربط بين ضمان العين و ضمان الارش و أما مع تمامية الاجماع المدعي فغاية ما في الباب تسلم الاتفاق في الحكمين و هذا لا يقتضي تسلم كون المناط بيوم الغصب بل يتم الامر بكون الميزان بيوم الرد.

«قوله قدس سره: فتأمل»

يمكن أن يكون اشارة الي أن التنبيه المذكور يوجب الوقوع في خلاف الواقع مع ان تعليم معرفة القيمة لا يكون من شأن الامام عليه السلام و الحاصل: ان الشيخ قدس سره في مقام ان المستفاد من الحديث كون الميزان بيوم الغصب و تغيير العبارة و الاتيان بيوم الاكتراء لفرض التعليم ثم أمر بالتأمل و لعله اشارة الي ما ذكرناه و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: و يؤيده أيضا قوله عليه السلام فيما بعد في جواب قول السائل «و من يعرف ذلك»».

أي يؤيد كون المدار بيوم التلف لا يوم المخالفة و لعله ناظر الي أن الامام عليه السلام جعل الحلف و البينة كليهما علي المالك و الحال ان مقتضي القاعدة المستفادة من الدليل الشرعي ان البينة علي المدعي و اليمين علي المنكر فالمالك ان كان مدعيا فلا وجه لكون اليمين عليه و ان كان منكرا فلا وجه لاقامة البيّنة فلا بد من تصحيح الامر و الخلاص عن هذه العويصة.

فنقول: ان كان المدار بيوم التلف يمكن تصوير تمامية الامر و انطباقه علي القاعدة المقررة بأن نقول: ان كان الغاصب و المالك متفقين علي القيمة قبل يوم التلف لكن الغاصب يدعي تنزل القيمة و المالك ينكر التنزل يكون البينة علي الغاصب لكونه مدعيا و اليمين علي المالك لكونه منكرا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 213

و أما لو اتفاقا علي

عدم التغير و ان القيمة ثابتة لكن اختلافهما في الاقل و الاكثر في تلك القيمة الثابتة بأن يدعي المالك الاكثر و الغاصب ينكر و يدعي الاقل فالبينة علي المالك لكونه مدعيا و اليمين علي الغاصب لكونه منكرا.

و أما لو قلنا بأن المناط قيمة يوم المخالفة فيتوقف توجيه الرواية بأن نقول: انهما كانا يتفقان علي القيمة قبل يوم المخالفة و لكن الغاصب يدعي التنزل و المالك ينكره فيكون اليمين علي المالك و البينة علي الغاصب و أما ان كانا مختلفين في أصل القيمة بين الاكثر و الاقل بأن يدعي المالك الاكثر و الغاصب أنكره يكون المالك مدعيا و الغاصب منكرا و حيث ان توجيه الرواية بهذا النحو بعيد و ذاك قريب يؤيد الحكم بكون المدار قيمة يوم التلف.

و يرد عليه أولا: ان كلا التوجهين من واد واحد بلا فرق و لا يكون أحدهما أقرب من الاخر. و ثانيا: ان الوجوه الاعتبارية كالوجه الاعتباري المذكور في المقام لا تكون مناط الظهور. و ثالثا: انه يستلزم التوجيه المذكور التفكيك في مورد اقامة البينة و الحلف و الحال ان الظاهر من الحديث ان كلا الامرين في موضوع واحد.

«قوله قدس سره: و حمل الحلف هنا علي الحلف المتعارف الّذي يرضي به المحلوف له»

الانصاف انه حمل لطيف و أما كونه خلاف الظاهر فلا يكون مانعا اذ ما حمله عليه الشيخ قدس سره أيضا خلاف الظاهر.

«قوله قدس سره: يعلم من حكم عكسها»

أي صورة توجه اليمين علي المالك.

«قوله قدس سره: أو اللاحق له»

الظاهر ان مراده انه لو اتفقا علي قيمة يوم قبل المخالفة و اختلفا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 214

فيها بالنسبة الي يوم المخالفة فادعي الغاصب تنزله و تغيره و

أنكر المالك التغير يكون القول قول المالك و أما اذا اتفقا علي قيمة يوم بعد المخالفة و اختلفا في قيمة يوم المخالفة فادعي المالك ان قيمته في يوم المخالفة كان ألف درهم و انكر الغاصب و قال كان أقل يكون القول قول الغاصب.

«قوله قدس سره: و لا يخفي بعده»

الانصاف انه لا بعد فيه و أما كونه خلاف الظاهر فهو أمر مشترك.

«قوله قدس سره: و أبعد منه حمل النص علي التعبد»

الانصاف انه حمل قريب و مناسب مع الموضوع فان كبري ان الغاصب يؤخذ بأشق الاحوال و ان لم تكن حديثا تاما من حيث السند لكن التناسب بين الحكم و الموضوع يقتضيه مضافا الي أن تخصيص العموم و تقييد الاطلاق ليس أمرا عزيزا فمن الممكن ان قاعدة كون البينة علي المدعي و اليمين علي من أنكر قد خصصت بمورد الغاصب فلاحظ.

«قوله قدس سره: من قاعدة نفي الضرر»

تقدم منا الاشكال في الاستدلال علي المدعي بالقاعدة و أيضا تقدم الاشكال في الوجوه الاخر التي استدل بها علي المدعي فراجع.

«قوله قدس سره: و فيه نظر»

لعله ناظر في وجه النظر الي ما تقدم منا و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله ناظر في أمره بالتأمل ان مقتضي القاعدة القيمة عند الدفع حيث ان العين بنفسها في العهدة و في زمان الدفع بمطالبة المالك يجب علي الغاصب دفع البدل و هي القيمة الثابتة للعين في ذلك الزمان و يمكن أن يكون ناظرا الي أن القيمة العليا ان كانت مضمونة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 215

فما الوجه في عدم ضمانها مع رد العين؟

و ان شئت قلت: هذان القولان متضادان فان القيمة ان كانت لها موضوعية في نظر العقلاء فما الوجه في عدم

الضمان في صورة رد العين؟ و ان لم تكن لها موضوعية فما الوجه لرعاية أعلي القيم عند التلف؟ فلاحظ.

«قوله قدس سره: فافهم»

لعل الامر بالفهم اشارة الي بعد الحمل المذكور و لكن لا بد منه صونا لكلامهم عن الفساد و اللغوية و كيف كان لا وجه لتخصيص الحكم بخصوص صورة التفويض بل مقتضي القاعدة سريان الحكم الي كل مورد يكون مصداقا للغصب و بعبارة واضحة: ان المستفاد من النص ان الحكم المذكور للمغصوب.

«قوله قدس سره: ثم انه لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف»

ان قلنا بأن العين بنفسها باقية في الذمة كما هو كذلك علي طبق القاعدة الاولية المستفاد من السيرة العقلائية، يكون الميزان قيمة يوم الاداء و الالتزام بخلافه يحتاج الي الدليل الخاص و قد تكلمنا حول النصوص الواردة في الابواب المتفرقة علي نحو التفصيل.

«قوله قدس سره: فالظاهر اعتبار محل التلف»

لا اشكال في اختلاف العين من حيث القيمة بحسب اختلاف الامكنة كما تختلف باختلاف الازمنة و عليه لو قلنا باعتبار يوم الرد يكون المعيار مكان الرد و ان قلنا المناط يوم التلف كما عليه الشيخ يكون المناط مكانه و ان قلنا بان الميزان يوم المخالفة يكون المناط مكانها فلاحظ.

«قوله قدس سره: فالظاهر كما قيل عدم الخلاف في ضمان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 216

أعلي القيم»

هذا علي طبق القاعدة الاولية و الذهاب الي خلافه يحتاج الي الدليل الدال عليه فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان في حكم تلف العين في جميع ما ذكر من ضمان المثل أو القيمة»

فانه مع تعذر الوصول و عدم رجاء وجدانه و وصوله يكون محكوما بكونه تالفا و يترتب عليه حكم التالف و هذا ظاهر و النصوص المشار إليها في كلامه قدس

سره تدل علي الضمان في صورة صدق عنوان التلف.

لاحظ ما رواه محمد بن الحسن الصفار قال: كتبت الي أبي محمد عليه السلام رجل دفع الي رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت هل يجب عليه اذا خالف أمره و أخرجها عن ملكه فوقّع عليه السلام:

هو ضامن لها ان شاء اللّه «1».

و ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سئل عن القصّار يفسد فقال: كل اجير يعطي الاجرة علي أن يصلح فيفسد فهو ضامن «2».

و ما رواه الحلبي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في الغسال و الصباغ: ما سرق منهم من شي ء فلم يخرج منه علي أمر بين انه سرق و كل قليل له أو كثير فان فعل فليس عليه شي ء و ان لم يقم البينة و زعم انه قد ذهب الذي ادعي عليه فقد ضمنه ان لم يكن له بيّنة علي قوله. «3».

و ما رواه الحلبي أيضا مثله و زاد قال: و عن رجل استأجر اجيرا

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الوديعة الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 29 من أبواب الاجارة الحديث 1.

(3) نفس المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 217

فاقعده علي متاعه فسرقه قال هو مؤتمن «1».

و ما رواه الحلبي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يضمن القصّار و الصائغ احتياطا للناس و كان أبي يتطول عليه اذا كان مأمونا «2».

و ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن قصّار دفعت إليه ثوبا فزعم انه سرق من بين متاعه قال: فعليه أن يقم البيّنة انه سرق من بين متاعه و ليس عليه شي ء

فان سرق متاعه كله فليس عليه شي ء «3»

و ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يضمن الصباغ و القصار و الصائغ احتياطا علي أمتعة الناس و كان لا يضمن من الغرق و الحرق و الشي ء الغالب …

الحديث «4».

و ما رواه الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن القصّار يسلّم إليه الثوب و اشترط عليه يعطيني في وقت؟ قال:

اذا خالف وضاع الثوب بعد الوقت فهو ضامن 5.

و ما رواه اسماعيل بن ابي الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سألته عن الثوب ادفعه الي القصّار فيخرقه؟ قال: اغرمه فانك انما دفعته إليه ليصلحه و لم تدفع إليه ليفسده و أيضا عن اسماعيل بن الصباح نحوه الا انه قال عن القصّار يسلّم إليه المتاع فيخرقه أو يحرقه أ يغرمه قال: غرمه بما جنت يده «6».

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من ابواب الاجارة الحديث 3.

(2) عين المصدر الحديث 4.

(3) عين المصدر الحديث 5.

(4) (4 و 5) عين المصدر الحديث 6 و 7.

(6) عين المصدر الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 218

و ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان امير المؤمنين عليه السلام رفع إليه رجل استأجر رجلا يصلح بابه فضرب المسمار فانصدع الباب فضمنه امير المؤمنين عليه السلام «1».

و ما رواه أبو بصير «يعني المرادي» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال لا يضمن الصائغ و لا القصار و لا الحائك الا أن يكونوا متهمين فيخوف بالبينة و يستحلف لعلّه يستخرج منه شيئا، و في رجل استأجر حمالا فيكسر الذي يحمل أو يهريقه فقال علي نحو من العامل ان كان مأمونا فليس

عليه شي ء و ان كان غير مأمون فهو ضامن «2».

و ما رواه ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يضمن القصّار و الصائغ يحتاط به علي أموال الناس و كان ابو جعفر عليه السلام يتفضل عليه اذا كان مأمونا 3.

و ما رواه ابو الصباح قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القصّار هل عليه ضمان فقال: نعم كل من يعطي الاجر ليصلح فيفسد فهو ضامن «4».

و ما رواه يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يبيع للقوم بالاجر و عليه ضمان مالهم قال: انما كره ذلك من أجل اني أخشي أن يغرموه اكثر مما يصيب عليهم فاذا طابت نفسه فلا بأس 5.

و ما رواه بكر بن حبيب قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام اعطيت جبة الي القصّار فذهبت بزعمه قال: ان اتهمته. فاستحلفه و ان لم تتهمه فليس عليه شي ء 6.

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من ابواب الاجارة الحديث 10.

(2) (2 و 3) عين المصدر الحديث 11 و 12.

(4) (4 و 5 و 6) عن المصدر الحديث 13 و 15 و 16.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 219

و بهذا الاسناد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يضمن القصّار الا ما جنت يده و ان اتهمته احلفته «1».

و ما رواه محمد بن الحسن الصفار قال كتبت الي الفقيه عليه السلام في رجل دفع ثوبا الي القصّار ليقصّره فدفعه القصار الي قصّار غيره ليقصّره فضاع الثوب هل يجب علي القصار أن يرده اذا دفعه الي غيره و ان كان القصّار مأمونا؟ فوقع عليه السلام: هو ضامن له الا أن يكون ثقة

مأمونا ان شاء اللّه «2».

و ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يعطي الثوب ليصبغه فيفسده فقال كل عامل أعطيته اجرا علي أن يصلح فأفسد فهو ضامن «3»

قال: و قال عليه السلام كان ابي عليه السلام يضمّن الصائغ و القصّار ما أفسدا الحديث «4».

و ما في كتاب (المقنع) قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يضمّن القصّار و الصائغ و كل من أخذ شيئا ليصلحه فأفسده «5» و كان ابو جعفر عليه السلام يتفضّل علي القصّار و الصائغ اذا كان مأمونا 6.

و غيرها ما ورد في الباب 30 من أبواب أحكام الاجارة من الوسائل.

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من ابواب الاجارة الحديث 17.

(2) عين المصدر الحديث 18.

(3) عين المصدر الحديث 19.

(4) عين المصدر الحديث 20.

(5) (5 و 6) عين المصدر الحديث 22 و 23.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 220

«قوله قدس سره: لكن ظاهر اطلاق الفتاوي الاخير»

وقع الكلام في تمامية قاعدة بدل الحيلولة و عدمها
اشارة

و لا بد من النظر في وجهها فنقول:

ما يمكن أن يستدل به عليها عدة وجوه:
الوجه الأول: الاجماع.

و فيه ما فيه.

الوجه الثاني: قاعدة نفي الضرر في الشريعة المقدسة

فان صبر المالك الي زمان وصول ماله بيده ضرر عليه فينفي بالقاعدة.

و يرد عليه أولا: ان الاستدلال بالقاعدة علي فرض تماميتها انما يمكن اذا قلنا بمقالة المشهور و أما علي قول شيخ الشريعة فلا اذ علي قوله يكون مفاد القاعدة النهي عن الاضرار لا نفي الاحكام الضررية.

و ثانيا: ان مقتضي القاعدة علي مسلك المشهور نفي الاحكام الضررية و لا تنطبق القاعدة علي المقام فان الاضرار ورد علي المالك بفعل الغاصب و حديث القاعدة لا يفي بوجوب التدارك و الا يلزم انه لو ورد ضرر سماوي علي احد تداركه بالقاعدة و هو كما تري. و ان شئت قلت: ان المستفاد من الحديث نفي الاحكام الضررية و لا تدل القاعدة علي اثبات حكم في مورده.

و ثالثا: انه يتعارض ضرر المالك بضرر الغاصب و لا مرجح و قاعدة ان الغاصب يؤخذ بأشق الاحوال قاعدة شعرية و لا اساس لها مضافا الي أن باب الضمان أعم من الغصب.

اضف الي ذلك ان المستفاد من كلمات القوم ان بدل الحيلولة يجب في مورد تعذّر وصول المال الي مالكه مدة طويلة و الحال انه يمكن أن يتضرر المالك ببعده عن ماله في مدة قصيرة الا أن يقال: انه يظهر من كلام الشيخ قدس سره ان مقتضي اطلاق كلماتهم وجوب بدل الحيلولة و لو كانت مدة البعد عن المملوك قصيرة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 221

الوجه الثالث: قاعدة الناس مسلطون علي اموالهم

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 2، ص: 221

بتقريب:

ان مقتضي السلطنة علي المال السلطنة علي المالية و هذه السلطنة تمكن المالك من التصرف فيها

يأخذه بدل الحيلولة.

و يرد عليه أولا: ان حديث السلطنة ضعيف سندا و لا جابر له و ثانيا: ان المستفاد من الحديث ان المالك يجوز له أن يتصرف في ماله التصرفات الجائزة في الشريعة و أخذ بدل الحيلولة أجنبي عن مفاد الحديث.

و ثالثا: انه لو كان تعذر الوصول الي المال مجوزا لاخذ بدل الحيلولة يلزم انه لو حبس احد غيره و بعده عن ماله وجب عليه اعطاء بدل الحيلولة و القوم غير ملتزمين به فلاحظ.

الوجه الرابع: قاعدة الاتلاف

بتقريب ان الغاصب فوت سلطنة المالك علي ماله في موارد بدل الحيلولة فحيث انه غير قادر علي اعادة تلك السلطنة بعينها تصل النوبة الي مثلها فيجب عليه اداء بدل الحيلولة.

و يرد عليه أولا: ان هذه القاعدة مستفادة من النصوص الخاصة الواردة في الموارد المتفرقة و من السيرة الجارية بين العقلاء فلا بد من الاقتصار علي المقدار المستفاد من النصوص و السيرة و المستفاد منهما ليس وجوب بدل الحيلولة بل المستفاد منهما ضمان نفس العين.

و ثانيا: انه يرد عليه انه لو فوت الجائر المنفعة بحبس الغير و تبعيده عن ماله وجب الضمان و الحال انهم لا يقولون به.

الوجه الخامس: قاعدة اليد

بتقريب: ان اداء العين في صورة التلف باداء البدل و أيضا باداء البدل في فرض الحيلولة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 222

و يرد عليه أولا: ان الرواية ليس لها مدرك صحيح و لا جابر لها فلا يعتد بها.

و ثانيا: انه لا يبعد أن يستفاد من الجملة المذكورة ان المأخوذ ما دام لم يصل الي مالكه يكون في ضمان الاخذ اي لو تلف يكون دركه عليه فلا يرتبط الحديث بالمقام اصلا.

و ثالثا: ان المستفاد من الحديث و لو مع قطع النظر عن الاشكال الثاني ان المأخوذ بنفسه في عهدة الاخذ و يجب عليه أن يؤديه الي مالكه فلا ترتبط أيضا بما نحن بصدده.

الوجه السادس: اطلاق كلمات القوم

فان مقتضاه شمول الحكم لصورة رجاء الوجدان و عدم اليأس بل صورة القطع بالوصول بعد مدة قصيره و لا اشكال في عدم اعتبار كلامهم فان غاية التقريب المذكور تحقق الاجماع و قد تقدم عدم اعتباره.

الوجه السابع: انه جمع بين حقي المالك و الغاصب

بتقريب:

ان أخذ بدل الحيلولة ايصال المال الي مالكه و بعد وصول العين يرجع بدل الحيلولة الي الغاصب و العدل و الانصاف يقتضيان أن يجمع بين حقوق الاطراف.

و يرد عليه ان التقريب المذكور خطابي و لا واقعية له فان الكلام في أصل الموضوع و مع الشك فيه لا يترتب عليه الحكم. و بعبارة اخري: ثبوت الحق للمالك أول الكلام و الاشكال.

الوجه الثامن: النصوص الواردة في الموارد المختلفة الدالة علي الضمان

و يرد عليه ان الظاهر منها ترتب الضمان علي التلف الحقيقي أو الحكمي و لا صلة لها بباب بدل الحيلولة. ان قلت:

المالك يتضرر بكونه بعيدا عن ماله فما الحيلة؟ قلت: لا اشكال في أن الغاصب يضمن المنافع الفائتة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 223

و صفوة القول: ان الالتزام بالضمان الشرعي كبقية الاحكام الشرعية يتوقف علي قيام دليل معتبر و مع عدمه لا يمكن الحكم به غاية ما في الباب امكان الضمان و احتماله و مقتضي الاصل هو العدم كما هو كذلك في كافة موارد الشك في الضمان بل في كل مورد يشك في حكم شرعي وضعيا كان أو تكليفيا يكون مقتضي الاصل الاولي عدمه و يحتاج الاثبات الي الدليل.

«قوله قدس سره: ثم الظاهر عدم اعتبار التعذر»

الظاهر انه ليس وجها آخر بل عين الوجه المذكور في كلامه بقوله «لكن ظاهر اطلاق الفتاوي» الخ.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله اشارة الي ما ذكرنا و يمكن أن يكون اشارة الي ان اصالة عدم الضمان لا تقاوم الدليل فان مقتضي سلطنة الناس علي أموالهم وجوب بدل الحيلولة و لكن قد تقدم آنفا فساد الاستدلال بالقاعدة علي المدعي فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان ثبوت القيمة مع تعذر العين ليس كثبوتها»

التحقيق يقتضي أن يقال الامر يختلف باختلاف المدرك للحكم فان مدرك

بدل الحيلولة ان كان هو الاجماع فقيامه و وفائه بهذا المقدار غير معلوم و ان كان المدرك قاعدة السلطنة فمقتضاه ان الامر و الاختيار بيد المالك و هكذا ان كان المدرك قاعدة العدل و الجمع بين الحقين و أما ان كان المدرك قاعدة الاتلاف أو قاعدة اليد أو اطلاق كلمات القوم أو النصوص الخاصة فلا مجال لبقاء

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 224

الاختيار للمالك بل الاختيار بيد الضامن فاذا اراد افراغ ذمته من الضمان أمكنه هكذا ينبغي أن يفصل و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: و كما ان تعذر رد العين»

الظاهر ان ما أفاده تام فان الساقط عن المالية في حكم التالف انما الكلام في ان المقدار بأي يوم هل المدار يوم الغصب أو يوم السقوط أو أعلي القيم و بمقتضي حديث أبي ولاد يكون المدار بيوم الغصب و أما علي مقتضي القاعدة فالمدار يوم السقوط.

«قوله قدس سره: ثم ان المال المبذول يملكه المالك»

وقع الكلام بين القوم في أن المال المبذول في مقابل الحيلولة هل يملكه المالك أم لا؟ و علي الاول هل يكون ملكا لازما أو ملكا جائزا و انت خبير بأن الوجوه التي يمكن أخذها للاستدلال علي ثبوت بدل الحيلولة كلها مخدوشة فلا يبقي موضوع لهذه الابحاث و القيل و القال الاعلي سبيل الفرض و الخيال و لا اشكال ظاهرا في أن بدل الحيلولة لا يصير ملكا للمالك في سيرة العقلاء بل يبقي البدل في ملك مالكه الاول.

مثلا لو حال الغاصب بين زيد و داره يكون بدل الحيلولة للدار دار اخري في زمان تحقق الحيلولة و لا اشكال في أن العقلاء لا يرون الدار الثانية مملوكة للمغصوب منه و ترجع الدار الي

مالكها بعد رد الدار المغصوبة الي مالكها و لما انجر الكلام الي هنا نقول علي فرض القول بوجوب بدل الحيلولة لا وجه لدفع القيمة بل مقتضي القاعدة دفع المثل نعم اذا لم يمكن المثل تصل النوبة الي القيمة.

«قوله قدس سره: و لو لا ظهور الاجماع»

كيف يدعي الاجماع و الحال انه قدس سره تعرض لاستشكال المحقق

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 225

و الشهيد الثانيين و أيضا يتعرض لنقل حكاية جزم القمي بعدم صيرورة بدل الحيلولة ملكا و أيضا نقل مقالة السبزواري من الاشكال فكيف يتحقق الاجماع مضافا الي أنه قد حقق في الاصول عدم تمامية اعتبار الاجماع لا منقوله و لا محصله اضف الي ذلك انه علي تقدير تحقق الاجماع يحتمل كونه مدركيا ان لم يكن مقطوعا به.

«قدس سره: قيام مقابله مقامه في السلطنة»

أي دليل دل علي لزوم تدارك السلطنة الفائتة فان دليل الضمان احد الامور الثلاثة و هي قاعدة الاتلاف و التلف و السيرة العقلائية الجارية فيما بينهم و شي ء من هذه الوجوه لا يفي باثبات المدعي فان مقتضي قاعدة الاتلاف ان المتلف ضامن للتالف كما ان مفاد علي اليد كذلك علي بعض الوجوه و أيضا السيرة جارية علي الحكم بضمان المتلف بالنسبة الي العين و علي جميع التقادير لا وجه لضمان السلطنة.

«قوله قدس سره: فمقتضي قاعدة الضمان وجوب كمال القيمة مع بقاء العين»

ما المراد من القاعدة المذكورة؟ فان المرجع في هذه الامور السيرة العقلائية و السيرة الجارية بينهم علي خلاف مدعاه فان العقلاء لا يرون المالك مالكا لاجزاء العين التالفة بعد أخذ المثل أو القيمة و هذا العرف ببابك فلو كسر احد كأسا لآخر و دفع عوضه لمالك الكأس يرون الضامن مالكا

للقطعات المكسورة بلا اشكال و لا كلام.

و يستفاد من كلام السيد في الحاشية ان ما لا مالية له لا يكون مملوكا بل للمالك حق الاولوية. و ما أفاده ليس تاما فان النسبة بين الملكية و المالية عموم من وجه فان الجوهر الذي لا يكون ملكا لاحد مال و لا يكون ملكا و الكأس المكسور كسرا تاما لا يكون مالا و لكن يكون ملكا و الاموال المملوكة للناس مجمع للملكية و المالية.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 226

«قوله قدس سره: فيقوي عدم جواز … »

لا قوة فيه بل يقوي جواز المسح به بعد خروج الضامن عن الضمان و السيرة العقلائية اكبر شاهد علي ما ذكرنا فلاحظ.

«قوله قدس سره: من ان جناية الغاصب»

هذه المسألة لا ترتبط بالمقام فانها من باب التعبد و بعبارة اخري: تجب اطاعة الشارع في أوامره و نواهيه و هذا احد مصاديق تلك الكبري و لا صلة له بالمقام.

«قوله قدس سره: بل قال: يمكن أن لا يجوز»

لا يبعد أن يكون الوجه في الحرمة صدق الاسراف المحرم شرعا.

«قوله قدس سره: يمكن جواز الصلاة»

لا بد من أن يفرض الكلام فيه بعد اداء العوض كي تصير الخيوط المغصوبة ملكا للغاصب بقانون المعاوضة القهرية العقلائية الممضاة شرعا. و لا يخفي ان الجواز و عدمه مبنيان علي فساد الصلاة في اللباس المغصوب و أما علي طبق المسلك المنصور فلا مقتضي للفساد و التفصيل موكول الي مجال آخر.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل أمره بالتأمل اشارة الي ان اجراء قاعدة لا ضرر ينافي كونها امتنانية و الحكم بعدم وجوب الرد و ان كان امتنانا بالنسبة الي الضامن لكن يكون خلاف الامتنان بالنسبة الي المالك فيتعارض الضرران و بعد التساقط تصل

النوبة الي وجوب رد العين الي مالكها.

«قوله قدس سره: مع بقاء حق الاولوية»

اثبات حق الاولوية مشكل مضافا الي أنا قلنا ان الغرامة توجب ازالة علاقة المالك عن العين المضمونة بتمام معني الكلمة فلا مقتضي لحق الاولوية. اضف الي ذلك انه لو شك في حق الاولوية يكون مقتضي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 227

الاصل عدمه.

و لما انجر الكلام الي هنا لا بأس بارسال عنان الكلام و بيان ما هو مقتضي النظر الدقيق في هذا المجال فنقول: ما يمكن أن يذكر في

مستند حق الاختصاص و الاولوية
اشارة

وجوه:

الوجه الأول: ان حق الاختصاص سلطنة في قبال الملكية

فاذا زالت الملكية يبقي حق الاختصاص بحاله.

و يرد عليه أولا: انه لا دليل علي هذه الدعوي و مجرد الامكان لا يقتضي الوقوع و التحقق بل مقتضي الاصل عدمه. و ثانيا: انا فرضنا وجوده و لكن بقائه بعد زوال الملكية دعوي ثانية بلا دليل.

و بعبارة اخري: غاية ما يمكن أن يقال: ان حق الاختصاص تابع للملكية و يدور مدارها و أما الزائد عليه فيحتاج في مقام الاثبات الي الدليل و بقائه بعد زوال الملكية بالاستصحاب معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

الوجه الثاني: ان حق الاختصاص مرتبة ضعيفة عن الملكية

توجد معها و لكن يبقي بعد زوالها و ان شئت قلت: تابع لها في الحدوث لا في البقاء و الزوال.

و يرد عليه ان الملكية امر بسيط لا جزء لها فلا موضوع لهذه الدعوي مضافا الي انه لو سلمنا تركبها، لكن نقول عند زوالها يرتفع المركب من الاجزاء و الا يلزم الخلف اذ فرض ارتفاعها.

اضف الي ذلك: ان رفع بعض المركب و ابقاء بعضه الاخر بيد من بيده الامر و ابقائه للجزء اوّل الكلام و الاشكال بل مقتضي القاعدة عدم ابقاءه و بقاء البعض بالاستصحاب معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

الوجه الثالث: انه لو ثبت في الشريعة المقدسة حرمة التصرف في مال الغير

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 228

و بعد زوال الملكية نشك في بقاء الحرمة نحكم ببقائها ببركة الاستصحاب.

و يرد عليه ان الثابت في الشريعة حرمة التصرف في مملوك الغير و مع زوال الملكية و ارتفاع الموضوع لا مجال لاستصحاب الحكم مضافا الي أنه معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

الوجه الرابع: قاعدة «من سبق الي ما لم يسبقه إليه مسلم فهو احق به».

و يرد عليه أولا: ان القاعدة لا اساس لها و لا سند معتبر لها و ثانيا: ان القاعدة لا يثبت للسابق حقا في قبال الملكية بل مقتضاها ان السابق يحدث له حق السبق كالسابق في المسجد و غيره من الاوقاف العامة و الخاصة.

الوجه الخامس: الاجماع.

و فيه انه علي فرض تحققه مدركي و الحق انه لا اجماع.

الوجه السادس: السيرة العقلائية و الشرعية

فانه لا اشكال في أن المالك للعين اذا زالت ملكيته عن عين كما لو صار الخل خمرا يكون للمالك حق الاختصاص و لا يجوز لغيره التصرف في العين الا باذنه.

«قوله قدس سره: و لعله من استصحاب وجوب ردها»

يرد عليه أولا: انه لا مجال للاستصحاب بعد رد البدل كما تقدم و ثانيا: ان الموضوع متقوم بعنوان المملوك و المفروض زوال العنوان و ثالثا: ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي يعارض باستصحاب عدم الجعل الزائد فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان مقتضي صدق الغرامة علي المدفوع»

لا بد من ملاحظة المدرك في الالتزام ببدل الحيلولة فان كان المدرك قاعدة الاتلاف أو التلف فالظاهر ان بدل الحيلولة يقوم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 229

مقام العين فلا مقتضي للضمان بعد و أيضا لو كانت السيرة العقلائية مستندة للحكم و أما ان كان المدرك قاعدة السلطنة فالمقتضي للضمان موجود فتأمل. و العمدة ان البحث لا واقع له و فرض في فرض و تقدير علي تقدير فلاحظ.

«قوله قدس سره: لان مع التلف يتعين القيمة»

الحق انه لا يتعين القيمة فانا قلنا: ان العين بنفسها تبقي في الذمة و انما تسقط عنها بدفع البدل من المثل أو القيمة فعلي القاعدة يكون المعيار يوم الرد و الدفع و مقتضي حديث الحناط كون المعيار يوم الغصب

و صفوة القول: انه لا مقتضي لانتقال القيمة الي ذمة الضامن بل ذمته مشغولة بنفس العين و انما تسقط بالدفع أو الابراء أو الصلح و هكذا.

«قوله قدس سره: و ان كان في احضارها مئونة»

يمكن أن يقال: انه علي رأي المشهور في مفاد قاعدة لا ضرر يشكل الحكم بوجوب

الرد في صورة توقفه علي دفع المئونة فانه يقال يتعارض ضرر الضامن بضرر المالك و المرجع بعد التعارض دليل وجوب رد كل مال الي مالكه.

«قوله قدس سره: لاستصحاب كون العين مضمونة بالغرامة»

لو وصلت النوبة الي الاستصحاب يتعارض الاصل الجاري في المجعول مع الاصل الجاري في الجعل و بعد التعارض و التساقط تصل النوبة الي الاخذ بالدليل الاول الدال علي كون الغرامة مملوكة للضامن. و بعبارة اخري: المدفوع بعنوان الغرامة مملوك للضامن و علمنا من الدليل دخوله في ملك المالك في هذا المقدار من الزمان و أما الزائد عليه فلا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 230

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل الامر بالتأمل اشارة الي أنه لو لا الوضع لم يكن وجه للتكليف و بعبارة اخري: تكون الغرامة في مقابل نفس العين.

«قوله قدس سره: و لذا لا يباح لغيره بمجرد بذل الغرامة»

أي لا يباح العين لغير المالك بمجرد بذل الغرامة و بعبارة واضحة:

الغرامة بدل عن السلطنة الفائتة لا عن مطلق السلطنة حتي السلطنة علي المطالبة بل بدل عن السلطنة علي الانتفاع و الذي يدل علي عدم قطع علاقة المالك عن العين انه بعد دفع الغرامة لا يجوز لغير المالك التصرف في العين و لا مجال لان يقال: علقة المالك انقطعت عن العين فتكون من المباحات الاصلية التي يجوز لكل احد التصرف فيها.

[الكلام في شروط المتعاقدين]

[من جملة شرائط المتعاقدين البلوغ]
[بطلان عقد الصبي]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة المشهور كما عن الدروس و الكفاية بطلان عقد الصبي»

وقع الكلام بين القوم في نفوذ تصرفات الصبي و عدمه و المسألة ذات اهمية فانها من المسائل التي تعم جميع المكلفين و

يقع الكلام فيها في مقامين:
المقام الأول: في مقتضي القاعدة الاولية.

المقام الثاني فيما تقتضيه الادلة الخاصة أما المقام الأول فنقول: يمكن أن يقال ان مقتضي الادلة العامة نفوذ تصرفاته فان مقتضي اطلاق قوله تعالي «احل اللّه البيع» و قوله تعالي «الا أن تكون تجارة عن تراض» و غيرهما من ادلة الصحة و النفوذ عدم الفرق بين البالغ و غيره.

و أما

المقام الثاني [فيما تقتضيه الأدلة الخاصة]
اشارة

فنقول

ما يمكن أن يستدل به أو استدل به علي المنع وجوه:
الوجه الأول: الاجماع

فعن الغنية دعوي الاجماع علي ذلك و عن العلامة في التذكرة ان الصبي محجور عليه بالنص و الاجماع.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 231

و حال الاجماع في الاشكال ظاهر اذ قد ثبت في الاصول عدم اعتبار الاجماع منقولا و محصلا مضافا الي أن الاجماع علي فرض حصوله محتمل المدرك فلا يكون كاشفا تعبديا.

الوجه الثاني: قوله تعالي

«وَ ابْتَلُوا الْيَتٰاميٰ حَتّٰي إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ» «1».

بتقريب: ان المستفاد من الآية انه يشترط في دفع ماله إليه بلوغه و رشده فلا ينفذ أمره قبل بلوغه و رشده.

و فيه: ان المستفاد من الآية الشريفة عدم جواز دفع ماله إليه قبل بلوغه و رشده و لا تدل الآية علي عدم نفوذ تصرفاته.

الوجه الثالث: النصوص

منها ما رواه حمران قال: سألت أبا جعفر عليه السلام قلت له: متي يجب علي الغلام أن يؤخذ بالحدود التامة و يقام عليه و يؤخذ بها؟ قال اذا خرج عنه اليتم و أدرك قلت: فلذلك حد يعرف به؟ فقال اذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلك اقيمت عليه الحدود التامة و اخذ بها و اخذت له قلت:

فالجارية متي تجب عليها الحدود التامة و تؤخذ بها و يؤخذ لها؟ قال:

ان الجارية ليست مثل الغلام ان الجارية اذا تزوجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم و دفع إليها مالها و جاز أمرها في الشراء و البيع و اقيمت عليها الحدود التامة و اخذ لها و بها قال: و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج من اليتم حتي يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك «2».

بتقريب: ان المستفاد من الحديث انه لا يجوز أمر غير البالغ.

______________________________

(1) النساء/ 6.

(2) الوسائل الباب 4 من ابواب مقدمة العبادات الحديث 2 و الباب 3 من ابواب الحجر الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 232

و فيه: ان الحديث ضعيف سندا فلا يكون قابلا للاعتماد و لا تصل النوبة الي ملاحظة دلالته.

و منها:

ما أرسله الصدوق عن الصادق عليه السلام انه سئل عن قول اللّه عز و جل «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ» قال ايناس الرشد حفظ المال «1».

و ظهر تقريب الاستدلال بالحديث علي المدعي من الاستدلال بالآية و المرسل لا اعتبار به مضافا الي النقاش في الدلالة علي المدعي كما سبق.

و منها ما ارسله أيضا قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام اذا بلغت الجارية تسع دفع إليها مالها و جاز أمرها في مالها و اقيمت الحدود التامة لها و عليها 2. و المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه الخادم بيّاع اللؤلؤ عن ابي عبد اللّه عليه السلام سأله أبي و أنا حاضر عن اليتيم متي يجوز أمره؟ قال: حتي يبلغ اشده قال و ما أشده؟ قال: احتلامه قال: قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة أو اقل أو اكثر و لم يحتلم قال: اذا بلغ و كتب عليه شي ء جاز أمره الا أن يكون سفيها أو ضعيفا 3.

و المستفاد من الحديث ان البلوغ دخيل في نفوذ الامر فالتصرف الصادر عن غير البالغ لا أثر له و لا يبعد أن يكون السند معتبرا و ان كان للنقاش فيه مجال فان النجاشي وثق آدم بن المتوكل أبا الحسين بيّاع اللؤلؤ و المذكور في السند أبو الحسين الخادم بيّاع اللؤلؤ و من الممكن عدم انطباق من وثق علي المذكور في السند فلاحظ.

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ ثلاث عشرة سنة و دخل في الاربع عشرة وجب عليه ما

______________________________

(1) (1 و 2 و 3) الوسائل الباب 2 من أبواب الحجر الحديث 4 و 3 و

5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 233

وجب علي المحتلمين احتلم أو لم يحتلم و كتب عليه السيئات و كتبت له الحسنات و جاز له كل شي ء الا أن يكون ضعيفا أو سفيها «1».

فان المستفاد من الحديث بمقتضي مفهوم الشرط عدم نفوذ أمر غير البالغ و الحديث ضعيف بالوشاء.

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سأله أبي و أنا حاضر عن قول اللّه عز و جل «حَتّٰي إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ» قال:

الاحتلام قال: فقال: يحتلم في ست عشرة و سبع عشرة سنة و نحوها فقال لا اذا اتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات و كتبت عليه السيئات و جاز أمره الا أن يكون سفيها أو ضعيفا فقال و ما السفيه؟ فقال: الذي يشتري الدرهم باضعافه قال و ما الضعيف قال الابله «2».

فان المستفاد من الحديث بمقتضي مفهوم الشرط عدم نفوذ أمر غير البالغ و الحديث ضعيف بضعف اسناد الشيخ الي ابن الفضال.

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال عمد الصبي و خطاه واحد «3».

فان المستفاد من الحديث ان عمد الصبي خطأ فكل ما يصدر عنه يكون في حكم الخطاء في اعتبار الشارع الاقدس و الحديث تام سندا فيمكن الاستناد إليه في جميع الموارد الا فيما يقوم دليل علي الخلاف.

و أورد علي الاستدلال بالرواية سيدنا الاستاد بايرادين:

احدهما: بوجود المانع ثانيهما: بعدم المقتضي أما الاول فبتقريب

______________________________

(1) الوسائل الباب 44 من ابواب الوصية الحديث 11.

(2) نفس المصدر الحديث 8.

(3) الوسائل الباب 11 من ابواب العاقلة الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 234

ان لازم هذا القول ان تعمد الصبي

للافطار لا يوجب فساد صومه و تعمد الصبي للاخلال في الصلاة لا يوجب بطلان صلاته فيلزم أن تكون صحيحة و أيضا لازمه تمامية صومه و الحال انه خلاف لضرورة المذهب.

و أما عدم المقتضي فلان تنزيل العمد منزلة الخطاء يتوقف علي أن يكون لكل من العمد و الخطاء حكم غير ما يكون للآخر و بعده يصح أن يعتبر العمد في حكم الخطاء فان الجناية كذلك فان الجناية العمدية لها حكم خاص في مقابل الجناية الخطائية فيكون الحديث ناظرا الي باب الجنايات و الديات و أما في المقام فلا اذ لا يكون للخطاء في باب المعاملات حكم فان الحكم الشرعي يختص بالعمد فلا مجال للاخذ بالحديث فانه لا مقتضي للاستدلال به أولا و الاخذ به ممنوع ثانيا هذا ملخص ما افاده «1» في المقام.

و ما أفاده غير تام أما ما أفاده من حيث المانع فيرد عليه ان تخصيص العام أو تقييد المطلق أمر علي طبق القاعدة الاولية و الكلية المستفادة من الحديث ليست قضية عقلية كي يقال: الحكم العقلي لا يكون قابلا للتخصيص فلا بد من رفع اليد عنه بعد قيام الدليل علي التخصيص و يكفي دليلا قيام الضرورة المدعاة في كلامه.

و أما ما أفاده من حيث المقتضي فيرد عليه ان الشرط الذي ذكره لصحة التنزيل لا دليل عليه و عهدة دعواه عليه فان التنزيل يقتضي أن يكون عمد الصبي في اعتبار الشارع الاقدس خطاء و لا يلزم أن يكون الخطاء محكوما بحكم بل يكفي نفي احكام العمد عن أفعاله و أقواله و العرف ببابك.

و منها ما رواه ابن ظبيان قال: اتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 3 ص 254.

عمدة المطالب في التعليق علي

المكاسب، ج 2، ص: 235

فأمر برجمها فقال علي عليه السلام: أ ما علمت ان القلم يرفع عن ثلاثة عن الصبي حتي يحتلم و عن المجنون حتي يفيق و عن النائم حتي يستيقظ؟ «1».

بتقريب ان القلم مرفوع عن غير البالغ فلا اثر لافعاله فلا يرتب أثر علي عقده و ايقاعه و الحديث ضعيف سندا بالاعمش و غيره.

و منها ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سألته عن الغلام متي تجب عليه الصلاة فقال اذا أتي عليه ثلاث عشرة سنة أو حاضت فان احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة و جري عليها القلم و الجارية مثل ذلك ان أتي لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة و جري عليها القلم «2».

فان المستفاد من الحديث بمقتضي مفهوم الشرط ان غير البالغ لا يجري عليه القلم لا قلم التكليف و لا قلم الوضع و الحديث تام سندا فتحصل مما تقدم ان مقتضي الدليل عدم نفوذ تصرفات غير البالغ و مقتضي اطلاق النصوص عدم الفرق بين اذن الولي و عدمه كما ان مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين تصديه لامر بالاصالة أو بالوكالة فلا اثر لانشائه علي الاطلاق.

و استدل علي نفوذ امر غير البالغ أيضا بوجوه:
الوجه الأول: قوله تعالي

«وَ ابْتَلُوا الْيَتٰاميٰ حَتّٰي إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ» «3».

و للاستدلال بها علي المدعي تقريبان التقريب الاول ان

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من ابواب مقدمة العبادات الحديث 11.

(2) نفس المصدر الحديث 12.

(3) النساء/ 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 236

المستفاد من الآية ان الميزان هو الرشد و البلوغ أمارة عليه.

و فيه: ان جعل البلوغ أمارة علي الرشد خلاف الظاهر لا يصار إليه.

التقريب الثاني: ان المستفاد من الآية ان الموضوع

غير البالغ فيعلم ان غير البالغ يترتب الاثر علي ما يصدر عنه بشرط الرشد.

و فيه أولا: انه يمكن أن يكون الابتلاء بلحاظ استعلام بلوغه و عدمه لا بلحاظ رشده. و ثانيا انه لا تنافي بين كون الابتلاء بلحاظ رشده و بين اشتراط البلوغ و علي الجملة لا مناص عن العمل بالظاهر و ظاهر الآية يقتضي اشتراط البلوغ فلاحظ.

الوجه الثاني ما ورد من النصوص الدالة علي جواز وصية غير البالغ و عتقه

منها ما رواه محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ان الغلام اذا حضره الموت فأوصي و لم يدرك جازت وصيته لذوي الارحام و لم تجز للغرباء «1».

و منها ما رواه أبو بصير «يعني المرادي» عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال: اذا بلغ الغلام عشر سنين و أوصي بثلث ماله في حق جازت وصيته و اذا كان ابن سبع سنين فأوصي من ماله باليسير في حق جازت وصيته «2».

و منها ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: اذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته «3»

و منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال اذا أتي علي الغلام عشر سنين فانه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدق أو أوصي علي حد معروف و حق فهو جائز «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب الوصايا الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 2.

(3) عين المصدر الحديث 3.

(4) عين المصدر الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 237

و منها ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال اذا بلغ الصبي خمسة أشبار اكلت ذبيحته و اذا بلغ عشر سنين جازت وصيته «1».

و منها ما

رواه أبو أيوب عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الغلام ابن عشر سنين يوصي قال اذا أصاب موضع الوصية جازت «2».

و منها ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سألته عن وصية الغلام هل تجوز؟ قال: اذا كان ابن عشر سنين جازت وصيته «3».

فان مقتضي هذه النصوص جواز وصيته و عتقه. و فيه: انه ان تم أسناد هذه النصوص يؤخذ بها و يلتزم بمفادها و يخصص بها عموم حجره و التخصيص في الاحكام الشرعية لا يكون عزيزا.

الوجه الثالث: ما أرسله في المبسوط

علي ما نقل عنه «و روي انه اذا بلغ عشر سنين و كان رشيدا كان جائز التصرف» و المرسل لا اعتبار به.

الوجه الرابع: السيرة الجارية الخارجية

فانها جارية علي ترتيب الاثر علي عقده و معاملاته.

و فيه انه ان كان المراد من السيرة الجارية بين المتشرعة و المبالين بالدين و شريعة سيد المرسلين فتحققها اوّل الكلام و الاشكال بل يمكن الجزم بالعدم و ان كان المراد السيرة الجارية بين الناس فلا أثر لها فالنتيجة عدم اعتبار معاملات الصبي و ايقاعاته

______________________________

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب الوصايا الحديث 5.

(2) عين المصدر الحديث 6.

(3) عين المصدر الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 238

بل المستفاد من مجموع ما تقدم عدم ترتب اثر علي فعله حتي لو أتلف مال الغير لا يكون ضامنا الا أن يقوم دليل بالخصوص في مورد خاص و أطار مخصوص فلاحظ ما بيناه و اغتنم.

«قوله قدس سره: فلا ينافي عدمه ثبوت الوقوف»

الحق انه ينافي فان مقتضي الاطلاق عدم ترتب الاثر عليه علي الاطلاق و لذا قلنا لا اثر لما يصدر عنه حتي فيما لو كان باذن الولي فكما ان الاذن السابق لا يؤثر كذلك الاجازة اللاحقة لا اثر لها.

«قوله قدس سره: كما يقال بيع الفضولي … »

الامر في البيع الفضولي أيضا كذلك و نتعرض للمسألة فيما يأتي عن قريب إن شاء اللّه تعالي فان مقتضي قوله «لا تبع ما ليس عندك» عدم جواز بيع الفضولي و ان لحقه الاجازة من المالك و انما نلتزم بالصحة مع الاجازة بلحاظ النص الخاص و التفصيل موكول الي ذلك الباب فانتظر.

«قوله قدس سره: و يشهد له الاستثناء في بعض تلك الاخبار»

لاحظ ما رواه ابن سنان «1» بتقريب: ان الوجه في الشهادة

ان السفيه لا يكون مسلوب العبارة هذا تقريب ما أفاده و الحق عدم تماميته فان المستفاد من الحديث ان ما يصدر عن غير البالغ لا اثر له علي الاطلاق و أما البالغ فيؤثر ما يصدر عنه الا أن يكون سفيها فلا يرتبط احد الموردين بالآخر و العرف ببابك.

«قوله قدس سره: ففيه أولا ان الظاهر منه قلم المؤاخذة»

بل الظاهر من الحديث قلم التكليف و الوضع.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 233.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 239

«قوله قدس سره: و لذا بنينا … »

شرعية عبادات الصبي مستفادة من النصوص مضافا الي التسالم.

«قوله قدس سره: و ثانيا ان المشهور … »

الشهرة الفتوائية لا تكون حجة و قد تقدم ان النصوص الخاصة تكفي لاثبات المدعي فلاحظ.

«قوله قدس سره: فلا مانع من أن يكون عقده سببا لوجوب الوفاء بعد البلوغ»

الظاهر من العبارة ان الشيخ يري وجوب الوفاء وجوبا تكليفيا و الحال ان وجوبه وضعي سلمنا كون الوجوب تكليفيا لكن لا مجال لتوجهه بعد البلوغ اذ المستفاد من الدليل كما تقدم ان ما يصدر عنه في حكم العدم و لا يترتب عليه الاثر فلا مجال لان يكون موضوعا للوجوب بعد البلوغ و بعبارة واضحة: لم يتحقق الموضوع في اعتبار الشارع و مع عدم الموضوع لا مجال لترتب الحكم كما هو ظاهر.

«قوله قدس سره: كما يكون جنابته … »

القياس مع الفارق فان الجنابة بحسب المستفاد من الدليل تحصل بالتقاء الختانين و لا دخل في تحققها فعل اختياري و بعبارة اخري: تحقق الجنابة بالتقاء الختانين كتحقق النجاسة بتلاقي شي ء مع الجنس و ان كان سبب التلاقي أمرا تكوينيا خارجيا.

«قوله قدس سره: لكن لا مانع»

نعم لا مانع لكن مجرد عدم

المانع لا اثر له ما دام القصور في المقتضي فانا بينا ان النصوص دالة علي بطلان ما يصدر عن غير البالغ فلا مجال لان يترتب عليه اثر في وعاء الشرع و الشريعة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 240

«قوله قدس سره: فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الاجماع»

بل العمدة الاخبار و النصوص الواردة في المقام.

«قوله قدس سره: ما عن قرب الاسناد»

لاحظ ما رواه أبو البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام انه كان يقول في المجنون و المعتوه الذي لا يفيق و الصبي الذي لم يبلغ عمدهما خطأ تحمله العاقلة و قد رفع عنهما القلم «1».

«قوله قدس سره: و لا يخلو من بعد»

بدعوي ان اللسان غير قابل للتخصيص و إبائه عنه و هو كما تري.

«قوله قدس سره: من احتمال كونه معلولا … »

يرد عليه أولا انه يمكن أن يقال: بأن المتفاهم العرفي من العبارة ان قوله عليه السلام «رفع القلم علة» للحكم لا العكس و ثانيا:

ان الرواية ضعيفة سندا و العمدة في الاستدلال علي المدعي غيره كحديث ابن مسلم «2» فان المستفاد منه ان عمده خطأ و كحديث الساباطي «3» فان المستفاد من الحديث انه لا يجري علي غير البالغ القلم علي نحو الاطلاق.

«قوله قدس سره: فلا ينافي ثبوت بعض العقوبات»

بل ينافي فان مقتضي حديث عمار عدم جريان القلم عليه علي نحو الاطلاق فلا يكون اتلافه موجبا للضمان و لا بد في اثبات الضمان بفعله من التماس دليل و الاجماع المدعي في المقام لا اثر له فانه مدركي لا تعبدي كاشف.

______________________________

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 335.

(3) قد تقدم ذكر الحديث

في ص 336.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 241

«قوله قدس سره: ثم انه ظهر مما ذكرنا انه لا فرق في معاملة الصبي بين أن يكون في الاشياء اليسيرة أو الخطيرة»

و ما يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي صحة تصرفاته في الاشياء اليسيرة وجوه:
الوجه الأول حكاية أبي الدرداء

التي نقلها الشيخ قدس سره و هي ان أبا الدرداء اشتري عصفورا من صبي فأرسله بتقريب:

ان عمل أبي الدرداء يدل علي صحة بيع غير البالغ.

و يرد عليه أولا انه لا طريق الي صحة القضية و لعلها لا تكون مطابقة مع الواقع. و ثانيا: ان عمل أبي الدرداء لا يكون من الادلة الشرعية.

و ثالثا: انه من الممكن ان أبا الدرداء رأي ان الطفل أخذ العصفور و حيث ان أخذه كلا اخذ يجوز التصرف في مأخوذه فاشترائه صوري و غرضه انقاذ العصفور.

الوجه الثاني: ما رواه السكوني

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن كسب الاماء فانها ان لم تجد زنت الا امة قد عرفت بصنعة يد و نهي عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده فانه ان لم يجد سرق «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان النهي بلحاظ سرقة الطفل في صورة عدم الوجدان فيعلم ان معاملته بلا اشكال فانه لو كان عقده فاسدا لم يكن وجه للتعليل المذكور.

و يرد عليه أولا: ان الحديث ضعيف سندا و لا جابر له و ثانيا:

انه لا وجه لاختصاص مدلوله بخصوص المحقرات بل مدلوله مطلق

______________________________

(1) الوسائل الباب 33 من ابواب ما يكتسب به.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 242

فلا يكون سندا للتفصيل.

و ثالثا: انه لا وجه لرفع اليد عن ظاهر الدليل فان مقتضي النهي الارشاد الي فساد ما يصدر عنه من العقود معللا بالعلة المذكورة و بعبارة اخري: المستفاد من النهي المذكور ان عقد الطفل باطل و هذا هو المدعي غاية الامر بهذا السبب.

الوجه الثالث: ان السيرة جارية علي المعاملة مع الصغير في الامور اليسيرة.

و فيه: ان المراد بالسيرة ان كانت سيرة العقلاء فهي مردوعة بالنصوص و ان كانت سيرة المتشرعة بما هم كذلك فتحققها اوّل الكلام و الاشكال.

الوجه الرابع: انه يلزم الحرج و الحرج مرتفع في الشريعة بدليل نفيه.

و فيه أولا ان لزوم الحرج اوّل الكلام بل لا يلزم و ثانيا:

ان دليل لا حرج يقتضي نفي الاحكام الحرجية و بعبارة اخري: مفاده نفي الحكم لا الاثبات و ان شئت قلت: لا يستفاد من دليل نفي الحرج اعتبار العقد الفلاني و صحة الايقاع الكذائي فالمتحصل مما تقدم عدم الدليل علي التفصيل بل مقتضي اطلاق النصوص فساد ما يصدر عن غير البالغ بلا فرق بين الموارد فلاحظ.

«قوله قدس سره: من التقاط … »

اذا قلنا ان مقتضي النصوص عدم ترتب أثر علي ما يصدر عنه يكون التقاطه بلا اثر.

«قوله قدس سره: فأعطاه المستأجر … »

مقتضي القاعدة عدم اعتبار أخذه اجرة المثل من المستأجر أو الامر فلا يتشخص المأخوذ و لا يصير مملوكا له نعم يصير مالكا في ذمة المستأجر و الامر اجرة المثل.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 243

«قوله قدس سره: لكن يستحب … »

يرد عليه أولا انه أي دليل دل علي الاستحباب المذكور فان الفتوي بالاستصحاب لا بد أن يكون مستندا الي دليل شرعي كالفتوي بالوجوب. و ثانيا: ان المأخوذ من المستأجر أو الامر كما قلنا آنفا لا يصير مملوكا للصغير.

«قوله قدس سره: بل ما ذكرنا أولي بالجواز من الهدية من وجوه:»

قال الشهيدي قدس سره في تعليقته «1» علي المتن أقول: أحدها تخصيص المال في المقام باليسير و تعميمه في الهدية له و للخطير علي ما هو ظاهر اطلاقهم و ثانيها: وجود الامارات المفيدة للظن بالاذن مثل القعود في الدكان و المعاملة بمرئي و مسمع من الناس هنا

دون الهدية و ثالثها: ان المقام من باب الاباحة و الهدية من باب التمليك و يتسامح في الاول بما لا يتسامح به في الثاني و رابعها:

ان المقام فيه العوض بخلاف الهدية.

«قوله قدس سره: و ان كان بمجرد العلم برضاه فالاكتفاء به في الخروج عن موضوع الفضولي مشكل»

يستفاد من مكاتبة الحميري الي صاحب الزمان عليه السلام ان بعض أصحابنا له ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب للسلطان فيها حصة و اكرته ربما زرعوا و تنازعوا في حدودها و تؤذيهم عمّال السلطان و تتعرض في الكل من غلات ضيعة و ليس لها قيمة لخرابها و انما هي بائرة منذ عشرين سنة و هو يتجرح من شرائها لانّه يقال ان هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت من الوقف قديما للسلطان

______________________________

(1) ص: 253.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 244

فان جاز شراؤها من السلطان كان ذلك صونا و صلاحا له و عمارة لضيعته و انه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة يفضل ماء ضيعته العامرة و ينحسم عن طمع أولياء السلطان و ان لم يجز ذلك عمل بما تأمره به ان شاء اللّه، فأجابه عليه السلام: الضيعة لا يجوز ابتياعها الا من مالكها أو بأمره او رضا منه «1»، كفاية الرضا الباطني في صحة المعاملة لكن الاشكال في سند الحديث من حيث الارسال فلاحظ.

و في المقام فروع ينبغي التعرض لها فانها مورد الابتلاء
الفرع الاول: انه لو اذن الصبي في الدخول في الدار فهل يكون قوله معتبرا أم لا؟

و الحق ان يقال انه لو حصل الاطمينان من اذنه بالدخول بأن المالك اذن كما هو كذلك بحسب الطبع الاولي فيجوز الدخول و يجوز ترتيب الاثر علي قوله لكن هذا لا يرتبط بالبحث في المقام فان الاطمينان حجة عقلائية فلا يرتبط بعدم اعتبار ما يصدر عن الصبي. و ان شئت قلت: المستند الاطمينان و

هو حجة بلا فرق بين أسباب حصوله.

الفرع الثاني: اذا كان الطفل واسطة في ايصال الهدية هل يترتب اثر عليه أم لا؟

الكلام في هذا الفرع هو الكلام فان وصول الهدية بواسطة الطفل كوصوله بواسطة سبب خارجي أو حيوان فانه اذا وصل الهدية الي المهدي إليه يترتب عليه الاثر و لا فرق بين الوسائط فلا يرتبط أيضا بما نحن بصدده فلاحظ.

الفرع الثالث: انه هل يصح اسلام غير البالغ أم لا؟

و اعلم انه لو قلنا بصحة عبادات الصبي نقول بصحة اسلامه بالاولوية و أما لو لم نقل بصحة عباداته فيجري الكلام في اسلامه فنقول: مقتضي

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 245

القاعدة الاولية صحة اسلامه فان مقتضي اطلاق الادلة الدالة علي أن شهادة ان لا إله الا اللّه و ان محمد رسول اللّه صلي الله عليه و آله توجب دخول الشاهد في زمرة المسلمين، اسلام كل من يشهد بالشهادتين و لو كان غير بالغ.

لاحظ ما رواه سماعة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: اخبرني عن الاسلام و الايمان أ هما مختلفان؟ فقال: ان الايمان يشارك الاسلام و الاسلام لا يشارك الايمان فقلت: فصفهما لي فقال: الاسلام شهادة ان لا إله الا اللّه و التصديق برسول اللّه صلي اللّه عليه و آله به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث و علي ظاهره جماعة الناس و الايمان الهدي و ما يثبت في القلوب من صفة الاسلام و ما ظهر من العمل به و الايمان أرفع من الاسلام بدرجة ان الايمان يشارك الاسلام في الظاهر و الاسلام لا يشارك الايمان في الباطن و ان اجتمعا في القول و الصفة «1».

فان مقتضي اطلاق الحديث عدم الفرق بين البالغ و غير البالغ و ان كل مميز يعتقد بالتوحيد و الرسالة يكون محكوما في الشريعة المقدسة بكونه

مسلما.

و لكن مقتضي خبر ابن مسلم «2» ان عمد الصبي و خطاه واحد فلا اثر لقوله و شهادته بالتوحيد و الرسالة نعم لا مجال للتوقف في صحة اسلامه فانه قد ثبت بالدليل المعتبر صحة عباداته و هل يمكن أن تكون عبادته صحيحة و لم يكن اسلامه صحيحا و الحال ان الايمان شرط في صحة العبادة.

بقي شي ء و هو ان المستفاد من جملة من النصوص ان اطفال

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 2 ص 25 الباب ان الايمان يشرك الاسلام و الاسلام لا يشرك الايمان الحديث: 1.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 233.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 246

المشركين يلحقون بآبائهم أو انهم يمتحنون يوم القيامة فمن أطاع يدخل الجنة و من عصي يدخل النار «1».

و لا يمكن الالتزام بمفادها مضافا الي أنه لا منافاة بين كونهم محكومين بالاسلام و بين إلحاقهم بآبائهم في الآخرة فتأمل.

الفرع الرابع: هل تصح عبادات الصبي أم لا؟

قال سيدنا الاستاد «2». «العبادات المستحبة الصادرة من الصبي صحيحة بلا اشكال فان ادلتها تشملهم كما تشمل البالغين و حديث رفع القلم لا ينافيها لان الاستحباب لا كلفة فيه».

و يرد عليه ان مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين الوجوب و الاستحباب و ان شئت قلت: لا اشكال في صدق وضع القلم و ان كان استحبابيا مضافا الي أن مقتضي اطلاق حديث ابن مسلم فساد ما يصدر عنه فان عمده خطاء و لكن ترفع اليد عن تلك الرواية بالنصوص الدالة علي صحة عباداته منها ما رواه معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام في كم يؤخذ الصبي بالصلاة؟ فقال: فيما بين سبع سنين و ست سنين الحديث «3».

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما

السلام في الصبي متي يصلّي؟ فقال: اذا عقل الصلاة قلت: متي يعقل الصلاة و تجب عليه؟ قال لست سنين «4».

و منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي عليه السلام قال سألته عن الغلام متي يجب عليه الصوم و الصلاة؟ قال اذا راهق الحلم و عرف الصلاة و الصوم 5.

______________________________

(1) الكافي ج 3 ص 248 الباب الاطفال.

(2) مصباح الفقاهة ج 3 ص 241.

(3) الوسائل الباب 3 من أبواب أعداد الفرائض الحديث 1.

(4) (4 و 5) عين المصدر الحديث 2 و 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 247

و منها ما رواه عن اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال اذا اتي علي الصبي ست سنين وجب عليه الصلاة و اذا أطاق الصوم وجب عليه الصيام «1».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن أبيه قال انّا نأمر صبياننا بالصلاة اذا كانوا بني خمس سنين فمروا صبيانكم بالصلاة اذا كانوا بني سبع سنين الحديث «2».

و منها ما رواه الحسن بن قارن انه قال: سألت الرضا عليه السلام أو سئل و أنا أسمع عن الرجل يجبر ولده و هو لا يصلّي اليوم و اليومين فقال: و كم أتي علي الغلام؟ فقلت: ثماني سنين فقال:

سبحان اللّه يترك الصلاة قال: قلت: يصيبه الوجع قال يصلي علي نحو ما يقدر «3».

و منها ما رواه عبد اللّه بن فضالة عن أبي عبد اللّه أو أبي جعفر عليهما السلام في حديث قال سمعته يقول: يترك الغلام حتي يتم له سبع سنين فاذا تمّ له سبع سنين قيل له: اغسل وجهك و كفيّك فاذا غسلهما قيل له: صل ثم يترك حتي يتم له تسع

سنين فاذا تمت له علم الوضوء و ضرب عليه و امر بالصلاة و ضرب عليها فاذا تعلّم الوضوء و الصلاة غفر اللّه لوالديه ان شاء اللّه «4».

و منها ما رواه في الخصال عن علي عليه السلام في حديث الاربعمائة قال: علّموا صبيانكم الصلاة و خذوهم بها اذا بلغو ثماني سنين «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب أعداد الفرائض الحديث 4.

(2) عين المصدر الحديث 5.

(3) عين المصدر الحديث 6.

(4) عين المصدر الحديث 7.

(5) عين المصدر الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 248

و منها ما رواه الفضيل بن يسار قال: كان علي بن الحسين عليه السلام يأمر الصبيان يجمعون بين المغرب و العشاء و يقول هو خير من أن يناموا عنها «1».

و منها ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن الصبيان اذا صفّوا في الصلاة المكتوبة قال لا تؤخروهم عن الصلاة و فرقوا بينهم «2».

و منها ما رواه زرارة و عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن الصلاة علي الصبي متي يصلّي عليه؟ قال اذا عقل الصلاة قلت: متي تجب الصلاة عليه؟ فقال: اذا كان ابن ست سنين و الصيام اذا اطاقه «3».

و منها مرسل الصدوق قال و سئل ابو جعفر عليه السلام متي تجب الصلاة عليه فقال اذا عقل الصلاة و كان ابن ست سنين «4».

و منها ما رواه معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ قال: ما بينه و بين خمس عشرة سنة و أربع عشرة سنة فان هو صام قبل ذلك فدعه و لقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته «5».

و منها

ما رواه سماعة قال سألته عن الصبي متي يصوم؟ قال اذ قوي علي الصيام «6».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال انّا نأمر صبياننا بالصيام اذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من ابواب اعداد الفرائض الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 2.

(3) الوسائل الباب 13 من أبواب صلاة الجنازة الحديث 1.

(4) عين المصدر الحديث 2.

(5) الوسائل الباب 29 من ابواب من يصح منه الصوم الحديث 1.

(6) عين المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 249

اليوم فان كان الي نصف النهار أو اكثر من ذلك أو اقلّ فاذا غلبهم العطش و الغرث أفطروا حتي يتعودوا الصوم و يطيقوه فمروا صبيانكم اذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما أطاقوا من صيام فاذا غلبهم العطش أفطروا «1».

و منها ما رواه الزهري عن علي بن الحسين عليهما السلام في حديث قال: و أما صوم التأديب فأن يؤخذ الصبي اذا راهق بالصوم تأديبا و ليس بفرض «2».

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا أطاق الغلام صوم ثلاثة ايام متتابعة فقد وجب عليه صوم شهر رمضان «3».

و منها ما رواه علي بن جعفر عن اخيه موسي عليه السلام قال سألته عن الغلام متي يجب عليه الصوم و الصلاة؟ قال اذا راهق الحلم و عرف الصلاة و الصوم «4».

و منها ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال اذا اطاق الصبي الصوم وجب عليه الصيام «5».

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام انه سئل عن الصبي متي يصوم؟ قال اذا أطاقه «6».

و

منها ما رواه سماعة انه سأل الصادق عليه السلام عن الصبي متي يصوم؟ قال: اذ اقوي علي الصيام «7».

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من ابواب من يصح منه الصوم الحديث 3.

(2) نفس المصدر الحديث 4.

(3) نفس المصدر الحديث 5.

(4) نفس المصدر الحديث 6.

(5) عين المصدر الحديث 8.

(6) عين المصدر الحديث 9.

(7) عين المصدر الحديث 10.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 250

و منها ما رواه الصدوق: و قال الصادق عليه السلام الصبي يؤخذ بالصيام اذا بلغ تسع سنين علي قدر ما يطيقه فان اطاق الي الظهر أو بعده صام الي ذلك الوقت فاذا غلب عليه الجوع و العطش افطر «1».

و منها ما رواه العباس بن عامر عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال يؤدب الصبي علي الصوم ما بين خمس عشرة سنة الي ست عشرة سنة «2».

و منها ما رواه في المقنع قال: روي ان الغلام يؤخذ بالصيام ما بين أربع عشرة سنة الا ان يقوي قبل ذلك «3».

و منها ما رواه ابن أبي نصر عن الرضا عليه السلام قال: يؤخذ الغلام بالصلاة و هو ابن سبع سنين و لا تغطي المرأة شعرها منه حتي يحتلم «4».

و منها ما رواه عيسي بن زيد يرفعه الي أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يثغر الغلام لسبع سنين و يؤمر بالصلاة لتسع و يفرق بينهم في المضاجع لعشر و يحتلم لاربع عشرة و منتهي طوله لاثنتين و عشرين و منتهي عقله لثمان و عشرين سنة الا التجارب «5».

و منها ما رواه القداح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: انا نأمر الصبيان أن يجمعوا بين الصلاتين الاولي و العصر و بين المغرب و العشاء الآخرة ما

داموا علي وضوء قبل ان يشتغلوا «6».

و منها ما رواه ابان بن الحكم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من ابواب من يصح منه الصوم الحديث 11.

(2) عين المصدر الحديث 13.

(3) عين المصدر الحديث 14.

(4) الوسائل الباب 74 من ابواب أحكام الاولاد 1.

(5) عين المصدر الحديث 5.

(6) عين المصدر الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 251

يقول الصبي اذا حج به فقد قضي حجة الاسلام حتي يكبر … الحديث «1»

و منها ما رواه مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: لو ان غلاما حج عشر حجج ثم احتلم كانت عليه فريضة الاسلام «2».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سمعته يقول مرّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم برويثة و هو حاج فقامت إليه امرأة و معها صبي لها فقالت: يا رسول اللّه أ يحج عن مثل هذا؟ قال: نعم و لك اجره «3».

و منها ما رواه محمد بن الفضيل قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن الصبي متي يحرم به قال اذا اثغر «4».

و منها ما رواه أيوب اخي اديم قال: سئل ابو عبد اللّه عليه السلام من أين يجرّد الصبيان فقال كان أبي يجردهم من فخّ «5».

و منها ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: قلت له: ان معنا صبيا مولودا فكيف نصنع به؟ فقال مر أمّه تلقي حميدة فتسألها: كيف تصنع بصبيانها فأتتها فسألتها كيف نصنع فقالت: اذا كان يوم التروية فاحرموا عنه و جرّدوه و غسلوه كما يجرد المحرم وقفوا

به المواقف فاذا كان يوم النحر فارموا عنه و احلقوا رأسه قم زوروا به البيت و مري الجارية ان تطوف به بالبيت و ما بين الصفا و المروة «6».

و منها رواه عن اسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 13 من ابواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 2.

(3) الوسائل الباب 20 من ابواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1.

(4) عين المصدر الحديث 2.

(5) الوسائل الباب 47 من أبواب الاحرام.

(6) الوسائل الباب 17 من ابواب اقسام الحج الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 252

عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة و خرجوا معنا الي عرفات بغير احرام قال: قل لهم يغتسلون ثم يحرمون و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم «1».

و منها ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه الي الجحفة أو الي بطن مر و يصنع بهم ما يصنع بالمحرم و يطاف بهم و يرمي عنهم و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليّه «2».

و منها ما رواه الصدوق: قال و كان علي بن الحسين عليهما السلام يضع السكين في يد الصبي ثم يقبض علي يديه الرجل فيذبح «3».

و منها ما رواه زرارة عن احدهما عليهما السلام قال: اذا حج الرجل بابنه و هو صغير فانه يأمره ان يلبّي و يفرض الحج فان لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه و يطاف به و يصلي عنه قلت ليس لهم ما يذبحون قال: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار و يتقي عليهم ما يتقي علي المحرم من الثياب و الطيب و ان

قتل صيدا فعلي أبيه «4».

و منها ما رواه يونس بن يعقوب عن أبيه قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام ان معي صبية صغارا و انا اخاف عليهم البرء فمن أين يحرمون قال: ائت بهم العرج فليحرموا منها فانك اذا أتيت بهم العرج وقعت في تهامة ثم قال: فان خفت عليهم فأت بهم الجحفة «5».

فانه يستفاد من النصوص المشار إليها مطلوبية العبادات

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من ابواب اقسام الحج الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث 3.

(3) نفس المصدر الحديث 4.

(4) نفس المصدر الحديث 5.

(5) نفس المصدر الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 253

مستحبها و واجبها عن غير البالغ.

[مسألة و من جملة شرائط المتعاقدين قصدهما لمدلول العقد الذي يتلفظان به]
اشارة

«قوله قدس سره: و من جملة شرائط المتعاقدين قصدهما … »

الاشتراط انما يتصور بعد فرض تحقق المشروط مثلا نقول:

يشترط في الصلاة إباحة المكان فلا بد من فرض الصلاة ثم يتصور اشتراطها بإباحة مكانها و بعبارة اخري: الشرط في مقابل الجزء فلا بد من فرض المركب أولا ثم فرض اشتراطه بأمر كذائي و القصد في باب العقود مقوم و ركن اساسي فلا مجال لان يقال القصد شرط في العقد.

و لتوضيح المدعي نقول: العقد أو الايقاع عبارة عن الاعتبار القائي المبرز بمبرز من قول أو فعل و هذا الاعتبار المبرز الذي نسميه عقدا ربما يصير موضوعا لاعتبار العقلاء أو الشارع الاقدس و ربما لا يقع و ببيان واضح: يلزم تحقق الاعتبار المبرز كي يبحث في أنه هل يتعلق به الامضاء العقلائي أو الشرعي أم لا و من الظاهر الواضح الاعتبار لا يتحقق بلا قصد.

«قوله قدس سره: فهو شبيه الكذب في الاخبار»

الذي يكذب يقصد المعني كالذي يصدق بلا فرق بينهما انما الفرق بين الصادق و الكاذب في المطابقة

مع الواقع و عدمها.

«قوله قدس سره: ثم انه ربما يقال بعدم تحقق القصد في عقد الفضولي و المكره»

هذه المقالة من جملة المقالات التي لا محصل لها فان الكلام في عقد الفضولي و المكره يدور حول صحة العقد و عدمها و بعبارة واضحة: قد فرض تحقق العقد و يقع الكلام في أنه صحيح أو باطل و لا كلام في أصل تحقق العقد و ذكرنا آنفا ان قوام العقد بالقصد.

و ان شئت قلت: لا فرق بين العقد الصادر عن الفضولي و العقد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 254

الصادر عن المالك و أما المكره فربما لا يقصد العقد و لا يقصد البيع مثلا و هذا خلف الفرض و تارة اخري يقصد و يقع الكلام في أن حديث رفع الاكراه يبطله أم لا و نتعرض لحكم المكره و الفضولي عند تعرض الماتن لهما فانتظر.

«قوله قدس سره: هل يعتبر تعيين المالكين»

الذي يختلج بالبال أن يقال: يكفي التعين الواقعي و ان لم يكن معينا حين العقد عند المتعاقدين مثلا لو فرض ان زيدا وكيل عن واحد في بيع داره و الوكالة تحققت في يوم السبت و أيضا يكون وكيلا عن شخص آخر في بيع داره و الوكالة تحققت في يوم الاحد و هكذا حتي يكون وكيلا عن جماعة و لا فرق خارجا في الدور التي تكون موردا للوكالة بل كلها من قسم خاص فلو باع واحدة منها و أشار إليها بوصف عنواني و هي التي يعينها بعد ذلك ما المانع عن الصحة و ما المانع عن شمول دليل الامضاء؟ فان البيع صدر من أهله و وقع في محله و المبيع مشخص في متن الواقع فلا وجه للبطلان.

ان قلت: دليل

الامضاء منصرف عن مثل هذا العقد قلت: لا وجه للانصراف فان قلة الوجود لا تكون موجبة للانصراف و ان شئت قلت:

المطلق لا ينصرف الي الفرد النادر لا أنه ينصرف عنه و علي تقدير تسلم الانصراف يكون بدويا و ناشيا عن عدم الانس و يزول بالتأمل فلاحظ.

«قوله قدس سره: أو مع التلفظ به»

الظاهر انه لا يلزم التلفظ به بل يكفي التعين الذهني فان الالتزام باشتراط التلفظ به يحتاج الي قيام دليل عليه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 255

«قوله قدس سره: في بيع واحد»

قال السيد في الحاشية «كما لو كان وكيلا عن اثنين في اشتراء كتاب واحد» و يرد عليه ان الاشتراء غير البيع و هل المراد من العبارة ان كل واحد من المالكين و كل الوكيل في بيع داره في الساعة الفلانية التي لا يمكن تحقق البيع المتعدد في تلك الساعة بل لا بد من تحقق بيع واحد فلا يمكن الجمع بين بيعين بل لا بد من تحقق واحد منهما و الامر سهل.

«قوله قدس سره: و ان أطلق»

هذا يرجع الي مقام الاثبات و الدعوي و الكلام في مقام الثبوت.

«قوله قدس سره: و الا وقع لاغيا»

بل لا يكون لاغيا فانه لو قصد البيع أو الشراء من قبل يختاره بعد ذلك يصح علي القاعدة لان المختار مقصود في مقام البيع و بعبارة اخري: يكون عند اللّه و في الواقع معينا و مقصودا غاية الامر غير مميز في مقام المعاملة و الانشاء مثلا اذا قال البائع بعت من قبل اوّل من يدخل الدار يقع البيع لاول من يدخل فانه معلوم عند اللّه فلا وجه لكون البائع لاغيا بل صدر العقد عن أهله اذ انه وكيل علي الفرض

و بيع الوكيل بيع الاهل و وقع في محله.

«قوله قدس سره: لزم بقاء الملك بلا مالك»

مما ذكرنا ظهر انه ليس الامر كذلك فان الملك لا يبقي بلا مالك بل ينتقل الي ملك من قصد البائع و قبله المشتري.

«قوله قدس سره: اقول: مقتضي المعاوضة و المبادلة»

مقتضي المعاوضة بين المالين أن يكون احدهما عوضا عن الاخر لكن لا يلزم أن يدخل كل منهما في موضع الاخر بحيث يدخل كل من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 256

العوضين في كيس من خرج عنه العوض الاخر و لذا يصح أن يشتري احد قرصة خبز من الخباز للفقير مع رضاه فان ثمن الخبز يخرج من كيس المشتري و يدخل الخبز في كيس الفقير.

«قوله قدس سره: غير معهود»

فان الواحد المردد مجرد المفهوم و المردد لا واقع له و ان شئت قلت: المردد لا مصداق له و الا يلزم الخلف فلاحظ.

«قوله قدس سره: لعدم مفهوم المعاوضة معه»

قد تقدم الاشكال في كون المعاوضة متقومة بما ذكر نعم هذه المعاملة فاسدة لان العقد المذكور فضولي و تصرف في سلطان الغير بلا اذن منه.

«قوله قدس سره: و في وقوعه اشتراء فضوليا»

مقتضي ما أفاده كونه فضوليا لعمرو.

«قوله قدس سره: لانه أمر غير معقول»

ما أفاده غريب فانه كيف يكون غير معقول و الحال انه يقع في الخارج كرارا و مرارا فلاحظ.

«قوله قدس سره: وقع للغير»

ليس الامر كذلك بل لا بد اما من القول بأنه يقع للفضولي و أما الالتزام بالبطلان و أما وقوعه للبائع فلا مقتضي له.

[تعيين الموجب لخصوص المشتري]
اشارة

«قوله قدس سره: و أما تعيين الموجب لخصوص المشتري»

يقع الكلام في ثلاثة مواضع:
الموضع الاول: في أنه لا اشكال في لزوم التطابق بين الايجاب و القبول

كما سبق فلو باع المالك داره من زيد الذي تصدي للقبول و زيد قبل البيع لموكله لا يصح

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 257

العقد فان العقد عبارة عن مجموع الايجاب و القبول و المفروض عدم تعلق القبول بالايجاب و هذا واضح ظاهر.

الموضع الثاني: انه لو وقع الخلاف و النزاع بين البائع و المشتري

فادعي المشتري بأنه اشتري لموكله و ادعي البائع انه اشتري لنفسه يكون القول قول البائع لكونه موافقا مع الظاهر و علي المشتري اقامة البينة لكن لو كان العقد للموكل صحيحا لا يتوقف علي اقامة دليل عليه في مقام ايقاع العقد.

و بعبارة اخري: اذا كان امرا متعارضا خارجا فلا مجال للظهور المدعي و لا يكون قول من يدعي انه اشتري لموكله مخالفا للظاهر فلا تغفل.

الموضع الثالث: انه هل يجوز المعاقدة مع المخاطب الوكيل عن الغير أو يلزم أن يذكر الموكل؟

الظاهر ان ما أفاده الماتن من التفصيل متين ففي كل مورد صدق العنوان علي الوكيل كعنوان المشتري أو البائع أو الموجر و المستأجر و أمثالها يجوز و في كل مورد لا يصدق العنوان كعنوان الزوج و نحوه لا يجوز.

و الوجه في عدم الجواز ان مثل هذا الاستعمال يكون غلطا في نظر العرف مثلا لو قالت المرأة لوكيل الزوج زوجتك نفسي و أرادت من حرف الخطاب موكله يكون الاستعمال غلطا الا أن يقال ما الدليل علي بطلان العقد اذا كان غلطا فاذا أقامت قرينة علي ان مرادها من حرف الخطاب الموكل لبا فما الدليل علي بطلان العقد.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل الامر بالتأمل اشارة الي أن المنافاة موجودة اذ لو كان الغالب كذلك فلا بد من سماع دعواه هذا وجه الامر بالتأمل.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 258

و لكن يمكن أن يقال انه لا تنافي بين الامرين فان الظهور الاطلاقي يقتضي أن يكون العقد للطرفين و الخروج عن الروية الكذائية يحتاج الي بيان نعم الظاهر ان التنافي موجود فانه لو كان الغالب وقوع المعاملة للموكل بل و لو لم يكن غالبا بل يقع كثيرا لا مجال لدعوي الظهور فلاحظ.

[مسألة و من شرائط المتعاقدين الاختيار]
اشارة

«قوله قدس سره: و من شرائط المتعاقدين الاختيار»

المسألة السابقة كانت متكفلة للزوم القصد و في المقام اشتراط القصد أمر مفروغ عنه انما الكلام في اشتراط كون القصد ناشيا عن طيب النفس لا عن الاكراه.

«قوله قدس سره: لا الاختيار في مقابل الجبر»

الحركة الجبرية كحركة يد المرتعش و هذا خارج عن محل الكلام

و ما يمكن أن يستدل به علي بطلان العقد الاكراهي امور:
الامر الاول: الاجماع.

و حال الاجماع في الاشكال ظاهر.

الأمر الثاني: قوله تعالي «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ»

فان المستفاد من الآية الشريفة عدم جواز تملك مال الغير الا بسبب التجارة عن تراض فلا أثر للبيع الا كراهي.

و ببيان آخر: ان الاستثناء الواقع في الآية اما متصل أو منقطع و علي كلا التقديرين يدل علي حصر جواز تملك مال الغير في التجارة عن تراض أما علي الاول فظاهر فان مرجعه الي النهي عن كل اكل بأي سبب الا ان يكون تجارة عن تراض و أما علي الثاني فالنهي عن الاكل بالباطل و تجويز الاكل بالتجارة عن تراض و لا وجه للحصر لكن حيث ان المولي في مقام البيان و جعل الضابط الكلي يفهم أن الجواز منحصر في التجارة عن تراض.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 259

و ان شئت قلت: لا اشكال في أن العرف يفهم من ظاهر الكلام حصر جواز الاكل فيها و الظواهر حجة.

الأمر الثالث: قوله صلي اللّه عليه و آله فانه لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفسه «1»

بتقريب ان تملك مال الغير تصرف فيه و لا يجوز الا مع طيب نفسه و المفروض عدمه.

و لكن التقريب المذكور يتوقف علي شمول الحديث للتصرف الاعتباري مضافا الي التصرف الخارجي و الظاهر من الحديث التصرف الخارجي فلا يرتبط الحديث بالمقام. و ان شئت قلت: الظاهر من الرواية بحسب الفهم العرفي بيان الحكم التكليفي لا الاعم منه و من الوضعي فلاحظ.

الأمر الرابع: حديث الرفع

لاحظ ما روي عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يستكره علي اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك؟ فقال: لا قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله:

وضع عن امتي ما اكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطئوا «2».

فان مقتضي اطلاق الحديث عدم اختصاص الرفع بخصوص الاحكام التكليفية بل مقتضاه رفع الاحكام الوضعية عند الاكراه فالعقد الاكراهي لا يترتب عليه الاثر المرغوب فيه مضافا الي أن المدعي يستفاد من تطبيق الامام عليه السلام الحديث علي مورد الاكراه علي الامر الوضعي و حكمه بعدم ترتب الاثر عليه لاحظ الحديث الذي مر آنفا فان الامام عليه السلام حكم بعدم لزوم شي ء علي المكره بالفتح مستشهدا بقول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله حيث قال «وضع عن امتي ما اكرهوا عليه».

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 53 و 54.

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الايمان الحديث 12.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 260

«قوله قدس سره: و ظاهره و ان كان رفع المؤاخذة»

ليس الامر كذلك و لا يكون قوله صلي اللّه عليه و آله ظاهرا في رفع المؤاخذة و الذي يدل علي المدعي انه نسأل و نقول: البيع الاكراهي أو الطلاق الاكراهي هل يكون مشمولا لحديث الرفع

أم لا أما علي الاول فنقول: لا مؤاخذة علي البيع كي ترفع بالاكراه و أيضا لا مؤاخذة في الطلاق كي ترفع بالاكراه و أما علي الثاني فلا اظن ان القائل برفع المؤاخذة يلتزم بهذا اللازم الفاسد. و الحاصل:

ان الحديث يشمل هذه الموارد و مقتضاه رفع الآثار المترتبة علي الفعل حين تعنونه بأحد العناوين المذكورة في الحديث.

«قوله قدس سره: مضافا الي الاخبار»

منها ما رواه عبد اللّه بن الحسن عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سمعته يقول لا يجوز طلاق في استكراه و لا تجوز يمين في قطعية رحم الي أن قال: و انما الطلاق ما اريد به الطلاق من غير استكراه و لا اضرار. الحديث «1».

«قوله قدس سره: مع ما توهمه»

لم يظهر لي المراد من المتوهم فان الشيخ قدس سره في مقام دفع التوهم المذكور عن الشهيد و أضرابه فمن المتوهم و لم يشر في عبارته سابقا الي المتوهم و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: فيمن طلق مداراة بأهله»

لاحظ ما رواه منصور بن يونس قال سألت العبد الصالح عليه السلام و هو بالعريض فقلت له جعلت فداك انّي تزوجت امرأة و كانت تحبني فتزوجت عليها ابنة خالي و قد كان لي من المرأة ولد فرجعت الي بغداد فطلقتها واحدة ثم راجعتها ثم طلقتها

______________________________

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 261

الثانية ثم راجعتها ثم خرجت من عندها أريد سفري هذا حتي اذا كنت بالكوفة اردت النظر الي ابنة خالي فقالت اختي و خالتي: لا تنظر إليها و اللّه ابدا حتي تطلق فلانة فقلت: و يحكم و اللّه ما لي الي طلاقها من سبيل فقال لي هو

ما شأنك ليس لك الي طلاقها من سبيل فقلت:

انه كانت لي منها ابنة و كانت ببغداد و كانت هذه بالكوفة و خرجت من عندها قبل ذلك بأربع فابوا عليّ الا تطليقها ثلاثا و لا و اللّه جعلت فداك ما اردت اللّه و لا اردت الا ان داريهم عن نفسي و قد امتلاء قلبي من ذلك فمكث طويلا مطرقا ثم رفع رأسه و هو مبتسم فقال:

أما بينك و بين اللّه فليس بشي ء و لكن ان قدموك الي السلطان ابانها منك «1».

[حقيقة الاكراه لغة و عرفا]
اشارة

«قوله قدس سره: ثم ان حقيقة الاكراه لغة و عرفا حمل الغير»

و في المقام فروع
الفرع الأول: انه هل يلزم و هل يشترط في صدق الاكراه وجود شخص يكره غيره علي أمر

أو يكفي في صدق الاكراه اعتقاد المكره بالفتح بوجود مكره و حامل؟ الظاهر انه لا يصدق الاكراه مع عدم وجود حامل و مكره فان الالفاظ موضوعة للمعاني الواقعية و مع عدم المكره بالكسر واقعا لا يكون الاكراه متحققا، بل يتخيل الإكراه و عليه لو باع داره بتوهم الاكراه لا يشمل بيعه حديث الرفع لعدم تحقق موضوعه و لكن مع ذلك يكون بيعه باطلا لعدم صدور التجارة عن الرضا و طيب النفس.

لكن لازم هذه المقالة ان البيع الاكراهي باطل علي طبق القاعدة الاولية و لو مع فرض عدم حديث الرفع اذ لو قلنا ان الاكراه يضاد طيب النفس و من ناحية اخري قلنا: ان المستفاد من آية تجارة عن تراض اشتراط التجارة بطيب النفس لا يكون العقد الذي ناش

______________________________

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 262

عن عدم طيب النفس صحيحا فلاحظ.

الفرع الثاني: انه هل يصدق الاكراه فيما لا يخاف المكره بالفتح من الضرر المتوجه إليه من ناحية المكره بالكسر

لكن يتوجه إليه في ظرف التخلف عن أمر المكره من ناحية بعض من يتعلق به كابنه مثلا؟ الظاهر انه يصدق الاكراه فلو أمر الامير شخصا ببيع داره و المأمور يعلم بأنه لو لم يبيع داره يضر به ابن الامير يكون بيعه داره في الفرض المذكور اكراهيا و باطلا نعم لا بد من صدق الاكراه و لا يبعد انه يلزم في صدقه تحقق الوعيد غاية الامر يكفي في صدقه تحقق الوعيد و لو من بعض متعلقي المكره بالكسر فلاحظ.

الفرع الثالث: انه هل يشترط في صدق الاكراه العلم أو الظن يترتب الضرر المتوعد عليه أم يكفي الاحتمال؟

الحق انه يصدق عنوان الاكراه و لو مع الاحتمال فقط و هذا العرف ببابك نعم يلزم في صدقه الاحتمال العقلائي و أما مجرد الاحتمال الموهوم فلا اثر له اذ معناه ان الاطمينان حاصل بخلافه.

الفرع الرابع: انه هل يشترط في صدق الاكراه أن لا يكون الضرر المتوجه بالوعيد بحق

كما لو اكرهه علي بيع داره و أوعده في صورة ترك البيع بقتل ولده قصاصا أو بالتزويج ثانيا و ثالثا؟

الذي يختلج بالبال انه يصدق الاكراه و مجرد كون المتوعد به حقا لا يقتضي عدم صدق عنوان الاكراه و العرف ببابك.

و أفاد سيدنا الاستاد قدس سره في المقام: ان الدليل منصرف عن صورة كون المتوعد به حقا مضافا الي أن رفع الاكراه حكم امتناني و شموله للمقام خلاف الامتنان.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 263

و يرد عليه: انه لا وجه للانصراف و أما كون شمول الدليل خلاف الامتنان فيرد عليه أولا: انه لا دليل علي كون القاعدة امتنانية بالنسبة الي المكلف بل امتنانية بالنسبة الي النبي الاكرم صلي اللّه عليه و آله حيث قال صلي اللّه عليه و آله «رفع عن امتي» فان المنة عليه صلي اللّه عليه و آله تقتضي أن يسهل علي امته.

و ثانيا: انه يصدق الامتنان بالنسبة الي من يحكم علي عقده بعدم الصحة و لا يلزم أن يكون امتنانيا بالنسبة الي جميع الاطراف.

الفرع الخامس: انه لو لم يكن الايعاد من الغير

و لكن يعلم المكلف بأنه لو لم يعقد العقد الفلاني يصير كذا مثلا يعلم بأنه لو لم يبع داره يقع معرضا لخطر مهم مثلا يعلم بأنه يقتل ولده أو يهتك عرضه فهل يصدق الاكراه أم لا؟ الظاهر هو الثاني فان مثله لا يصدق عليه عنوان الاكراه بل يصدق عليه عنوان الاضطرار. فلاحظ.

الفرع السادس: انه هل يعتبر في صدق الاكراه عدم امكان التفصي و لو بالتورية أم لا؟

الظاهر انه مع امكان التفصي و لو بالتورية لا يصدق عنوان الاكراه.

الفرع السابع: لو اكرهه المكره علي الجامع بين أمرين أو أمور

كما له اكرهه علي شرب احد ما يعين نجسين فالكلام يقع في موضعين الموضع الاول: الاكراه علي الجامع بين الافراد العرضية كالمثال الذي ذكرناه آنفا.

الموضع الثاني: ما لو اكرهه علي الجامع بين الافراد الطولية كما لو اكرهه علي شرب كأس من خمر مخيرا من الظهر الي الغروب أو اكرهه علي بيع داره من الظهر الي الغروب فنقول: أما الموضع الاول فلا اشكال في تحقق الاكراه لكن للمسألة صور متعددة.

و لا بد من العمل في كل صورة علي طبق القاعدة فلو اكره علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 264

الجامع بين محرمين فعلي تقدير التساوي بين الامرين في المبغوضية يكون المكره بالفتح مخيرا بين الامرين و علي تقدير كون احدهما اشد حرمة لا بد من اختيار الاقل كما انه لو اكره علي الجامع بين الحرام و الحلال لا بد من اختيار الحلال و قس علي ما ذكرنا بقية الصور و تطبيق القاعدة علي كل صورة.

و أما الموضع الثاني فالظاهر عدم تحقق الاكراه و عدم جواز البدار و العرف ببابك فانه لو شرب الخمر في أول الظهر أو باع داره في اوّل الظهر لا يصدق ان شربه اكراهي و كذلك لا يصدق انه باع داره بالاكراه فيكون بيعه صحيحا و يكون شربه حراما.

الفرع الثامن: انه لو اكره الجائر احد شخصين علي فعل واحد

فقد يكرههما علي فعل محرم و اخري يكرههما علي عقد واحد فالكلام يقع في مقامين.

المقام الأول: ما لو اكره الجائر احد شخصين علي محرم كشرب الخمر مثلا فلو علم احدهما أو اطمئن ان الاخر لا يرتكب الحرام يجوز له الارتكاب لصدق الاكراه الموضوع لرفع الحرمة و أما لو احتمل أو ظن بأن الاخر يفعله فهل يجوز الاتيان أم لا؟ الظاهر انه يجوز لصدق

الخوف المقتضي لصدق الاكراه نعم ان علم أو اطمئن بأن الاخر يرتكب المحرم لا يجوز الارتكاب اذ مع فرض ارتكاب الاخر لا يصدق عنوان الاكراه المقتضي للجواز.

و أما المقام الثاني فالظاهر انه كذلك و بعبارة اخري ما ذكرناه في المقام الأول يجري في المقام الثاني بلا فرق بينهما.

الفرع التاسع: لو اكره علي التوكيل في طلاق زوجته

فوكل شخصا لان يطلقها لا يكون التوكيل صحيحا اذ فرض ان التوكيل اكراهي و لا يترتب اثر علي طلاق الوكيل فان المفروض انه غير

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 265

مستند الي الزوج فلا يكون صحيحا.

الفرع العاشر: انه لو اكره المالك غيره في بيع داره

فهل يكون البيع الاكراهي الصادر عن الوكيل المكره صحيحا أم لا؟ قال سيدنا الاستاد قدس سره: يصح البيع اذ المفروض ان المالك راض بالعقد و لا مجال لتوهم فساد عقد الوكيل بحديث الرفع ضرورة انه لا يترتب اثر علي الفعل المكره عليه بالإضافة الي المكره و أما بالنسبة الي المالك فالمفروض انه راض بالعقد مضافا الي أن شمول الحديث للمقام خلاف الامتنان» هذا مفاد كلامه.

و يرد عليه ان العقد الصادر عن المكره كالعدم و المفروض ان العقد أي الانشاء لازم في كل معاملة فاذا فرض انه كالعدم كما هو المفروض يكون العقد باطلا.

و أما كون شمول الحديث للمقام خلاف الامتنان فيرد عليه أولا:

انه قد سبق منا ان الامتنان يمكن أن يكون من اللّه علي نبيه لا المنة علي الامة. و ثانيا: انه نفرض ان الامتنان بلحاظ الامة لكن لا بد أن يلاحظ الرفع بالنسبة الي من يشمله الحديث و من الظاهر ان فساد عمل المكره بالفتح امتنان بالنسبة إليه.

«قوله قدس سره: بعيد جدا»

لا بعد فيه بل لا بد منه فان ترتب الاحكام علي الموضوعات متوقفة علي تحقق تلك الموضوعات في الخارج.

«قوله قدس سره: بل غير صحيح في بعضها من جهة المورد»

الظاهر ان الامر ليس كما أفاده و صفوة القول: انه لو قلنا بأن الاكراه لا يتحقق و لا يصدق الا مع عدم امكان التورية و عدم امكان التفصي بنحو من الانحاء لا يتحقق المفهوم الا في الفرض

عمدة المطالب

في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 266

المذكور و ان كان الفرض نادرا و اقل قليل في الخارج. و ان شئت قلت: بعض الموضوعات الشرعية أمر قليل الوجود و يندر تحققه في الخارج فلا مجال لان يقال ان حمل الدليل عليه بعيد فان حمله عليه لازم و ضروري علي طبق القاعدة الاولية و حمله علي غير ذلك المورد علي خلاف القاعدة.

«قوله قدس سره: مع ان القدرة علي التورية لا يخرج الكلام»

الامر ليس كذلك فانه مع امكان التخلص و لو بالتورية يمنع عن صدق الاكراه فلاحظ.

«قوله قدس سره: و ربما يستظهر من بعض الاخبار»

لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام لا يمين في غضب و لا في قطعية رحم و لا في جبر و لا في اكراه قال:

قلت أصلحك اللّه فما فرق بين الجبر و الاكراه قال: الجبر من السلطان و يكون الاكراه من الزوجة و الام و الأب و ليس ذلك بشي ء «1».

و يمكن أن يكون في دعواه الظهور ناظرا الي مقابلة الاكراه مع الاجبار فانه يستفاد من المقابلة انه لا اجبار في الاكراه و يتحقق الاكراه في مورد عدم الاجبار فلا يلزم عدم امكان التفصي.

و فيه أولا: ان الحديث ضعيف سندا فلا يكون قابلا للاستناد و ثانيا: ان المستفاد من الحديث ان الاجبار من السلطان فانه قادر عليه و لا يدل علي أن الاكراه يتحقق و لو مع امكان التفصي فالميزان في رفع الاثر تحقق عنوان الاكراه و لا يتحقق عنوان الاكراه مع امكان التفصي فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من الايمان الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 267

«قوله قدس سره: قضية عمار»

لاحظ ما رواه مسعدة

بن صدقة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام ان الناس يروون ان عليا عليه السلام قال علي منبر الكوفة:

ايّها الناس انكم ستدعون الي سبي فسبوني ثم تدعون الي البراءة منّي فلا تبرءوا منّي فقال ما اكثر ما يكذب الناس علي علي عليه السلام ثم قال انما قال: انكم ستدعون الي سبي فسبوني ثم تدعون الي البراءة منّي و انّي لعلي دين محمد صلي اللّه عليه و آله و لم يقل و لا تبرءوا منّي فقال له السائل: أ رأيت ان اختار القتل دون البراءة فقال و اللّه ما ذلك عليه و ماله الا ما مضي عليه عمار بن ياسر حيث اكرهه أهل مكة وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ فأنزل اللّه عز و جل فيه «إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ» فقال له النبي صلي اللّه عليه و آله عندها يا عمار ان عادوا فعد فقد أنزل اللّه عذرك و أمرك أن تعود ان عادوا «1».

«قوله قدس سره: باعتبار شفقته علي عمار»

يمكن أن يكون الوجه في عدم الاشارة أن التورية في مثل قضية عمار لا أثر لها فان مجرد التكلم المشعر علي التبري حرام و جسارة فلا فرق بين التورية و غيرها.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 2، ص: 267

«قوله قدس سره: و هذا المعني يصدق مع امكان التورية»

لا أدري ما يقول و لا افهم مقصده و الذي افهم انه لا فرق بين التورية و غيرها فكما ان غيرها يوجب عدم صدق الاكراه كذلك التورية اذا امكنت تكون مانعة عن صدق الاكراه.

«قوله قدس سره:

فافهم»

لعله اشارة الي ما ذكرنا من الاشكال فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من ابواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 268

«قوله قدس سره: فالظاهر صدق الاكراه»

بل الظاهر خلافه فانه مع امكان دفع المكره كيف يصدق عليه انه مكره بالفتح فان الاكراه لا يتحقق الا مع الالجاء و المفروض انه ليس ملجا.

«قوله قدس سره: لكن الداعي علي اعتبار ما ذكرنا»

كأن المصنف في مقام بيان ان الوجه في اشتراط طيب النفس في المعاملات الآية الشريفة لا حديث الرفع و ما أفاده غريب اذ الماتن بنفسه قد استدل علي اشتراط القصد بالاختيار بحديث الرفع مضافا الي أنه كيف يمكن أن لا يستدل بالحديث و الحال انه لا اشكال في أنه يستفاد من الحديث اشتراط العقد و الايقاع بعدم الاكراه.

«قوله قدس سره: العموم من وجه»

قد يتحقق الاكراه مع طيب النفس كما لو اكرهه علي شرب الخمر و هو مائل الي شربه و قد يتحقق عدم الطيب و لا اكراه و ربما يجتمعان و هو كثير.

«قوله قدس سره: لم يقع باطلا»

كيف لا يكون باطلا مع ان الاكراه يرفع الاثر المرغوب فيه و علي الجملة: ان الاكراه يرفع الاثر و ان كان الاكراه علي الحق نعم اذا كان الاجبار من ولي الامر لا يرتفع الاثر اذ يلزم الخلف لكن يمكن أن يقال: ان الحاكم ولي الممتنع ففي فرض الامتناع يتصدي الحاكم بنفسه و أما اكراه الغير فلا أثر له و أما في غيره فلا مثلا اداء الحق اذا كان بتشخيص الكلي في فرد منه علي نحو الاكراه لا يتشخص فان التشخيص لا بد أن يكون صادرا عمن بيده

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب،

ج 2، ص: 269

الامر و مع الاكراه يكون لغوا فلاحظ.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل الماتن في أمره بالتأمل ناظر الي منع جريان الاصل العقلائي في صورة الاكراه و يمكن أن يكون ناظرا الي أن تحقق القصد مع الاكراه لا أثر له.

«قوله قدس سره: فرع و لو أكرهه علي بيع واحد غير معين … »

اذا كان المراد ان البيع يقع علي عنوان احدهما يكون الاكراه علي أمر غير مشروع فلو باع كليهما أو باع احدهما المعين أو نصف احدهما يكون العقد صحيحا لانه غير مكره عليه و أما ان كان المراد من العبارة ان الاكراه تعلق بواحد بحيث يكره أن يختار احدهما و يسعه كما هو ليس ببعيد فلو باع كليهما يكون العقد صحيحا لعدم تعلق الاكراه به.

و بعبارة اخري: لا يصدق عنوان الاكراه علي المجموع فلا بد من الالتزام بالصحة و أما لو باع احدهما المعين بعنوان انه مكره عليه يكون باطلا للاكراه فلو باع الفرد الثاني يكون صحيحا لعدم تعلق الاكراه به و أما لو باع نصف احدهما فان كان اكراه المكره بالكسر يشمله أي كان امره بالبيع مطلقا بحيث كان المكره بالفتح مختارا في بيع عبد من عبدين دفعة أو تدريجا و كان بيع النصف من باب العمل بأمر المكره يكون بيعه فاسدا لانه وقع مكرها عليه.

«قوله قدس سره: مع احتمال الرجوع إليه»

لا مجال لهذا التقريب اذ بعد البيع الاول لا موضوع للاكراه و ان شئت قلت: البيع الاول إما يقع بعنوان انه مكره عليه و إما يقع بالرضا و الاختيار و علي كل تقدير يكون البيع الثاني صحيحا أما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 270

علي الاول فظاهر اذ المفروض انه ليس مصداقا

للمكره عليه و أما علي الثاني فلانه بعد وقوع البيع الاول لا اكراه من قبل المكره فلا يكون البيع الثاني اكراهيا فيكون صحيحا.

«قوله قدس سره: نظر»

لعله قدس سره ناظر الي أن المقام داخل في كلي ما لا يعلم الا من قبله فقوله حجة و من ناحية اخري ان الظاهر ان بيعه باختياره و ارادته.

و الذي يختلج بالبال أن يقال: ان الاكراه اذا كان شاملا لبيع النصف يكون الظاهر ان بيعه اكراهي فيكون باطلا و اللّه العالم.

بقي شي ء و هو انه لو باع احدهما لا علي التعيين فهل يمكن تعيينه بالقرعة أم لا؟ الظاهر هو الثاني فانه ليس في ادلة القرعة ما يمكن أن يستدل به علي جريان القرعة في كل مورد حتي فيما لا واقع له كالمثال الذي تقدم ذكره و عليه يكون بيع احدهما لا علي نحو التعيين باطلا.

و بعبارة اخري: اجراء القرعة فيما لا واقع له أمره علي خلاف القاعدة الاولية و يحتاج الي دليل شرعي و الظاهر انه لا يكون في نصوص القرعة ما يشمل بإطلاقه أو عمومه كل مورد لا يكون له واقع نعم قد وردت في نصوصها ما يختص بجملة من الموارد الخاصة و تفصيل الكلام موكول الي بحث القرعة.

[بقي الكلام فيما وعدنا ذكره]
اشارة

«قوله قدس سره: بقي الكلام فيما وعدنا ذكره»

قد تعرض الشيخ قدس سره: لجملة من الفروع و ينبغي التعرض لكل واحد منها مستقلا و ذكر ما يكون قابلا للاستناد إليه

الفرع الاول: انه لو اكره علي الطلاق

فطلق ناويا للطلاق مع قدرته علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 271

التفصي بالتورية أو بعدم القصد فعن المسالك احتمال كون الطلاق في هذه الصورة باطلا.

و ما أفاده الشهيد تام اذ كل عقد و ايقاع مركب من الاعتبار النفساني و ابراز ذلك الاعتبار بمبرز خارجي من قول أو فعل هذا من ناحية و من ناحية اخري المستفاد من دليل الرفع ان ما يصدر عن المكلف بالاكراه لغو و كالعدم فالانشاء الصادر عن اكراه بلا أثر فيكون الطلاق فاسدا فعلي هذا الاساس كل عقد أو ايقاع يكون اكراهيا يكون فاسدا بأي نحو يقع اذ الابراز الاكراهي في حكم عدم الابراز و العقد أو الايقاع اذا لم يكن مع المبرز لا أثر له و هذا جار في جميع العقود و الايقاعات فليكن هذا في ذهنك لعله ينفعك فيما يأتي من المباحث.

الفرع الثاني: أن يكون الطلاق الناشي من الاختيار مقترنا بالاكراه

و لا اشكال في صحته اذ المفروض انه لا يكون اكراهيا بل يقارن مع الاكراه و لا اثر للتقارن.

الفرع الثالث: أن يكون الاكراه جزء للسبب و الجزء الاخر الرضا

أفاد سيدنا الاستاد قدس سره بأن الطلاق في هذه الصورة باطل لعدم صدور الطلاق عن الإرادة و الرضا.

و يرد عليه انه لو لم يصدق عليه انه اكراهي لا يكون وجه لفساده اذ المفروض انه صدر عن اختياره و ارادته و لا مقتضي لازيد من هذا المقدار.

الفرع الرابع: أن يكون كل من الرضا و الاكراه علة تامة

بحيث يكون كل واحد منهما مقتضيا لتحقق الطلاق و الحق في هذا الصورة صحة الطلاق.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 272

و ربما يقال: كما عن الميرزا النائيني بأن المفروض توارد علتين علي معلول واحد و مع التعدد لا يؤثر كل منهما في معلول واحد فالمعلول منسوب إليهما.

و أجاب سيدنا الاستاد عن الاشكال بأن المقام داخل في تعارض المقتضي و ما لا اقتضاء له فان الاكراه لا يقتضي الفساد بل لا اقتضاء له و أما الرضا فهو يقتضي الصحة فالتأثير لمقتضي الصحة فلا وجه للبطلان.

و هذا الجواب لا يكون جوابا للميرزا اذ هو لا يدعي ان الاكراه يقتضي الفساد بل يدعي ان العقد مركب من سببين الرضا و الاكراه فلا استقلال لاحدهما.

و الحق في الجواب أن يقال: ان كل عقد أو ايقاع يكون صادرا عن الإرادة و الاختيار يكون صحيحا الا أن يكون اكراهيا و المفروض ان المقام لا يكون داخلا تحت الايقاع الاكراهي فيصح.

الفرع الخامس أن يكون الاكراه سببا لتوطين النفس علي الطلاق

بأن يخيل المكره بالفتح ان الحذر و الفرار عن المكره بالكسر لا يتحقق الا بتحقق الطلاق حقيقة فيقصد الطلاق. و ان شئت قلت:

الاكراه سبب للقصد الي الطلاق حقيقة فيكون الاكراه أسبق علل الطلاق.

و الحق في هذه الصورة هو البطلان لانه يصدق انه اكراهي فيكون باطلا الا أن يقال: ان الحكم تابع للموضوع الواقعي لا للموضوع الخيالي و المفروض ان المطلق تخيل انه مكره فقصد الطلاق حقيقة فلا وجه للبطلان، لكن لقائل أن يقول: انه لا اشكال في أن تصديه للطلاق اكراهي فيكون باطلا فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 273

[رضا المكره بما فعله]
اشارة

«قوله قدس سره: ثم المشهور بين المتأخرين انه لو رضي المكره بما فعله صح»

قد وقع الخلاف بين الاصحاب في أن المكره اذا رضي بما فعله هل يقتضي صحة ما صدر عنه أم لا؟

و قد ذكر في تقريب عدم التأثير وجوه:
الوجه الأول: ان الرضا بالعقد مأخوذ في مفهوم العقد

فاذا لم يكن الرضا متحققا لم يتحقق عقد كي يصح أو لا يصح.

و أورد فيه بأنه لا شاهد علي هذه الدعوي مضافا الي أنه يلزم أن لا يصح العقد الفضولي بالاجازة و أيضا يلزم أن لا يصح العقد الاكراهي فيما يكون الاكراه بحق.

و لا يخفي ان العمدة الاشكال الاول و أما كون الاجازة في الفضولي موجبا للصحة فهو مستفاد من النص كما نتعرض له إن شاء اللّه تعالي و أما الاكراه بحق فلا ندري المراد منه فان الحاكم الشرعي ولي الامر و مع امتناع من عليه الحق يتصدي بنفسه للعقد و لا تصل النوبة الي الاكراه.

و بعبارة اخري: لا يتحقق الاكراه الا بالتوعيد و هل يجوز للحاكم أن يوعد الممتنع عن العقد بالضرب و أمثاله و ان شئت قلت: الحاكم ولي الممتنع فاذا لم يمتنع فلا موضوع للاكراه كما هو واضح و أما مع الامتناع فوظيفة الحاكم التصدي للامر بنفسه فلا مجال للاكراه.

الوجه الثاني: ان الرضا المقارن مع العقد مأخوذ في صحته

و المفروض عدمه فلا يصح و لو مع الرضا المتأخر. و قال سيدنا الاستاد قدس سره في هذا المقام: ان الرضا متحقق غاية الامر نلتزم بالصحة من حين تحقق الرضا.

و يرد عليه ان المستفاد من قوله تعالي «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» انه يشترط في جواز تملك مال الغير تحقق التجارة التي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 274

تكون ناشية عن الرضا و من الواضح ان البيع الاكراهي لا يكون كذلك فيكون باطلا و الشي ء لا ينقلب عما هو عليه و هذا التقريب تام فان المستفاد بحسب الفهم العرفي انه لا بد في تملك مال الغير من التجارة الناشية عن تراض و المفروض ان هذا المعني غير متحقق في عقد

المكره.

و لا اشكال في أنه يستفاد الحصر من الآية بلا فرق بين كون الاستثناء متصلا أو منقطعا أما علي الاول فظاهر و أما علي الثاني فلان المولي في مقام بيان الضابط الكلي فمقتضي الاطلاق المقامي الحصر.

و لسيدنا الاستاد قدس سره كلام في المقام و هو: ان العقد بالمعني المصدري و ان تحقق سابقا و انعدم و لم يكن ناشيا عن الرضا و لكن بمعني اسم المصدر يكون باقيا و يكون ناشيا عن الرضا.

و ما أفاده من غرائب الكلام اذ يرد عليه أولا: انه كيف يمكن أن يكون المصدر فانيا و زائلا و اسم المصدر يكون باقيا فان اسم المصدر تابع للمصدر حدوثا و بقاء و ثانيا: انه لو سلمنا بقائه لكن لا يكون متعددا بحيث يكون في كل زمان تجارة غير ما تحقق سابقا كي يكون ناشيا عن الرضا.

الوجه الثالث: حديث الرفع

فانه يقتضي فساد العقد الاكراهي و مقتضي اطلاق الحديث عدم ترتب الاثر علي الرضا المتأخر و علي الجملة: مقتضي حديث الرفع ان العقد الاكراهي وجوده كالعدم و عليه لا مجال لان يصح بعد ذلك.

و قال سيدنا الاستاد: ان مقتضي حديث الرفع ان العقد ما دام يكون اكراهيا لا يكون مؤثرا و أما بعد تبدل اكراهه بالرضا فلا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 275

وجه للفساد بل القاعدة تقتضي الصحة مضافا الي أن حديث الرفع متعرض لحكم امتناني و من الظاهر ان رفع الاثر ما دام وجود الكراهة موافق للامتنان و أما الحكم بالفساد بعد تبدل الكراهة بالرضا فيكون خلاف الامتنان فلا بد في الالتزام بالفساد من الاقتصار بمقدار يكون الكراهة موجودة و أما بعد رفع الكراهة فيلزم الحكم بالصحة لان رفع الاثر بعد ارتفاع الكراهة

خلاف الامتنان.

و يرد عليه أن المفروض ان ما تحقق و صدر عن المكره عقد واحد و أيضا المفروض كونه اكراهيا و من ناحية اخري الشي ء لا ينقلب عمّا هو عليه فكيف يمكن الحكم بالصحة مع كون الصادر اكراهيا و ان شئت قلت: يمكن للمكره أن يعقد عقدا جديدا مقارنا للرضا و أما العقد الصادر عن الاكراه فلا يمكن أن يصير عقدا مقارنا للرضا فلاحظ.

«قوله قدس سره: اللازم منه عدم كون عقد الفضولي»

عقد الفضولي لا يكون ملازما مع عدم رضي المالك بل اللازم في عقد الفضولي عدم انتساب العقد الي المالك فلا تغفل.

«قوله قدس سره: و يؤيده فحوي صحة عقد الفضولي»

قياس المقام بعقد الفضولي مع الفارق فان العقد الفضولي غير منتسب الي المالك و بالاجازة ينتسب إليه فكأنه يعقد حين الاجازة و في المقام العقد صادر عن نفس المالك فالانتساب إليه مفروض مضافا الي الاشكال في العقد الفضولي و نتعرض له إن شاء اللّه تعالي عن قريب نعم العقد الفضولي يصح بالاجازة اللاحقة بمقتضي النص الخاص و لكن لا يستفاد من تلك الرواية حكم المقام لا بالفحوي و لا بغير الفحوي.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 276

«قوله قدس سره: و لا حصر»

قد ظهر مما تقدم انه يستفاد الحصر من الآية الشريفة بالتقريب الذي ذكرناه فراجع.

«قوله قدس سره: و هذا حق له لا عليه»

نعم هذا حق له و لكن مقتضي لاحقاق هذا الحق و ان شئت قلت:

ثبوت هذا الحق يحتاج الي الدليل في مقام الاثبات و لا دليل عليه بل الدليل قائم علي خلافه اذ قد ذكرنا ان مقتضي اطلاق حديث الرفع فساد العقد الاكراهي حتي بعد الرضا. و بعبارة واضحة:

العقد الصادر عن اكراه لا

أثر له و المفروض عدم تحقق عقد جديد فلاحظ.

«قوله قدس سره: نعم قد يلزم الطرف الاخر»

لا وجه لهذا الالزام أصلا أما علي مسلكنا من عدم ترتب الصحة علي الرضا اللاحق فظاهر و أما علي القول الاخر و هو تحقق الصحة بالرضا المتأخر فلان المستفاد من دليل وجوب الوفاء اللزوم الوضعي و اللزوم فرع الصحة و المفروض ان العقد الاكراهي قبل تعلق الرضا به لا يكون صحيحا فلا مجال لان يقال ان العقد يلزم من الطرف الاخر فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان ما ذكرنا واضح علي القول بكون الرضا ناقلا»

اذ قبل الرضا لا يكون الطرف مالكا فلا مؤاخذة و لا الزام بالنسبة الي المكره بالفتح.

«قوله قدس سره: بعد التأمل»

اذ لا اشكال في أن الملكية للطرف تتوقف علي الرضا المتأخر

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 277

و لو علي القول بالنقل فلا فرق بين النقل و الكشف من هذه الجهة.

«قوله قدس سره: لان الاكراه مأخوذ فيه بالفرض»

الحق انه لا موضوع لهذه المقالة و لا مجال لها فان السببية لا تتصور في الاحكام الشرعية بل الصحيح فيها الحكم و الموضوع و المفروض ان الشارع الاقدس لم يرتب حكمه علي العقد الاكراهي علي الاطلاق فلا يبقي مجال للرضا المتأخر و لا اثر له.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله اشارة الي أن الشارع يمكنه سلب الاثر الناقص أيضا فكما انه يمكن له أن ينفي الاثر التام و يقول لا يكون البيع الاكراهي سببا مستقلا كذلك يمكنه أن يقول العقد الاكراهي لا يكون جزءا للسبب أو يكون اشارة الي ما ذكرنا فلاحظ.

«قوله قدس سره: كما سيجي ء في مسألة الفضولي»

لا مجال لان يستفاد حكم المقام من مسألة الفضولي فان الانتساب الي المالك متحقق

من اوّل الامر في المقام و أما في مسألة الفضولي فلا انتساب الي المالك قبل الاجارة فلا جامع بين المقامين.

«قوله قدس سره: و ربما يدعي ان مقتضي الاصل هنا و في الفضولي هو الكشف»

هذه الدعوي تامة فان الاجازة و الرضا قابلتان لان تتعلقا بالمتقدم فاذا فرض ان المجاز متحقق من السابق فالاجازة تابعة له فالكشف علي طبق القاعدة.

«قوله قدس سره: و فيه ان مفاد العقد السابق ليس النقل من حينه بل نفس النقل»

اقول: لا يمكن مساعدته فان الاهمال غير معقول في الواقع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 278

فلا بد من اليقين بنحو من الانحاء و الظاهر ان النقل يتحقق من حين الانشاء و من حين العقد و ان شئت قلت: العقود تابعة للقصود و الامضاء الشرعي تابع لما قصد و الا يلزم ان ما قصده لم يقع و ما وقع لم يقصد و حيث ان الانشاء من حين العقد فالامضاء الشرعي يمضيه من ذلك الزمان أيضا.

«قوله قدس سره: و لذلك كان الحكم بتحقق الملك بعد القبول»

مقتضي القاعدة ان الملكية تحصل من زمان الايجاب لكن يمكن أن يقوم دليل علي حصول الملكية من زمان القبول أو من زمان القبض.

«قوله قدس سره: و لا معني لتخلف زمانه»

لا اشكال في عدم التخلف و لكن حكم الشارع علي طبق الرضا المتأخر و المفروض ان الرضا يتعلق بالامر المتقدم فالملكية الشرعية تتحقق من زمان العقد فلاحظ.

«قوله قدس سره: فلاحظ مقتضي فسخ العقد»

القياس مع الفارق فان الفسخ حل العقد من الحين لكن الاجازة اثبات العقد من ذلك الزمان فلا مجال لقياس احد المقامين بالمقام الاخر.

«قوله قدس سره: ثم علي القول بالكشف هل للطرف»

قد تقدم منا تحقيق هذا الامر و

قلنا لا اشكال في أنه يجوز له رفع اليد و التعبير بالفسخ مسامحي.

[مسألة و من شرائط المتعاقدين أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالك أو الشارع]
اشارة

«قوله قدس سره: من اللزوم»

بل من الصحة فان اللزوم فرع الصحة و بيع الفضولي قبل الاجازة غير صحيح.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 279

«قوله قدس سره: لعله في غير محله»

كأنه اعترض عليه بأنه اذا كان عقد الفضولي لفقدانه الشرط فاسدا فكيف يتوقف علي الاجازة و هذا الاعتراض لعله في غير محله لان المقصود من الفساد انه بلا اجازة المالك لا يترتب عليه الاثر فلا وجه للاعتراض.

[الكلام في عقد الفضولي]
[المراد بالفضولي]

«قوله قدس سره: و لعله تسامح»

لا وجه للتسامح فان العقد الصادر عن الفضولي غير صادر عن أهله و لا واقع في محله فالعقد أيضا فضولي.

[هل العقد المقرون برضا المالك من دون إذن منه فضولي]
اشارة

«قوله قدس سره: فالظاهر شموله لما اذا تحقق رضا المالك»

وقع الكلام في أن مجرد الرضا الباطني هل يكفي للصحة أم لا؟

و الكلام تارة في مقتضي القاعدة الاولية و اخري فيما يستفاد من النص الخاص فيقع الكلام في مقامين أما

المقام الأول [مقتضي القاعدة الأولية]

فنقول:

مقتضي النصوص الدالة علي بطلان بيع غير المالك بطلان البيع الصادر عن غير المالك و لو مع رضاه الباطني.

منها ما رواه سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن سلف و بيع و عن بيعين في بيع و عن بيع ما ليس عندك و عن ربح ما لم يضمن «1».

و منها ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه في مناهي النبي صلي اللّه عليه و آله قال: و نهي عن بيع ما ليس عندك و نهي عن بيع و سلف «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من ابواب أحكام العقود الحديث 2.

(2) عين المصدر الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 280

و منها ما رواه محمد بن القاسم بن الفضيل قال سألت أبا الحسن الاول عليه السلام عن رجل اشتري من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم و كتب عليها كتابا بأنّها قد قبضت المال و لم تقبضه فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال: قل له ليمنعها اشد المنع فانّها باعته ما لم تملكه «1».

ان قلت مقتضي اطلاق قوله تعالي «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ»

صحة البيع الذي يكون مقرونا برضا المالك فان النسبة بين الآية الشريفة و النص عموم من وجه فان ما به الافتراق من ناحية الآية صورة كون البيع صادرا عن المالك و ما به الافتراق من ناحية النص صورة

صدور البيع عن غير المالك بدون رضا المالك و ما به الاجتماع صورة صدور البيع عن غير المالك مع رضاه فيقع التعارض بين الجانبين و الترجيح مع الكتاب فان ما خالفه يضرب علي الجدار.

قلت: الظاهر من الآية الشريفة ان السبب المملك منحصر في التجارة الناشية عن رضا المالك فلا يكفي المقارنة الا أن يقال: انه يمكن فرض كون التجارة ناشية عن رضا المالك مع عدم تصديه للعقد بأن يطلع غير المالك علي رضا المالك بالبيع فيقدم به فانه يصح أن يقال: ان البيع الكذائي نشأ عن رضا المالك و العرف ببابك.

اللهم الا أن يقال ان الآية الشريفة منصرفة الي خصوص البيع الصادر عن نفس المالك و بعبارة واضحة: يلزم أن يكون العقد منتسبا إليه و أما مع عدم الانتساب فلا يصح هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و أما

المقام الثاني [فيما يستفاد من النص الخاص]

فنقول: ربما يستدل بخبرين مرويين عن المعصوم علي صحة العقد الصادر عن غير المالك اذا كان مقارنا مع رضاه احدهما ما ارسله الطبرسي عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 281

الحميري انه كتب الي صاحب الزمان عليه السلام ان بعض أصحابنا له ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب للسلطان فيها حصة و اكرته ربما رزءوا و تنازعوا في حدودها و تؤذيهم عمال السلطان و تتعرض في الكل من غلات ضيعة و ليس لها قيمة لخرابها و انما هي بائرة منذ عشرين سنة و هو يتجرح من شرائها لانه يقال ان هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت من الوقف قديما للسلطان فان جاز شراؤها من السلطان كان ذلك صونا و

صلاحا له و عمارة لضيعته و انه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة يفضل ماء ضيعته العامرة و ينحسم عن طمع أولياء السلطان و ان لم يجز ذلك عمل بما تأمره به ان شاء اللّه، فأجابه عليه السلام: الضيعة لا يجوز ابتياعها الا من مالكها او بأمره أو رضا منه «1».

و المستفاد من هذه الرواية بالصراحة كفاية رضا المالك في صحة العقد و لكن سند الرواية مخدوش بالارسال.

ثانيهما: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: سأله رجل من أهل النيل عن ارض اشتراها بفم النيل و أهل الارض يقولون: هي أرضهم و أهل الاسنان يقولون هي من ارضنا فقال لا تشترها الا برضا اهلها «2».

فان المستفاد من الحديث انه يكفي رضا المالك و هذه الرواية تامة سندا لكن لا تدل علي المطلوب فان المستفاد من الحديث ان رضا المالك مقوم لصحة البيع لا أنه يكفي مجرد رضاه و بعبارة اخري هذا استثناء من النفي كقوله لا صلاة

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 8.

(2) عين المصدر الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 282

الا بفاتحة الكتاب أو لا صلاة الا بطهور فان المستفاد من الجملة اشتراط الصلاة بالفاتحة و بالطهارة لا أن الصلاة تتحقق بالفاتحة فقط أو الطهور فقط و علي الجملة: المستفاد من الحديث في المقام ان رضا المالك شرط في البيع فلاحظ.

«قوله قدس سره: لعموم الوفاء بالعقود»

لا مجال للاستدلال علي المدعي بدليل وجوب الوفاء فان الامر بالوفاء ارشاد الي اللزوم و دليل اللزوم لا يمكن أن يكون دليلا علي الصحة و بعبارة اخري: اللزوم حكم مترتب علي العقد الصحيح فلا يمكن

دليلا علي أصل الصحة.

«قوله قدس سره: و قوله تعالي «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ»

قد ظهر مما تقدم ان المستفاد من الآية الشريفة ان السبب المملك منحصر بالتجارة الصادرة عن المالك فلا اثر للتجارة الصادرة عن غير المالك و لو كان المالك راضيا.

«قوله قدس سره: و لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه»

لو فرض كون سند الحديث تاما لا يبعد أن يكون المستفاد منه بحسب الفهم العرفي التصرفات الخارجية و علي فرض الاغماض عن هذه الجهة أيضا لا يبعد أن يكون الظاهر من الحديث تصرف نفس المالك فلا يشمل تصرف الغير في مال الاخر.

«قوله قدس سره: و ما دل علي علم المولي»

لاحظ ما رواه معاوية بن وهب قال: جاء رجل الي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: اني كنت مملوكا لقوم و اني تزوجت امرأة حرة بغير اذن موالي ثم اعتقوني بعد ذلك فاجدد نكاحي ايّاها حين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 283

اعتقت؟ فقال له: أ كانوا علموا انّك تزوجت امرأة و انت مملوك لهم؟ فقال: نعم و سكتوا عنّي و لم يغيروا عليّ قال: فقال: سكوتهم عنك بعد علمهم اقرار منهم اثبت علي نكاحك الاول «1».

و لاحظ ما رواه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث المكاتب قال: لا يصلح له أن يحدث في ماله الا الاكلة من الطعام و نكاحه فاسد مردود قيل: فانّ سيده علم بنكاحه و لم يقل شيئا فقال: اذا صمت حين يعلم ذلك فقد أقر قيل فان المكاتب عتق أ فتري يجدّد نكاحه أم يمضي علي النكاح الاول؟ قال: يمضي علي نكاحه «2».

و لاحظ ما رواه الحسن بن زياد الطائي قال: قلت لابي

عبد اللّه عليه السلام: انّي كنت رجلا مملوكا فتزوجت بغير اذن مولاي ثم اعتقني اللّه بعد فاجدّد النكاح؟ قال: فقال: علموا انّك تزوجت؟

قلت نعم قد علموا فسكتوا و لم يقولوا لي شيئا قال ذلك اقرار منهم انت علي نكاحك «3».

فان المستفاد من هذه النصوص ان نفس سكوت المولي امضاء لعقد العبد. و يرد عليه أولا: انه لا وجه للقياس بين المقامين فان العبد تزوج لنفسه غاية الامر يحتاج تزويجه الي اذن وليه و في المقام يبيع الاجنبي مال غيره الا أن يقال كلا المقامين مشتركان في كون العقد فضوليا محتاجا الي اذن الغير.

و ثانيا: ان المستفاد من النصوص المشار إليها كفاية السكوت عن الاجازة و في المقام الكلام في كفاية مجرد الرضا عن الاذن.

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 2.

(3) عين المصدر الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 284

و ثالثا: ان المستفاد من هذه النصوص حكم خاص في اطار مخصوص فلا وجه لتسرية الحكم الي غير ذلك المورد و لعل النكاح بلحاظ كونه أمرا مهما يختص بأحكام خاصة فلا وجه لاسراء حكمه الي غير مورد النكاح.

«قوله قدس سره: و رواية عروة البارقي»

يرد عليه أولا: ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا: انه يمكن ان عروة كان مأذونا عن النبي صلي اللّه عليه و آله في تلك البيوع فيكون بيعه خارجا عن الفضولي فلاحظ.

«قوله قدس سره: هذا مع ان كلمات الاصحاب»

لا اثر لكلماتهم فان غايته الاجماع و لا أثر له للقطع بكونه مدركيا و لا اقل من احتماله.

«قوله قدس سره: لكن ليس كل فضولي»

الامر دائر بين كفاية الرضا و خروج العقد به عن الفضولي و

توقفه علي الاجازة و قد تقدم عدم كفاية الرضا الباطني فلا اشكال في التوقف علي الاجازة.

«قوله قدس سره: كما هو احد الاحتمالات فيمن باع»

الكلام فيه هو الكلام فلاحظ.

[المشهور الصحة]
اشارة

«قوله قدس سره: و المشهور الصحة»

ما يمكن أن يقال في تقريب تماميته وجوه
الوجه الأول: الشهرة الفتوائية.

و فيه انه قد ثبت في الاصول عدم كون الشهرة الفتوائية حجة.

الوجه الثاني: الاصل

بتقريب: انه نشك في اشتراط مقارنة العقد مع الرضا و الاصل عدمه. و يرد عليه أولا: انه لا مجال للاصل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 285

مع الدليل الاجتهادي و مقتضي ظاهر قوله تعالي «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ»

كما مرّ ان السبب الوحيد لجواز تملك مال الغير صدور التجارة الناشية عن الرضا عن المالك و المفروض عدم تحقق العقد بهذا النحو و ان المالك لم يبع

و ثانيا: ان الاصل العملي لا مجال له في الامور الوضعية فان غاية ما يستفاد من الاصل أي استصحاب عدم الاشتراط ان الشارع الاقدس لم يشترط الشرط الفلاني و لا يترتب علي الاستصحاب المذكور الاطلاق الا علي القول بالمثبت الذي لا نقول به.

الوجه الثالث: حديث العروة بن جعد البارقي

قال: قدم جلب فاعطاني النبي صلي اللّه عليه و آله دينارا فقال اشتر بها شاة فاشتريت شاتين بدينار فلحقني رجل فبعت احدهما منه بدينار ثم أتيت النبي صلي اللّه عليه و آله بشاة و دينار فرده عليّ و قال: بارك اللّه لك في صفقة يمينك و لقد كنت اقوم بالكناسة أو قال بالكوفة فاربح في اليوم اربعين ألفا «1».

بتقريب ان عروة كان مأذونا و وكيلا في اشتراء شاة و اشتراء شاتين ثم بيع إحداهما من الاخر فضولي و النبي صلي اللّه عليه و آله امضي ما فعله و ارتكبه فيكون الحديث دليلا علي صحة الفضولي.

و فيه ان الحديث ضعيف سندا فلا يكون قابلا للاستناد مضافا الي انه قضية شخصية و لا ندري ما وقع بينه و بين النبي صلي اللّه عليه و آله و الا كيف لم يعترض عليه النبي صلي اللّه عليه و آله في ارتكابه خلاف الشرع اذ لو كان فضوليا كان تصرفه في الشاتين تصرفا

في مال الغير ثم تصرفه في ثمن الشاة المشتراة حرام أيضا فان الفضولي كالغاصب.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 13 الباب 18 من أبواب عقد البيع و شروطه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 286

الوجه الرابع: اطلاق دليل صحة التجارة عن تراض

المستفاد من قوله تعالي «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ» «1».

بتقريب ان مقتضي الاطلاق كفاية تحقق العقد و تحقق الرضا و المفروض تحققهما. و فيه انه قد مر ان المستفاد من الآية و الرواية لزوم كون العقد صادرا عن المالك ناشيا عن الرضا و المفروض انتفاء كلا الامرين في الفضولي و لا اقل من احدهما اذ لا اشكال في أن العقد لا يصدر عن المالك في العقد الفضولي.

ان قلت: ان العقد و ان صدر عن غير المالك حدوثا و لكن الاجازة توجب انتساب العقد الصادر عن غير المالك الي المالك فكأن المالك باجازته للعقد الصادر باع ملكه من زمان العقد فالتجارة صادرة عن المالك ناشية عن الرضا.

قلت: المفروض ان العقد صادر عن غير المالك و من الظاهر ان الشي ء لا ينقلب عما هو عليه غاية الامر ان المالك رضي بما صدر عن غيره و مقتضي اطلاق دليل المنع عن بيع مال الغير عدم تأثير الاجازة اللاحقة كبقية الشروط مثلا بمقتضي الدليل البيع الغرري باطل و مقتضي اطلاقه كونه فاسدا و لو مع ارتفاع الغرر بقاء.

و ببيان واضح: ان البيع عبارة عن الاعتبار النفساني و ابراز ذلك الاعتبار بمبرز خارجي و كلا الامرين من الامور التكوينية و كيف يمكن انتساب الامر التكويني الصادر عن واحد الي شخص آخر فانه أمر غير معقول.

______________________________

(1) النساء/ 29.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 287

الوجه الخامس: قوله تعالي «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» «1»

بتقريب ان الاجازة اللاحقة توجب انتساب البيع السابق الي المجيز و بعد الانتساب و صيرورة البيع بيعا للمالك يصح بمقتضي حلية البيع. و الكلام فيه هو الكلام طابق النعل بالنعل.

الوجه السادس: قوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» «2»

بتقريب ان الخطاب في الآية الشريفة الي الملاك و المالك بعد اجازته للعقد الفضولي يصير في زمرة المخاطبين اذ بالاجازة يستند العقد الذي وقع فضوليا الي المالك فيشمله خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

و يرد عليه ما اوردناه آنفا و قلنا المفروض ان العقد صدر عن غير المالك هذا من ناحية و من ناحية اخري الشي ء لا ينقلب عما هو عليه فالبطلان علي القاعدة.

و صفوة القول: ان العقد الصادر عن غير المالك لا يزول عنه هذا العنوان غايته يصير مرضيا به و أما الانتساب الي المالك فلا و كيف يمكن أن يصدق صدوره عن المالك و الحال ان العقد مركب من الامور التكوينية و الامر التكويني الصادر عن شخص لا يستند الي شخص آخر بالاجازة.

مضافا الي أن دليل وجوب الوفاء دليل للزوم العقد و لا يكون دليلا للصحة فلا مجال للاستدلال به عليها.

و تقريب المدعي ان الاهمال غير معقول في الواقع هذا من ناحية و من ناحية اخري لا ريب ان فسخ العقد لا يكون حراما تكليفيا فيكون ايجاب الوفاء ارشادا الي لزوم العقد و ان الفسخ لا يؤثر فلا بد من فرض وجود عقد في الرتبة السابقة كي يتعلق به الفسخ و هذا

______________________________

(1) البقرة/ 275.

(2) المائدة/ 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 288

العقد الذي يكون موضوعا للفسخ اما مطلق العقد أي أعم من الصحيح و الفاسد أو خصوص الصحيح أما الاطلاق فلا يمكن اذ كيف يمكن أن يحكم الشارع بلزوم العقد الفاسد فيكون المراد بالعقد

خصوص الصحيح فلا مجال لان يكون دليل وجوب الوفاء دليلا علي الصحة.

ان قلت: اذا حكم الشارع بلزوم عقد يفهم بالملازمة ان ذلك العقد صحيح. قلت: اذا كانت القضية خارجية يتم التقريب المذكور و أما ان كانت القضية علي نحو القضية الحقيقة كما هو كذلك فلا مجال لهذا البيان لان مرجع القضية الحقيقية الي الشرطية و التالي في الشرط لا يكون متعرضا لتحقق المقدم و عدمه بل يترتب عليه علي تقدير وجوده و لا يترتب علي تقدير عدم وجوده فلا بد من فرض وجود العقد صحيحا كي يترتب عليه الحكم باللزوم.

الوجه السابع: اخبار التحليل

لاحظ ما روي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: هلك الناس في بطونهم و فروجهم لانهم لم يؤدوا إلينا حقنا الا و ان شيعتنا من ذلك و آباءهم في حلّ «1».

و لاحظ ما رواه ابن مهزيار قال: قرأت في كتاب لابي جعفر عليه السلام من رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله و مشربه من الخمس فكتب بخطه: من أعوزه شي ء من حقي فهو في حلّ «2».

و لاحظ ما رواه الكناسي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام أ تدري من أين دخل علي الناس الزنا فقلت: لا ادري فقال: من قبل خمسنا اهل البيت الا لشيعتنا الاطيبين فانه محلّل لهم و لميلادهم «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من ابواب الانفال الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

(3) نفس المصدر الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 289

بتقريب ان ما يصل من حق الامام عليه السلام بالبيع و الشراء الي الشيعة من قبل المخالفين يكون حلالا لهم فيكون البيع الفضولي جائزا بالاجازة.

و فيه: ان اخبار

التحليل علي قسمين احدهما ما يدل علي عدم وجوب الخمس علي الشيعة كالحديث المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام و هذا القسم لا يرتبط بالمقام بل المستفاد منه عدم وجوب الخمس علي الشيعة و يعارض هذا القسم ما يدل علي الوجوب و الترجيح مع دليل الوجوب و تفصيل الكلام موكول الي كتاب الخمس راجع ما ذكرناه في هذا المقام في كتاب الخمس من مباني منهاج الصالحين.

ثانيهما: ما يدل علي حلية ما وصل الي الشيعة من حقهم عليهم السلام لاحظ ما رواه يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا و الاموال و الارباح و تجارات نعلم ان حقك فيها ثابت و انا عن ذلك مقصرون فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما أنصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم «1».

فان المستفاد من الحديث انه ربما يعلم بوجود حق الامام عليه السلام فيما يصل إليه بالتجارة و الامام عليه السلام أجاب بالتحليل و عدم البأس و هذا القسم أيضا لا يرتبط بمسألة الفضولي بل المستفاد منه ان التصرف في حقه جائز و الشيعة في حل من قبلهم.

الوجه الثامن: النصوص الدالة علي جواز الفضولي في النكاح

لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام انه سأله عن رجل زوّجته أمه و هو غائب قال: النكاح جائز ان شاء المتزوج

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من ابواب الانفال الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 290

قبل و ان شاء ترك فان ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لامه «1».

و لاحظ ما رواه ابو عبيدة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن غلام و جارية زوّجهما وليّان لهما و هما غير مدركين قال:

فقال:

النكاح جائز ايّهما أدرك كان له الخيار فان ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما و لا مهر الا أن يكونا قد أدركا و رضيا قلت: فان أدرك احدهما قبل الاخر قال: يجوز ذلك عليه ان هو رضي قلت: فان كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية و رضي النكاح ثمّ مات قبل أن تدرك الجارية أ ترثه قال: نعم يعزل ميراثها منه حتي تدرك و تحلف باللّه ما دعاها الي أخذ الميراث الا رضاها بالتزويج ثم يدفع إليها الميراث و نصف المهر قلت: فان ماتت الجارية و لم تكن أدركت أ يرثها الزوج المدرك؟ قال: لا لان لها الخيار اذا أدركت قلت: فان كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك قال: يجوز عليها تزويج الأب و يجوز علي الغلام و المهر علي الأب للجارية «2».

بتقريب ان النكاح الفضولي اذا صح مع الاجازة اللاحقة مع كون النكاح أهم يجوز البيع الفضولي بالاجازة بالاولوية.

و فيه انه لا اشكال في كون النكاح أهم من البيع و لكن الاولوية المدعاة ممنوعة اذ يمكن ان الشارع الاقدس وسّع الامر في النكاح لسد باب الفجور و الزنا فهذا الوجه أيضا لا يثبت المدعي.

الوجه التاسع: ما رواه الحلبي

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشتري ثوبا (و لم يشترط علي صاحبه شيئا فكرهه) ثم رده علي صاحبه فأبي أن يقيله الا بوضيعة قال: لا يصلح له أن

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من ابواب عقد النكاح و أولياء العقد الحديث 3.

(2) الوسائل الباب 11 من ابواب ميراث الازواج الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 291

يأخذه بوضيعة فان جهل فأخذه فباعه باكثر من ثمنه رد علي صاحبه الاول ما زاد «1».

بتقريب ان

المستفاد من الحديث ان الاقالة بالوضيعة باطلة فالبيع الواقع بعدها فضولي و صحيح. و يرد عليه انه لم يتعرض في الرواية ان المشتري أجاز البيع كي يكون داخلا في الفضولي مضافا الي أنه لو كان داخلا في الفضولي لكان اللازم تسليم تمام الثمن الي المشتري و أخذ ما أعطاه أولا بعنوان الثمن و لذا نقول انه حكم وارد في مورد خاص و لا نعلم وجهه و يمكن أن يكون الوجه فيه ان المشتري بعد ما رضي بالوضيعة يكون راضيا ببيع ماله فلا يكون فضوليا فعلي كل تقدير لا يكون داخلا في كبري الفضولي فلاحظ.

الوجه العاشر: ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن السمسار أ يشتري بالاجر فيدفع إليه الورق و يشترط عليه انك تأتي بما تشتري فما شئت أخذته و ما شئت تركته فيذهب فيشتري ثم يأتي بالمتاع فيقول: خذ ما رضيت ودع ما كرهت قال لا بأس «2».

بتقريب انه يحتمل في الحديث أن يكون السمسار وكيلا في الاشتراء و جعل الخيار للموكل و يحتمل أن يكون عمل السمسار بعنوان الفضولي فان أراد المالك يجيز و ان لم يرد و لم يجز و يرد العقد.

و يمكن أن يكون دفع الورق بعنوان القرض لان يشتري السمسار لنفسه ثم ان أراد المالك أن يشتري منه يشتري و ان لم يرد لا يشتري و حيث ان الامام عليه السلام في مقام الجواب لم يفصل يفهم من الاطلاق و عدم التفصيل جواز الفضولي بالاجازة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من ابواب احكام العقود.

(2) الوسائل الباب 20 من ابواب احكام العقود الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 292

و فيه ان الظاهر و لو بمعونة التعارف الخارجي و هو التوكيل

فلا مجال للتقريب المذكور مضافا الي أنه لا مجال للاخذ بالإطلاق فان السؤال عن ناحية خاصة و الجواب يرجع الي تلك الناحية و المفروض ان ناحية السؤال مجهولة عندنا فيصبر الحديث مجملا غير قابل للاستدلال.

الوجه الحادي عشر: ما رواه ابن أشيم

عن أبي جعفر عليه السلام عن عبد لقوم مأذون له في التجارة دفع إليه رجل ألف درهم فقال:

اشتر بها نسمة و اعتقها عنّي و حج عنّي بالباقي ثم مات صاحب الألف فانطلق العبد فاشتري أباه فأعتقه عن الميت و دفع إليه الباقي يحج عن الميت فحج عنه و بلغ ذلك موالي أبيه و مواليه و ورثة الميت جميعا فاختصموا جميعا في الألف فقال موالي العبد المعتق انما اشتريت أباك بما لنا و قال الورثة انما اشتريت أباك بما لنا و قال موالي العبد انما اشتريت أباك بما لنا فقال أبو جعفر عليه السلام: أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد و أما المعتق فهو رد في الرق لموالي ابيه و اي الفريقين بعد اقاموا البيّنة علي انه اشتري أباه من أموالهم كان له رقا «1».

و تقريب الاستدلال بالرواية ان الشراء ان كان بمال مالك العبد المعتق بالفتح يكون الشراء باطلا لانه اشتري بمال مالكه و ان كان بمال مالك العبد المأذون فالبيع صحيح اذ المفروض كون العبد مأذونا في التجارة و لكنه خارج عن مسألة الفضولي و ان كان بمال الميت فالبيع يكون فضوليا اذ المفروض ان البيع بعد موته و انتقال ماله الي الورثة و لم يكن العبد مأذونا منهم و المفروض اجازتهم و الدليل عليها مطالبتهم للعبد و الامام عليه السلام حكم بأنهم اذا اقاموا البيّنة بأنه اشتراه بمالهم يكون العبد رقا لهم فالرواية دليل

______________________________

(1) الوسائل الباب

25 من ابواب بيع الحيوان.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 293

علي جواز الفضولي و تماميته بالاجازة. و هذه الرواية ضعيفة سندا بابن اشيم فلا أثر لها و ان كانت دلالتها تامة علي المدعي.

الوجه الثاني عشر: النصوص الواردة في اتجار غير الولي في مال اليتيم

منها ما رواه أسباط بن سالم قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام كان لي اخ هلك فأوصي الي اخ اكبر منّي و أدخلني معه في الوصية و ترك ابنا له صغيرا و له مال أ فيضرب به اخي فما كان من فضل سلمه لليتيم و ضمّن له ماله؟ فقال: ان كان لاخيك مال يحيط بمال اليتيم ان تلف فلا بأس به و ان لم يكن له مال فلا يعرض لمال اليتيم «1».

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في مال اليتيم قال: العامل به ضامن و لليتيم الربح اذا لم يكن للعامل مال و قال: ان عطب أداه «2».

و منها ما رواه ربعي بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

في رجل عنده مال اليتيم فقال ان كان محتاجا و ليس له مال فلا يمس ماله و ان هو أتجر به فالربح لليتيم و هو ضامن «3».

و منها ما رواه أسباط بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام فقلت: اخي أمرني ان اسألك عن مال اليتيم في حجره يتجر به فقال ان كان لاخيك مال يحيط بمال اليتيم ان تلف أو أصابه شي ء غرمه له و الا فلا يتعرض لمال اليتيم «4».

و منها ما رواه زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: مال اليتيم ان عمل به الذي وضع علي يديه ضمن و لليتيم

ربحه

______________________________

(1) الوسائل الباب 75 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 2.

(3) عين المصدر الحديث 3.

(4) عين المصدر الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 294

قالا: قلنا له قوله «وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» قال انما ذلك اذا حبس نفسه عليهم في أموالهم فلم يجد لنفسه فليأكل بالمعروف من مالهم «1».

فان هذه النصوص تدل علي جواز اتجار غير الولي بمال اليتيم و هذا الجواز ان كان مع اجازة الولي يعلم ان البيع الفضولي مع الاجازة يصح و ان كان بدون اجازته يدل علي الصحة مع الاجازة بالاولوية.

و يرد عليه انه لم يفرض في الحديث صدور الاجازة عن الولي فلا ترتبط بالمقام و لا مجال للاولوية لانه حكم خاص وارد في مورد مخصوص و مما يؤيد بل يدل علي عدم ارتباطها بالمقال انه عليه السلام حكم بأن الربح لليتيم و الخسارة علي العامل فان لم تصح المعاملة فما الوجه في كون الربح له؟ و ان صحت فما الوجه في عدم الخسارة عليه فيكون تعبدا خاصا من الشارع الاقدس في مورد مال اليتيم فلاحظ.

الوجه الثالث عشر: ما رواه محمد بن قيس «2»

و تقريب الاستدلال بالحديث علي المدعي ان بيع الابن وليدة ابيه كان فضوليا و لكن المستفاد من كلامه عليه السلام انه يصح بالاجازة فدلالة الحديث علي المدعي تامة كما انه لا اشكال في سنده.

ان قلت: الحديث المشار إليه غير معمول به في مورده فكيف ببقية الموارد فان المفروض ان اجازة المالك للبيع بعد الرد و الاصحاب لا يرتبون الاثر علي الاجازة الواقعة بعد الرد.

قلت: لا دليل علي الرد فان مجرد اخذ الوليدة لا يكون دالا علي

______________________________

(1) الوسائل الباب 75 من ابواب ما يكتسب به الحديث 5.

(2) قد

تقدم ذكر الحديث في ص 146.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 295

رد البيع فتأمل مضافا الي أنه لا دليل علي الاشتراط المذكور فان الاجازة بعد الرد يؤثر مثل الاجازة قبل الرد و عدم عمل المشهور بالحديث لا يسقطه عن الاعتبار كما ذكرناه مرارا.

نعم يمكن أن يشكل الاستدلال بالحديث من ناحية اخري و هي ان العموم لا يستفاد من الحديث فلعل الفضولي في بيع العبيد و الا ماء مع الاجازة صحيح و أما في غيره فلا.

الوجه الرابع عشر: النصوص الدالة علي ان العامل في المضاربة

اذا خالف ما أمره به المالك يكون الخسران علي العامل و الربح بينهما منها ما رواه محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام قال:

سألته عن الرجل يعطي المال مضاربة و ينهي أن يخرج به فخرج قال يضمن المال و الربح بينهما «1».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال في الرجل يعطي المال فيقول له: ائت ارض كذا و كذا و لا تجاوزها و اشتر منها قال: فان جاوزها و هلك المال فهو ضامن و ان اشتري متاعا فوضع فيه فهو عليه و ان ربح فهو بينهما 2.

و منها ما رواه ابو الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يعمل بالمال مضاربة قال: له الربح و ليس عليه من الوضيعة شي ء الا أن يخالف عن شي ء مما أمر صاحب المال «3».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح و ليس عليه من الوضيعة شي ء الا أن يخالف أمر صاحب المال «4».

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 1 من ابواب المضاربة الحديث 1 و 2.

(3) عين المصدر الحديث 3.

(4)

عين المصدر الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 296

و منها ما رواه الحلبي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة فيخالف ما شرط عليه قال هو ضامن و الربح بينهما «1».

و منها ما رواه الكناني قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المضاربة يعطي الرجل المال يخرج به الي الارض و ينهي أن يخرج به الي ارض غيرها فعصي فخرج به الي ارض اخري فعطب المال فقال هو ضامن فان سلم فربح فالربح بينهما «2».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال في المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح و ليس عليه من الوضيعة شي ء الا أن يخالف أمر صاحب المال فان العباس كان كثير المال و كان يعطي الرجال يعملون به مضاربة و يشترط عليهم أن لا ينزلوا بطن واد و لا يشتروا ذا كبد رطبة فان خالفت شيئا مما أمرتك به فأنت ضامن المال «3».

و منها ما رواه رفاعة بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في مضارب يقول لصاحبه ان انت أدنته أو أكلته فانت له ضامن قال فهو له ضامن اذا خالف شرطه «4».

و منها ما رواه جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل دفع الي رجل مالا يشتري به ضربا من المتاع مضاربة فذهب فاشتري به غير الذي أمره قال هو ضامن و الربح بينهما علي ما شرط «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب المضاربة الحديث 5.

(2) عين المصدر الحديث 6.

(3) عين المصدر الحديث 7.

(4) عين المصدر الحديث 8.

(5) عين المصدر الحديث 9.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص:

297

و منها ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة و ينهاه أن يخرج الي ارض اخري فعصاه فقال: هو له ضامن و الربح بينهما اذا خالف شرطه و عصاه «1».

و منها ما رواه زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المضاربة اذا اعطي الرجل المال و نهي أن يخرج بالمال الي ارض اخري فعصاه فخرج به فقال هو ضامن و الربح بينهما «2».

و منها ما رواه احمد بن محمد بن عيسي في (نوادره) عن ابيه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام كان للعباس مال مضاربة فكان يشترط أن لا يركبوا بحرا و لا ينزلوا واديا فان فعلتم فانتم ضامنون فابلغ ذلك رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فاجاز شرطه عليهم «3».

بتقريب ان المستفاد من تلك النصوص صحة المعاملة المذكورة فان كانت الصحة متوقفة علي الاجازة تكون النصوص المشار إليها دالة علي صحة الفضولي و ان لم تكن متوقفة عليها تكون النصوص مؤيدة للمدعي.

و يرد عليه ان الحكم بالصحة هناك حكم خاص في مورد مخصوص و لا ترتبط تلك النصوص بمسألة الفضولي و الا لم يكن وجه لكون الخسران علي العامل فلاحظ.

الوجه الخامس عشر: ما رواه زرارة

عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال ذاك الي سيده ان شاء أجازه و ان شاء فرق بينهما قلت: اصلحك اللّه ان الحكم بن عيينة و ابراهيم النخعي و اصحابهما يقولون ان أصل النكاح فاسد و لا تحلّ اجازة السيد له فقال ابو جعفر عليه السلام: انه لم يعص اللّه و انما

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب المضاربة الحديث 10.

(2) عين المصدر الحديث 11.

(3)

عين المصدر الحديث 12.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 298

عصي سيده فاذا أجازه فهو له جائز «1».

و تقريب الاستدلال بالحديث علي المدعي: ان المفروض ان العبد تزوج بغير اذن سيده و الامام عليه السلام حكم بجواز تزويجه مع اجازة السيد معللا بأنه لم يعص اللّه و انما عصي سيده و اذا أجاز جاز.

فانه يعلم من الحديث ان كل عقد أو ايقاع اذا كان فاقدا لشرط من شرائط صحته فان كان المفقود من الشرائط التي اشترطها الشارع الاقدس و لم يكن مرتبطا بشخص كاشتراط عدم الغرر و عدم الجهالة و أمثالهما لا يكون الفاقد قابلا لان يصح و ان كان مرتبطا بشخص و حقا من حقوق الناس يصح الفاقد بلحوق اجازة من بيده الامر و مقامنا كذلك فان البيع الفضولي فاقد للاذن المالكي فيصح باجازة المالك فالنتيجة التفصيل بين الحق الخالقي و الحق المخلوقي فان فقدان القسم الأول يضر و فقدان القسم الثاني لا يضر لانه قابل لان يصح بالاجازة اللاحقة.

بقي شي ء و هو انه هل يمكن اعطاء سهم الامام عليه السلام بدون الاذن من الحاكم و هل يصح باجازة الحاكم الشرعي أم لا؟ الذي يختلج بالبال في هذه العجالة أن يقال: ان لم يكن قصد القربة معتبرا في تأدية الخمس فلا وجه للاشكال اذ المفروض ان من عليه الخمس دفع سهم الامام عليه السلام الي من يكون موردا له و قد فرض لحوق اجازة الحاكم فيتم الامر.

و أما ان كان قصد القربة شرطا فتارة يحصل قصد القربة و يتحقق و لو من باب غفلة المعطي عن التنافي بين قصد القربة و الدفع بلا اذن من الحاكم و اخري لا يحصل أما في الصورة

الاولي فالكلام هو الكلام اي

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 299

يتم الامر بالاجازة اللاحقة من ولي الامر اي الحاكم و أما في الصورة الثانية فيشكل اذا المفروض ان المأمور به لم يتحقق بتمام معني الكلمة فلا مجال للحوق الاجازة.

و ان شئت قلت: كان الاعطاء فاقدا مضافا الي حق المخلوق حق الخالق أيضا فلا يكون قابلا لان يصح بالاجازة اللاحقة فلاحظ.

«قوله قدس سره: توهن بالنص الوارد» «1».

«قوله قدس سره: و يمكن أن يكون الوجه في ذلك»

الظاهر انه لا يمكن مساعدته فان الحكم بالصحة و عدمها بيد الشارع و الظاهر من كلام الامام عليه السلام ان جعل الحكم الواقعي روعي فيه الاحتياط لا الاحتياط في مقام الظاهر و الشك فلا يتم ما أفاده قدس سره و الذي يختلج ببالي القاصر ان النكاح في نظر الشارع أولي بجعل التوسعة فيه كي لا يتحقق الفجور و لا يكثر ولد الزنا.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل الامر بالتأمل اشارة الي أن الكلام في تأثير الاجازة المالكية و عدمها و أما اجازة الشارع الاقدس و حكمه بالصحة فهي لا ترتبط بمسألة الفضولي و بعبارة واضحة: ان المستفاد من الدليل ان اللّه تبارك و تعالي أنفذ البيع في هذا المورد كما أنفذه في بقية الموارد فلا مجال لتوهم ان المقام من مصاديق الفضولي فلاحظ.

«قوله قدس سره: و احتج للبطلان بالأدلّة الاربعة»

ما يمكن أن يذكر في مقام الاستدلال علي بطلان الفضولي أيضا وجوه:
الوجه الأول: قوله تعالي

«وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الوكالة الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 300

إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» فان المستفاد من الآية الشريفة حصر سبب التملك في التجارة الناشية عن تراض

بشرط صدورها عن نفس المالك فلا اثر للتجارة عن تراض الصادرة عن غير المالك.

و الاشكال في الاستدلال بمنع الحصر كما في كلام الماتن غير سديد فانا ذكرنا ان الحصر يستفاد من الآية و لو علي القول بعدم كون الاستثناء متصلا.

الوجه الثاني: ما رواه محمد بن القاسم بن الفضيل

قال سألت أبا الحسن الاول عليه السلام عن رجل اشتري من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم و كتب عليها كتابا بأنها قد قبضت المال و لم تقبضه فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال: قل له ليمنعها اشد المنع فانها باعته ما لم تملكه «1».

بتقريب ان المستفاد من الرواية فساد بيع ما لا يملك و لذا نهي عن دفع المال إليه و فيه ان الحديث ضعيف سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالته.

الوجه الثالث: ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله لحكيم بن حزام لا تبع ما ليس عندك «2»

فانه ارشاد الي فساد بيع غير المملوك. و فيه ان السند مخدوش فلا أثر للحديث.

الوجه الرابع: ما عن الحميري «3»

فان المستفاد من الحديث عدم جواز اشتراء الارض الا من مالكها و السند ضعيف بالارسال.

الوجه الخامس: ما رواه محمد بن مسلم

عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: سأله رجل من أهل النيل عن ارض اشتراها بفم النيل

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.

(2) نقل عن سنن الترمذي ج 3 ص 534 باب 19 الحديث 1332.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 243 و 244.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 301

و أهل الارض يقولون هي ارضهم و اهل الاسنان يقولون هي من ارضنا فقال: لا تشترها الا برضا أهلها «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث فساد الاشتراء الا مع رضا المالك فالاشتراء من الفضولي فاسد.

و فيه ان المستفاد من الحديث اشتراط صحة البيع برضا المالك و يمكن أن يكون بيع الفضولي برضا المالك.

الوجه السادس: الاجماع.

و فيه ان المحصل منه غير حاصل و المنقول منه غير حجة مضافا الي أنه علي تقدير حصوله محتمل المدرك فلا يكون حجة.

الوجه السابع: ما دل من العقل و النقل علي حرمة التصرف في مال الغير بدون اذنه

و حرمة التصرف تستلزم الفساد.

و فيه ان العقل لا دخل له في استنباط الاحكام الشرعية و دين اللّه لا يصاب بالعقول و أما النقل فلا يدل علي حرمة التصرف الاعتباري في مال الغير و انما الدليل قائم علي حرمة التصرف الخارجي مضافا الي أن المستفاد من النقل جواز التصرف في مال الغير مع رضاه و لا يلزم الاذن و يتصور أن يكون بيع الفضولي مع علمه برضا المالك و كون بيعه ناشيا عن رضاه فلا يكون فضوليا.

الوجه الثامن: ان القدرة علي التسليم شرط في صحة البيع و الفضولي لا يكون قادرا عليه.

و فيه أولا: ان المال ربما يكون في يد الفضولي فيكون قادرا علي تسليمه.

و ثانيا انه يكفي قدرة المالك عليه كما انه يكفي قدرة الموكل علي التسليم و لا يشترط قدرة الوكيل.

الوجه التاسع: ان الفضولي غير قاصد لمدلول اللفظ

فيكون

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 302

كالهازل. و فيه ان الامر ليس كذلك بل الفضولي قاصد للمعني كالمالك فلاحظ.

الوجه العاشر: ما عن عوالي اللآلي:

عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال لا طلاق فيما لا تملك و لا عتق فيما لا تملك و لا بيع فيما لا تملك «1».

و تقريب الاستدلال واضح. و فيه أولا: ان السند ضعيف و ثانيا انه لا يبعد أن يكون المراد ان البيع لا بد أن يكون متعلقا بما يكون قابلا للملكية.

«قوله قدس سره: من دون مراجعة المشتري»

الظاهر انه لا بد تبديل لفظ المشتري بالبايع فان التصرف وقع في مال البائع.

«قوله قدس سره: و المشهور أيضا صحته»

ما يمكن أن يذكر في تقريب منع الرد عن الاجازة بعده وجوه
الوجه الأول: الاجماع.

و فيه ما فيه.

الوجه الثاني: ان العقد ارتباط بين طرفيه

فلا بد من بقاء الالتزام في كل من الطرفين الي تمامية العقد كي يمكن تحقق الارتباط المذكور.

و فيه: ان طرف العقد في الفضولي غير المالك و هو الفضولي مضافا الي ما في أصل الدعوي فان القابل لو قبل ايجاب الموجب مع التحفظ علي الموالاة لكن بعد الرد يتحقق العقد بلا اشكال.

و بعبارة اخري: يلزم بقاء اعتبار الموجب الي زمان تحقق العقد و لا ينافيه ان القابل يرد ثم يقبل فغاية ما في الباب أن تكون الاجازة

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 15 ص 292 الباب 12 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 303

كالقبول لكن الرد لا ينافي القبول.

الوجه الثالث: انه يوجد بعد العقد الفضولي شأنية و قابلية في المال لقبول المالك و اجازته

و المالك بمقتضي قاعدة سلطنة المالك علي ماله يمكنه سلب القابلية المذكورة.

و فيه انه لا يوجد في المال شي ء كي يفني بالرد.

الوجه الرابع: ان الاجازة بعد الرد كالرد بعد الاجازة

فكما انه لا أثر للثاني كذلك لا اثر للاول. و فيه انه قياس مع الفارق فان الاجازة توجب الانتقال فلا اثر للرد بعدها فان المالك بالاجازة يصير اجنبيا و لا يكون له حق في التصرف فيما انتقل عنه و أما الاجازة بعد الرد فهي مؤثرة علي القاعدة الاولية و عدم تأثيرها يحتاج الي قيام دليل معتبر.

الوجه الخامس: ان مستند صحة العقد الفضولي حديث البارقي

و الاجازة فيه لم يكن بعد الرد. و فيه ان القائل بالفضولي لا يكون دليله منحصرا في حديث البارقي كي يصح التقريب المذكور بل مستنده الادلة العامة مضافا الي النصوص الخاصة كحديث زرارة «1».

الوجه السادس: ان الرد فسخ و لا مجال للاجازة بعد الفسخ.

و فيه أولا: ان العقد قد تحقق بين الفضولي و الاصيل من الطرف الاخر و لا أثر لفسخ المالك.

و ثانيا: ان الكلام في العقد المسبوق بالرد و النهي و مجرد النهي السابق لا يقتضي الفسخ بعد العقد فان الفسخ من الامور الانشائية و يحتاج الي الابراز و مجرد عدم الرضا الباطني لا أثر له فتحصل من جميع ما تقدم ان الاجازة بعد النهي السابق علي العقد بل

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 297.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 304

الاجازة المسبوقة بالرد بعد العقد تؤثر لعدم الدليل علي تأثير النهي أو الرد فلاحظ.

«قوله قدس سره: حقيقية نظير المجاز الادعائي في الاصول»

كما لو قال جاء أسد و أراد بالاسد زيدا ففي المقام يقصد الغاصب المعاوضة الحقيقية غاية الامر يدعي ان مالك العين نفسه.

و يرد عليه انه اذا اراد تملك الثمن و قلنا لا يعقل خروج العين من كيس المالك و دخول الثمن في ملك الغاصب يكون البيع باطلا لانه لم يقصد ما به قوامه و قياس المقام بالمجاز في الاسناد مع الفارق اذ يمكن أن يقال ان المخبر يسند الفعل الي الاسد و يدعي ان زيدا أسد فلا يكون مجاز لا في الكلمة و لا في الاسناد اذ لفظ الاسد اريد منه الحيوان المفترس و الفعل اسند إليه غاية الامر يدعي المخبر و يري ان زيدا اسد.

و صفوة القول: انه لا اشكال في ان من يبيع مال الغير لنفسه يقصد

تملك الثمن فان قلنا بأن قانون المعاوضة يقتضي دخول كل من العوضين في مورد خروج العوض الاخر عنه لا يكون مثل هذا البيع قابلا للاجازة و ان لم نقل بذلك- كما لا نقول به- نقول ببطلان البيع المذكور أيضا اذ لا دليل علي صحته فان شراء شي ء للغير- كما لو اشتري شخص قرص خبز للفقير- أمر موافق للسيرة الجارية و أما بيع شي ء للغير بأن يكون الثمن للغير و المبيع للبائع فلا دليل عليه و مع عدم الدليل لا مجال لجريان الفضولي فيه فلاحظ.

«قوله قدس سره: و العقل»

قد ذكرنا مرارا ان العقل لا دخل له في الاحكام الشرعية و الميزان اتباع الادلة الشرعية.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 305

«قوله قدس سره: فإيجاب البيع ساكت عنه»

كيف يكون ساكتا عنه و الحال ان قوام البيع بنفس تملك الثمن في مقابل تمليك المبيع.

«قوله قدس سره: ضرورة عدم تحقق مفهوم المبادلة»

المبادلة تتحقق بين العوضين و لا تتوقف المبادلة بينهما بأن يدخل احدهما في محل خروج العوض الاخر عنه نعم يتوقف الجزم بالصحة علي مساعدة اللغة و العرف و لذا قلنا لو اشتري احد بماله شيئا للغير كما لو اشتري رغيف خبز للسائل يصح البيع لصدق الاشتراء عليه عرفا و أما لو باع أحد داره للغير بأن يدخل الثمن في كيس الغير فلا نجزم بصدق البيع عليه و مع الشك في الصدق لا مجال للاخذ بدليل الامضاء فان الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية غير جائز مضافا الي أن مقتضي استصحاب عدم صدق المفهوم علي المصداق المشكوك فيه عدم كونه مصداقا للبيع.

«قوله قدس سره: من حيثية تقييدية ثابتة لنفس تلك الحيثية»

يقع الكلام تارة في الكبري و اخري في الصغري

أما الكلام في ناحية الكبري فنقول: الذي يختلج بالبال انه لا فرق بين الجهة التقييدية و الجهة التعليلية الا في مقام الاثبات و الدلالة و أما بحسب مقام الثبوت و اللب فلا فرق بين الامرين اذ العلة مقومة للحكم و لذا تخصص و تعمّم نعم الحكم لا يدور مدار حكمة الجعل و لذا تجب العدة حتي مع القطع بعدم الاختلاط بل حتي مع القطع بعدم الانزال فان تمام الموضوع لها التقاء ختانين.

و أما العلة فالحكم دائر مدارها وجودا و عدما فلا فرق بين الجهتين الا في مقام الاثبات فهذه الكبري كلام شعري و ليس تحتها شي ء.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 306

و أما الكلام في الصغري فعلي فرض تمامية الكبري لا يتم الامر فيما هو محل الكلام اذ لا اشكال في أن البائع يملك العين للمشتري و ان كان فضوليا كما ان المشتري يتملك العين و ان لم يكن مالكا للثمن فمالك الثمن اذا أجاز فان أجاز ما وقع يكون علي خلاف قانون المعاوضة علي ما راموه من عدم المعقولية و ان أجاز غير ما وقع لا مجال للصحة لان المفروض ان ما وقع لم يجز و ما اجيز لم يقع نعم علي ما سلكنا لا مانع من اجازة ما وقع و لا يتوجه الاشكال المذكور فلاحظ.

«قوله قدس سره: فهو تمليك ضمني حاصل ببيعه أو الشراء»

تارة يقوم دليل شرعي علي الدعوي المذكورة في مورد و اخري يتكلم علي طبق القاعدة أما مع ورود نص عليه فلا كلام و لا اشكال فان الحكم الشرعي متبع و أما في الصورة الثانية فلا مجال للقول المذكور اذ كيف يمكن أن يتحقق التملك و التمليك في زمان

واحد.

و ببيان واضح: لا بد من تصور امور ثلاثة: الاول: التوكيل في التمليك من قبل المالك و قبول الوكالة. الثاني: التمليك من قبل الموكل وكالة و قبول الملكية اصالة. الثالث: البيع أو العتق و كل واحد من الامور المذكورة يتوقف علي الاخر و يتقدم التوكيل علي التمليك زمانا كما انه يتقدم التمليك علي البيع أو العتق زمانا.

«قوله قدس سره: فلما عرفت من منافاته»

و قد عرفت عدم المنافاة و لذا قلنا ان السيرة العقلائية جارية علي جواز اشتراء مالك الثمن شيئا للغير كاشتراء الخبز للسائل.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 307

«قوله قدس سره: فليس للمشتري الرجوع علي البائع»

لا وجه لهذا القول اذ المفروض ان دفع الثمن الي الغاصب مبني علي المعاوضة و بعبارة اخري: المقام احد مصاديق العقد الفاسد و المفروض ان المقبوض بالعقد الفاسد يوجب الضمان.

و الوجه فيه ان ما يتحقق أمر ان احدهما: العقد ثانيهما: تسليم العوض أما العقد فلا أثر له اذ المفروض كونه فاسدا و أما دفع العوض فهو مبني علي ذلك العقد الفاسد كما لو كان العقد علي نحو المعاطاة للفاسدة فلا وجه لعدم الضمان و الرجوع علي القاعدة.

و ببيان واضح: ان المعاوضة فرضنا كونها متقومة بما يقوله الماتن و لا بد من دخول كل من العوضين في محل خرج عنه العوض الاخر لكن لا اشكال في أن التبادل في العوضين كان مقصودا في مورد المعاملة الفضولية و لم يقصد التمليك المجاني فلا وجه لسقوط الضمان فالرجوع الي الفضولي بعد رد المالك علي القاعدة فلاحظ.

«قوله قدس سره: و أما علي القول بالكشف فلا يتوجه اشكال»

هذا التفصيل انما يتم علي القول بالكشف الحقيقي الذي لا نقول و لا يقولون به

و أما علي التقدير الاخر فالكشف علي جميع تقاديره نقل في الحقيقة كما هو ظاهر عند الخبير فلا مجال لما أفاده.

«قوله قدس سره: الاول: انه لا فرق علي القول»

تارة يقع الفضولي علي الكلي الموجود في الذمة و اخري يقع علي الكلي ابتداء أما الصورة الاولي فلا اشكال فيها فانها من مصاديق الفضولي و يجري فيها ما يجري في غيرها بلا فرق اذ لا فرق بين وقوع العقد علي المملوك الشخصي و وقوعه علي الموجود في الذمة و أما الصورة الثانية فيمكن الاستدلال علي اتمامها بعموم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 308

التعليل المستفاد من حديث زرارة «1» فانه لا اشكال في جواز بيع الانسان الكلي المضاف الي ذمته اصالة فلا اشكال أيضا اذا بيع فضولا غاية الامر يحتاج اتمامه الي الاجازة فاذا اجاز من بيده الامر جاز فلاحظ.

«قوله قدس سره: و يحتمل الغاء احد القيدين»

لا وجه لهذا الاحتمال فان التعارض يوجب السقوط اذ الاخذ بكلا الامرين غير ممكن و ترجيح احدهما علي الاخر بلا مرجح فيسقطان.

«قوله قدس سره: يوجب الغاء ما ينافيه»

مما تقدم آنفا ظهر فساد القول المذكور فان الجمع بين المتنافيين يوجب السقوط و لا وجه للاخذ بما تكلم به أولا و هذا العرف ببابك.

«قوله قدس سره: و لزمه اداء الثمن»

لا وجه له اذ المفروض ان العاقد قبل الثمن في ذمته لا في ذمة الغير فيدور الامر بين الصحة و كون الثمن في ذمة الفضولي، و بين الفساد رأسا و قد ذكرنا سابقا ان الاشتراء للغير اذا كان الغير راضيا كي لا يلزم التصرف في سلطانه بعد اذنه، يكون صحيحا.

«قوله قدس سره: الثاني الظاهر انه لا فرق فيما ذكرنا من أقسام بيع الفضولي

بين البيع العقدي و المعاطاة»

الامر كما افاده فانه لا فرق بين العقد و المعاطاة من هذه الناحية فان الانشاء في العقدي باللفظ و في المعاطاة بالفعل فلا فرق بين الموردين و كون اقباض مال الغير محرم لا يكون مانعا عن تحقق العقد فان الحرمة التكليفية لا تدل علي الفساد الوضعي مثلا البيع

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 297.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 309

وقت النداء يكون حراما تكليفيا لكن يوجب الملكية مع اجتماع الشرائط.

«قوله قدس سره: فأفهم»

لعل الامر بالفهم اشارة الي أن الاجازة لو كانت كاشفة كشفا حقيقيا لكان مجال لما افيد و أما لو لم تكن كذلك بل كانت كاشفة كشفا حكميا فلا مجال له اذ قبل الاجازة لا تكون إباحة كي يقال ان الاباحة موجودة في الواقع فلاحظ.

[القول في الإجازة و الرد]
[أما الكلام في الإجازة]
[أما حكمها]
اشارة

«قوله قدس سره: أما حكمها فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي»

وقع الكلام بين الاعلام في أن الاجازة نافلة أو كاشفة فربما يقال: ان الاجازة ناقلة أي انهما جزء اخير للسبب فالاثر مترتب عليها و يحصل النقل بها فالاجازة كالقبض في بيع الصرف و السلم.

و ربما يقال: انها كاشفة و الآراء أيضا مختلفة فربما يقال: ان الاجازة علامة و أمارة لتأثير العقد في زمانه و لا موضوعية للاجازة أصلا و انما شأنها الامارية.

و ربما يقال ان العقد المتعقب بالاجازة المتأخرة مؤثر.

و ربما يقال: ان الاجازة كاشفة كشفا حكميا أي يكون اثرها ترتيب آثار الملكية من زمان تحقق العقد.

و ربما يقال: انها كاشفة كشفا انقلابيا أي بعد الاجازة تنقلب الملكية في عالم الاعتبار مثلا لو باع زيد دار بكر يوم الخميس فضولا و أجاز بكر بيع داره في يوم السبت تكون الدار الي ما قبل

الاجازة باقية في ملك بكر و أما بعد الاجازة فتصير الدار مملوكة للمشتري من يوم الخميس في عالم الاعتبار.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 310

ان قلت: الشي ء لا ينقلب عما هو عليه فكيف تنقلب الملكية بالاجازة؟ قلت: لا تنافي بين القاعدة العقلية و الالتزام بالانقلاب في المقام فان الانقلاب المحال الانقلاب الواقعي الذي يرجع الي الخلف و أما الانقلاب في المقام فهو انقلاب في عالم الاعتبار.

و يظهر المدعي في ضمن مثال و هو انه لو باع زيد داره من بكر من الامس بأن يقول بعتك داري من أمس فهل يلزم الانقلاب؟ كلا بل ما دام لم يبع تكون الدار مملوكة له في عالم الاعتبار و من زمان البيع تصير الدار مملوكة لبكر في وعاء الاعتبار فلا محذور عقلا هذه هي الاقوال المتصورة.

اذا عرفت ما تقدم نقول: لا دليل علي أن الاجازة أمارة و علامة بل المستفاد من الادلة العامة و الخاصة كون الاجازة ركنا مقوما للصحة و أيضا لا دليل علي أن العقد المتعقب بالاجازة مؤثر فان الاجازة ما دام لم تتحقق في الخارج لا مقتضي للصحة فهذا الاحتمال ضعيف.

بل الحق ان نقول: مقتضي القاعدة كون الاجازة كاشفة كشفا انقلابيا بتقريب: ان الاجازة من الامور التعلقية أي قد تتعلق بالامر الفعلي و اخري تتعلق بالامر الاستقبالي و ثالثة تتعلق بالامر السابق فان المالك يمكنه أن يأذن في بيع ملكه في الحال و يمكن أن يأذن في بيع ملكه في المستقبل و يمكنه من الزمان الماضي و قلنا ان اجازة بيع الفضولي كالبيع من السابق فلو باع زيد دار بكر فضولا في يوم الجمعة و بكر في يوم الاحد اجاز البيع الفضولي تكون اجازته

موجبة لصحة البيع من يوم الجمعة أي الشارع الاقدس في يوم الاحد يعتبر كون الدار من يوم الجمعة مملوكة للمشتري.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 311

و بعبارة واضحة: الاهمال غير معقول في الواقع فان البائع اذا باع دار زيد فضولا يوم الجمعة فاما يهمل في التمليك فانه لا يعقل و إما يملكها من زمان البيع و إما يملكها بعد يومين.

لا اشكال في أن البيع من اوّل زمان وقوعه و لا يكون البيع مثل الاجارة التي يمكن تعلقها بالمنفعة المستقبلة فالملكية تحققت في اعتبار الفضولي للمشتري الاصيل من يوم الجمعة و الاجازة الواقعة في يوم الاحد تتعلق بالبيع الواقع يوم الجمعة فالملكية تتحقق من ذلك اليوم و هذا معني الكشف الانقلابي أي الملكية الاولية تنقلب الي ملكية اخري.

و الفرق بين هذا القول و القول بالكشف الحكمي ان المراد بالكشف الحكمي ان آثار الملكية الي يوم الاحد للمالك و أما من يوم الاحد ففي حكم الشارع يحكم بكون الآثار للاصيل أي المشتري و أما علي القول بالانقلاب ففي يوم الاحد يحكم بكون الدار مملوكة للمشتري من يوم الجمعة.

و الوجه فيه: ان امضاء الشارع علي طبق اجازة المجيز و المفروض ان اجازة المالك تتعلق بالملكية الثابتة للمشتري من يوم الجمعة.

و يؤيد ما ذكرنا- لو لم يدل عليه- انه لو لم نقل بالانقلاب و قلنا بالكشف الحكمي نسأل انه بعد يوم الاحد هل تكون الدار مملوكة للمشتري أو تكون مملوكة للمالك لا سبيل الي الثاني فانه لا شبهة في كون الدار مملوكة للمشتري و علي الاول يتوجه السؤال بأنه بأي وجه صارت الدار مملوكة للمشتري اذ الامر منحصر في الاجازة فهذه الاجازة ان كانت مملكة تكون مملكة

من حين البيع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 312

و ان لم تكن مملكة فما هو المؤثر في التمليك؟

و في المقام شبهة و هي: ان القبول اذا كان متأخرا عن الايجاب كما هو المتعارف يلزم أن يكون الملكية من زمان الايجاب فان الايجاب اعتبار الملكية من زمانه و القبول يتعلق بما أوجبه الموجب و الحال ان السبب مركب من الايجاب و القبول.

و أجاب عن الاشكال سيدنا الاستاد بأن الايجاب معلق علي القبول و أما الاجازة في الفضولي فلا يكون العقد المتقدم فضولا معلقا عليها و أما الايجاب فهو معلق علي القبول.

و يرد عليه: ان الايجاب عبارة عن تمليك العين في مقابل الثمن فالبائع يعتبر ملكية المبيع للمشتري و يعتبر ملكية الثمن لنفسه و القبول يتعلق بهذا الايجاب.

و ان شئت قلت: تعنون القبول بهذا العنوان يتوقف علي الايجاب فلو توقف الايجاب علي القبول لدار.

فالحق في الجواب أن يقال: ان مقتضي السيرة العقلائية و السيرة المتشرعية ترتب الاثر بعد تمامية العقد بايجابه و قبوله أي تترتب الملكية العقلائية و الشرعية بعد العقد و أما في باب الفضولي فالمستفاد من الادلة الخاصة كما تقدم تحقق الاثر من زمان العقد.

و مما يدل علي المدعي بالصراحة ما رواه ابو عبيدة «1» فان المستفاد من الحديث ان الزوجية كانت متحققة من حين العقد و أما لو كانت الاجازة ناقلة فلم يكن مجال لتحقق الزوجية بعد الموت فانقدح بما تقدم ان مقتضي القاعدة الالتزام بالكشف الانقلابي في الاجازة.

ان قلت: العبرة بالانفاذ و ترتيب الاثر بزمان المعتبر لا بزمان

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 190.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 313

الاعتبار فلا اثر لاختلاف زمان الاعتبار في رفع غائلة

اجتماع المتنافيين و لذا لا يمكن الالتزام بتعلق الوجوب و الحرمة بالخروج عن الدار الغصبية بأن نقول: الخروج قبل الدخول حرام و بعد الدخول واجب ففي المقام لا يمكن الالتزام بكون الدار مملوكة لمالكها في يوم الجمعة و أيضا مملوكة للمشتري لكن زمان الاعتبار مختلف.

قلت: فرق بين الحكم الوضعي و الحكم التكليفي فان الحكم التكليفي ناش عن الملاك في المتعلق فان كان الملاك المصلحة يكون المتعلق محبوبا و ان كان الملاك المفسدة يكون الفعل مبغوضا و لا يعقل أن يكون الفعل الواحد مبغوضا و محبوبا لاستحالة اجتماع الضدين و أما الحكم الوضعي فالملاك قائم بنفس الحكم و الجعل تابع للملاك الموجود فيه فيمكن أن يكون الجعل الفلاني ذا ملاك في زمان و لا يكون ذا ملاك زمان آخر فيمكن أن يكون جعل الملكية لزيد ذا ملاك بالنسبة الي زيد و نفس ذلك الجعل ذا ملاك بالنسبة الي بكر في زمان آخر و لا يلزم التضاد.

ان قلت: ان ما ذكرت يتم في القضايا الخارجية حيث انه ينفصل احد الاعتبارين عن الاعتبار الاخر فيمكن تصور الاختلاف فيه و أما الاحكام الشرعية فهي ثابتة من اوّل الشرع و الشريعة و كلها علي نحو القضايا الحقيقية فالاعتبارات باجمعها موجودة في زمان واحد أي في اوّل الشريعة فيلزم اجتماع المتنافيين في زمان واحد.

قلت: الاحكام الشرعية و ان كانت من قبيل القضايا الحقيقية و لكن الاحكام في تلك القضايا مترتبة علي وجود موضوعاتها و وزانها وزان القضايا الشرطية و التالي في الشرطية تابع وجودا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 314

و عدما لمقدمها فما دام الموضوع لم يكن متحققا في الخارج لا يترتب عليه التالي و المفروض ان الزمان يختلف

مثلا في يوم الجمعة موضوع اعتبار ملكية الدار لمالكها متحقق و مقتضي الاعتبار الشرعي كون الدار لمالكها و في يوم الاحد أي يوم الاجازة يتغير الموضوع و يتحقق موضوع ملكية الدار في يوم الجمعة للمشتري و الجعل الشرعي يتبعه فلاحظ.

و صفوة القول ان المستفاد من الادلة العامة علي القول بأن صحة الفضولي مع الاجازة مستفادة منها و النصوص الخاصة الواردة في الابواب المختلفة كون الاجازة كاشفة كشفا حقيقيا انقلابيا أما تقريب الاستدلال بالأدلّة العامة علي المدعي فان البيع مثلا يقع في يوم الجمعة و البائع يعتبر ملكية المبيع للمشتري من ذلك اليوم و المالك في يوم الاحد يجيز البيع الفضولي الواقع في يوم الجمعة و الشارع الاقدس يعتبر هذه الاجازة و يمضيها فتكون النتيجة كون المبيع ملكا للمشتري الاصيل من يوم الجمعة غاية الامر ظرف الاعتبار يوم الاحد فان البيع يستند الي المالك في يوم الاحد و لا يتوجه أي اشكال كي يحتاج الي الجواب.

و بعبارة اخري: لا تكون الاجازة المتأخرة شرطا كي يقع الكلام في أن الشرط لا يمكن أن يتأخر و الا يلزم تأثير المعدوم في الموجود بل الاجازة توجب استناد العقد الصادر عن الفضولي الي المالك فكأن المالك باع في يوم الاحد من المشتري من يوم الجمعة.

هذا بحسب المستفاد من الادلة العامة و لكن قد تقدم منا انه لا يمكن الاستناد الي الادلة العامة و قلنا المستفاد من النص الخاص بطلان بيع مال الغير و اطلاق الدليل يقتضي البطلان و لو مع لحوق الاجازة نعم انما رفعنا اليد عن دليل المنع في صورة الاجازة اللاحقة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 315

بالنصوص الخاصة الواردة في المقام و من تلك النصوص ما

رواه ابو عبيدة «1».

فان المستفاد من هذه الرواية ان الاجازة المتأخرة تؤثر في تحقق الزوجية من زمان العقد كما ان المستفاد من حديث زرارة «2» كذلك.

فان المستفاد من قوله عليه السلام «انّه لم يعص اللّه و انما عصي سيده فاذا أجازه فهو له جائز» ان الاجازة تؤثر في تحقق الزوجية من زمان العقد و هذا هو المدعي في المقام فالنتيجة ان القول بالكشف و ان الاجازة كاشفة أمر علي طبق القاعدة الاولية مضافا الي أنه مستفاد من النصوص الخاصة.

و عن جملة من الاعيان الاستدلال علي الكشف بوجهين:
الوجه الاول: ان العقد بسبب تام للملك لعموم قوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»

«3» و تمامه في الفضولي انما يعلم بالاجازة فاذا أجاز تبين كونه تاما و يوجب ترتب الملك عليه و إلا لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصة بل به مع شي ء آخر.

و يرد علي الوجه المذكور أولا: ان دليل وجوب الوفاء بالعقد لا يكون دليلا علي الصحة بل دليل علي اللزوم كما ذكرناه سابقا و استدللنا عليه.

و ثانيا: انه ما المراد من كون العقد سببا تاما؟ فان كان المراد ان العقد بنفسه سبب تام و لا دخل للمالك في تحققه فهو خلاف الضرورة و ان كان المراد انّ العقد سبب تام اذا كان مقارنا مع رضا

______________________________

(1) لاحظ ص: 290.

(2) لاحظ ص 297.

(3) المائدة/ 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 316

المالك و كونه مستندا إليه فهو تام لكن الاجازة المتأخرة لا تكشف عن هذا المعني.

و ان شئت قلت: ان كانت الاجازة دخيلة في تحقق السبب فلا يتحقق المسبب الا بعد الاجازة و ان لم تكن دخيلة يلزم الخلف.

ان قلت: الشرط الشرعي غير الشرط العقلي فلا يلزم كونه مقارنا مع السبب قلت: مرجع هذا الكلام الي أن الامر المحال في الشرعيات جائز فالتناقض و ان كان

محالا عقلا و لكن التناقض الشرعي أمر جائز و فساد هذه الدعوي أوضح من أن يخفي.

ان قلت: تعقب العقد بالاجازة شرط لا نفس الاجازة و التعقب أمر مقارن مع العقد. قلت: هذا ينافي ظاهر الادلة فان المستفاد منها ان الشرط نفس الاذن و الرضا لا التعقب به.

ان قلت: الشرط لحوق الاجازة و اللحوق وصف حالي و مقارن مع العقد قلت: ما المراد من اللحوق فان كان المراد تحقق الوصف المذكور خارجا فيقال الاجازة لحقت بالعقد فلا ريب في تأخره عن العقد و قبل تحقق الاجازة لا يصدق انها لحقت بالعقد و ان كان المراد ان الشرط عنوان انه يلحق بعد ذلك و هذا العنوان فعلي و مقارن، فلا اشكال في مقارنته للعقد لكن لا دليل علي كفايته بل الدليل قائم علي موضوعية نفس الاجازة.

الوجه الثاني: ان الاجازة متعلقة بالعقد

و المفروض ان العقد تمليك من حينه فأثر الاجازة المتعلقة به تحقق الملكية من ذلك الحين فتكون الاجازة كاشفة.

و أورد عليه الشيخ قدس سره أولا: بأن العقد لا يكون تمليكا من ذلك الحين بل العقد حيث انه من الامور الزمانية يكون واقعا في ذلك الزمان الخاص فالزمان المشار إليه ظرف للعقد لا قيد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 317

للتمليك كما أن ايجاب الموجب لا يكون تمليكا من زمان الايجاب و عليه يتحقق المسبب من حين الامضاء فكما ان الامضاء لو تعلق بالعقد في زمان تحققه بلا تأخير يتحقق المسبب من ذلك الزمان كذلك يتحقق المسبب من حين الاجازة فان زمان الاجازة زمان الامضاء الشرعي و كما ان الفسخ يكون ردا للعقد من حينه لا من أصله كذلك الاجازة.

و يرد علي الشيخ قدس سره انا قد ذكرنا مرارا ان الاهمال

غير معقول في الواقع فالبائع الذي يملك العين من المشتري لا بد من توقيت التمليك فاما يملكه من الزمان السابق و إما يملكه من الزمان اللاحق و إما يملكه من زمان العقد فاذا فرضنا ان تمليكه من زمان العقد كما هو كذلك و الاجازة تتعلق بما اعتبره و انشأه الفضولي تكون النتيجة حصول الملكية من ذلك الزمان و يترتب عليه الكشف.

و أما قياس الاجازة بالفسخ فمع الفارق فان الفسخ كالطلاق فكما ان الطلاق من الحين كذلك الفسخ. و بعبارة اخري: وقع الكلام بين القوم في أن الفسخ حل العقد من الاصل أو من الحين و المشهور عندهم انه من الحين و أما الاجازة فالمفروض تعلقها بما وقع سابقا فهي تابعة له.

و ببيان واضح: ان القاعدة الاولية تقتضي أن تكون الاجازة كاشفة و الا يلزم أن لا تكون الاجازة تابعة لما وقع و صدر عن الفضولي فيلزم الخلف.

ان قلت: مجرد رضا المالك بالمعاوضة بين ماله و مال المشتري يكفي في تحقق الاجازة فالمجيز لا يكون ناظرا الي زمان خاص فلا وجه للكشف.

قلت: المالك إمّا يلتفت الي ما فعل الفضولي و يجيزه و إمّا لا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 318

يلتفت إليه أما مع الالتفات و الاجازة فلا اشكال في كونها تابعة للمجاز في جميع الخصوصيات و الا يلزم الخلف و أما مع عدم الالتفات فلا يكفي رضاه في الاجازة بل يكون اجنبيا عن العقد الفضولي بالمرة.

و أورد عليه ثانيا: ان الامر بالوفاء بالعقد لا يتوجه الي المالك الا بعد الاجازة و المفروض ان الحكم الوضعي ينتزع عن الحكم التكليفي فالملكية لا تحصل الا بعد الاجازة فكيف يمكن الالتزام بالكشف؟ و قس عليه قوله تعالي

«احل اللّه البيع» «1».

و الجواب عن الاشكال المذكور انه لا اشكال في أن الخطاب لا يتوجه الي المالك الا بعد الاجازة كما ان اطلاق حلية البيع لا يشمل انشائه الا بعد الاجازة لكن السر الوحيد فيما ندعي ان الاجازة أمر تعلقي يتعلق بأمر آخر و في المقام تتعلق بالبيع الفضولي و قلنا انها تابعة للمجاز و الا يلزم الخلف و المفروض ان البيع الفضولي تمليك من زمان الفضولي فالاجازة المتعلقة به في حكم البيع من السابق فكأن المالك قال بعت داري من المشتري الاصيل من الامس فلاحظ و اغتنم

و أورد عليه ثالثا: بأنا سلمنا ان المستفاد من الادلة الكشف الانقلابي لكن لا بد من رفع اليد عن الظهور اذ لا يمكن ابقاء الظهور بحاله مع منافاته لحكم العقل بعدم الامكان و المقام كذلك اذ يلزم خروج الشي ء عما هو عليه فان العقد الصادر عن الفضولي قد فرض غير مؤثر في حصول الملكية فكيف يمكن ان الاجازة تؤثر و تجعله مؤثرا فان مرجعه الي انقلاب الشي ء عما هو عليه و يكون غير المؤثر مؤثرا.

______________________________

(1) البقرة/ 275.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 319

و الجواب عن الاشكال المذكور ان العقد ما دام لا يكون مورد الاجازة لا يكون مؤثرا و في زمان الاجازة يكون مؤثرا، و لا ينقلب الشي ء عما هو عليه فان الانقلاب المحال ان نلتزم بكون العقد مؤثرا في زمان حدوثه و لا نقول به بل نقول حدث غير مؤثر و بقاء يكون مؤثرا فلا يلزم الانقلاب و لا يلزم المحال.

و العجب من الشيخ قدس سره كيف أورد الاشكال المذكور مع كونه خريت الفن و يشار إليه في جميع ميادين الفقه و الاصول و

لا غرو فان العصمة خاصة باهلها و في أثناء كلامه أمر بالتأمل بقوله فتأمل و لعله ناظر الي ان الامر في القبول كذلك و القبول كالاجازة في هذه الجهة و انما لا نقول بتحقق الملكية من زمان الايجاب للسيرة العقلائية و الشرعية علي عدم تحقق الملكية قبل القبول و اللّه العالم.

و المتحصل مما تقدم انه لو قلنا بان الدليل علي صحة الفضولي الادلة العامة كان مقتضي القاعدة كما تقدم كون الاجازة كاشفة كشفا انقلابيا و لكن قد تقدم منا الاشكال في تمامية الاستدلال بالأدلّة العامة و العمدة في الاستدلال علي الصحة النصوص الخاصة و العمدة فيها ما رواه زرارة «1».

فان المستفاد من التعليل الواقع في كلامه روحي فداه ان الميزان في مقابلية الصحة مع الاجازة عدم عصيان اللّه تعالي و أما مع عدم تحقق عصيانه تعالي فيكون ما وقع فضولا قابلا للصحة مع الاجازة و معها يجوز و يمضي و مقتضي اطلاق الجواز جواز ما انشأ الفضولي فيكون فعل الفضولي فعل المجيز بعد الاجازة و هذه الرواية هي العمدة في الاستدلال علي تمامية الفضولي بالاجازة.

و صفوة القول: ان المستفاد من كلامه عليه السلام انه لم يعص

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 297.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 320

اللّه و انما عصي سيدة ان الملاك الموجب للفساد و عدم قابلية ما وقع للصحة أن يكون عصيانا له تعالي و خلاف حقه.

و ان شئت قلت: التقسيم قاطع للشركة فالمانع الوحيد عدم رعاية الحق الالهي و أما الحق الخلقي فلا يكون مانعا فاذا ارتفع و اجيز ما وقع يصح.

و أما النصوص الخاصة الدالة علي الصحة في الموارد الخاصة كباب النكاح أو باب بيع العبيد و

الاماء فلا يمكن الاستدلال بها علي الكبري الكلية السارية في جميع الموارد، بقي الكلام في حديث أبي عبيدة «1» فانه قد أمر عليه السلام بعزل سهم غير المدرك الي أن تبلغ الجارية و في صورة اجازتها النكاح بعد الحلف يدفع إليها سهمها من الارث و الحال ان عزل السهم من الارث لا ينطبق علي القاعدة حتي علي القول بالكشف الحقيقي اذ مقتضي الاستصحاب الاستقبالي انها لا تجيز فلا وجه لحبس الحق عن بقية الورثة و لكن لا بد من العمل بالحديث تعبدا و علي كل تقدير لا يمكن أن يستفاد من الحديث الحكم الكلي في جميع الموارد و في جميع الابواب فالمدرك للكلية منحصر في حديث زرارة فلاحظ.

«قوله قدس سره: و قد تحصل مما ذكرنا ان كاشفية الاجازة علي وجوه ثلاثة»

قد ظهر مما ذكرنا ان هنا وجها آخر للكشف و هو الكشف الانقلابي و هو الحق و قد تبين مما تقدم انه لا يتوجه به اي محذور و اشكال.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 290.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 321

«قوله قدس سره: فان الوطي علي الكشف الحقيقي حرام ظاهرا»

لاستصحاب عدم لحوق الاجازة فيكون حراما ظاهرا و أما بحسب الواقع فيكون حلالا فان المفروض تحقق الاجازة و هذا علي القول بالكشف الحقيقي و أما علي القول بالكشف الانقلابي فيكون الوطي حراما اذ قبل الاجازة تكون الامة مملوكة لمالكها فالوطي يكون مصداقا للزنا نعم بعد الاجازة يعتبر كونها مملوكة للمشتري من ذلك الوقت انما الكلام في الآثار المترتبة علي العصيان فهل ترتفع بالاجازة أم لا؟

و سيدنا الاستاد فرق بين الحد و التعزير و قال: أما الحد فيسقط بالاجازة و أما التعزير فلا أما

عدم الحد فلان الاجازة توجب اعتبار المرأة زوجة للاصيل من زمان العقد فوطئه اياها يحسب وطيا للزوجة و هذا معني الانقلاب و من الظاهر ان وطئ الزوجة لا يكون سببا للحد و أما التعزير فلان الحرمة لا تتبدل بالحلية بالاجازة كما ان المبغوضة لا تتبدل بعدمها.

و يمكن أن يناقش فيما أفاده بأنه لا اشكال في أن الحرمة لا تتبدل بالإباحة أما قبل الاجازة فظاهر و أما بعد الاجازة فقد انقضي ذلك الوقت و اعتبار الاباحة لفعل بالنسبة الي الزمان الماضي غير معقول.

و بعبارة اخري: الترخيص انما يعقل بالنسبة الي فعل قابل للوجود و العدم و أما اذا لم يكن قابلا- كما في المقام- فاعتبار الحكم لغو صرف لكن نقول بعد الاجازة ان المرأة يعتبر كونها زوجة للاصيل و تكون المرأة في وعاء الشرع زوجة للواطي في زمان الوطي و من الظاهر ان وطئ الزوجة لا يكون فيه تعزير كما لا يكون فيه حد نعم لا اشكال في كونه مستحقا للعقاب فان الاستحقاق للعقاب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 322

ليس حكما شرعيا كي نقول بارتفاعه بالاجازة.

و للمناقشة في اصل الدعوي مجال و هو انه لا اشكال في تعنون الواطئ حين الوطي بكونه زانيا و عاصيا و الشي ء لا ينقلب عما هو عليه و بعبارة اخري: لا اشكال في صدور الزنا عنه و من صار زانيا يستحق الحد فلا يسقط عنه الحد كما انه لا اشكال في صيرورته عاصيا و ساقطا عن العدالة فلا مجال لان يقال يسقط عنه الحد بالاجازة و الا يلزم أن يعود الي كونه عادلا و لو مع عدم التوبة و الندم و هل يمكن الالتزام به؟

و ببيان اوضح: مقتضي اطلاق

وجوب الحد علي الزاني وجوبه و عدم سقوطه و لو مع اعتبار الوطي وطيا للزوجة بقاء فان حدوث الزنا يكفي لترتيب الاثر بالإطلاق و لعمري ما اقول نعم القول فافهم و اغتنم.

«قوله قدس سره: و يحتمل عدم تحقق الاستيلاد علي الحكمي لعدم تحقق حدوث الولد في الملك»

الظاهر ضعف الاحتمال المذكور فان مقتضي الكشف الحكمي ترتيب جميع الآثار و منها اعتبار الامة أم ولد.

«قوله قدس سره: مع احتمال كون النقل».

الاجازة التي تؤثر هي التي تصدر عن المالك الذي بيده الامر و المفروض انه بالنقل يصير أجنبيا عن العين فلا مجال لاجازته بعد ذلك هذا علي القول بالكشف الحقيقي و أما علي بقية الاقوال حتي الكشف الانقلابي فالامر اوضح فلاحظ.

«قوله قدس سره: و علي المجيز قيمتها»

الظاهر انه لا مجال لما أفاده فان الاجازة الواقعة بعد النقل ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 323

كانت واقعة في محلها و تكون كاشفة عن بطلان النقل فانّه نقل مال الغير و ان لم تكن واقعة في محلها و كانت واقعة في غير محلها فلا اثر لها فعلي كلا التقديرين لا وجه لدفع قيمة أمّ الولد.

«قوله قدس سره: كما في الفسخ بالخيار»

القياس مع الفارق فان الفسخ حل العقد من الحين أي من حين الفسخ لا من الاصل و مقتضي الفسخ أن يرجع كل من العوضين الي صاحبه هذا من ناحية و من ناحية اخري التصرف من المالك في ملكه قبل الفسخ صادر من أهله و واقع في محله فيؤثر أثره و بعد الفسخ يعتبر ما نقل الي الغير تالفا بالتلف الحكمي و تصل النوبة الي البدل من المثل أو القيمة و أما الاجازة في المقام فتكون كاشفة عن الملكية من

وقت العقد فلا وجه للمقايسة بين المقامين فلا تغفل.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 2، ص: 323

«قوله قدس سره: مع احتمال الرجوع الي البدل»

أما علي الكشف الحقيقي فالرجوع الي البدل منحصر في الاتلاف التكويني الخارجي و لا يلحق به العتق اذ العتق وقع في ملك الغير و لم يصح فلا تصل النوبة الي البدل و أما علي الكشف الحكمي فلا مجال للاجازة اذ التلف تكوينا كان أو تشريعا لا يبقي مجالا للاجازة.

و بعبارة واضحة: في صورة تلف العين يكون مورد الاجازة- منعدما و ان شئت قلت: الاجازة تكون كالبيع من الزمان السابق و مع نقل العين الي الغير أو انعدامها خارجا لا مجال للبيع فلاحظ.

«قوله قدس سره: فانه علي الكشف بقول مطلق لمن انتقل إليه العين»

الظاهر ان الامر كما أفاده فان اثر الكشف أن يكون نماء العين لمن انتقل إليه بخلاف النقل اذ النماء الحاصل قبل الاجازة مملوك لمن انتقلت العين عنه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 324

«قوله قدس سره: دون الكشف»

اذا كان كشفا حقيقا و أما علي القول بالكشف الحكمي فلا فرق بينه و بين النقل و في الحقيقة الكشف الحكمي هو النقل.

«قوله قدس سره: و هذا مبني علي ما تسالموا عليه من جواز ابطال احد المتعاقدين»

لا وجه لعدم الجواز لا تكليفا و لا وضعا أما تكليفا فلعدم الدليل علي حرمة الابطال و أما وضعا فابطاله علي القاعدة اذ يلزم بقاء المعاقدة و المعاهدة العقدية كي تكون قابلة لتعلق الاجازة بها و أما مع زوالها برفع يد احد الطرفين فلا موضوع

للاجازة.

«قوله قدس سره: لا مدخل لاختيار المشتري فيه»

قد ظهر مما ذكرنا انه مع فسخ الاصيل لا يبقي موضوع للاجازة فلا مجال للتقريب المنقول عن البعض.

«قوله قدس سره: فالاولي في سند المنع»

قد انقدح مما ذكرنا انه لا مجال للاخذ بالعموم و الاطلاق بعد الفسخ و رفع اليد عن المعاقدة و المعاهدة و لعله يشير الي ما ذكرنا بقوله «و لا يخلو عن اشكال».

«قوله قدس سره: و لعله لجريان عموم وجوب الوفاء»

لا مجال لهذا التقريب فانا قلنا ان دليل وجوب الوفاء ارشاد الي اللزوم و غير متكفل للصحة و من الظاهر ان اللزوم عارض علي الصحة و الحال ان العقد قبل الاجازة لا يكون صحيحا فلا مجال لهذا التقريب.

مضافا الي أن الوجوب التكليفي الذي يستفاد من كلام الشيخ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 325

انما يتصور فيما يكون العقد صحيحا و الا فلا مقتضي لوجوب الوفاء و ببيان واضح: العقد الفضولي قبل الاجازة اما صحيح شرعا و اما غير صحيح أما علي الاول فيلزم الخلف لان المفروض ان الاجازة لم تتحقق بعد مع انها مقومة لتحقق الامضاء الشرعي و أما علي الثاني فلا مقتضي للوجوب.

«قوله قدس سره: اقول مقتضي عموم وجوب الوفاء»

قد ظهر مما ذكرنا ان ما أفاده مشكل و انه لا مقتضي لوجوب الوفاء و ما أفاده بطوله و تفصيله لا يمكن المساعدة عليه.

«قوله قدس سره: و الحاصل انه اذا تحقق العقد فمقتضي العموم علي القول بالكشف»

أصل المبني فاسد و لذا يفسد البناء المبني علي الاساس الفاسد و صفوة القول: انه قبل تعلق الاجازة لا مقتضي لوجوب الوفاء و ببيان آخر: قبل تحقق الصحة و قبل تمامية الامضاء الشرعي لا الزام من قبل الشارع و

هذا واضح ظاهر.

«قوله قدس سره: ثبت في حق المباشر تحريم المصاهرة»

لا وجه للحرمة لا علي النقل و لا علي الكشف أما علي النقل فظاهر فانه قبل الاجازة لا تتحقق العلقة العقدية شرعا و مع عدمها لا موضوع للحرمة و أما علي الكشف فلان اصالة عدم تحقق الاجازة تقتضي عدم الصحة نعم لو علم بلحوقها تترتب الآثار علي القول بالكشف الحقيقي و لكن الكشف الحقيقي لا دليل عليه و مجرد فرض و خيال.

مضافا الي أن الفسخ لا اثر له فان المعاقدة تحققت بين الفضولي و الاصيل و لا تنفسخ الا بفسخهما أو بفسخ احدهما و أما فسخ احد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 326

الزوجين في النكاح أو المالك في البيع فلا أثر له فلاحظ.

«قوله قدس سره: علي اشكال في الام»

الظاهر ان وجه الإشكال ان العقد اذا وقع علي البنت تتعنون الام بعنوان أم الزوجة و بمجرد تعنونها بالعنوان المذكور تحرم علي الزوج مؤبدا.

و قال السيد قدس سره في الحاشية: «ان الفسخ يكشف عن عدم تحقق الزوجية و لكن وجه التردد، التردد بين كون الفسخ كاشفا عن الفساد من أول الامر أو رافعا للعقد من الحين فعلي الاول لا تحرم و علي الثاني تحرم و الحق ان الفسخ كاشف عن الفساد من أول الامر فلا وجه للحرمة» انتهي.

و لا يكاد ينقضي تعجبي عن المقالة المذكورة فانا قد ذكرنا انه لا أثر للفسخ و مع ذلك لا وجه للحرمة اذ قبل الاجازة لا زوجية و لا ملكية و لا غيرهما فلا موضوع لهذه التفاصيل و الحق هو الجواز علي الاطلاق و بعبارة واضحة: اذا صارت المرأة زوجة للرجل تكون أمه محرمة علي الزوج و المفروض عدم

تحقق الزواج الشرعي فلا تغفل.

«قوله قدس سره: و في الطلاق نظر»

النظر ناش من أن المفروض ان الطلاق صادر من أهله و واقع في محله هذا من ناحية و من ناحية اخري الطلاق متوقف علي الزواج و المفروض عدم صحة الزواج قبل الاجازة فلا ترتفع المصاهرة.

ان قلت: اما تلحق الاجازة فالزوجية متحققة و اما لا تلحق فلا زوجية فلا وجه للحرمة. قلت: بعد صدور العقد عن الاصيل يجب عليه ترتيب الاثر عليه الي زمان تحقق الفسخ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 327

و لكن الحق عدم تمامية التقريب المذكور فان الاجازة اما كاشفة كشفا حقيقيا و اما لا تكون كاشفة أما علي الاول فالزواج متحقق فالطلاق واقع في محله و أما علي تقدير كون الاجازة ناقلة فلا موضوع للطلاق نعم علي القول بكون الاجازة كاشفة كشفا حقيقيا و احتمال لحوق الاجازة، يكون الطلاق باطلا لعدم الجزم به.

و فيه أولا: ان الطلاق التعليقي لا مانع عنه و لا دليل علي بطلانه و ثانيا ان مقتضي الاستصحاب الاستقبالي عدم تحقق الاجازة.

«قوله قدس سره: و الطلاق هنا معتبر»

يمكن أن يكون الوجه في اعتبار الطلاق انه اذا اطلق الزوج يدل طلاقه علي اجازته للعقد الفضولي و مع تحقق الزوجية يكون الطلاق صحيحا و مؤثرا.

و يرد عليه أولا: انه يتوقف علي التفات الزوج لوقوع العقد فاجازه و ثانيا: انه كيف يمكن وقوع الطلاق و الاجازة بلفظ واحد مع ان الطلاق يتوقف علي تحقق الزوجية في الزمان السابق.

«قوله قدس سره: و عن كشف اللثام نفي الاشكال»

لعل معني العبارة انه نفي الاشكال عن الحرمة في حق المباشر.

«قوله قدس سره: و قد صرح أيضا جماعة بلزوم النكاح المذكور من طرف الاصيل»

قد ظهر مما

ذكرنا انه لا مجال لهذه الدعوي و انه لا موضوع للزوم من الطرف الواحد فان اللزوم مترتب علي الصحة و قبل الاجازة لا صحة فلا لزوم فلا مقتضي لترتب حكم من أحكام المصاهرة لا وضعا و لا تكليفا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 328

«قوله قدس سره: ما لو انسلخت قابلية»

لقائل أن يقول: انه مع انسلاخ القابلية لا مجال للاجازة فلا موضوع لهذا البحث مضافا الي أنه لا أصل للقول بالكشف كي تصل النوبة الي بيان هذه الثمرات و بعبارة اخري: علي القول بالنقل لا يبقي مجال للاجازة مع انسلاخ القابلية و أما علي الكشف فربما يقال بأن صحة الاجازة تتوقف علي قابلية الاجازة فلا مجال لها أيضا مضافا الي أنه لا دليل علي الكشف الحقيقي.

«قوله قدس سره: كما لو تجددت الثمرة و بدا صلاحها»

بيع الثمرة قبل بدو صلاحها باطل علي كلا التقديرين فلا مجال لعده من الثمرات و بعبارة اخري: لا يصح بيع المعدوم فلا فرق بين الكشف و النقل: ان قلت: الثمرة حين العقد معدومة فلا يصح العقد عليها و لكن حين الاجازة موجودة فيصح العقد عليها فتظهر الثمرة.

قلت: العقد الفضولي يلزم أن يقع صحيحا كي يكون قابلا لان يعرضها الاجازة و ببيان واضح الاجازة لا تكون معاملة مستأنفة بل انفاذ لما وقع فضولا فلا بد من أن نفرضها صحيحة و الا فلا تكون قابلة للانفاذ و الاجازة فلاحظ.

«قوله قدس سره: و فيما قارن العقد فقد الشروط ثم حصلت و بالعكس»

اذا فرض فقدان العقد بعض الشروط كما لو كان غرريا و ارتفع حين الاجازة لا تؤثر الاجازة فيه فان العقد الفضولي حين وقوعه لا بد أن يقع صحيحا كي يكون قابلا لان

يجاز بالاجازة اللاحقة و اما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 329

مع بطلان العقد من ناحية فقدان بعض الشروط أعم من أن يكون من ناحية فقدان شرط من شروط العقد أو فقدان شرط من شروط المتعاقدين فلا يمكن أن يجاز بالاجازة اللاحقة نعم لو كان المجيز فاقدا لبعض شرائط التصرف قبل الاجازة و حين الاجازة كان واجدا أو كان حين الاجازة واجدا و بعد الاجازة صار فاقدا تكون الاجازة مؤثرة لان الميزان بكون الاجازة صادرة عن الذي يكون قابلا للتصرف.

و لما انجر الكلام الي هنا ينبغي أن يذكر ميزان كلي و هو انه في كل مورد يجوز لمن بيده الامر حين الاجازة ايقاع العقد ابتداء يجوز له أيضا اجازة العقد الواقع فضولا مثلا اذا فرضنا انه باع الفضولي العبد المسلم من مسلم اصيل ثم ارتد المشتري فهل يكون الاجازة جائزة أم لا؟ أما علي النقل فلا يجوز لانه لا يجوز نقل المسلم الي الكافر علي الفرض و لا فرق فيما نقول بين القول بالنقل المحض و القول بالكشف الحكمي لان المفروض ان الاجازة ناقلة و لا يجوز نقل المسلم الي الكافر.

و أما علي الكشف الحقيقي فالظاهر جوازه لان المفروض كون الاجازة كاشفة عن تحقق الملكية في زمان البيع و لم يكن مانع عن النقل في ذلك الزمان و قس علي بيع العبد المسلم من الكافر بيع المصحف من الكافر.

و اذا باع الفضولي منا من الحنطة و قبل الاجازة تلفت الحنطة فعلي الكشف تكون الاجازة المتأخّرة مؤثرة و أما علي النقل فلا اثر للاجازة اذ المفروض ان البيع من زمان الاجازة مستند الي المالك و لا يكون للمالك بيع المعدوم و المفروض ان الحنطة المبيعة

معدومة حين الاجازة و قس بقية الموارد علي الموردين المذكورين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 330

ففي كل مورد يكون العقد جائزا ابتداء، تكون الاجازة صحيحة و الا فلا.

«قوله قدس سره: و كما يشعر به بعض اخبار المسألة»

لا يبعد أن يكون ناظرا الي حديث ابن أشيم عن أبي جعفر عليه السلام عن عبد لقوم مأذون له في التجارة دفع إليه رجل ألف درهم فقال: اشتر بها نسمة و اعتقها عني و حج عني بالباقي ثم مات صاحب الألف فانطلق العبد فاشتري أباه فأعتقه عن الميت و دفع إليه الباقي يحج عن الميّت فحج عنه و بلغ ذلك موالي ابيه و مواليه و ورثة الميت جميعا فاختصموا جميعا في الألف فقال موالي العبد المعتق انّما اشتريت أباك بما لنا و قال الورثة انما اشتريت أباك بما لنا و قال موالي العبد انما اشتريت أباك بما لنا فقال أبو جعفر عليه السلام:

أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد و أما المعتق فهو رد في الرق لموالي أبيه و أي الفريقين بعد اقاموا البيّنة علي أنه اشتري أباه من اموالهم كان له رقا «1».

و الحديث ضعيف سندا.

«قوله قدس سره: مضافا الي فحوي خبر تزويج الصغيرين»

الجزم بالفحوي و الاولوية مشكل فانا ذكرنا سابقا انه يمكن ان المصلحة تقتضي التسهيل في باب النكاح و علي الجملة لا وجه للتعدي.

«قوله قدس سره: مضافا الي اطلاق رواية عروة»

و قد تقدم الاشكال في رواية عروة سندا و دلالة فراجع.

«قوله قدس سره: الا ان الارجح في النظر ما ذكرناه»

الانصاف انه لا رجحان فيما أفاده فان الكشف لا دليل عليه و أما علي النقل فلا مجال للاجازة بعد الانسلاخ لعدم الدليل علي امكان

______________________________

(1)

الوسائل الباب 25 من ابواب بيع الحيوان.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 331

الاجازة بعد الانسلاخ فان عمدة دليل صحة الفضولي حديث زرارة «1» و لم يفرض في تلك الرواية صورة انسلاخ القابلية فلا مجال للقول بالصحة بعد الانسلاخ.

«قوله قدس سره: و ربما يقال بظهور الثمرة في تعلق الخيارات»

بأن يقال المدار في خيار العيب بزمان العقد علي القول بالكشف و بزمان الاجازة علي القول بالنقل مثلا لو كانت العين صحيحة حين العقد و لكن تعيبت بعد ذلك فعلي الكشف لا خيار علي الفرض و علي النقل يثبت خيار العيب لان زمان الاجازة زمان النقل و المفروض ان العين معيبة.

و كذلك تظهر الثمرة في اختلاف القيمة الموضوع لخيار الغبن فانه علي الكشف لا بد من ملاحظة ذلك الزمان و علي النقل يكون الميزان زمان الاجازة.

و أما خيار المجلس فقال السيد قدس سره في الحاشية: «و كذا بالنسبة الي خيار المجلس فانه بناء علي الكشف يكون المدار علي زمان العقد و علي النقل علي زمان الاجازة» انتهي.

و الذي يختلج بالبال أن يقال: انه لا تظهر الثمرة بين الكشف و النقل بالنسبة الي خيار المجلس فان المستفاد من ادلة خيار المجلس ثبوته للبائع و المشتري فالميزان مجلس العقد علي كل حال و من ناحية اخري لا مقتضي لثبوت الخيار للفضولي فان الفضولي أقل رتبة من الوكيل في مجرد اجراء الصيغة و الاصحاب لا يلتزمون بثبوت الخيار له.

نعم لو كان المالك حاضرا في مجلس العقد لا يبعد أن يقال بثبوت الخيار له و للاصيل لكن هذا علي فرض الاجازة و أما مع عدم

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 297.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 332

الاجازة

فلا خيار كما انه لو لم يكن حاضرا في مجلس العقد يشكل الالتزام بالخيار و لو مع الاجازة أعم من القول بالكشف أو بالنقل فانه لا اعتبار بمجلس الاجازة نعم اذا طال مجلس العقد الي زمان الاجازة و المجيز في زمان الاجازة كان حاضرا في مجلس العقد لا يبعد أن يكون الخيار ثابتا له و للمشتري الاصيل.

«قوله قدس سره: و حق الشفعة»

فعلي القول بالكشف يكون مبدأ الحق زمان العقد و علي النقل زمان الاجازة و بعبارة اخري: علي القول بالكشف يثبت الحق بعد العقد و علي النقل يتحقق الاثر أي يترتب الحق بعد الاجازة.

«قوله قدس سره: و احتساب مبدأ الخيارات»

فخيار الحيوان مثلا يكون مبدأ الثلاثة فيه علي الكشف من زمان العقد و علي النقل من زمان الاجازة.

«قوله قدس سره: و معرفة مجلس الصرف و السلم»

بأن يقال علي الكشف الميزان مجلس العقد فلا بد من القبض في مجلس العقد و علي النقل يكون المناط مجلس الاجازة.

و أفاد السيد في الحاشية «لا اعتبار بمجلس الاجازة بل لا بد من بقاء مجلس العقد الي حين الاجازة».

و الحق ان يقال: المناط بمجلس العقد و لا يلزم بقائه الي حين الاجازة بل يكفي القبض في مجلس العقد لان العقد يلزم أن يكون جامعا للشرائط الخالقية فاذا تحقق العقد مع جميع قيوده و شرائطه يكون قابلا للحوق الاجازة به و لا دليل علي بقاء مجلس العقد الي حين الاجازة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 333

«قوله قدس سره: و الايمان و النذور».

بأن يحلف أو ينذر أن يتصدق جميع ما يملكه يوم الجمعة فباع الفضولي داره يوم الخميس و أجاز البيع يوم الاحد فعلي الكشف لا يكون تصدق الدار واجبا اذ

المفروض عدم كونها مملوكة له يوم الجمعة و علي النقل يجب فلاحظ.

«قوله قدس سره: وجهان»

الظاهر ان وقوع الامضاء الشرعي علي طبق اجازته ذو وجهين و الحق انه لا وجه للصحة فان المستفاد من الادلة عموما و خصوصا ان الاجازة اذا تعلقت بالعقد الفضولي علي ما هو عليه تؤثر و الا فلا و عليه لا وجه للصحة.

و يمكن أن يكون المراد من العبارة انه بعد فرض عدم وجه للصحة فهل يمكن الالتزام بتأثير الاجازة و صيرورة العقد مؤثرا علي ما هو عليه؟ وجهان.

احدهما: انه لا أثر لها اذا كان التقييد الواقع في كلام المجيز مضيقا لدائرة الامضاء فانه لا يمكن الالتزام بالصحة اذ المفروض ان العقد لم يجز و المجاز لم يقع و يمكن الالتزام بالجواز بأن نقول اذا كان ذكر القيد بعنوان الداعي فانه يصح العقد بالاجازة لان المفروض ان من بيده الامر اجاز العقد غاية الامر الذي يدعوه الي هذا الامر تحقق الملكية مثلا أو الزوجية من الزمان الكذائي و تخلف الداعي لا يضر بالانشاء فلاحظ.

«قوله قدس سره: و ظاهر رواية البارقي»

قد تقدم انه لا اعتبار بحديث البارقي فانه ضعيف سندا و قاصر دلالة و لكن لا يحتاج الي الدليل بل مقتضي القاعدة الاولية كفاية إنشاء الاجازة بما يكون مصداقا عرفيا بلا فرق بين اللفظ و الفعل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 334

و بلا فرق في اللفظ بين كونه صريحا أو ظاهرا أو كناية.

«قوله قدس سره: و منه اجازة البيع الواقع عليه»

يشكل ما أفاده لان اجازة العقد الواقع علي الثمن يتوقف علي كون الثمن ملكا له و كونه ملكا له يتوقف علي اجازة العقد الاول فكيف يمكن الالتزام بأن اجازة العقد الواقع

علي الثمن اجازة للعقد الواقع علي المثمن و بعبارة واضحة: دخول الثمن في ملكه يتوقف علي اجازة العقد السابق و اجازة العقد الثاني تتوقف علي كون الثمن داخلا في ملكه فزمان ملكية الثمن متقدم علي زمان اجازة العقد الواقع عليه ففي زمان واحد كيف يمكن الجمع بين الامرين.

«قوله قدس سره: و كتمكين الزوجة»

الكلام فيه هو الكلام و الاشكال فيه هو الاشكال فلاحظ.

«قوله قدس سره: و هو يشبه المصادرة»

مضافا الي أنه لا يشترط اللفظ في البيع و لذا نقول يتحقق البيع بالمعاطاة كما يتحقق بالعقد اللفظي بلا فرق.

«قوله قدس سره: و فيه نظر»

اذ الاستقراء لا يقتضي تحقق المدعي فان المعاطاة كالعقد اللفظي في ترتب الاثر و السيرة العقلائية الممضاة شرعا جارية عليه فلاحظ.

«قوله قدس سره: و النصوص»

يمكن أن يكون مراده من النصوص الروايات التي يشير إليها في طي كلامه و لا بد من ملاحظة تلك النصوص كي نري بأنه هل يستفاد منها المدعي أم لا و كيف كان مقتضي القاعدة عدم كفاية مجرد الرضا أما العموم و الاطلاق كقوله تعالي «احل اللّه البيع» فلا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 335

يشمل مجرد الرضا لانه يلزم أن يستند العقد الي من بيده الامر كي يشمله الدليل و مجرد الرضا بالعقد لا يقتضي الاستناد و أما النصوص فهي لا تدل علي كفاية الرضا.

«قوله قدس سره: لا من جهة سببية الفعل تعبدا»

الفعل كالقول في كونه مبرزا عن الاعتبار و قابلا لان ينشأ به و لا يرتبط بالتعبد و لا دليل علي كفاية الرضا و ببيان واضح: الاجازة كالبيع أمر انشائي و مجرد الرضا النفساني لا يكون إنشاء.

«قوله قدس سره: صح و لم يعبروا بالاجازة»

لا يبعد أن يكون مرادهم

بالرضا الاجازة لا مجرد الرضا القلبي.

«قوله قدس سره: دونها خرط القتاد»

لا نحتاج الي الاجماع بل الادلة الاولية كافية لاثبات المدعي مضافا الي أنه لا يترتب علي الاجماع المذكور أثر اذ علي تقدير تحققه و تحصيله محتمل المدرك فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن قول المعصوم عليه السلام.

«قوله قدس سره: أقوي حجة في المقام»

العمومات لا تفيد اذ قبل تحقق الاجازة من قبل من بيده الامر لا يستند العقد إليه و مع عدم الاستناد إليه لا يتحقق شي ء و لا يصح العقد الفضولي.

«قوله قدس سره: في عدة أخبار»

منها ما رواه معاوية بن وهب قال: جاء رجل الي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: اني كنت مملوكا لقوم و اني تزوجت امرأة حرة بغير اذن موالي ثم اعتقوني بعد ذلك فاجدد نكاحي اياها حين اعتقت؟ فقال له: أ كانوا علموا انك تزوجت امرأة و انت مملوك

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 336

لهم؟ فقال: نعم و سكتوا عنّي و لم يغيروا عليّ قال: فقال: سكوتهم عنك بعد علمهم اقرار منهم اثبت علي نكاحك الاول «1».

و يمكن أن يقال بأن تحقق الاقرار بالسكوت بعد العلم بالنكاح بالتعبد الشرعي مضافا الي أن الكلام في كفاية مجرد الرضا و لو مع عدم الابراز و الحال ان السكوت في مثل هذه المقامات نحو امضاء فلا يثبت المدعي بهذه الاخبار.

«قوله قدس سره: و ما دل علي أن قول المولي لعبد المتزوج بغير اذنه طلق»

لاحظ ما رواه علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عن ابيه عن آبائه عن علي عليهم السلام انه أتاه رجل بعبده فقال ان عبدي تزوج بغير اذني فقال علي عليه السلام لسيده: فرّق بينهما فقال السيد لعبده

يا عدو اللّه طلق فقال له علي عليه السلام: كيف قلت له؟ قال: قلت له طلق فقال علي عليه السلام للعبد: اما الآن فان شئت فطلّق و ان شئت فأمسك فقال السيد يا أمير المؤمنين امر كان بيدي فجعلته بيد غيري قال: ذلك لانك حين قلت له طلّق اقررت له بالنكاح «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا فلا يعتد بها.

«قوله قدس سره: و علي أن المانع»

لاحظ ما رواه زرارة «3» فان المستفاد من الحديث لزوم الاجازة حيث قال «فاذا اجازه فهو له جائز» و مقتضي مفهوم الشرط انه لا يجوز مع عدم الاجازة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 27 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 297.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 337

«قوله قدس سره: و ما دل علي أن التصرف»

لاحظ ما رواه علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشتترط أم لم يشترط فان أحدث المشتري فيما اشتري حدثا قبل الثلاثة الايام فذلك رضا منه فلا شرط قيل له و ما الحدث قال: ان لامس أو قبل أو نظر منها الي ما كان يحرم عليه قبل الشراء … الحديث «1».

و لا يبعد ان يستفاد من هذه الرواية ان مجرد الرضا الباطني بالعقد و بقائه يكفي في سقوط خيار الحيوان و لكن لا يترتب علي الحديث الكلية السارية في جميع الموارد بل حكم خاص وارد في اطار مخصوص مضافا الي أنه هل يمكن الالتزام بكفاية الرضا الباطني حتي في مورد سقوط خيار الحيوان فكيف ببقية الموارد.

«قوله قدس سره: بعد

ظهور الاجماع»

لا أثر للاجماع المدعي فانه علي فرض تحصيله محتمل المدرك فلا يكون معتبرا و مؤثرا.

«قوله قدس سره: ما يسقطهما»

اذا انشأ احد المتعاقدين كما لو باع داره من زيد و زيد قال لا اريد و بلا فصل قبل فهل يكون باطلا فانه لا وجه له مضافا الي أن القياس مع الفارق فان رد المالك لا يوجب فسخ العقد فضولا اذ المعاقدة قائمة بالمتعاملين و المالك اجنبي عن هذه الجهة.

«قوله قدس سره: هذا مع ان مقتضي سلطنة الناس علي أموالهم»

مرجع الكلام المذكور الي أن المالك يمكنه الغاء الاهلية عن العقد الفضولي فان العقد الفضولي له أهلية لان تلحقه الاجازة

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من ابواب الخيار الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 338

و المالك يلغي الاهلية و اذا كان الغاء الاهلية ممكنا له يمكنه أن يسقط العقد عن الاعتبار من أول الامر بأن يجعله غير مؤثر و غير قابل للاجازة من أول الامر و هل يمكن الالتزام به؟

مضافا الي أنه لا دليل علي هذه الدعوي أي لا دليل علي أن السلطنة علي المال يقتضي ذلك و بعبارة واضحة: أي دليل دل علي سلطنة المالك علي الالغاء.

«قوله قدس سره: الصحيحة»

لاحظ ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قضي في وليدة باعها ابن سيدها و أبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاما ثم قدم سيدها الاول فخاصم سيدها الاخير فقال: هذه وليدتي باعها ابني بغير اذني فقال: خذ وليدتك و ابنها فناشده المشتري فقال خذ ابنه يعني الّذي باع الوليدة حتي ينفذ لك ما باعك فلما أخذ البيع الابن قال ابوه ارسل ابني فقال: لا ارسل ابنك حتي ترسل ابني فلما رأي ذلك

سيد الوليدة الاول اجاز بيع ابنه «1».

«قوله قدس سره: لا مثل اخذ المبيع»

لم افهم وجه الفرق فان أخذ المبيع كعتق المبيع في كونه من لوازم ملك المبيع فما هو الفارق بين المقامين و لعل مراده من العبارة ان الذين صرحوا بحصول الفسخ مرادهم غير أخذ المبيع فلاحظ.

«قوله قدس سره: فليطرح»

لا وجه لطرح الحديث أو تأويله اذ لم يقم في قباله دليل معتبر كي يرفع اليد عنه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 339

«قوله قدس سره: فقولنا له أن يجيز مثل قولنا له أن يبيع»

و ان شئت قلت: قولهم له أن يجيز مثل قولهم له أن يستطيع و له أن يسافر و بعبارة اخري: يمكن للمكلف ايجاد موضوع جملة من الاحكام الوضعية و التكليفية و لا يكون معناه انه حق له و بعبارة واضحة: لا مانع من قبل الشارع عن ايجاد الموضوع.

«قوله قدس سره: فلو مات المالك لم يورث»

لعدم الدليل عليه بل ذكرنا في محله انه لا دليل معتبر علي إرث الحقوق فراجع ما ذكرناه في هذا المقام من كتابنا «مباني منهاج الصالحين».

«قوله قدس سره: يظهر بالتأمل»

يظهر الاثر في موردين: احدهما: فيما لو باع الفضولي ما يحرم عنه بعض الورثة كالزوجة بالنسبة الي العقار فعلي القول بعدم كونه حقا و غير قابل للارث لا ترث منه الزوجة و أما ان قلنا بأنه من الحقوق القابلة للانتقال و قلنا بقيام الدليل علي أن الحق يورث ترث الزوجة من الحق المذكور و ان كانت محرومة من إرث المبيع.

ثانيهما: انه وقع الكلام بينهم في أن الحق كيف يورث فقول بأن الوارث الطبيعي فكل من سبق الي اعماله

يؤثر أثره و قول بأن الوارث مجموع الورثة و قول بأن إرث الحق بمقدار الارث من المال فلو قلنا بكونه حقا يورث يقع فيه الاحتمالات الثلاثة المذكورة و ان قلنا بأنه لا يورث يكون لكل من ورثة العين الاجازة في مقدار انتقل إليه علي طبق القاعدة الاولية علي كلام في امكان التبعيض.

[اجازة البيع لا تكون اجازة لقبض الثمن و لا لاقباض المبيع]
اشارة

«قوله قدس سره: اجازة البيع ليست اجازة … »

في هذا التنبيه فروع
اشارة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 340

الفرع الأول: انه أفاد الشيخ قدس سره ان اجازة البيع لا تكون اجازة لقبض الثمن و لا لاقباض المبيع

و الامر كما أفاده فان أحد الامرين أجنبي عن الاخر و لا وجه لكون اجازة العقد اجازة لامر آخر كالقبض و الاقباض.

الفرع الثاني: انه هل تجري الفضولية في الافعال الخارجية كالقبض و الاقباض أو لا تجري؟

الذي يختلج ببالي القاصر و فكري الفاتر انها لا تجري و لا يقاس الفعل الخارجي علي المعاملات الاعتبارية.

و بعبارة واضحة: انهم يدعون ان الفضولي لو باع دار زيد فضولا من بكر أو انكح المرأة الفلانية من شخص ثم أجاز العقد من بيده الامر توجب الاجازة اللاحقة استناد ما صدر عن الفضولي الي المجيز فكأن مالك الدار بالاجازة باع داره من زمان وقوع العقد و كأنّ المرأة المزوجة فضولا باجازتها أنكحت نفسها من ذلك الشخص من زمان وقوع النكاح و هكذا و هكذا.

و انا استشكلنا في التقريب المذكور و قلنا العقود المعاملية امور تكوينية مثلا البيع عبارة عن الاعتبار النفساني و ابراز ذلك الاعتبار بمبرز خارجي و كلا الامرين امران خارجيان و فعلان تكوينيان نعم متعلق الاعتبار أمر اعتباري فكيف يمكن أن يستند الامر التكويني الصادر عن احد الي غيره بالاجازة.

ان قلت: فما تقول في الوكالة و الاذن؟ قلت: قام الدليل القطعي علي جواز التوكيل و الاذن و النصوص وافية الدلالة علي المدعي مضافا الي السيرة الخارجية العقلائية الممضاة من قبل الشارع الاقدس فلا وجه للمقايسة مضافا الي أن القبض و الاقباض أمران خارجيان و ليس فيهما شائبة الاعتبار.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 341

ان قلت: فكيف سلمتم جواز الفضولي و صحة الاجازة كما سبق؟

قلت قد استندنا في جوازه و صحته بالاجازة بالنص الخاص اي حديث زرارة «1» و لا يستفاد من ذلك الحديث جواز تعلق الاجازة بالامور التكوينية الخارجية كالقبض.

ان قلت: لا اشكال في تحقق القبض و الاقباض بالاذن السابق الصادر

عمن بيده الامر فيكون الاجازة اللاحقة مثله. قلت: لا وجه للمقايسة بين المقامين و القياس ليس من مذهب الامامية فما أفاده سيدنا الاستاد قدس سره في هذا المقام من قياس الاجازة اللاحقة بالاذن السابق لا وجه له فلاحظ.

الفرع الثالث: ان الفضولي لو اقبض المعين من المشتري

و المالك أجاز البيع و علم بالاقباض و رضي به فهل يصدق القبض و يترتب عليه الآثار كسقوط الضمان لو تلف قبل القبض أم لا؟

و انعقاد هذا الفرع متفرع علي عدم صحة الاجازة بالنسبة الي القبض كما سبق و قلنا لا دليل علي صحتها و لا يبعد أن يقال بأن القبض الموضوع للحكم كسقوط الضمان يحصل بالرضا و الاذن اللاحق و ذلك لان أصل القبض قد حصل علي الفرض و يكون المال مقبوضا بالفعل و يكون مرضيا به من قبل المالك و يكون المقام مثل ما لو كان مال شخص عند آخر فاشتراه منه فهل يجب أن يرد المال و ثانيا يقبضه منه؟ لا اظن أن يلتزم بهذا اللازم فقيه هذا بالنسبة الي المبيع.

و أما بالنسبة الي الثمن فكونه مقبوضا من الفضولي لا أثر له و المفروض عدم تحقق القبض من قبل البائع و قد فرضنا عدم صحة

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 297.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 342

الاجازة بالنسبة إليه فما دام لم يصل الي يد المالك لا يترتب عليه الاثر.

و بعبارة واضحة: قبض الثمن من قبل البائع لم يتحقق نعم اذا قلنا مجرد رضا المالك يكفي في رفع الضمان و كان المالك راضيا بقبض الفضولي يحصل المطلوب و لكن علي هذا لا فرق بين قبض الفضولي و كونه باقيا في يد الاصيل.

و ببيان آخر: ان مرجعه الي كون المالك راضيا بعدم

القبض و اكتفائه بهذا المقدار فلا بد من ملاحظة الدليل و ان أي مقدار يقتضي؟ و هل يسقط الضمان بهذا المقدار؟

ان قلت: يمكن للمالك أن يسقط الضمان المعلق علي عدم القبض قلت: هذا اسقاط لما لم يجب اذ الضمان متفرع علي التلف و المفروض انه لم يتلف ان قلت: ما المانع عن اسقاط ما لم يجب فانه يسقط الضمان الذي سيوجد غاية الامر علي نحو التعليق.

قلت: لا بد من وجود الدليل علي جوازه و الا فمقتضي الاصل الاولي عدم تأثير الاسقاط المشروط و لا يخفي ان هذا التقريب انما يتم لو قلنا بعدم انفساخ العقد بتلف الثمن و اما ان قلنا بأن العقد ينفسخ بتلف الثمن فلا تصل النوبة الي الاسقاط أي بانفساخ العقد يرجع المبيع الي ملك المالك الاصلي فلاحظ.

الفرع الرابع: انه هل تجري الفضولية في تشخيص الكلي في الفرد

و هل تكون الاجازة مؤثرة أم لا؟ فنقول: تتصور لهذا الفرع صور الصورة الاولي: أن يبيع الفضولي الكلي في ذمة زيد كمن من حنطة ثم يشخص الكلي في ضمن من شخصي مملوك لزيد فالذي يختلج بالبال عجالة انه لا بأس به و يصح مع الاجازة اللاحقة بأن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 343

يجيز زيد أو لا اصل المعاملة ثم التشخيص المذكور فان التشخيص نحو معاوضة أي معاوضة بين الكلي و الشخص الخارجي و فرضنا ان الفضولي يصح بالاجازة مثلا اذا باع الفضولي عباء زيد بدرهم ثم اشتري بالدرهم منا من الحنطة و المالك أجاز العقد الاول أولا ثم اجاز العقد الثاني الظاهر انه لا بأس به و المقام كذلك.

الصورة الثانية: أن يبيع الفضولي منا من الحنطة في ذمة زيد ثم شخص الكلي في منّ من الحنطة الخارجية المملوكة لنفسه و من له

البيع أجاز كلا الامرين فالظاهر صحته أيضا و لا أري فيه اشكالا.

الصورة الثالثة: أن يكون الثمن كليا من قبل الاصيل ثم شخصه في شخص و دفعه الي الفضولي و من بيده الامر أجاز كلا الامرين فالظاهر أيضا صحته اذ لم يظهر وجه للبطلان.

الفرع الخامس: انه لو باع الفضولي ما يشترط فيه القبض في المجلس

و لكن لم يحصل القبض فهل يكون العقد المذكور قابلا للاجازة و هل يكون القبض حين الاجازة كافيا أم لا؟ الظاهر انه لا يكون قابلا للاجازة فان الاجازة كما ذكرنا سابقا انما تؤثر فيما يكون المجاز تاما و كاملا من جميع الشرائط و تكون الشرائط الشرعية الالهية كاملة.

و بعبارة اخري: العقد الفضولي لا بد أن يكون جامعا للشرائط كي يكون قابلا للاجازة و الا فلا و حيث ان المفروض ان القبض شرط في مجلس العقد و قد فرض عدمه فلا أثر للاجازة و تحقق القبض حين الاجازة لا أثر له فان المستفاد من الدليل اشتراط القبض في مجلس العقد و البيع و المفروض ان البيع تحقق سابقا و الاجازة لا تكون بيعا بل الاجازة انفاذ البيع السابق.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 344

و الذي يدل علي ما نقول ان البيع ليس من الايقاعات بل من العقود و اذا كان اجازة المالك بيعا فيلزم أن يتحقق الاشتراء أيضا و الحال ان الاشتراء قد تحقق حين العقد و لا يكون اشتراء جديدا.

الفرع السادس: انه لو باع الفضولي ما يشترط فيه القبض و قد حصل القبض

فأجاز المالك العقد و لم يجز القبض أو قلنا بأن اجازة القبض لا أثر لها كما قلنا فهل تكون الاجازة مؤثرة أم لا؟

الظاهر انها مؤثرة اذ المفروض ان الشرائط الراجعة الي حق اللّه كانت حاصلة حين العقد فالعقد الواقع حين الفضولي كان جامعا لجميع الشرائط و الشي ء لا ينقلب عما هو عليه فالاجازة تؤثر اثرها و بتقريب آخر: ان البيع قد وقع جامعا للشرائط الالهية و الاجازة لا تكون بيعا جديدا و عقدا مستأنفا بل الاجازة توجب نفوذ العقد السابق فيكفي كون العقد في ظرفه جامعا للشرائط.

الفرع السابع: انه افاد سيدنا الاستاد بأن النزاع في الكشف و النقل لا يجري في القبض

و كل عقد يشترط فيه القبض يتحقق الاثر فيه بعد الاجازة و بعبارة اخري: اجازة القبض كقبض المجيز فكما ان قبض المجيز يكون جزءا متمّما لحصول الملكية و قبله لا يحصل الانتقال كذلك الاجازة فاجازة القبض تكون ناقلة دائما و لا يتصور فيها الكشف بتقريب ان القبض لا يكون من الامور التعلقية كي يؤثر في الواقع سابقا فلا مجال لجريان بحث الكشف و النقل في القبض.

و لا يكاد ينقضي تعجبي انه كيف صدر عنه التقريب المشار إليه فان القبض لا يكون أمرا تعلقيا و لكن الاجازة امر تعلقي يتعلق بالقبض السابق كما انها يتعلق بالبيع السابق مضافا الي أن لازم كلامه انه لو باع الفضولي مال زيد بالبيع الذي يشترط فيه القبض

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 345

و لم يحصل القبض يصح باجازة البائع اذا حصل القبض حين الاجازة و هل يمكن الالتزام به؟

و علي فرض الالتزام به يلزم جواز العقد الفضولي فاقدا لشرائط الصحة الشرعية اذا توفرت الشرائط عند الاجازة و الالتزام بهذا اللازم الفاسد ينافي صريح حديث زرارة حيث قال الامام عليه السلام «فانه

لم يعص اللّه و انما عصي سيده».

فان المستفاد من الحديث ان عصيان اللّه غير قابل للاصلاح و من الظاهر ان القبض في الصرف و السلم شرط إلهي و خالقي لا خلقي فلاحظ.

الفرع الثامن: لو أجاز العقد دون القبض فيما يشترط فيه القبض

فهل تصح الاجازة بالنسبة الي العقد و توجب ردّ القبض أم تبطل اجازة العقد فلا يصح فنقول: اذا قلنا بأن القبض غير قابل للإجازة كما سبق فلا أثر لرد القبض و أما ان قلنا بأنه تصح اجازة القبض فان قلنا بأنه يمكن التفكيك بين الاجازتين فالنتيجة صحة العقد و بطلان القبض و ان قلنا بأنه لا يمكن التفكيك فالظاهر بطلان العقد اذ المفروض انه لا يصح العقد بدون القبض و المفروض ان القبض مردود فلا يمكن تصحيح العقد.

«قوله قدس سره: فالاقوي تداركه بالخيار أو اجبار المالك علي أحد الامرين»

لا مجال لا للخيار و لا للاجبار علي أحد الامرين أما الخيار فانه متفرع علي صحة العقد و لزومه و الحال ان العقد لا يصح الا بالاجازة و مع عدم الصحة لا موضوع للزومه فلا وجه للخيار.

و أما اجبار المالك فأيضا لا وجه له و لكن الذي يهون الخطب انه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 346

لا يكون الاصيل ممنوعا عن التصرف أما علي النقل فواضح فان الانتقال يحصل بالاجازة و أما علي الكشف فمقتضي الاستصحاب عدم تحققها فيجوز له التصرف فيما انتقل عنه و علي فرض العلم بالاجازة يجوز التصرف فيما انتقل إليه فانه ملكه علي الفرض فلا اشكال.

[هل يعتبر في صحة الاجازة مطابقتها للعقد]
اشارة

«قوله قدس سره: السابع هل يعتبر في صحة الاجازة مطابقتها للعقد»

اقول: الاجازة تارة تطابق العقد و اخري تخالفه و علي التقدير الثاني قد تخالفه بالتباين و اخري تخالفه بالكلية و الجزئية و ثالثة بالإطلاق و الاشتراط

فهنا صور أربعة:
أما الصورة الاولي

فلا اشكال في صحة العقد بها علي ما هو المقرر من أن الاجازة تفيد الصحة.

و أما الصورة الثانية

فلا اشكال في فساد الاجازة و لا اثر لها كما هو ظاهر.

و أما الصورة الثالثة

فأفاد الشيخ بأنها تفيد و توجب نفوذ العقد بالمقدار المجاز و تبعه سيدنا الاستاد و تقريب الاستدلال علي المدعي: ان وقوع البيع علي المركب يوجب انحلاله بانحلال الاجزاء فكل جزء مبيع و يترتب عليه حكمه فلا مانع عن المخالفة أي المخالفة بالكلية و الجزئية فلو باع الفضولي دار زيد من الغير يمكن للمالك اجازة البيع بالنسبة الي نصف الدار أو ثلثها و هكذا غاية الامر يثبت خيار تبعض الصفقة للمشتري الاصيل.

و يرد علي هذا التقريب أولا: بالنقض و ثانيا بالحل أما النقض فانه يلزم علي التقريب المذكور أن يثبت للبائع و المشتري في بيع المركب كبيع الدار خيار المجلس باعتبار كل جزء منه فيكون لكل منهما خيار بالنسبة الي النصف و الثلث و الربع و هكذا و هل يمكن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 347

الالتزام بهذا اللازم؟ و هل يلتزم القائل بالتعدد في المبيع؟

و أما الحل فان بيع الدار بيع واحد و هكذا بقية الموارد و ربما يكون المبيع متعددا و ثمن كل واحد من المتعدد معين و انما يجمع البيوع المتعددة في إنشاء واحد و هذا الفرض خارج عن محل الكلام نعم يتعدد البيع بتعدد البائع فتعدد البيع يتحقق أما بتعدد البائع أو بتعدد المشتري أو بتعدد المبيع و أما مجرد كون المبيع مركبا فلا يوجب تعدد البيع و لا دليل عليه لا من العرف و لا من الشرع و ما نقول موافق مع ما اختاره السيد قدس سره في الحاشية و نعم المؤيد هو.

و أما الصورة الرابعة فلها أقسام متصورة
القسم الأول: أن يكون العقد مشروطا بفعل

كما لو باع الفضولي دار زيد من بكر بشرط أن يختم قرآنا و المالك أجاز البيع بلا شرط فالظاهر عدم صحة الاجازة بلا فرق بين كون المدرك

في صحة الاجازة الادلة العامة أو النص الخاص و ذلك لان ما صدر عن الفضولي ما اجيز فلا يستند ما صدر عنه الي المجيز كما ان قوله عليه السلام في حديث زرارة «انه لم يعص اللّه و انما عصي سيده فاذا أجاز جاز»

لا يشمله.

القسم الثاني: أن يشترط الفضولي الخيار علي الاصيل و المالك أجاز العقد مطلقا

فالكلام فيه هو الكلام طابق النعل بالنعل و القول بأنه تجاوز عن حقه فما وجه عدم الصحة لا يرجع الي محصل صحيح فان ثبوت الحق له يتوقف علي الاجازة و المفروض انه لم يجز المشروط فلا حق له كي يتجاوز عنه.

و الحاصل: انه لا يمكن الالتزام بالصحة لا مشروطا و لا مطلقا أما مشروطا فلعدم المقتضي و أما مطلقا فلعدم التطابق بين الاجازة و المجاز.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 348

القسم الثالث: أن يشترط الفضولي شرطا علي الاصيل و أجاز المالك بلا شرط

و الكلام فيه هو الكلام.

القسم الرابع: أن يبيع الفضولي مطلقا و المالك يجيز العقد مشروطا

كما لو باع الفضولي دار زيد من بكر بلا شرط و أجاز المالك العقد مشروطا بفعل كزيارة المشهد الرضوي مثلا فهل تصح الاجازة أم لا؟ الظاهر هو الثاني و عدم الصحة في الفرض المذكور أوضح.

و اذا فرض ان الاصيل قبل الشرط فهل يصح أم لا؟ الظاهر هو الثاني اذ المفروض ان العقد الواقع مطلقا لا ينقلب عما هو عليه و المفروض انه لم يتحقق عقد مستأنف فما وقع يجز و ما اجيز لم يقع.

و صفوة القول: ان المستفاد من كلام الامام عليه السلام في حديث زرارة انه لا بد من أن ما وقع فضولا يقع مورد الاجازة كي يصح و أما اذا اختلف المجاز مع الاجازة فلا يستفاد من الحديث كونه تاما بل المستفاد من مفهوم الشرط انه مع اختلاف الاجازة لا يصح العقد فلاحظ.

[الكلام في المجيز]
اشارة

«قوله قدس سره: يشترط في المجيز أن يكون حين الاجازة جائز التصرف»

و الوجه فيه ان الاجازة مؤثرة في ترتب الآثار فيلزم أن يكون المجيز جائز التصرف و بعبارة واضحة: الاجازة مثل البيع فكما أن البائع يلزم أن يكون جائز التصرف كذلك يلزم أن يكون المجيز جائز التصرف.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 349

«قوله قدس سره: و لا فرق فيما ذكرنا بين القول بالكشف و النقل»

اذ علي القول بالكشف أيضا يلزم أن تصدر الاجازة ممن بيده الامر فلا فرق بين القولين من هذه الجهة كما أفاد.

«قوله قدس سره: اولهما للعلامة»

و أجاد فيما أفاد ذكرنا كرارا ان العقد الفضولي يلزم أن يكون جامعا للشرائط المقررة الخالقية كي يكون قابلا لان تلحقه الاجازة و المفروض ان عدم المفسدة أو وجود المصلحة شرط في بيع مال اليتيم فاذا فقد الشرط المذكور لا

يكون قابلا لان يجاز و ان الشي ء لا ينقلب عما هو عليه.

«قوله قدس سره: من انتقاضه بما اذا كان المجيز بعيدا امتنع الوصول إليه»

هذا الانتقاض غير وارد فان الكلام في فقدان الشرائط الشرعية و عدم بعد المالك ليس من الشرائط.

«قوله قدس سره: بمنع ما ذكره من أن امتناع صحة العقد في زمان يقتضي امتناعه … »

الامر كما أفاده فان الشي ء لا ينقلب عما هو عليه و اذا كان العقد فاقدا لشرط من الشرائط يلزم فساده الا أن يقوم دليل في مورد خاص يدل علي الصحة و معني الامتناع ان الحكم مترتب علي موضوع خاص و سبب مخصوص و المفروض ان الواقع في الخارج مغاير معه فلا يكون قابلا للصحة.

«قوله قدس سره: مضافا الي الاخبار الواردة في تزويج الصغار فضولا»

هذه الاخبار لا تدل علي مدعي الشيخ قدس سره فان الكلام في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 350

كون العقد الفضولي فاقدا لبعض الشرائط حين حدوثه و وجود الولي و من بيده الامر و امكان الوصول إليه عاجلا ليس من الشرائط المقررة الالهية فلا ربط بين المقام و بين تلك الروايات.

«قوله قدس سره: فانه لا حاجة الي الاجازة»

كيف لا يكون محتاجا إليها و الحال انه وقع فاسدا و فاقدا للشرط المقرر و الشي ء لا ينقلب عما هو عليه بل مع الاجازة لا يصح لما ذكر.

«قوله قدس سره: للاصل»

الظاهر انه لا أصل للاصل المذكور فان مقتضي الاصل في جميع موارد الاحكام الوضعية البطلان و عدم ترتب الاثر المطلوب الا أن يكون المراد بالاصل القاعدة المستفادة من العمومات فعطف لفظ العمومات علي قوله الاصل عطف تفسيري.

«قوله قدس سره: و العمومات»

قد تقدم منا انه لا مجال للتمسك بالعمومات و

انما اعتمدنا في الالتزام بصحة البيع الفضولي بالنص الخاص و لعلّ وجه الاشكال في الاستدلال بالعمومات يظهر من الايرادات الواردة في المقام التي اشار إليها الشيخ قدس سره بقوله «عدا امور لفقها بعض من قارب عصرنا» و ذكرها بعد الاشارة إليها علي نحو التفصيل.

«قوله قدس سره: و قد مرّ الاشكال فيه»

و هو ان البائع الفضولي اذا باع لنفسه لا يكون قاصدا لمفهوم المعاوضة فان قوام المعاوضة بدخول كل من العوضين في محل خرج منه العوض الاخر و المفروض ان الفضولي لم يقصد المعاوضة علي هذا المنوال فيكون عقده باطلا مضافا الي أن الاجازة الصادرة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 351

عن المالك لا تتعلق بما انشأه الفضولي اذ المفروض ان الفضولي قصد دخول الثمن في كيسه و المالك أجاز دخول الثمن في ملكه فما وقع لم يجز و ما اجيز لم يقع.

و هذا الاشكال لا يجري في المسألة التي بأيدينا اذ المفروض ان المجيز و البائع شخص واحد و لعلّ قوله قدس سره «و ربما لا يجري فيه بعض ما ذكر هناك» اشارة الي هذا الوجه.

اضف الي ذلك النصوص الدالة علي عدم جواز بيع ما ليس عند البائع و قد تعرضنا لهذه النصوص هناك.

و قد أجاب عن الاستدلال بهذه النصوص علي بطلان الفضولي سيدنا الاستاد بأنه يمكن أن يكون المراد من النصوص المشار إليها النهي عن كون الفضولي طرفا للمعاملة و المعاقدة بحيث يتوجه إليه خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

و ما أفاده غير قابل للقبول و غير تام فان بعض نصوص الباب صريح في أن بيع مال الغير غير صحيح لاحظ ما رواه الصفار انه كتب الي أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام في

رجل له قطاع أرضين فيحضره الخروج الي مكة و القرية علي مراحل من منزله و لم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه و عرف حدود القرية الاربعة فقال للشهود اشهدوا اني قد بعت فلانا يعني المشتري جميع القرية التي حد منها كذا و الثاني الثالث و الرابع و انما له في هذه القرية قطاع أرضين فهل يصلح للمشتري ذلك و انما له بعض هذه القرية و قد أقر له بكلها؟ فوقع عليه السلام:

لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك «1».

فانه قد صرح في المكاتبة علي أن بيع المملوك جائز نافذ و أما

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب عقد البيع و شروطه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 352

بيع مال الغير فلا يكون صحيحا و مقتضي اطلاقه عدم صحته و لو مع لحوق الاجازة من المالك.

ان قلت: بعد اجازة المالك يكون البيع بيعا للمالك فما الايراد؟

قلت: الاجازة انفاذ للعقد السابق و ليس عقدا جديدا و لذا لا يشترط فيها الشروط المعتبرة في البيع و مقتضي دليل المنع عن بيع مال الغير عدم تماميته حتي مع الاجازة فتحصل انه لا مجال لتصحيح العقد في الصورة المفروضة لا بالأدلّة العامة و لا بالنص الخاص أي حديث زرارة «1» أما عدم امكان الاستناد الي الادلة العامة فقد ظهر الوجه فيه آنفا و سابقا و ذكرنا ان الاجازة لا تكون عقدا مستأنفا و لا تكون مصداقا للبيع كي يشملها قوله تعالي «احل اللّه البيع» أو قوله تعالي «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ».

و أما حديث زرارة فأيضا لا يشمل المقام لان الفضولي لم يقصد حقيقة البيع فلا يكون العقد المذكور قابلا لان

يجاز فعلي تقدير رد بقية الوجوه المذكورة للمنع و عدم تماميتها يكفي للمنع الوجه الاول من تلك الوجوه بالتقريب الذي ذكرنا فلاحظ.

«قوله قدس سره: الثاني انا حيث جوزنا بيع غير المملوك مع انتفاء الملك»

تعرض الشيخ قدس سره لامرين: احدهما: ان رضا المالك حين العقد مفقود ثانيهما: انه لا قدرة علي التسليم و أجاب عن الاشكال الاول بأن رضا المالك حين الاجازة يكفي و بعبارة اخري: يلزم أن يكون المجيز مالكا للمبيع و في المقام كذلك و أزيد من هذا المقدار غير لازم.

و أجاب عن الاشكال الثاني بأن العقد يلزم أن يكون جامعا

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 297.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 353

للشرائط كي يكون قابلا لان يجاز و أما مع عدم كونه جامعا للشرائط فيبطل العقد من غير ناحية الاجازة فلو لم تكن القدرة علي التسليم حين البيع يكون العقد باطلا و العقد الباطل لا يكون قابلا لان يجاز.

«قوله قدس سره: الثالث ان الاجازة حيث صحت كاشفة علي الاصح مطلقا»

حاصل الاشكال ان مقتضي دليل صحة الفضولي الكشف فيلزم خروج الملك عن ملك البائع قبل دخوله في ملكه و أورد عليه الشيخ قدس سره: بأنا نلتزم بالكشف من زمان امكانه فنلتزم بدخوله في ملك المشتري بعد دخوله في ملك البائع.

و يرد عليه انه لو اغمض عما ذكرنا و قلنا بامكان الاخذ بالعمومات لتصحيح البيع الفضولي لكن نقول: الاجازة اما توافق العقد في المفاد أو تخالفه أما علي الاول فلا مجال لكونها موجبة لنفوذ العقد اذ يلزم الخروج قبل الدخول.

و أما علي الثاني فيرد عليه ان ما وقع لم يجز و ما اجيز لم يقع هذا.

و عن الميرزا ان البيع الصادر عن

المالك رد للبيع الفضولي هذا من ناحية و من ناحية اخري ان المالك يمكنه اسقاط لحوق الاجازة فان الناس مسلطون علي أموالهم.

و يرد عليه أولا: ان بيع العين لا يستلزم الرد بل يمكن أن يكون حين البيع غافلا أو جاهلا بوقوع الفضولي في ماله و ثانيا: انه سلمنا انه رد لكن لا نسلم كون الرد مسقطا للعقد عن قابلية لحوق الاجازة فان شأنية العقد للحوق الاجازة به من شئون العقد و لا يكون قابلا للزوال و قد سبق منا ان الحق ان الاجازة بعد الرد مؤثرة مضافا الي أن المال انتقل الي الغير و لا دليل علي كون المالك مسلطا علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 354

مال الغير فلاحظ.

«قوله قدس سره: الرابع ان العقد الاول انما صح و ترتب عليه أثره باجازة الفضولي»

حاصل الاشكال: ان العقد الاول الصادر عن الفضولي تتوقف صحته علي اجازة الفضولي و تأثير اجازة الفضولي يتوقف علي صحة العقد الثاني و العقد الثاني يتوقف علي بقاء الملك في ملك مالكه الاصلي فيلزم تعدد المالك علي ملك واحد في زمان واحد و هو محال مثلا نفرض ان الفضولي باع دار زيد في يوم الجمعة و في يوم السبت اشتري الدار عن مالك الدار ثم أجاز البيع الاول فعلي القول بالكشف يكون المبيع للبائع الاصلي و للمشتري من الفضولي بعد البيع الفضولي و قبل البيع الثاني و هذا أمر غير معقول و لا يقاس بيع المالك علي اجازته فانه يكفي في الاجازة الملك الصوري و أما في البيع فلا يكفي الملك الصوري بل يلزم الملك الواقعي.

و أجاب الشيخ عن الاشكال بأنه نلتزم بالملكية من الزمان القابل لا من حين العقد فنقول:

العين تبقي في ملك المالك الاصلي الي زمان بيعها و يدخل المبيع في ملك الفضولي باشترائه ثم يدخل في ملك المشتري الاول بعد اجازته.

و يرد عليه ان ما ادعاه لا ينطبق علي القاعدة و لا يمكن الالتزام به فنقول: علي مذهب الكشف الحقيقي يلزم اجتماع ملاك ثلاثة علي ملك واحد: المالك الاصلي و هو مالك للعين علي طبق القاعدة و المشتري يملك العين من حين العقد و البائع الفضولي أيضا مالك اذ مع عدم كونه مالكا لا مجال لتمامية اجازته.

هذا علي القول بالكشف الحقيقي و لكن الكشف الحقيقي لا دليل عليه و أما علي الكشف الانقلابي الذي قلنا به فهل يمكن اتمام

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 355

الامر و هل يسلم عن الاشكال أم لا؟ الذي يختلج بالبال أن يقال:

العين تبقي في ملك المالك الاصلي الي حين البيع فيكون داخلة في ملك الفضولي المشتري الي زمان الاجارة و من حين الاجازة يحكم بكونها مملوكة للمشتري الاول الذي اشتري العين من الفضولي فلا يتوجه الاشكال المذكور و بعبارة اخري: لا يتحقق التضاد بين الملاك و بعبارة واضحة: يمكن دفع تعدد الملاك بهذا التقريب فلاحظ.

«قوله قدس سره: الخامس ان الاجازة المتأخرة لما كشف عن صحة العقد الاول»

توضيح المراد: ان زيدا مثلا يبيع مال بكر يوم الجمعة من خالد و يوم السبت يشتري ذلك المال من بكر و يجيز في يوم السبت العقد الواقع يوم الجمعة و الاجازة الواقعة يوم السبت تكشف عن كون المال مملوكا لخالد و نفرض الثمن في العقد دينارا و في العقد الثاني دينارين فيلزم توقف تمامية العقد الاول علي العقد الثاني اذ ما دام لا يصير البائع الفضولي مالكا للمال و

لم يجز لا يصير المال ملكا للمشتري في العقد الاول و أيضا يلزم أن يكون العقد الثاني متوقفا علي اجازة المشتري الاول اذ المفروض انه ملك للمشتري الاول قبل العقد الثاني فيلزم صحة كل واحد من العقدين علي إجازة المشتري في العقد الاول.

و يلزم عدم تملك المالك الاصيل شيئا لا من الثمن و لا من المثمن اذ المفروض خروجه عن ملكه قبل أن يبيع و يلزم تملك المشتري الاول و هو خالد العين بلا ثمن ان كان الثمن في كل واحد من العقدين مساويا مع الثمن في العقد الاخر و مع زيادة ان كان الثمن في العقد الثاني أزيد كما لو كان الثمن في العقد الاول دينارا و في العقد الثاني دينارين و دون تمام الثمن الاول ان كان الثمن في العقد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 356

الثاني أقل من الثمن في العقد الاول كما لو كان الثمن في العقد الاول دينارين و في العقد الثاني دينارا و أيضا يلزم خروج الثمن عن ملك المشتري في العقد الثاني بلا عوض.

و أجاب عنه الشيخ قدس سره بأن الاشكال ناش عن كون الاجازة كاشفة عن الملكية من حين العقد و أما لو قلنا بكونها كاشفة من زمان ممكن فلا يتوجه الاشكال.

اقول: قد تقدم منا انه يلزم القول بعدم تمامية الاجازة و عدم صحة العقد الفضولي في الفرض المذكور اذ لا دليل علي تأثير الاجازة بنحو لا يكون تطابق بين المجاز و الاجازة في الاثر فان الاجازة اذا لم تكن موافقة و لم تتعلق بالعقد الصادر عن الفضولي فلا مقتضي للصحة و أما مع المطابقة فلا مجال للقول بالصحة مع توجه اللوازم الفاسدة و الالتزام بالصحة

علي نحو يكون خاليا عن اللازم الباطل كما ارتكبه الشيخ لا دليل عليه هذا علي القول بالكشف الحقيقي.

و أما علي القول بالكشف الانقلابي الذي قلنا به فهل يسلم عن الاشكال المذكور؟ الظاهر انه لا يمكن اذ يلزم أن يحكم بقاء بعدم تملك المالك الاصلي شيئا و خروج الثمن عن ملك المشتري في العقد الثاني بلا عوض و تملك المشتري الاول باحد الوجوه المذكورة الباطلة.

«قوله قدس سره: السادس ان من المعلوم انه يكفي في اجازة المالك و فسخه»

حاصل كلامه: ان المفروض في المقام ان المالك الاصلي قد باع العين من الفضولي هذا من ناحية و من ناحية اخري يكفي في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 357

الفسخ فعل ما ينافي الامضاء كما لو تصرف ذو الخيار تصرفا اعتباريا فيما انتقل عنه مثل أن يبيع العين المبيعة بالبيع الخياري فان بيعه يوجب فسخ العقد الاول فالبيع في المقام قبل اجازة العقد الفضولي يكون دالا علي رده و بعد الرد لا يبقي مجال و موضوع للاجازة فيبطل العقد الصادر عن الفضولي.

و أورد عليه الشيخ قدس سره بأن الرد من الامور الانشائية و يحتاج الي القصد فمجرد البيع خصوصا مع جهله بالعقد الفضولي أو غفلته عنه لا يكون ردا و لا وجه لقياس المقام علي بيع ذي الخيار ما انتقل عنه فان التصرف هناك فيما انتقل عنه يتوقف علي الفسخ بخلاف المقام نعم البيع الصادر عن المالك الاصلي اذا كان صحيحا يوجب انتفاء قابلية العقد الفضولي للاجازة من قبل المالك الاصلي و أما بالنسبة الي المالك الجديد فلا وجه لسقوط العقد عن قابلية اجازته هذا حاصل كلامه.

اقول: مضافا الي ما أفاده انا نفرض ان بيعه رد للعقد الفضولي

و لكن أي دليل دل علي أن الرد يسقط العقد الفضولي عن قابلية الاجازة و قد مرّ منّا ان الاجازة بعد الرد تؤثر.

اضف الي ذلك ان تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه لا يكون دليلا علي الفسخ بالنسبة الي العقد الخياري بل يكون غير معقول لان الفسخ أمر انشائي كما ان البيع كذلك و الفسخ يقتضي ارجاع العين الي ملكه و ارجاع بدل العين الي وعائها و الحال ان البيع يقتضي اخراج العين عن ملكه و كيف يمكن أن يتحقق الامران بانشاء واحد في زمان واحد و الحال انهما متناقضان و متنافيان فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 358

«قوله قدس سره: السابع الاخبار المستفيضة»

منها ما رواه سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن سلف و بيع و عن بيعين في بيع و عن بيع ما ليس عندك و عن ربح ما لم يضمن «1».

و منها ما رواه حسين بن زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه في مناهي النبي صلي اللّه عليه و آله قال: و نهي عن بيع ما ليس عندك و نهي عن بيع و سلف 2.

فان المستفاد من هذه الاخبار ان بيع الفضولي باطل علي الاطلاق فلا يصح بالاجازة اللاحقة.

«قوله قدس سره: و خصوص رواية يحيي»

لاحظ ما رواه يحيي بن الحجاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قال لي اشتر هذا الثوب و هذه الدابة و بعنيها اربحك فيها كذا و كذا قال: لا بأس بذلك اشترها و لا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها «3».

«قوله قدس سره: و رواية خالد»

لاحظ ما رواه خالد بن

الحجاج قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام الرجل يجي ء فيقول اشتر هذا الثوب و اربحك كذا و كذا قال: أ ليس ان شاء ترك ان شاء اخذ؟ قلت: بلي، قال: لا بأس به انما يحل الكلام و يحرم الكلام «4».

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 7 من ابواب أحكام العقود الحديث 2 و 5.

(3) الوسائل الباب 8 من ابواب أحكام العقود الحديث 13.

(4) نفس المصدر الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 359

«قوله قدس سره: و صحيحة ابن مسلم»

لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:

سألته عن رجل أتاه رجل فقال: ابتع لي متاعا لعلي اشتريه منك بنقد أو نسية فابتاعه الرجل من أجله قال: ليس به بأس انما يشتريه منه بعد ما يملكه «1».

«قوله قدس سره: و صحيحة منصور»

لاحظ ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل أمر رجلا يشتري له متاعا فيشتريه منه قال: لا بأس بذلك انما البيع بعد ما يشتريه «2».

«قوله قدس سره: و صحيحة معاوية»

لاحظ ما رواه معاوية بن عمار قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام يجيئني الرجل يطلب بيع الحرير و ليس عندي منه شي ء فيقاولني عليه و اقاوله في الربح و الاجل حتّي نجتمع علي شي ء ثم أذهب فأشتري له الحرير فأدعوه إليه فقال: أ رأيت ان وجد بيعا هو احب إليه ممّا عندك أ يستطيع أن ينصرف إليه و يدعك أو وجدت أنت ذلك أ تستطيع أن تنصرف إليه و تدعه؟ قلت: نعم قال: فلا بأس «3».

فان المستفاد من هذه النصوص عدم جواز البيع قبل الاشتراء فيكون بيع مال الغير لنفسه باطلا.

و اجاب الشيخ

قدس سره عن الاخبار عموما و خصوصا بأن المراد منها ان بيع مال الغير مجردا عن الاجازة لا يفيد و بعبارة اخري:

تكون دالة علي البطلان من هذه الجهة فالحكم حيثي فلا تنافي تمامية

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من ابواب أحكام العقود الحديث 8.

(2) نفس المصدر الحديث 6.

(3) نفس المصدر الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 360

العقد بالاجازة اللاحقة.

و يرد عليه ما ذكرناه سابقا و قلنا ان مقتضي الاطلاق عدم تأثير الاجازة اللاحقة و ببيان واضح: ان المستفاد من هذه النصوص انه يشترط في البيع أن يصدر من المالك أو من الولي أو من الوكيل فلو كنا نحن و هذه الاخبار لكنا نلتزم ببطلان الفضولي غاية الامر انما نقول بالصحة مع الاجازة ببركة حديث زرارة الوارد في نكاح العبد بلا اذن مولاه فان مقتضي عموم التعليل الوارد في الحديث جواز الفضولي بالاجازة.

بقي شي ء و هو ان الروايات الدالة علي المنع عن بيع غير المملوك هل تكون تامة سندا أم لا فنقول أما حديث سليمان بن صالح و هو الحديث الثاني من الباب السابع من أبواب احكام العقود فالظاهر انه تام سندا فلاحظ كما ان الحديث الثامن من الباب الثامن تام سندا كما ان الحديث السابع كذلك و يدل علي المطلوب أيضا ما رواه الصفار «1» فان هذه الرواية تدل بالصراحة علي عدم جواز بيع غير المملوك.

«قوله قدس سره: فلا تعرض فيه لحال المالك»

قد ذكرنا ان مقتضي النهي عن بيع غير المملوك فساد البيع علي الاطلاق و مقتضاه ان البيع المذكور لا يقع لا للبائع و لا للمالك لا قبل الاجازة و لا بعد الاجازة و لذا بنينا علي أن القاعدة الاولية تقتضي بطلان الفضولي

علي الاطلاق.

مضافا الي أن البيع في المقام لا يعقل أن يقع للمالك بالاجازة اذ المفروض ان الفضولي باع مال الغير لنفسه و معناه أن يخرج العين

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 251.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 361

من ملك المالك و يدخل الثمن في ملكه و المالك اما يجيز العقد الواقع من الفضولي بقيوده و خصوصياته و اما يجيز غيره أما علي الاول فلا يصح كما مرّ و بني الشيخ عليه.

و أما علي الثاني فلا يصح أيضا لان المجاز لم يقع و ما يقع لم يجز اضف الي جميع ذلك انه قد تقدم منا ان المفروض ان الفضولي باع مال الغير لنفسه و هذا ليس مصداقا للبيع.

ان قلت: البيع تمليك عين بعوض و هذا التحديد ينطبق علي ما صدر عن الفضولي قلت: أولا: ننقض و نقول: اذا ملك الفضولي دار زيد لبكر في مقابل ألف دينار يخرج عن كيس خالد و يدخل في كيس غلام عمرو فهل يكون هذا مصداقا للبيع؟ و هل يشمله ادلة صحة البيع و التجارة و وجوب الوفاء بالعقود؟

و ثانيا نجيب بالحل و هو ان المتبادر من لفظ البيع تمليك عين من شخص في مقابل عوض من ذلك الشخص بحيث يتبادل العوضان أي يدخل كل من العوضين في مكان العوض الاخر.

و صفوة القول: ان مجرد إنشاء المعاوضة ليس بيعا فالقصور يكون في الموضوع و ما دام لا يتحقق الموضوع في الخارج لا تصل النوبة الي البحث في ترتب الحكم عليه.

و يترتب علي ما ذكرنا ان المالك لو باع داره من زيد في مقابل ألف دينار يدخل في ملك خالد لا يكون العقد صحيحا و لو مع الاستيذان من

خالد اذ تعريف البيع اما لا يصدق علي ما فرض و أما مشكوك فيه و علي كلا التقديرين لا مجال للاخذ بدليل الصحة أما علي تقدير عدم الصدق فظاهر و أما في صورة الشك فلعدم جواز الاخذ بالإطلاق أو العموم في الشبهة المصداقية كما هو المقرر.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 362

«قوله قدس سره: رواية الحسن بن زياد الطائي»

لاحظ ما رواه الحسن بن زياد الطائي قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: اني كنت رجلا مملوكا فتزوجت بغير اذن مولاي ثم اعتقني اللّه بعد فاجدد النكاح؟ قال: فقال: علموا انّك تزوجت قلت:

نعم قد علموا فسكتوا و لم يقولوا لي شيئا قال: ذلك اقرار منهم انت علي نكاحك «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا و لكن في نفس الباب حديث آخر بمضمونها و الظاهر كونه تاما سندا و هو ما رواه معاوية بن وهب «2».

«قوله قدس سره: لم يحتج الي الاستفصال»

استدل قدس سره بالتقريب المذكور علي أن الاجازة لا اثر لها و الا لا وجه للاستفصال الواقع في كلام الامام روحي فداه و العجب من الشيخ الاعظم كيف صدر عنه التقريب المذكور و الحال انه في غاية الضعف فان الاستفصال راجع الي زمان الرقية اذ اجازة المولي في زمان الرقية توجب صحة العقد فلا تصل النوبة الي الاجازة و لا الي تجديد العقد و بعبارة اخري الاستفصال المذكور لا ينافي صحة الاجازة لكن اذا كان العقد صحيحا بالاذن الصادر عن المولي لا تصل النوبة الي التجديد و لا الي الاجازة.

«قوله قدس سره: و لاشتمالها علي الغرر»

الغرر عبارة عن الخطر فاذا فرض عدم الخطر فلا يتم الاستدلال و بعبارة واضحة هذا البيان لا يكفي للحكم بالفساد.

______________________________

(1)

الوسائل الباب 26 من ابواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 3.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 337.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 363

«قوله قدس سره: و يمكن دفعه بما اندفع به سابقا الاشكال في عكس المسألة»

بأن يبيع عن نفسه مال الغير فاجاز المالك لنفسه و قد ذكرنا انه لا دليل علي صحة العقد حتي علي القول بصحة الفضولي لانه يلزم أن تكون الاجازة مطابقة مع العقد ان قلت: الفضولي يبيع للمالك و يدعي نفسه مالكا قلت: هذا خيال محض فان الفضولي يبيع لنفسه لا أنه للمالك.

«قوله قدس سره: فتأمل»

يمكن أن يكون الامر بالتأمل اشارة الي ما ذكرنا و يمكن أن يكون ناظرا الي الفرق بين المسألتين بأن البائع قصد البيع للمالك الاصلي و المفروض ان الفضولي بعد صيرورته مالكا لا يكون مالكا اصليا بل يغايره فلا مجال للاجازة.

«قوله قدس سره: فان اجاز المالك فلا كلام في الصحة»

ما أفاده في المقام يناقض كلامه قريبا حيث قال «فالانصاف ان ظاهر النهي في تلك الروايات هو عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع و عدم ترتب أثر الانشاء المقصود منه مطلقا حتي مع الاجازة»

و في المقام يقول: فلا كلام في الصحة.

و كيف كان الحق أن يقال: انه لا كلام في عدم وقوعه لمن بيع له و هو الثالث مضافا الي ما تقدم منا في مقام تقريب البطلان ان البيع لشخص كالبيع لنفسه و قلنا انه مضاد و ينافي مفهوم البيع فلا يكون قابلا لان يصح بالاجازة.

«قوله قدس سره: فالظاهر انه داخل في المسألة السابقة»

و قد مرّ كلام حولها و قلنا لا مجال لجعلها صحيحة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 364

«قوله قدس سره: اللهم الا

أن يقال ان مقتضي عموم وجوب الوفاء بالعقود»

لا مجال لهذا القول فانه قد تقدم منا و قلنا و نقول الآن: ان وجوب الوفاء بالعقد ارشاد الي اللزوم و اللزوم فرع الصحة و المفروض ان العقد لم يصر صحيحا فكيف يلزم و قس عليه وجوب العمل بالشرط فان لزوم الشرط فرع صحته و امضائه شرعا و الصحة لم تتحقق بعد بل قلنا بعدم امكان تحققها.

«قوله قدس سره: من دون توقف علي الاجازة»

ليت شعري كيف يصح العقد بلا صدوره عن المالك و بلا اجازته بعد صيرورة العاقد مالكا اذ لا مقتضي للصحة.

«قوله قدس سره: و المقام مقام استصحاب حكم الخاص»

مع الاغماض عما ذكرنا من أنه لا مجال للاخذ بدليل وجوب الوفاء بالعقود نقول: المقام ليس مقام الاخذ بالاستصحاب بل المقام مقام الاخذ بعموم وجوب الوفاء و ذلك لوجهين:

الوجه الأول: انه لا مجال للاصل العملي مع وجود الدليل اللفظي و المفروض ان عموم العام محكم. و بعبارة واضحة: موضوع العموم تحقق في الخارج غاية الامر في مقدار من الزمان لا بد من رفع اليد عنه و أما في مورد الشك فلا بد من الاخذ به مثلا اذا قال المولي اكرم كل عالم و بعد ذلك خصص الحكم بمورد أو موردين فشك في مورد ثالث لا اشكال في لزوم الاخذ بالعام و الحكم بوجوب اكرام بقية العلماء للشك في التخصيص.

و أيضا لو قال المولي اكرم هؤلاء العشرة و بعد ذلك أخرج فردا أو فردين يجب اكرام البقية و بعبارة واضحة: لا فرق بين العموم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 365

الاستغراقي و العموم المجموعي من هذه الجهة.

الوجه الثاني: ان الشبهة حكمية و الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض

باستصحاب عدم الجعل الزائد و لعله ناظر بقوله فتأمل الي الوجه الأول من الوجهين اللذين ذكرنا.

«قوله قدس سره: مضافا الي معارضة العموم المذكور بعموم سلطنة الناس علي أموالهم»

لا مجال لهذه المعارضة فانه يرد عليه أولا: ان حديث الناس مسلطون علي اموالهم «1» لا سند له فلا يكون قابلا لان يعارض غيره.

و ثانيا: ان الخبر الواحد المعارض مع الكتاب يضرب عرض الجدار. و ثالثا: ان عموم وجوب الوفاء وضعي و عموم دليل السلطنة اطلاقي و العموم الوضعي يتصرف في العموم الاطلاقي.

و ان شئت قلت: لا يبقي موضوع للاطلاق مع العموم الوضعي.

و ببيان أوضح: ان العموم الوضعي يكون كالقرينة المنفصلة و مع القرينة لا يبقي الاطلاق بحاله.

و رابعا: ان دليل السلطنة ليس مشرعا كي يعارض دليل وجوب الوفاء بل دليل السلطنة ناظر الي أن المالك له أن يتصرف في ماله بانحاء التصرفات الجائزة للمالك فيكون دليل وجوب الوفاء حاكما عليه و مضيقا لموضوعه.

«قوله قدس سره: و فحوي الحكم المذكور في رواية الحسن بن زياد»

تقريب الفحوي: أن تملك النفس اذا لم يفد في صحة العقد فتملك المال أولي بذلك هذا ما يرجع الي كلامه و قد تقدم منا ان

______________________________

(1) بحار الانوار ج 2 ص 372 الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 366

الامام عليه السلام ليس في مقام نفي تأثير الاجازة اللاحقة فراجع ما ذكرناه سابقا.

«قوله قدس سره: أشكل»

اذ يشكل الالتزام بخروج المال عن ملك المالك بدون اختياره و رضاه.

«قوله قدس سره: نعم يقع للوارث مع اجازته»

الكلام فيه هو الكلام و الاشكال هو الاشكال فانه لا مقتضي للصحة اذ الاجازة أما تطابق ما وقع في الخارج و اما لا تطابق معه أما علي الاول فلا يمكن

أن تؤثر اذ معناه أن يخرج المبيع من كيس الميت و يدخل الثمن في كيسه و الحال ان العين خرجت عن ملكه بموته مضافا الي أنه لا دليل علي ادخال مال في كيس الميت بعد موته و أما علي الثاني فلا مقتضي للصحة اذ المجاز لم يقع و ما وقع لم يجز فلاحظ.

«قوله قدس سره: الاولي أن يبيع عن المالك فانكشف كونه وليا علي البيع»

الامر كما أفاده فان العقد صدر من أهله و وقع في محله فيؤثر أثره و الحكم تابع لموضوعه و لا يكون العلم دخيلا في ترتب الحكم.

«قوله قدس سره: و هو حسن»

الامر كما أفاده اذ المفروض انه تحقق الاذن من المولي فالعبد مأذون في عمله فيكون عمله صحيحا تاما نعم اذا كان اذن المولي محصورا و مخصوصا بناحية خاصة يكون عمل العبد مؤثرا في تلك الناحية و في ذلك المورد فقط.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 367

«قوله قدس سره: الثانية أن يبيع لنفسه فانكشف كونه وليا فالظاهر أيضا صحة العقد»

بل الظاهر عدم صحته اذ المفروض انه قصد البيع عن نفسه و بيع غير المملوك غير صحيح بل قلنا ان بيع مال احد عن غيره لا يكون مصداقا للبيع.

و علي الجملة: ما كان قابلا للوقوع و الصحة لم يقصد و ما قصد غير قابل للصحة هذا من ناحية و من ناحية اخري العقود تابعة للقصود.

و ما قيل في هذا المقام من أن الركن في باب البيع العوضان بخلاف باب النكاح فان الركن هناك الزوجان؛ كلام لا يرجع الي محصل فان الاهمال غير معقول في الواقع و عليه البائع حين البيع اما يقصد دخول الثمن في كيسه و خروج العين من كيس

الاخر أو لا يقصد شيئا أما علي الثاني فمرجعه الي الاهمال المحال و أما علي الاول فلم يقصد مفهوم البيع فلا مجال لصيرورة العقد الكذائي صحيحا.

«قوله قدس سره: و في توقفه علي اجازته للمولي عليه وجه»

لا وجه للاجازة فان العقد الفاسد في حد نفسه غير قابل لان يجاز بل لو أغمضنا عن الاشكال و قلنا يمكن أن يكون العقد للمولي عليه فأيضا لا مجال للاجازة اذ العقد من اوّل حدوثه صار للمولي عليه فلا يحتاج الي الاجازة.

«قوله قدس سره: فتأمل»

و لعله بقوله «فتأمل» يشير الي ما ذكرنا و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: الثالثة أن يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا و قد مثل له الاكثر بما لو باع مال أبيه بظن حياته فبان ميتا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 368

و المشهور الصحة».

تارة يقصد البيع عن المالك بهذا العنوان و يتخيل ان أباه مالك و بعبارة اخري: يكون الخطاء في التطبيق فيكون العقد صحيحا اذ صدر من أهله و وقع في محله و اخري يقصد خروج العين عن ملك أبيه و دخول الثمن مكانه فالظاهر هو بطلان العقد اذ المفروض انه لم يقصد مفهوم البيع بل قصد أمرا لا يكون له واقع اذ قصد خروج العين عن ملك أبيه و الحال انها خرجت عن ملكه، بموته مضافا الي أنه لا دليل علي جواز ادخال مال في ملك الميت.

«قوله قدس سره: و التقدير ان مات مورثي … »

هذا الوجه لا يرجع الي محصل لان الوارث اما يبيع عن أبيه كما هو الظاهر و اما يبيع عن نفسه أما علي الاول فلا مجال للتعليق و أما علي الثاني فالتعليق غير مضر لان التعليق علي ما

يتوقف عليه صحة العقد لا يكون موجبا للبطلان كما لو قال: ان كانت هذه العين مملوكة لي فقد بعتها.

و ببيان واضح: ان بطلان التعليق ليس بحكم العقل كي يقال:

ان الدليل العقلي غير قابل للتخصيص بل دليله هو الاجماع فيقتصر فيه علي القدر المعلوم. و اما يقصد بيع مملوك ابيه لنفسه فيكون كالغاصب فلا يكون تعليق أيضا فلاحظ.

«قوله قدس سره: كالعابث»

يرد عليه أولا: ان الفضولي لا يصدق عليه العابث و ثانيا: أنا نفرض انه كالعابث لكن أي دليل دل علي بطلان العقد العبثي الا أن يستلزم عدم قصد الانشاء و يترتب عليه ان العقد الفضولي علي الاطلاق باطل لكونه عبثا فعليه ما الوجه في هذه الاطالة و القيل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 369

و القال نعوذ باللّه من الزلة …

«قوله قدس سره: لعدم طيب نفس المالك للعقد»

الظاهر انه جمع بين المتنافيين فان البائع حين البيع عن المالك بلا تقيده بكونه والده ان لم تكن نفسه راضية بالبيع و لم يكن عنوان التجارة عن تراض صادقا علي عقده لا يكون ما فعله قابلا للاجازة اذ المفروض ان التجارة لم تصدر عن الرضا و التجارة اذا لا تكون عن الرضا تكون باطلة في حد نفسها و العقد الباطل في نفسه غير قابل لان يجاز.

مثلا اذا كان العقد اكراهيا حدوثا فهل يمكن أن يصير صحيحا بالاجازة اللاحقة؟ مع ان الاكراه يوجب البطلان لقوله صلي اللّه عليه و آله «رفع ما استكرهوا عليه».

و لو سلمنا تمامية ما ادعي في باب الاجازة و هو ان الاجازة توجب اسناد ما وقع في الخارج فضولا الي نفسه نقول أيضا لا اثر لها اذ المفروض ان الذي وقع في الخارج تعنون بعنوان

الاكراه و الشي ء لا ينقلب عما هو عليه و المفروض ان العقد الاكراهي باطل فلا أثر للاسناد.

و ان شئت قلت: الاسناد لا يكون موجبا لصيرورة الباطل صحيحا و لا يكون الممنوع مجازا فلا تغفل و اغتنم و ان كانت نفسها راضية فلا تحتاج التجارة الي الاجازة اذ المفروض انه باع عن المالك و كان راضيا و المفروض انه مالك في الواقع فالعقد واقع في محله و موضعه و لا يحتاج الي الاجازة و أما ان لم يقصد المالك علي اطلاقه بل قصد والده كما هو الظاهر فلا يكون العقد قابلا للاجازة فلا مجال للاجازة علي كل تقدير.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 370

«قوله قدس سره: لان ذلك لا يجامع ظنّ الحياة»

لا اشكال في أن التعليق لا ينافي ظن الحياة فان الظان شاك و ما دام لا يكون الشخص قاطعا بأمر يمكنه التعليق و هذا ظاهر واضح.

«قوله قدس سره: لا لما ذكره في جامع المقاصد من أنه لم يقصد الي البيع الناقل للملك الآن»

الشيخ قدس سره فهم من كلام المحقق انه تخيل ان وجه الاحتياج الي الاجازة ان البائع قصد النقل من حين الاجازة فأورد عليه بأن قصد النقل عن زمان الاجازة ينافي الكشف الذي بني عليه المحقق قدس سره.

و قال سيدنا الاستاد في هذا المقام: مراد المحقق من كلامه ليس تعيين زمان الانتقال كي يتوجه إليه ما أورده الشيخ عليه بل مراد المحقق ان البائع قاصد للانتقال مع الاجازة فالصحة متوقفة علي الاجازة.

«قوله قدس سره: فالدليل علي اشتراط تعقب الاجازة في اللزوم هو عموم تسلط الناس علي أموالهم»

قد ظهر مما ذكرنا لا تنافي بين القول بعدم الاحتياج الي الاجازة و تسلط المالك علي

ماله لانا ذكرنا ان البائع ان قصد خروج العين عن ملك أبيه فلا مجال للاجازة و يكون العقد باطلا و ان قصد خروجها عن ملكه فلا يحتاج الي الاجازة و ان قصد خروجها عن ملك مالكها علي الاطلاق فأيضا لا يحتاج الي الاجازة و ان أهمل في مقام القصد فكيف يمكن الاهمال في الواقع فلا تغفل.

كما انه لا اشكال من حيث طيب النفس اذ لو باع عن المالك و لم يقيد المالك بوالده بل عن مطلق المالك يكون عقده مصداقا للتجارة عن تراض فيكون اكلا للمال بالتجارة عن تراض لا بالباطل.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 371

«قوله قدس سره: و بالجملة فاكثر ادلة اشتراط الاجازة في الفضولي جارية هنا»

و بعضها لا يجري اذ المفروض انه تصرف في مملوكه فلا يشمله دليل منع بيع غير المملوك فلاحظ.

«قوله قدس سره: و قصد كونه مال نفسه أو مال غيره مع خطاه في قصده أو صوابه في الواقع لا يقدح و لا ينفع»

مرجع ما أفاده الي عدم مدخلية للقصد و الحال ان الامور الاعتبارية قوامها بالقصد فكما تقدم ان كان قصده خروج العين عن كيس والده يكون عقده باطلا و ان كان قصده خروج العين عن ملكه و طابت نفسه بذلك يكون عقده صحيحا بلا احتياج الي الاجازة فعلي كلا التقديرين لا وجه للاجازة أما علي تقدير الفساد فلعدم تأثير الاجازة فيما يكون فاسدا و أما علي تقدير الصحة فلتحصيل الحاصل المحال.

فتحصل مما تقدم ان الحق أن يقال: اذا قصد خروج العين عن كيس المالك و طابت نفسه به يكون عقده صحيحا و

الموانع التي يمكن أن تذكر للفساد وجوه:
الوجه الأول: أن العاقد البائع في مفروض الكلام عابث فلا يترتب أثر علي عقده

. و فيه أولا: ان الفضولي لا يكون عابثا بل يقصد البيع جدا.

و ثانيا:

ان العبث لا يكون مانعا عن الصحة.

الوجه الثاني: ان عقده تعليقي و التعليق باطل.

و فيه ان التعليق كما ذكرنا لا يكون مبطلا للعقد في كل مورد مضافا الي أنه لا تعليق في انشائه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 372

الوجه الثالث: ان البائع الفضولي يملك العين بشرط الاجازة فبدون الاجازة لا يصح.

و فيه: ان البائع يملك العين بلا قيد غاية الامر في بعض الاعيان يحتاج الي الاجازة و أما مع كون العين ملكا للبائع فلا مقتضي للاجازة.

الوجه الرابع: ان التجارة عن الفضولي خالية عن طيب النفس فلا بد من الاجازة.

و فيه انه قد مر منا ان التجارة التي لم تكن مقارنة لطيب النفس لا تكون قابلة للاجازة.

الوجه الخامس: ان قاعدة السلطنة تقتضي اشتراط الصحة بالاجازة

و الا كيف يجتمع كون العقد بلا اجازة مع كون المالك مسلطا علي ماله. و فيه ان قاعدة السلطنة تقتضي كون المتصرف حرا في تصرفاته و لم يكن مجبورا و المفروض انه كذلك في المقام.

«قوله قدس سره: فلو اذن في التصرف في مال يعتقدا انه لغيره و المأذون يعلم انه له لم يجز له التصرف بذلك الاذن»

القياس مع الفارق لان اذنه في التصرف لا اطلاق فيه و بعبارة اخري: أما يأذن في التصرف علي الاطلاق أي يأذن و لو أن يكون المال ملكه غاية الامر يعتقد انه ليس له ففي هذه الصورة يجوز للمأذون التصرف و أما مع عدم الاطلاق فلا مقتضي للجواز و المقام أيضا كذلك.

«قوله قدس سره: و لو فرضنا انه أعتق عبدا عن غيره فبان انه له لم ينعتق»

الكلام فيه هو الكلام.

«قوله قدس سره: و لو غره الغاصب فقال هذا عبدي اعتقه عنك فاعتقه عن نفسه فبان كونه له فالاقوي أيضا عدم النفوذ»

الكلام فيه هو الكلام.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 373

«قوله قدس سره: لان العتق لا يقبل الوقوف»

بتقريب ان العتق من الايقاعات و لا يجري الفضولي في الايقاعات اجماعا و هل يمكن تحصيل اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم عليه السلام؟

«قوله قدس سره: ثم انه ظهر مما ذكرنا في وجه الوقوف علي الاجازة ان هذا الحق للمالك من باب الاجازة لا من باب خيار الفسخ»

الامر كما أفاده فان الخيار فرع الصحة و المفروض ان العقد قبل الاجازة فاسد و ذهب صاحب المقابيس الي أنه من باب خيار الفسخ و استدل عليه

بأنه يتضرر بدون الخيار فيكون له الخيار لقاعدة نفي الضرر في الشريعة.

و يرد عليه أولا: ان التمسك بدليل لا ضرر لاثبات الخيار يتوقف علي الالتزام بمذهب المشهور في مفاد لا ضرر و أما علي ما مسلكنا تبعا لشيخ الشريعة و هو ان مفاد القاعدة النهي عن الاضرار لا نفي الضرر في الشريعة، فلا يتم الاستدلال كما هو واضح.

و ثانيا: ان حديث لا ضرر مفاده النفي لا الاثبات فلا مجال لاثبات الخيار به.

و ثالثا: ان الضرر ناش عن صحة العقد لا عن لزومه و الخيار يتدارك به الضرر فعلي تقدير الاخذ بالقاعدة يلزم الحكم بفساد العقد لا بكونه خياريا.

و رابعا: انه لا مجال للخيار قبل تحقق الصحة و المفروض ان العقد بعد لم يصح.

«قوله قدس سره: ثم ان الحكم بالصحة في هذه الصورة غير

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 374

متوقفة علي القول بصحة عقد الفضولي بل يجئ علي القول بالبطلان»

لان الفضولي يتصرف في مال الغير و المفروض في المقام ان البائع يتصرف في ماله و ملكه فلا يكون المقامان من واد واحد فلا تغفل.

«قوله قدس سره: الا أن يستند في بطلانه بما تقدم من قبح التصرف في مال الغير»

بتقريب انه مع اعتقاد كونه مال الغير يكون التصرف حراما فيكون باطلا. و يرد عليه أولا: ان التصرف الاعتباري في مال الغير ليس حراما بلا اشكال و لا كلام مثلا لو اعتبر أحد كون أموال الغير مملوكة له هل ارتكب حراما و صار فاسقا بهذا الاعتبار؟ كلا ثم كلا.

و ثانيا: ان المفروض انه تصرف في مال نفسه و غاية ما في الباب يكون تجريا و قد ذكرنا في محله ان التجري لا يكون حراما و الفعل

لا يصير قبيحا. و ثالثا: انه سلمنا كون الفعل حراما لكن الحرمة التكليفية لا تلازم الفساد الوضعي بل قيل كما عن أبي حنيفة ان الحرمة التكليفية تدل علي الصحة و تفصيل هذه الجهة مأكول الي مجال آخر.

«قوله قدس سره: الرابعة أن يبيع لنفسه باعتقاد انه لغيره فانكشف انه له و الاقوي هنا أيضا الصحة»

تارة يقصد خروج العين عن ملك الغير و دخول الثمن في ملكه فهذا باطل اذ لم يقصد مفهوم البيع مضافا الي أن مقصوده لا واقع له و اخري يقصد خروج العين عن ملك المالك علي الاطلاق و يتصور ان المالك غيره و في هذه الصورة يكون العقد صحيحا اذ صدر عن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 375

أهله و وقع في محله و ثالثة يدعي انه مالك و يقصد الخروج عن ملكه فلا اشكال في صحة العقد و لا مجال للاجازة علي جميع التقادير أما علي تقدير البطلان فان الباطل لا يصح بالاجازة و أما علي تقدير الصحة فلتحصيل الحاصل.

«قوله قدس سره: و في عدم الوقوف هنا وجه لا يجري في الثالثة»

الظاهر ان الفارق بين هذه المسألة و تلك المسألة ان طيب النفس بالتجارة موجود هنا بخلاف تلك المسألة و لكن قد مرّ منا انه لا مورد للاشكال فان الطيب هناك موجود أيضا فلاحظ.

[القول في المجاز]
[الاول يشترط فيه كونه جامعا لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره عدا رضا المالك]
اشارة

«قوله قدس سره: الاول يشترط فيه كونه جامعا لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره»

يمكن تقريب المدعي بوجهين: احدهما: ان الدليل علي صحة العقد الفضولي بالاجازة من باب ان الاجازة المتأخرة توجب اسناد العقد السابق الي المجيز فيلزم أن يكون العقد في حد نفسه تاما و جامعا للشرائط كي يكون قابلا لان يستند الي المالك بالاجازة و أما مع

فرض فقدانه لبعض الشرائط يصح أن يقال ان العقد الصادر عن الفضولي فاسد و من الظاهر ان الاجازة لا تجعل العقد الفاسد صحيحا بل بها تستند العقد الي المجيز فيلزم أن يكون تاما صحيحا كي يسند الي المالك بالاجازة.

ثانيهما: ان المستفاد من حديث زرارة «1» ان الاجازة انما تؤثر فيما لا يكون معصية له تعالي بل تكون المعصية منحصرة بعصيان السيد حيث قال عليه السلام «انه لم يعص اللّه و انما عصي سيده فاذا أجازه جاز» فانه يفهم من هذه الجملة ان العقد اذا كان فاقدا لشرط من الشرائط المقررة لا يكون قابلا للاجازة و انما يكون قابلا في

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 297.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 376

ظرف كونه واجدا للشرائط و كان النقصان منحصرا بعدم اجازة السيد و من بيده الامر.

و ان شئت قلت: الاجازة لا تكون اشد تأثيرا من الاذن السابق و من الظاهر ان الاذن السابق لا يؤثر الا فيما يكون المأذون فيه واجدا لجميع الشرائط المقررة فلاحظ. و لا فرق فيما ذكرنا بين القول بالكشف و النقل لوحدة المناط.

«قوله قدس سره: ثم هل يشترط بقاء الشرائط المعتبرة حين العقد الي زمان الاجازة أم لا؟ لا ينبغي الاشكال في عدم اشتراط بقاء المتعاقدين علي شروطهما»

اذا قلنا ان الاجازة كاشفة كشفا حقيقيا و قلنا انها أمارة و علامة أمكن القول بكفاية اجتماع الشرائط حين العقد لان العقد علي المسلك المذكور يكون مؤثرا حين وجوده فيكفي اجتماع الشرائط في ذلك الزمان و لكن هذا القول باطل من أصله و بمراحل من الواقع.

و أما علي المسلك الاخر أعم من النقل أو الكشف الانقلابي أو الحكمي فلا يمكن الالتزام بكفاية

تأخر الشرائط من زمان العقد فان الاصيل اذا مات أو جن أو صار محجورا عليه بفلس أو سفه هل يمكن الالتزام بصحة لحوق الاجازة من المالك؟ فان العين تخرج عن ملك المشتري الاصيل زمان الاجازة و كيف يمكن التصرف في مال من يكون ممنوعا من التصرف أو لا يكون قابلا للمالكية و قد خرج المال المبيع عن ملكه بموته و انتقل الي وارثه.

و ان شئت قلت: ان الاجازة في صورة موت المشتري الاصيل تكون تصرفا في مال الوارث بلا اذن منه هذا علي فرض أن يكون المدرك لصحة الفضولي ان الصادر فضولا يستند الي المجيز بالاجازة.

و أما لو استند في القول بصحة الفضولي بالاجازة بحديث زرارة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 377

فالامر في الاشكال أوضح اذ المفروض في مورد الرواية التحفظ علي جميع الشروط و بقاء الزوجين الي حين اجازة المولي.

و بعبارة اخري: لا يستفاد من الحديث ان اجازة المولي تؤثر حتي مع موت احد الزوجين أو موتهما أو عروض جنون أو سفه علي احدهما.

و ببيان واضح: ان الامام عليه السلام حكم بتأثير الاجازة في أطار خاص و ظرف مخصوص فلا وجه لسريان الحكم الي بقية الموارد.

و بتقريب اوضح: انه لا مجال للاطلاق اذ الاطلاق انما ينعقد فيما يكون الجواب الصادر عن المولي قابلا له كما لو سأل الراوي عن الصلاة في جلد السمور فيجيب الامام عليه السلام بقوله «لا تصل فيما لا يؤكل لحمه» فنقول: الميزان بإطلاق الجواب لا بخصوص السؤال و أما اذا أجاب عليه السلام في مورد المثال بقوله لا تصل فيه لا مجال للاطلاق اذ الحكم وارد في مورد خاص و أطار مخصوص و المقام كذلك فلا بد من

التحفظ علي جميع الخصوصيات فلاحظ.

«قوله قدس سره: و أما شروط العوضين فالظاهر اعتبارها بناء علي النقل»

يقع الكلام تارة في اشتراط العوضين بالشرائط المقررة فيهما المستفادة من الادلة حين العقد و اخري في لزوم بقاء تلك الشرائط الي زمان الاجازة فيقع الكلام في مقامين.

أما

المقام الأول [في اشتراط العوضين بالشرائط المقررة فيهما]

فنقول: لا اشكال و لا كلام في الاشتراط اذ المفروض ان بدونها يكون باطلا هذا من ناحية و من ناحية اخري قلنا الاجازة انما تكون مؤثرة فيما تكون متعلقة بالعقد. الصحيح فهذا مما لا اشكال فيه و لا ريب يعتريه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 378

و أما

المقام الثاني: [في لزوم بقاء تلك الشرائط إلي زمان الإجازة]

فنقول: لا بد من التفصيل فاذا استفيد من الدليل ان الشرط الفلاني لا يكون شرطا للتملك بل شرط في البيع كما ان الامر كذلك بالنسبة الي أم ولد فان المستفاد من الدليل فساد البيع الواقع علي أم ولد و أما كونها مملوكة فلا دليل علي اشتراط عدمه و عليه نقول: لو أوقع الفضولي عقد البيع علي أمة احد ثم صارت الامة أم ولد فاذا قلنا بكون الاجازة كاشفة محضة تكون الاجازة اللاحقة مؤثرة بلا اشكال اذ الاجازة تكشف عن تحقق الانتقال من زمن العقد.

و أما علي القول بالنقل الذي هو المشهور المنصور فيمكن القول أيضا بالصحة كما ذهب إليه سيدنا الاستاد علي ما في تقريره الشريف بدعوي: ان الاجازة لا تكون عقدا جديدا و المفروض ان العقد في زمان وقوعه كان واجدا للشرائط و فاقدا للموانع فاي مانع عن تأثير الاجازة في العقد الكامل في زمان تحققه.

و لكن يمكن أن يرد عليه الايراد بتقريبين: التقريب الاول: ان المستفاد من الدليل ان الشارع الاقدس منع عن نقل أم ولد و ان الاجازة ناقلة فلا تكون صحيحة.

و بعبارة اخري: العرف يفهم من دليل منع بيع أم ولد ان نقلها غير جائز و هذا العرف ببابك.

التقريب الثاني: ان دليل صحة الفضولي بالاجازة منحصر في حديث زرارة فباي تقريب من التقاريب نحكم بالجواز اللهم الا أن يقال: انه عليه السلام

قال: «انه لم يعص اللّه و انما عصي سيده فاذا أجاز جاز» فان عموم العلة يقتضي السريان و التعميم و حيث ان المفروض ان البيع في زمن حدوثه لم يكن واجدا لعصيانه تعالي فيصح.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 379

و علي الجملة: لا بد من ملاحظة الشرائط كل واحد بحياله و استقلاله و استفادة الحكم من دليله مثلا لو قلنا بأنه يشترط في المبيع كونه مالا فاذا باع الفضولي مال زيد و بعد البيع سقط المبيع عن المالية لا يكون مانع عن الاجازة اذ زمان العقد كان اذا مالية و في زمان الاجازة لا دليل علي الشرط المذكور فبمقتضي عموم التعليل نحكم بالجواز و الصحة فلاحظ و اللّه العالم.

[الثاني هل يشترط في المجاز كونه معلوما للمجيز بالتفصيل]

«قوله قدس سره: الثاني هل يشترط في المجاز كونه معلوما للمجيز بالتفصيل»

الحق أن يقال: لا يشترط في المجيز الشرط المذكور لعدم الدليل عليه أما علي تقدير كون المستند في حكم الفضولي العمومات الاولية، فواضح لان المالك باجازته يسند ما وقع في الخارج من العقد الجامع للشرائط الي نفسه فيصح العقد بالنسبة إليه باجازته و أما علي تقدير الاستناد في الصحة بحديث زرارة فأيضا الامر كذلك للاطلاق المستفاد من التعليل فانه يستفاد من التعليل ان من بيده الامر اذا أجاز العقد الفضولي تؤثر و لم يفصل في الحديث التفصيل المذكور فلاحظ الحديث و اغتنم ما نقول.

هذا بالنسبة الي الابهام المتصور في مورد العقد الفضولي مع علم المجيز بأصل العقد و أما اذا لم يعلم بالعقد فهل يجوز له الاجازة علي نحو التعليق و الفرض؟ الحق جوازها اذ المانع المتصور الذي يمكن أن يذكر في المقام بطلان التعليق و من الظاهر ان التعليق ليس من أحكام

العقل كي لا يكون قابلا للتخصيص.

و أيضا لا يكون مدلول دليل عام أو مطلق كي يؤخذ بعمومه أو اطلاقه بل غايته انه مورد الاجماع و الاجماع دليل لبي يعمل به علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 380

فرض العمل به بالمقدار المتيقن و أما الزائد فلا سيما اذا كان المعلق عليه من مقومات العقد و الايقاع كما في المقام فان تحقق العقد في الفضولي في الخارج مقوم للاجازة فلاحظ.

[الثالث المجاز إما العقد الواقع علي نفس مال الغير و إما العقد الواقع علي عوضه]
اشارة

«قوله قدس سره: الثالث المجاز أما العقد الواقع علي نفس مال الغير»

ما أفاده في المقام يختلف علي حسب اختلاف المباني مثلا علي القول بالكشف لا تكون النتيجة متحدة مع القول بالنقل كما ان النتيجة علي القول بصحة بيع من باع شيئا ثم ملك تغاير مع النتيجة الحاصلة علي القول بالفساد و الميزان الكلي ان الاجازة توجب صحة العقد المجاز و أيضا توجب صحة كل عقد يكون ملازما مع العقد المجاز في الصحة.

و توضيح المراد بحوله و قوته في ضمن مثال فنقول: نفرض ان عبد المالك بيع بفرس ثم بيع بكتاب ثم باعه المشتري بدينار فبيع العبد بكتاب واقع بين بيعه بفرس و بيعه بدينار فاذا أجاز مالك العبد بيعه بكتاب يبطل بيعه بفرس اذ يكون بيعه بفرس اجنبيا عن مالك العبد فلا مقتضي لصحته باجازة مالك العبد بيع العبد بكتاب.

و أما بالنسبة الي بيع العبد بكتاب فلا اشكال في صحته بالاجازة علي ما هو المقرر من صحة بيع الفضولي بالاجازة.

و أما بيع العبد بدينار فعلي القول بكون الاجازة كاشفة لا اشكال في تماميته اذ بالاجازة يكشف ان البيع صدر من أهله و وقع في محله.

و أما علي المسلك المنصور أي النقل فيبتني الحكم علي القول

بصحة بيع من باع شيئا ثم ملكه بالاجازة أو بدون الاجازة و قد مرّ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 381

ان الحق عدم الصحة و في المثال المذكور اذا فرضنا انه بيع الفرس بثوب و بيع الدينار بتومان يكون بيع الفرس باطلا و لا يصح باجازة بيع العبد بكتاب فانه اجنبي عن مالك العبد.

و أما بيع الدينار بتومان فعلي القول بالكشف يصح كما هو ظاهر و أما علي القول بالنقل فيبتني علي حكم من باع شيئا ثم ملك فالنتيجة ان العقود الواقعة علي العين أو عوضها قبل العقد المجاز من قبل المالك باطلة لكونها اجنبية عن المالك و أما العقود الواقعة علي العين أو بدلها ففيها التفصيل المذكور.

هذا كله فيما يكون المجاز العقد الواقع علي عين مال المجيز و أما لو كان الاجازة متعلقة بالعقد الواقع علي عوض ماله فأيضا نذكر مثالا و نقول: اذا بيع عبد المالك بفرس و الفرس بدرهم و الفرس برغيف فبيع الفرس بدرهم واقع بين بيع العبد بفرس و بيع الفرس برغيف فاذا أجاز مالك العبد بيع الفرس بدرهم يكون بيع العبد بفرس صحيحا اذ ما دام لا يجيز المالك بيع العبد بفرس لا يملك الفرس و ما دام لا يملك الفرس لا يمكنه اجازة بيع الفرس بدرهم و هذا علي القول بالكشف ظاهر.

و أما علي القول بالنقل فيبتني علي الالتزام بصحة بيع من باع شيئا ثم ملك هذا ما أفاده في المقام.

و لكن الذي يختلج بالبال أن يقال: انه لا مجال لاجازة بيع العبد بالفرس باجازته بيع الفرس بدرهم اذ يتوقف اجازة بيع الفرس بدرهم علي كونه مالكا للفرس و الحال ان كونه مالكا للفرس يتوقف علي اجازة

بيع الفرس بدرهم و هذا دور.

و أما العقد الواقع بعد العقد المجاز أي بيع الفرس برغيف فهو صحيح أما علي الكشف فظاهر و أما علي النقل فيبتني علي القول

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 382

بصحة بيع من باع شيئا ثم ملك و صفوة القول: ان اجازة العقد توجب صحة المجاز و صحة كل عقد يكون ملازما مع المجاز في الصحة من السابقة و اللاحقة فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان هنا اشكالا»

حاصل الاشكال: ان المشتري من الغاصب اذا كان عالما بكون البائع غاصبا و مع ذلك سلطه علي ماله يكون تسليطه مجانيا
اشارة

فاذا فرض ان الغاصب اشتري بذلك المال شيئا يكون له و لا يكون ضامنا للمشتري الاول اذ بالتسليط المجاني الذي صدر عنه سقطت حرمة ماله فلا مجال للاجازة بالنسبة الي مالك العين التي باعها الغاصب لا بالنسبة الي العقد الاول الصادر عن الغاصب بالبيع و لا بالنسبة الي العقد الثاني الذي صدر عنه بالاشتراء فان المفروض ان المبيع الذي يكون مملوكا للمالك الاصلي بلا ثمن و أما العقد الثاني فيكون اجنبيا عنه فعلي كلا التقديرين لا مجال للاجازة فما الحيلة و ما الوسيلة؟

و قد ذكرت في مقام دفع الاشكال وجوه:
الوجه الأول: ان الاجازة كاشفة عن تحقق الملكية في زمان العقد فيكون الغاصب آخذا لمال المالك الاصلي

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 2، ص: 382

فلا مجال للتقريب المذكور.

و فيه ان مسلك الكشف باطل و لا دليل عليه بل الحق مسلك النقل غاية الامر في النقل أيضا أقوال مختلفة و قد تقدم ان المختار عندنا الكشف الانقلابي و بيّنا ما عندنا.

مضافا الي أن التقريب المذكور لا ينطبق علي صورة إنشاء القبول بنفس تسليم الثمن الي البائع الفضولي فان التقريب المشار إليه يتوقف علي تحقق ملكية الثمن للمالك الاصلي كي يكون تسليم الثمن تسليما لمال الغير و أما اذا كان إنشاء الاشتراء بنفس التسليم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 383

الخارجي فلا ملكية قبل الاقباض.

الوجه الثاني: ان حق المالك الاصلي بالنسبة الي الاجازة مقدم علي حق الغاصب

لان حقه أسبق و أولي من الغاصب فان الغاصب يؤخذ بأشق الاحوال

و فيه أولا انه لا نري حقا للمالك الاصلي فان المستفاد من الدليل ان المالك لو أجاز العقد الفضولي تنفذ اجازته و هذا لا يدل علي وجود للمالك. و بعبارة اخري: الدليل الدال علي نفوذ اجازة المالك للعقد الفضولي مثل الدليل يدل علي أن المكلف اذا صار ثوبه نجسا و غسله بالماء مع رعاية الشرائط المقررة يطهر ثوبه و هل يتوهم احد ان هذا حق للمكلف؟ و نسميه بحق التطهير.

و أما كون حق اسبق فلا مجال للقول به بعد انتفاء الموضوع لما بينا و ثانيا: ان الغاصب يؤخذ بأشق الاحوال كلام مشهور في ألسنة الفقهاء و ليس عليه دليل معتبر و انما المستفاد من الدليل ان الغاصب يرتكب الحرام بالتصرف العدواني في مال الغير و ضامن لمال الغير و لا دليل علي أزيد من هذا

المقدار.

و ثالثا: ان الاشكال المذكور في المقام لا يرتبط بالغاصب فان الغاصب غصب مال المالك الاصلي انما الاشكال في ان المشتري العالم بالغصب قد سلط باختياره الغاصب علي الثمن مجانا و بلا عوض فلا ارتباط بين المقامين.

الوجه الثالث: ان التسليط المجاني من قبل المشتري العالم بالغصب انما يكون في ظرف عدم الاجازة

و أما مع الاجازة فلا يكون التسليط مجانيا حتي في نظر الشارع و قد تعرض لهذا الوجه في كلام الشيخ قدس سره و صرح به في كلام سيدنا الاستاد علي ما في تقريره الشريف.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 384

و فيه ان الامضاء الشرعي يتحقق بعد الاجازة القابلة للتأثير و الحال ان التسليط قد تحقق قبل الاجازة فلا يبقي موضوع للاجازة فكيف بالامضاء الشرعي؟ نعم اذا وقع العقد الفضولي بين الغاصب و المشتري العالم بالغصب عقدا لفظيا و يكون الاقباض الخارجي وفاء للعقد علي تقدير الاجازة و لكن هذا فرض و خيال فان المشتري لا يكون قاصدا لامرين بل قاصد لامر واحد اما الوفاء كما هو الحق و اما التسليط المجاني الذي يكون منشأ للاشكال المذكور فلاحظ.

الوجه الرابع: انه ما المراد من التسليط المجاني؟

فان كان المراد من المجاني ان المشتري عالم بعدم صحة المعاملة شرعا فهذا المقدار لا يقتضي المجانية و ان كان المراد انه سلطه بلا عوض و بدل فهو مقطوع البطلان كيف؟ و الحال ان المشتري يتملك المبيع بإزاء الثمن و التسليط الخارجي يكون بعنوان الوفاء.

و ان شئت قلت: ان المقام من مصاديق كبري المقبوض بالعقد الفاسد و قد مر الكلام حول المسألة علي التفصيل و قلنا ان المقبوض بالعقد الفاسد يوجب ضمان القابض.

و لقائل أن يقول: ان عنوان الشيخ الاعظم قدس سره هذا الاشكال في المقام غير سديد فانه ليس بحثا جديدا. لكن يمكن دفع الاشكال المذكور عن الشيخ بأن الوجه في التعرض خصوصية علم المشتري بالقبض و المقبوض بالعقد الفاسد أعم من العلم المذكور فلاحظ.

و كيف كان لا وجه لهذا الاشكال نعم ان الغاصب اذا أتلف الثمن لا يبقي مجال للاجازة اذ المفروض ان الاجازة

ناقلة و مع فرض

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 385

انعدام الثمن لا يكون مجال للنقل و الانتقال و هذا أمر آخر لا يرتبط بالاشكال المذكور في المقام.

و لتوضيح الحال نقول: الاقباض و التسليط اللذان يقعان في الخارج مع علم المشتري بالغصب إما يكونان وفاء بالعقد الواقع قبلهما و إما يكونان مصداقين لانشاء القبول بهما و علي كلا التقديرين نسأل ان المشتري العالم بالغصب هل يقصد بالاقباض الهبة أو الاباحة أم يقصد أمرا آخر ان قلت: بأنه قصد الاباحة أو الهبة قلت: لا يكون كذلك قطعا و هل تكون المعاملات الباطلة في الخارج كالقمار و نحوه مصاديق للهبة أو الاباحة؟ كلا ثم كلا. و ان قلت: قصد الوفاء بالعقد أو قصد الانشاء بالاقباض قلت: فما وجه كون المدفوع للقابض و اي دليل دل علي ان الاقباض الخارجي بنفسه من المملكات في الشرع الاقدس مع ان المستفاد من قوله تعالي «الا أن تكون تجارة عن تراض» حصر التملك الجائز في التجارة عن تراض مع الشرائط المقررة و هل العقد الفاسد من صغريات هذه الكبري؟

[مسألة في أحكام الرد]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة في أحكام الرد»

يقع الكلام في هذه المسألة في جهات:
الجهة الأولي: في انه لا يترتب أثر علي هذا البحث علي القول بأن الرد لا يكون مانعا عن الاجازة

كما قويناه اذ علي القول بعدم المانعية لا يفرق بين تحقق الرد و عدمه.

الجهة الثانية: في أن الرد القولي هل يلزم أن يكون باللفظ الصريح؟

ربما يقال- كما أفاد الشيخ قدس سره- انه يشترط كونه صريحا اذ مع عدم الصراحة يكون المرجع اصالة اللزوم و عدم تحقق المانع و بقاء قابلية للاجازة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 386

و يرد عليه أولا: انه لو استفيد من الدليل تأثير الرد في قابلية الاجازة الواقعة بعده و انها لا اثر لها بعد الرد نأخذ بإطلاق ذلك الدليل و نقول: اذا تحقق الرد يسقط العقد الفضولي عن قابليته للحوق الاجازة به فلا وجه لاشتراط الصراحة.

و ثانيا: انه اذا وصلت النوبة الي الشك و الاخذ بالاصل يشكل اتمام الامر به اذ استصحاب بقاء القابلية يعارضه استصحاب عدم الجعل الزائد و بعد تساقط الاصلين بالمعارضة تصل النوبة الي استصحاب عدم التأثير و عدم كون العقد صحيحا فان الميزان الكلي في مورد الشك في صحة الامور الوضعية أن يرجع الي استصحاب عدم الصحة و ترتيب الفساد.

الجهة الثالثة: في أن المالك اذا تصرف في العين قبل الاجازة تصرفا ناقلا كالبيع أو معدما للملكية كالعتق

فهل يبقي مجال للاجازة بعده أم لا؟ أما علي النقل فلا مجال للاجازة اذ المفروض ان الاجازة ناقلة و مع التصرف المذكور لا موضوع للنقل.

و أما علي الكشف فربما يقال: - كما في كلام الشيخ قدس سره- ان الاجازة تكشف عن بطلان التصرف السابق فتكون الاجازة مؤثرة.

و لكن الحق أن يقال: ان الاجازة الواقعة بعد التصرف باطلة و بلا أثر اذ الاجازة انما تؤثر- حتي علي القول بالكشف- فيما تكون صادرة عن المالك و المفروض ان المجيز لا يكون مالكا بعد التصرف.

و بعبارة واضحة: ان الاجازة لا بد من صدورها من شخص يكون مالكا للعين لو لا الاجازة لا عن الاجنبي و المجيز بعد التصرف يكون أجنبيا هذا بالنسبة الي التصرف في نفس العين.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب،

ج 2، ص: 387

و أما التصرف في منافع العين كالاجازة مثلا فالظاهر انها لا تكون مانعة عن الاجازة اللاحقة غاية الامر يثبت للمشتري الخيار.

و علي الجملة: التصرف في المنافع بنفسه لا يكون مانعا عن الاجازة الا اذا علم من الشرع تنافيها كالاستيلاد اذا قلنا ان المستفاد من الدليل المنع عن نقل أم ولد بأي نحو كان و تشخيص الموارد بنظر الفقيه الخبير بالصناعة.

الجهة الرابعة: في أن التصرفات غير المنافية هل تكون ردا أم لا؟
اشارة

مثلا: العرض للبيع أو البيع الفاسد هل يكون ردا أم لا يكون؟

و الذي ذكر في تقريب كونه مانعا وجهان:
الوجه الأول: ان التصرف غير المنافي كالعرض للبيع مثلا رد عرفا.

و يرد عليه ان الرد من الامور الانشائية التي تتوقف علي الانشاء فكيف يحصل بعرض المتاع للبيع.

الوجه الثاني: ان التصرف في العين المنتقلة الي الغير بالعقد الخياري يكون فسخا اجماعا

مثلا اذا باع زيد داره من بكر بالبيع الخياري ثم باع الدار من شخص آخر يكون بيعه الثاني فسخا للعقد الاول فاذا كان النقل المنافي فسخا بالبيع الخياري و موجبا لانعدام العقد فبالاولوية يكون ردا للعقد الفضولي.

و يرد عليه أولا: ان القياس مع الفارق فان ذا الخيار ما دام لا يكون فاسخا للعقد الاول لا يمكنه العقد الثاني لعدم جواز بيع مال الغير فاذا باع يكشف عن الفسخ السابق.

و ثانيا: انه قد مرّ منا انه لا يمكن الالتزام بكون التصرف موجبا للفسخ و مقتضيا للبيع الجديد اذ قلنا ان البيع لا بد من وقوعه في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 388

ملكه و المفروض ان العين مملوكة للغير فكيف يمكن ان ذا الخيار بانشاء واحد يخرج العين عن ملك الغير و يدخله في ملكه و في ذلك الزمان يدخلها في ملك ثالث فانه غير معقول و كيف يمكن قيام الاجماع التعبدي علي الامر الذي يكون غير معقول.

ان قلت: مقتضي جريان اصالة الصحة في بيعه الحكم بفسخه أولا ثم بيعه، قلت: ان المفروض ان المبرز منحصر في العقد المنافي و قلنا لا يعقل إنشاء كلا الامرين بانشاء واحد مضافا الي أن اجراء اصالة الصحة في مورد يمكن للمتصدي للعقد الاتيان به و انشائه و المفروض ان العين مملوكة للغير و ليس لذي الخيار بيعها فلا موضوع لاصالة الصحة.

بالإضافة الي أن مقتضي الاستصحاب بقائها في ملك من عليه الخيار و عدم الفسخ و مما ذكرنا ظهر انه لا وجه للتفصيل بين كون المتصرف ملتفتا الي أن العين مبيعة بالعقد

الفضولي و بين أن يكون غافلا بأن يقال في الصورة الاولي بكونه ردا و في الصورة الثانية بعدم كونه ردا.

الجهة الخامسة: ان الفضولي لو أقبض العين من المشتري الاصيل فلا اشكال و لا ريب في أن للمالك انتزاعها من يد المشتري

و هل يكون الانتزاع بنفسه ردا أم لا؟ الحق أن يقال: ان الانتزاع بنفسه يجامع مع عدم الرد و لكن يمكن إنشاء الرد بالانتزاع فاذا دلت القرائن علي أن المالك قصد الرد بالانتزاع نلتزم به و أما مع عدم دلالة القرينة و الشك يكون مقتضي الاستصحاب عدم إنشاء الرد من قبل المالك.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 389

[مسائل متفرقة]
[مسألة لو لم يجز المالك فان كان المبيع في يده فهو]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة لو لم يجز المالك فان كان المبيع في يده فهو»

الامر كما أفاد فانه مع كون المبيع في يده لا يكون مجال للرجوع الي أحد.

«قوله قدس سره: و الا فله انتزاعه ممن وجده في يده»

اذ المفروض ان العين مملوكة له فعلي طبق القانون الشرعي و العقلائي يجوز له أخذه فان الناس مسلطون علي أموالهم.

«قوله قدس سره: و يرجع بمنافعه المستوفاة و غيرها علي الخلاف المتقدم في البيع الفاسد»

و قد مرّ الكلام تفصيلا هناك فراجع ما ذكرناه هناك.

«قوله قدس سره: و مع التلف يرجع الي من تلف عنده»

بل يرجع الي من وضع يده علي ماله و بعبارة اخري: اليد اذا لم تكن امانية و كانت ضمانية يكون الاخذ ضامنا و قد مرّ الكلام حول المسألة في تعاقب الايدي.

«قوله قدس سره: بقيمته يوم التلف»

قد ذكرنا في المقبوض بالعقد الفاسد ان مقتضي القاعدة الاولية كون الميزان بيوم الدفع و لكن بالنسبة الي الغاصب نلتزم بأن الميزان قيمة يوم الغصب بملاحظة حديث أبي ولاد الحناط «1» و تفصيل الكلام موكول الي ذلك المقام.

«قوله قدس سره: اختص السابق»

اذ لا مقتضي للرجوع بالنسبة الي الزيادة الي اللاحق فان المفروض انه لم يضع يده علي العين الا في زمان تنزل القيمة و هذا ظاهر واضح.

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من

أبواب الاجارة الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 390

[فهنا مسألتان]
[الاولي انه يرجع عليه بالثمن ان كان جاهلا بكونه فضوليا]
اشارة

«قوله قدس سره: الاولي انه يرجع عليه بالثمن»

اذ المفروض ان وضع الغاصب يده علي الثمن يوجب ضمانه و مع الضمان لا فرق بين كون العين باقية أو تالفة.

«قوله قدس سره: ان كان جاهلا بكونه فضوليا»

يقع الكلام في هذه المسألة في جهات:
الجهة الأولي: في رجوع المشتري علي البائع الفضولي مع جهله بالغصب

فانه في الجملة بلا اشكال اذ المفروض ان يد البائع الفضولي يد ضمان فيكون ضامنا للمشتري فيجوز للمشتري أن يرجع عليه بعد اطلاعه علي كون البائع فضوليا و لا فرق فيما ذكرنا من رجوعه علي الفضولي بين كون الثمن باقيا أو تالفا اذ مقتضي الضمان انتقال العين الي الذمة بعد التلف فلا فرق بين البقاء و التلف.

الجهة الثانية: في أنه هل يكون اعتراف المشتري و اقراره بكون البائع مالكا مانعا عن الرجوع عليه أم لا؟

فنقول: تارة يبحث في مقام الثبوت و اخري في مقام الاثبات أما في مقام الثبوت فجواز الرجوع و عدمه تابع لاعتقاد المشتري فان كان معتقدا بكون البائع مالكا فلا يجوز و ان كان شاكا و استند في الاشتراء الي اليد يجوز له الرجوع بعد قيام البينة علي أن العين مملوكة للغير و البائع فضولي.

و أما في مقام الاثبات فتارة يعلم من القرائن ان اعترافه بكون البائع مالكا مستندا الي اليد و اخري يعلم انه معترف بكونه مالكا حتي بعد قيام البينة و ثالثة لا يعلم بالتفصيل احد الطرفين.

أما في الصورة الاولي فلا اشكال في جواز رجوعه اذ قيام البينة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 391

يبطل امارية اليد و أما في الصورة الثانية فيؤخذ باعترافه و اقراره و لا يجوز له الرجوع و أما في الصورة الثالثة فأيضا يجوز الرجوع اذ البينة تقتضي جواز الرجوع و في قبالها ليس شي ء يقتضي خلافه.

و ان شئت قلت: قيام البينة وجداني و اقرار المشتري بكون الثمن للبائع مشكوك فيه و الاصل عدمه.

الجهة الثالثة: انه لو كان المشتري عالما بالفضولية

و كان الثمن باقيا عند الفضولي فهل يجوز رجوعه و أخذ الثمن منه أم لا؟ مقتضي القاعدة وفاقا لجملة من الاساطين المذكورين في المتن انه يجوز له الرجوع و الاخذ اذ الثمن مملوك له و لم يتحقق في الخارج ما يوجب انتقال الثمن الي الفضولي و قد تقدم آنفا في الجملة و تقدم في بحث المأخوذ بالعقد الفاسد بالجملة ان التسليط الخارجي و اقباض الثمن من الفضولي لا يقتضي صيرورته ملكا له.

هذا علي النقل الذي هو القول المنصور و أما علي الكشف فان كان العقد الفضولي الواقع بين الفضولي و الاصيل باللفظ و كان الاقباض

وفاء للعقد يكون المثمن ملكا للمالك الاصلي و كيف يمكن أن يصير الثمن ملكا للبائع الفضولي مع كونه مملوكا للمالك الاصلي؟

و علي اساس كونه ملكا للبائع الفضولي لا يبقي مجال للاجازة و لكن القول بالكشف علي خلاف التحقيق و يمكن ان الماتن يشير الي ما ذكرنا بقوله «فتأمل».

الجهة الرابعة: في أنه هل يجوز للبائع الفضولي التصرف في الثمن أم لا؟

لا يخفي انه لا يبقي مجال لعنوان هذا الفرع اذ بعد بقاء الثمن في ملك مالكه الاولي أي المشتري الاصيل لا مقتضي لجواز تصرف البائع الفضولي فيه بل لا اشكال في حرمته فانه تصرف عدواني و مصداق للغصب.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 392

الجهة الخامسة: في أنه لو تلف الثمن عند البائع الفضولي فهل يكون ضامنا للمشتري الاصيل مع علمه بالغصب أم لا؟

قال الشيخ قدس سره: المعروف عدم رجوع المشتري بل المحكي عن العلامة و ولده و المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهم رحمهم اللّه الاتفاق عليه و اختار عدم الضمان.

و ملخص ما افاده في مقام تقريب عدم الضمان: ان القائل بالضمان اما يتمسك بقاعدة علي اليد و اما يتمسك بقاعدة الاقدام أما الاول فهو خصّص بما يدل علي أن الودعي و المستعير لا يكونان ضامنين مع ان المالك لم يأذن لهما في الاتلاف فبطريق أولي لا يتحقق الضمان هنا فان المالك أي المشتري الاصيل سلط الفضولي علي التصرف في الثمن و اتلافه فلا يثبت الضمان من هذه الناحية.

و أما الاقدام فلا اثر له لان المشتري يعلم بأن البائع جعل الثمن في مقابل مال الغير فاقدامه بالنحو المذكور لا يوجب شيئا عليه و بنحو آخر لم يتحقق فلا مقتضي للضمان.

لا يقال: فيلزم عدم الضمان في العقود الفاسدة و الحال انه قد سبق في بحث العقد الفاسد ان المأخوذ به يقتضي الضمان، فانه يقال: التضمين هناك يتحقق غاية الامر يكون فاسدا.

و بعبارة اخري: قد تحقق هناك أمران: اصل التضمين و تضمين خاص و الشارع الاقدس لم يمض الحصة الخاصة فيبقي أصل الضمان بحاله و أما فيما نحن فيه فلا يكون ضمان الا بمال الغير فلا يتوجه الي البائع الفضولي شي ء.

اذا عرفت ما تقدم نقول يقع الكلام تارة فيما يرجع الي كلام

عمدة المطالب

في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 393

الشيخ و ان ما أفاده تام أم لا؟ و اخري فيما يقتضيه النظر الدقيق

فهنا مقامان
أما المقام الأول [في أن ما أفاده الشيخ تام أم لا]

فيرد علي ما أفاده أولا: انه كيف جمع بين حرمة تصرف الفضولي في الثمن قبل تلفه و عدم ضمانه بعد التلف فان الاقباض ان كان إباحة أو هبة أو عارية فلا وجه لحرمة التصرف و ان لم يكن الاقباض باحد هذه العناوين فلا بد من الالتزام بالضمان فالجمع بين الامرين جمع بين المتنافيين.

و بعبارة واضحة: ان التسليط علي التصرف و الاتلاف ان كان موجبا لعدم الضمان فكيف لا يكون مقتضيا لجواز التصرف فانه قدس سره صرح بأنه سلطه علي التصرف و الاتلاف.

و ثانيا: ان المشتري الاصيل العالم بالفضولية لا يسلط البائع الفضولي علي مملوكه كي يقال ان التصرف فيما يكون مأذونا فيه من قبل المالك لا يوجب الضمان كيف و ان المشتري يتملك العين في مقابل تمليك الثمن.

و ان شئت قلت: ان المشتري يعتبر كون الثمن مملوكا للفضولي و مع البناء علي كونه مملوكا للفضولي لا مجال للاذن فان الانسان انما يأذن في التصرفات الواقعة في مملوكه لا في مملوك الغير.

و بعبارة واضحة: انه يري نفسه اجنبيا عن الثمن و علي هذا الاساس يسلمه من البائع فلا يتم ما أفاده هذا تمام الكلام بالنسبة الي المقام الأول.

و أما المقام الثاني [فيما يقتضيه النظر الدقيق]

فنقول: قد سبق منا في بحث المقبوض بالعقد الفاسد ان وضع اليد علي مال الغير مع الاقدام علي الضمان يوجب الضمان في نظر العقلاء و سيرتهم و هذه السيرة ممضاة من قبل الشارع الاقدس غاية الامر ان كان التضمين مطابقا مع المقررات الشرعية يكون الواضع ضامنا للمسمي و الا يكون ضامنا للبدل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 394

الواقعي في صورة تلف المأخوذ و نفس العين في صورة بقائها و وجودها و علي هذا الاساس نحكم بالضمان

في جميع موارد العقود الفاسدة و المعاملات غير الشرعية و الا يلزم عدم ضمان المتقامرين و لا فرق فيما نقول بين أن يكون مورد العقد مملوكا للمتعاملين أو لا يكون أو يكون أحد العوضين مملوكا لاحدهما دون الاخر و الميزان الكلي ما ذكرنا و هو وضع اليد علي مال الغير و عدم قصد المجانية.

و يمكن اثبات المدعي بتقريب آخر و هو ان المستفاد من قوله تعالي «الا أن تكون تجارة عن تراض» ان جواز تملك مال الغير منحصر في التجارة عن تراض مع الشرائط المقررة و في غير هذه الصورة لا يجوز التملك هذا من ناحية و من ناحية اخري ان التصرف في مال الغير بلا رضاه حرام كما ان وضع اليد علي مال الغير يقتضي الضمان فالنتيجة انه لو تلف الثمن في يد الفضولي يكون ضامنا للمشتري الاصيل.

ان قلت: فما الوجه لعدم ضمان المستودع و المستعير؟ قلت:

الشارع الاقدس حكم بعدم ضمان اليد الامانية مضافا الي أن اقباض المالك مملوكه من المستودع أو المستعير لا يكون مبنيا علي الضمان و لذا نفرق بين كون العارية عارية مضمونة أو غير مضمونة حيث نلتزم بالضمان في الصورة الاولي و عدمه في الصورة الثانية.

و صفوة القول: ان وضع اليد علي مال الغير بلا قيد عدم الضمان يكون مقتضيا للضمان في وعاء الشرع و عند العقلاء بحسب سيرتهم.

ثم انه ينبغي التنبيه بأمور تبعا للماتن قدس سره
التنبيه الاول: ان قاعدة ما يضمن و عكسه لا تكون بهذا العنوان واقعة في كلام الامام عليه السلام

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 395

كي نتعرض لمفادها بل هذه الجملة كلام الاعلام و لا يبعد أن يكون الظاهر من الجملة ان كل عقد اذا فرض الضمان في صورة كونه صحيحا يكون موجبا للضمان في صورة الفساد أيضا و كذلك في عكس القضية و الحق ان الكبري المذكورة

غير تامة فان عقد البيع اذا كان صحيحا يكون موجبا لضمان البائع للمبيع و لضمان المشتري الثمن و الحال ان فاسده لا يقتضي الضمان و هكذا فالحق أن يقال ان المستفاد من الشرع و السيرة ان وضع اليد علي مال الغير مع اشتراط الضمان يقتضي أن يكون الواضع ضامنا.

التنبيه الثاني: انه لو باعه ما لا يكون قابلا للبيع لا شرعا و لا عند العقلاء

كما لو باعه حرا بدينار و قبض الدينار فهل يكون القابض ضامنا للدينار المقبوض أم لا؟

أفاد سيدنا الاستاد قدس سره وفاقا لجملة من الاساطين ان القابض لا يكون ضامنا بتقريب: ان المشتري اذا علم بالحال لم يقصد المبادلة حقيقة فلا يكون للثمن عوض فلا مقتضي للضمان و يكون كالبيع بلا ثمن.

و يرد عليه ان قياس المقام بالبيع بلا ثمن قياس مع الفارق فان البيع بلا ثمن عبارة عن التمليك المجاني غايته انشأ الواهب الهبة بهذا اللفظ و أما في المقام فان المفروض جعل المعاوضة بين الثمن و المبيع الحر.

و قوله «انه لم يقصد المبادلة حقيقة» لا يرجع الي محصل صحيح فان قصد المبادلة و المعاوضة قد تحقق علي الفرض و أي فرق بين المقام و بين بقية العقود الفاسدة فالحق ان الضمان متحقق اذ المشتري لم يقصد المجانية و انما سلط البائع علي الثمن من باب كونه مالكا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 396

و صفوة القول: ان فساد المعاملة ان كان موجبا لعدم الضمان فما الوجه في الحكم بالضمان في بقية الموارد؟ و ان كان قصد المعاوضة يقتضي الضمان فالمقام كذلك فالحكم بالفرق تحكم.

و ببيان اوضح: ان القابض للثمن هل يجوز له التصرف في الثمن و هل يكون الثمن مملوكا له أم لا؟ و لا بد لمن يقول بعدم الضمان أن يقول هو مملوك

له و صار ملكا له بالهبة فان البيع المذكور في الحقيقة هبة كالبيع بلا ثمن و عليه نقول: هل يصح اطلاق الهبة عليه و العرف ببالك فانه يصح سلب الصدق و صحة السلب علامة المجاز فلاحظ.

التنبيه الثالث: ان البائع الفضولي اذا باع العين للمالك الاصلي

و أخذ الثمن بعنوان ايصاله إليه مع علم المشتري بالحال و تلف في يده قبل الوصول الي المالك فهل يكون ضامنا؟ الظاهر انه لا وجه للضمان اذ يده امانية و المفروض ان المشتري مع علمه بالحال دفع الثمن إليه لان يوصله الي المالك الاصلي.

التنبيه الرابع: انه لو قلنا بعدم الضمان

كما اختاره الشيخ قدس سره و فرضنا ان المشتري لم يقبض الثمن بل البائع الفضولي بنفسه أخذ الثمن من باب أنه ملكه فهل يكون ضامنا أم لا؟ لا اشكال في ضمانه في الصورة المفروضة اذ لا وجه لعدم الضمان و التقريب المتقدم لا يتحقق في المقام فانّ المفروض ان المشتري لم يسلطه بل هو بنفسه وضع يده علي مال الغير فيكون ضامنا.

التنبيه الخامس: انه لو اشترط المشتري الضمان في زمان الاقباض

بأن يشترط عليه بأنه لو أخذ منه العين يكون الفضولي ضامنا فهل يكون تلف الثمن في هذه الصورة موجبا للضمان أم لا؟

الذي يختلج بالبال أن يفصّل بأن يقال: ان كان الاقباض بعنوان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 397

كون البائع مالكا و الاقباض وفاء بالعقد يكون شرط الضمان يوجب كون اليد موجبة للضمان اذ مرجع الشرط الي أن الاقباض و التسليط لا يكون مجانيا و أما لو كان الاقباض بعنوان ان البائع الفضولي يوصل الثمن الي المالك الاصلي فشرط الضمان يكون فاسدا لكونه علي خلاف الشرع.

و بعبارة واضحة: انه قد سبق آنفا ان الاقباض اذا كان لاجل ايصاله الي المالك الاصلي لا يكون الاخذ ضامنا في صورة التلف فشرط الضمان في الصورة المفروضة خلاف المقرر الشرعي فلا يكون نافذا.

ان قلت: يجوز شرط الضمان في العارية نصا و فتوي قلت:

العارية لاجل الانتفاع بالعين و المقام ليس كذلك بل الاقباض لاجل الايصال فقط.

التنبيه السادس: لا فرق بين كون الثمن كليا و دفع الي البائع بعض أفراد الكلي و بين كونه شخصيا.

فانه لا فرق بينهما من حيث الاثر و الاحكام المترتبة.

[المسألة الثانية ان المشتري اذا اغترم للمالك غير الثمن]
اشارة

«قوله قدس سره: المسألة الثانية ان المشتري اذا اغترم للمالك غير الثمن»

في هذه المسألة فروع
الفرع الأول: اذا اغترم المشتري الاصيل غرامة لم يحصل شي ء له في مقابلها
اشارة

كالمصارف التي صرفها في العمارة مثلا و أمثالها فهل يمكنه الرجوع بها الي البائع الفضولي أم لا؟ فنقول: تارة يكون المشتري عالما بالحال و ان العين للغير و البائع غاصب و اخري يكون جاهلا.

أما في الصورة الاولي فلا يكون له الرجوع اذ لا مقتضي للرجوع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 398

و ان شئت قلت: لا فرق بين البائع و المشتري في هذه الجهة و انهما غاصبان للعين فلا مقتضي للرجوع.

و أما ان كان جاهلا فما يمكن أن يذكر في تقريب جواز الرجوع وجوه:
الوجه الأول: الاجماع عن السرائر انه يرجع قولا واحدا.

و فيه ان الاجماع المنقول لا يكون حجة و المحصل منه علي تقدير حصول محتمل المدرك فلا يكون حجة أيضا.

الوجه الثاني: قاعدة نفي الضرر

بتقريب: ان المشتري تضرر بالغرامة و الضرر منفي في الشريعة المقدسة.

و يرد عليه أولا: ان التمسك بالقاعدة انما يتم علي مسلك المشهور في مفاد القاعدة و أما علي مسلك شيخ الشريعة الّذي اخترناه فلا مجال للاخذ بها اذ المستفاد من القاعدة علي المختار حرمة الاضرار بالغير لا نفي الحكم الضرري في الشريعة و تفصيل الكلام موكول الي مجال آخر و قد تعرضنا حول القاعدة و ذكرنا ما اختلج ببالنا و من أراد الوقوف علي ما ذكرنا فليراجع القاعدة في المجلد الثاني من كتابنا «آرائنا في اصول الفقه».

و ثانيا: انه ما الفرق بين البائع و المشتري و أي ترجيح في طرف المشتري و بعبارة اخري اذا لم يرجع المشتري الي البائع يكون الضرر متوجها إليه و اذا راجع عليه و يأخذ الغرامة منه يكون البائع متضررا فما وجه الترجيح و التقديم؟

و ثالثا: ان القاعدة تنفي الضرر لا انها تدل علي جبران الضرر الوارد مثلا الوضوء اذا كان ضرريا يرتفع وجوبه بالقاعدة و أما اذا كان الضرر واردا علي شخص فلا تدل القاعدة علي جبرانه و الا كان اللازم تدارك كل ضرر وارد علي شخص من بيت المال و هل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 399

يمكن الالتزام به؟ كلا ثم كلا.

و ان شئت قلت: ان القاعدة نافية لا مثبتة و في المقام المفروض وقوع الضرر علي المشتري و لا تفي القاعدة بجبران ضرره برجوعه علي البائع.

الوجه الثالث: قاعدة السبب و التسبيب

فان البائع سبب لوقوع الضرر المفروض علي المشتري فيجوز له أن يرجع عليه و يأخذ الخسارة منه.

و فيه ان هذه القاعدة لم تقع في آية أو رواية بل لا بد من العمل علي طبق القاعدة فان كان التسبيب علي

نحو يستند الفعل الي السبب كالذي يفتح باب قفس الطائر و يصير سببا لطيرانه و تلفه فضمانه علي القاعدة لان الفعل يستند إليه و يصح أن يقال: ان فلانا أتلف الطائر الفلاني.

و الميزان الكلي في تقديم السبب علي المباشر أن يكون بحيث يستند الفعل إليه فاذا صدق القتل و انه قتل فلانا يقتصّ منه أو يؤخذ منه الدية و اذا صدق انه أتلف يكون ضامنا و هكذا و من الظاهر انه لا يكون كذلك في المقام.

الوجه الرابع: قاعدة الغرور

فان المغرور يرجع الي من غره.

و هذه القاعدة قاصرة من حيث السند فانه نقل انها مضمون حديث نبوي و لكن الحديث غير معتبر سندا و عمل المشهور به أول الكلام بل قيل لم يعمل به المشهور.

مضافا الي أنا قد ذكرنا مرارا ان عمل المشهور بحديث ضعيف لا يجبر ضعفه و لكن مع ذلك لا يمكن رفع اليد عن القاعدة اذ لا يبعد أن تكون السيرة العقلائية جارية علي تغريم الغارّ و في سيرتهم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 400

يرجع المغرور الي من غرّه و يمكن أن يستفاد المدعي أي اعتبار القاعدة من جملة من النصوص منها ما رواه اسماعيل بن جابر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نظر الي امرأة فأعجبته فسأل عنها فقيل: هي ابنة فلان فأتي أباها فقال: زوجني ابنتك فزوجه غيرها فولدت منه فعلم بها بعد انها غير ابنته و انها امة قال ترد الوليدة علي مواليها و الولد للرجل و علي الذي زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غرّ الرجل و خدعه «1».

و منها ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال قضي أمير المؤمنين

عليه السلام في المرأة اذا أتت الي قوم و أخبرتهم انها منهم و هي كاذبة و ادعت انها حرة و تزوجت انها تردّ الي أربابها و يطلب زوجها ماله الذي أصدقها و لا حق لها في عنقه و ما ولدت من ولد فهم عبيد «2».

و منها ما رواه أبو عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال في رجل تزوج امرأة من وليّها فوجد بها عيبا بعد ما دخل بها قال: فقال:

اذا دلست العفلاء و البرصاء و المجنونة و المفضاة و من كان بها زمانة ظاهرة فانها تردّ علي أهلها من غير طلاق و يأخذ الزوج المهر من وليها الذي كان دلسها فان لم يكن وليّها علم بشي ء من ذلك فلا شي ء عليه و ترد علي أهلها قال و ان أصاب الزوج شيئا مما اخذت منه فهو له و ان لم يصب شيئا فلا شي ء له قال و تعتد منه عدة المطلقة ان كان دخل بها و ان لم يكن دخل بها فلا عدة عليها و لا مهر لها «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 2.

(3) الوسائل الباب 2 من ابواب العيوب و التدليس الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 401

و منها ما رواه رفاعة بن موسي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام الي أن قال و سألته عن البرصاء فقال: قضي أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة زوجها وليّها و هي برصاء انّ لها المهر بما استحل من فرجها و ان المهر علي الذي زوجها و انما صار عليه المهر لانه دلّسها و لو ان رجلا تزوج امرأة و زوجه ايّاها رجل لا

يعرف دخيلة أمرها لم يكن عليه شي ء و كان المهر يأخذه منها «1».

و منها ما رواه ابن بكير عن بعض اصحابه قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة بها الجنون و البرص و شبه ذا فقال: هو ضامن للمهر «2».

و منها: ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل ولّته امرأة أمرها أو ذات قرابة أو جار لها لا يعلم دخيلة أمرها فوجدها قد دلست عيبا هو بها قال يؤخذ المهر منها و لا يكون علي الذي زوجها شي ء 3.

و منها: ما رواه الحلبي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال انما يرد النكاح من البرص و الجذام و الجنون و العفل قلت أ رأيت: ان كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها قال: المهر لها بما استحل من فرجها و يغرم وليّها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها «4».

و منها ما رواه داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يتزوج المرأة فيؤتي بها عمياء أو برصاء أو عرجاء قال:

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب العيوب و التدليس الحديث 1.

(2) (2 و 3) عين المصدر الحديث 3 و 4.

(4) عين المصدر الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 402

ترد علي وليها و يكون لها المهر علي وليها، الحديث «1».

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:

في كتاب علي عليه السلام من زوج امرأة فيها عيب دلّسه و لم يبيّن ذلك لزوجها فانه يكون لها الصداق بما استحل من فرجها و يكون الذي ساق الرجل إليها علي الذي زوجها و لم يبيّن «2».

و منها ما

رواه علي بن جعفر عن اخيه قال سألته عن امرأة دلّست نفسها لرجل و هي رتقاء قال: يفرق بينهما و لا مهر لها «3».

و منها ما رواه الوليد بن صبيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل تزوج امرأة مرة فوجدها امة قد دلّست نفسها له قال: ان كان الذي زوجها ايّاه من غير مواليها فالنكاح فاسد قلت: فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال: ان وجد مما أعطاها شيئا فليأخذه و ان لم يجد شيئا فلا شي ء له و ان كان زوجها ايّاه ولي لها ارتجع علي وليها بما أخذت منه و لمواليها عليه عشر ثمنها ان كانت بكرا و ان كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها قال:

و تعتد منه عدة الامة قلت: فان جاءت منه بولد قال: أولادها منه أحرار اذا كان النكاح بغير اذن الموالي «4».

فان المستفاد من مجموع ما ذكر ان القاعدة المذكورة قاعدة فقهية و لذا نري الفقهاء يقولون بها في موارد التغرير.

و لكن النصوص المشار إليها لا تفي باثبات المدعي علي نحو الكبري الكلية اذ ما يستفاد منه عموم الحكم ضعيف سندا لاحظ ما

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب العيوب و التدليس الحديث 6.

(2) عين المصدر الحديث 7.

(3) عين المصدر الحديث 8.

(4) الوسائل الباب 67 من ابواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 403

رواه اسماعيل بن جابر «1» فان الحديث تام من حيث الدلالة لكن السند ضعيف و لاحظ ما رواه رفاعة «2» و الرواية ضعيفة بسهل و للحديث سند آخر و فيه نقاش أيضا فراجع.

و في المقام حديث رواه جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه

عليه السلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجئ مستحق الجارية قال يأخذ الجارية المستحق و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد و يرجع علي من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي اخذت منه «3».

و هذه الرواية تامة سندا و لا يبعد أن يكون فيه اشعار علي المدعي فلاحظ و لكن يمكن الاستدلال بهذه الرواية علي المقام بالتقريب الذي ذكره الشيخ قدس سره بأن نقول: ان حرية الولد اما تعد نفعا و اما لا تعد أما علي الاول فيدل الحديث علي الضمان في المقام بالاولوية اذ لو ثبت الضمان بالتدليس مع الانتفاع فمع عدمه يتحقق بالاولوية و أما علي الثاني فيدل الحديث علي الضمان في المقام أيضا لوحدة حكم الامثال.

و لكن الاشكال كل الاشكال في أن الاحكام الشرعية منوطة بنظر الشارع الاقدس و لا تنالها أفهامنا فالعمدة الاشعار الذي ذكرنا و من الظاهر ان مجرد الاشعار لا أثر له.

و أما حديث زريق قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام يوما اذ دخل عليه رجلان الي أن قال فقال احدهما: انه كان عليّ مال لرجل من بني عمار و له بذلك ذكر حق و شهود فأخذ المال و لم

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 400.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 401.

(3) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 404

استرجع منه الذكر بالحق و لا كتبت عليه كتابا و لا أخذت منه براءة و ذلك لانّي وثقت به و قلت له: مزق الذكر بالحق الذي عندك فمات و تهاون بذلك و لم يمزقها و عقب هذا ان طالبني بالمال وراثة و

حاكموني و أخرجوا بذلك الذكر بالحق و أقاموا العدول فشهدوا عند الحاكم فاخذت بالمال و كان المال كثيرا فتواريت من الحاكم فباع عليّ قاضي الكوفة معيشة و قبض القوم المال و هذا رجل من اخواننا ابتلي بشراء معيشتي من القاضي.

ثم ان ورثة الميت اقروا ان المال كان أبوهم قد قبضه و قد سألوه أن يرد عليّ معيشتي و يعطونه في أنجم معلومة فقال: اني احب أن تسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن هذا فقال الرجل يعني المشتري جعلني اللّه فداك كيف اصنع؟ فقال: تصنع أن ترجع بمالك علي الورثة و ترد المعيشة الي صاحبها و تخرج يدك عنها قال فاذا أنا فعلت ذلك له أن يطالبني بغير هذا؟ قال: نعم له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلة ثمن الثمار و كل ما كان مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها يجب أن ترد ذلك الا ما كان من زرع زرعته انت فان للزارع اما قيمة الزرع و اما أن يصبر عليك الي وقت حصاد الزرع فان لم يفعل كان ذلك له و رد عليك القيمة و كان الزرع له.

قلت: جعلت فداك فان كان هذا قد أحدث فيها بناء أو غرس قال: له قيمة ذلك أو يكون ذلك المحدث بعينه يقلعه و يأخذه قلت:

أ رأيت ان كان فيها غرس أو بناء فقلع الغرس و هدم البناء فقال:

يرد ذلك الي ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الارض فاذا رد جميع ما أخذ من غلاتها الي صاحبها ورد البناء و الغرس و كل محدث الي ما كان أو رد القيمة كذلك يجب علي صاحب الارض أن يرد عليه كل ما خرج عنه في اصلاح المعيشة من قيمة غرس

أو بناء أو نفقة في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 405

مصلحة المعيشة و دفع النوائب عنها كل ذلك فهو مردود إليه «1».

و حديث زرارة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: رجل اشتري جارية من سوق المسلمين فخرج بها الي ارضه فولدت منه اولادا ثم انّ أباها يزعم انها له و أقام علي ذلك البينة قال يقبض ولده و يدفع إليه الجارية و يعوضه في قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها «2».

فكلاهما ضعيفان سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتهما مضافا الي أن الامام عليه السلام لا يكون في مقام بيان رجوع المشتري الي البائع و عدمه كي يقال: ان سكوته عليه السلام يدل علي عدم الرجوع فلا مجال لان يقال ان المستفاد من الحديثين انه ليس له الرجوع الي البائع.

و الحاصل ان الدليل علي الرجوع السيرة العقلائية و هي محكمة و اللّه العالم.

و يؤيد المدعي ما رواه وليد بن صبيح «3» و في المقام حديث رواه أبو عبيدة «4» فانه يمكن الاستدلال بالحديث علي المدعي بتقريب ان المستفاد من قوله عليه السلام «و يأخذ الزوج المهر من وليها الذي كان دلّسها» ان التدليس يوجب جواز الرجوع الي المدلس و هذا هو المدعي فلاحظ.

لكن هذا انما يتم في صورة التغرير و أما اذا لم يصدق العنوان المذكور كما لو كان البائع غافلا أو كان معتقدا لجواز بيع مال الغير فكيف يمكن الاستناد الي قاعدة الغرور فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 4.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 402.

(4) قد تقدم ذكر الحديث في ص 400.

عمدة

المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 406

الفرع الثاني: فيما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه
اشارة

و هذا أيضا يتصور بنحوين أي تارة يكون مع العلم بالحال و اخري مع الجهل أما في صورة العلم و عدم صدق الغرور فلا وجه لرجوعه الي البائع و أما في صورة الجهل بالحال فذهب الشيخ قدس سره وفاقا لجملة من الاساطين الي أنه يجوز له الرجوع علي البائع.

و ما يمكن أن يذكر مدركا للحكم وجوه
الوجه الأول: الاجماع

فعن التنقيح ان عليه الفتوي و ظاهر هذه الجملة ان عليه اتفاق الكلمة.

و فيه ما فيه و قد مرّ قريبا الاشكال في الاجماع فلا نعيد.

الوجه الثاني قاعدة نفي الضرر

و أيضا قد مرّ الاشكال في الاستدلال بالقاعدة قريبا فراجع ما ذكرناه.

الوجه الثالث: قاعدة التسبيب

و أيضا مرّ الاشكال في الاستدلال بها.

الوجه الرابع: قاعدة الغرور

فان مقتضي القاعدة المذكورة المرتكزة في اذهان العقلاء انه يجوز للمغرور أن يرجع الي من غره هذا من ناحية و من ناحية اخري الظاهر انه يصدق عنوان التغرير علي البائع الفضولي العالم بكون المال مغصوبا فلا اشكال لا من ناحية الكبري و لا من ناحية الصغري بل المقام من الموارد المتيقنة للقاعدة كما افاده الشيخ قدس سره.

الوجه الخامس: حديث جميل «1»

و يمكن الاستدلال بما رواه ابو عبيدة «2».

الفرع الثالث: انه لو كان الثمن المأخوذ من المشتري الاصيل عشرة دراهم

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 403.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 400.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 407

و تلفت العين في يد المشتري و زادت قيمة العين عن الثمن يكون للمشتري الرجوع علي البائع الفضولي للاخذ بالنسبة الي ما زادت اذ يصدق انه مغرور و مدلس و المغرور يرجع الي من غره و دلسه و أما بالنسبة الي مقدار الثمن الذي اخذ منه فيرجع و يأخذ من البائع كما مر و لكن ليس له أن يأخذ منه ما يساوي الثمن.

بتقريب: ان المشتري قد غرم بالعشرين فيجوز له أخذ العشرين فان التقريب باطل اذ لا يصدق الغرور و التدليس بالنسبة الي هذا المقدار فلاحظ.

و في المقام اشكال و هو انه قد تحقق عند القوم ان العقد المقبوض بالعقد الفاسد يوجب ضمان الاخذ و يكون ضامنا لتمام القيمة و الوجه فيه ان الاخذ قد أقدم علي الضمان و عليه يلزم في المقام أن يكون ضامنا للمبيع و لا يكون للمشتري الاصيل الرجوع فيما زاد علي الثمن الذي جعل في قبال العين اذ المفروض ان المشتري أقدم علي الضمان فما الوجه في التفصيل؟

و بعبارة اخري: العلة للضمان في العقد الفاسد الاقدام علي الضمان و المفروض ان الموجب المذكور موجود في المقام أيضا.

و ان شئت قلت: ان الاقدام علي الضمان ان كان موجبا للضمان و لا يكون التغرير و التدليس صادقا فلا وجه للرجوع حتي بالنسبة الي الزائد و ان لم يكن موجبا فما الوجه في الضمان في المقبوض بالعقد الفاسد؟

و يمكن أن يجاب عن الاشكال المذكور انه في المقبوض بالعقد الفاسد يتحقق القبض مع الاقدام

علي الضمان و الشارع الاقدس ألغي الضمان المعاوضي لبطلان العقد فرضا و أمضي أصل الضمان لوضع اليد مع عدم المجانية فيكون الاخذ ضامنا للقيمة الواقعية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 408

و أما في المقام فالحق انه يضمن أيضا القيمة الواقعية بلا فرق لكن حيث انه مغرور بالنسبة الي ما زاد علي الثمن يكون له الرجوع.

و صفوة القول: ان الفارق بين المقامين صدق التغرير و التدليس و المغرور يرجع الي من غره.

و ربما يقال- كما أفاد السيد قدس سره في الحاشية- ان موجب الضمان هو وضع اليد علي مال الغير و لذا لو وهبه الفضولي مال الغير و تلف عند المتهب يكون المتهب ضامنا للقيمة الواقعية مع انه لم يقدم علي الضمان اذ فرض عدم اقدامه علي الضمان فالموجب للضمان قاعدة اليد و أما وجه رجوعه الي البائع الفضولي في الزيادة علي الثمن فلقاعدة الغرور و أما وجه عدم رجوعه في مقدار الثمن فلإقدامه و عدم صدق الغرور.

و لما انجر الكلام الي هنا ينبغي بل يلزم ارسال عنان الكلام و البحث علي النحو المبسوط في هذا المجال فنقول: لو كانت رواية علي اليد تامة سندا لكان القول بالضمان بمقتضي الحديث المزبور في محله و لكن الحديث قاصر سندا لاحظ ما روي عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال: «علي اليد ما اخذت حتي تؤديه» «1».

فان هذه الرواية قاصرة سندا و انجبارها بعمل المشهور بها موقوف علي القول بانجبار الخبر الضعيف بالعمل و هو اوّل الكلام و الاشكال.

لكن الظاهر انه لا مجال للاشكال صغرويا اذ الظاهر انه لا اشكال في أن المشهور عملوا بالخبر فان الاستدلال به في كلمات الاصحاب أظهر من أن

يخفي لمن يراجع كلماتهم في باب الاستدلال علي الضمان لكن كل الاشكال في الكبري فالحديث ساقط عن الاعتبار

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من ابواب الغصب الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 409

و عليه العمدة في المستند السيرة العقلائية و هل يمكن للفقيه أن يجزم بالسيرة علي نحو الاطلاق.

و بعبارة اخري: هل يمكن للفقيه أن يلتزم بأن مجرد وضع اليد علي مال الغير و لو مع الجهل القصوري موجب للضمان و اذا وصلت النوبة الي الشك فالاصل عدم الضمان نعم بالمقدار الذي أقدم علي الضمان و وضع اليد علي العين يكون ضامنا.

و الذي يختلج بالبال في هذه العجالة و ان كان يقرع الاسماع أن يقال: ان وضع اليد علي مال الغير اذا كان عن عذر كما لو كان جاهلا أو غافلا أو ناسيا أو مغرورا أو مأخوذا بالعقد الفاسد لا يتحقق ضمان اليد فلو تلفت العين بمتلف سماوي لا يكون من وضع يده عليها ضامنا اذ لا دليل علي الضمان غير قاعدة اليد و قد مرّ آنفا عدم تمامية سند القاعدة فلا بد لمدعي الضمان من اقامة دليل عليه و يترتب علي ما قلنا آثار مهمة.

هذا بالنسبة الي التلف و أما بالنسبة الي الاتلاف فلا يبعد أن يستفاد من جملة من النصوص ضمان المتلف «1».

فان المستفاد من جملة من نصوص الباب ان المتلف ضامن و لو كان معذورا كما انه يستفاد من بعض نصوص الباب ان التلف يوجب ضمان ذي اليد لما في يده لاحظ ما رواه الكاهلي «2» و لكن السند ضعيف.

و أيضا يستفاد من جملة النصوص ان العارية مضمونة مع الشرط منها ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو

عبد اللّه عليه السلام: لا تضمن العارية الا أن يكون قد اشترط فيها ضمان الا الدنانير فانها

______________________________

(1) لاحظ النصوص في ص 216- 219.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 217.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 410

مضمونة و ان لم يشترط فيها ضمانا «1».

و منها ما رواه زرارة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام:

العارية مضمونة فقال: جميع ما استعرته فتوي فلا يلزمك تواه الا الذهب و الفضة فانهما يلزمان الا أن تشترط عليه انه متي توي لم يلزمك تواه و كذلك جميع ما استعرت فاشترط عليك لزمك و الذهب و الفضة لازم لك و ان لم يشترط عليك 2.

و منها ما رواه عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس علي صاحب العارية ضمان الا أن يشترط صاحبها الا الدراهم فانها مضمونة اشترط صاحبها أو لم يشترط «3».

و منها ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه أو أبي ابراهيم عليهما السلام قال: العارية ليس علي مستعيرها ضمان الا ما كان من ذهب أو فضة فانهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا «4» كما انه يستفاد من بعض الروايات 5 ان عارية الذهب و الفضة يوجب الضمان فنلتزم بالضمان في هذه الموارد و أما في غيرها فيشكل الالتزام به نعم مع العلم بأنه مال الغير و لا يكون راضيا بالتصرف و بعبارة اخري اذا كان الاخذ و وضع اليد مصداقا للغصب يمكن أن يقال بأن المأخوذ يكون في ضمان الاخذ في نظر العقلاء و ارتكازهم و سيرتهم و اما ان لم يكن كذلك في نظر العقلاء كالمقبوض بالعقد الفاسد و كالمقبوض بالقمار و أمثالها فلا يكون التلف موجبا للضمان

و لا يرون الاخذ و الذي وضع يده علي المال ضامنا فالالتزام

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 3 من ابواب العارية الحديث 1 و 2.

(3) عين المصدر الحديث 3.

(4) (4 و 5) عين المصدر الحديث 4 و 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 411

بالضمان شرعا مع ضعف حديث علي اليد في غاية الاشكال هذا كله بالنسبة الي التلف.

و أما الاتلاف العدواني فلا اشكال في كونه موجبا للضمان في نظر العقلاء لكن اذا كان الاتلاف اكراهيا أو كان ناشيا عن النسيان و أمثالهما فما المانع عن شمول حديث الرفع.

ان قلت: حديث الرفع امتناني و عدم الضمان خلاف الامتنان بالنسبة الي من أتلف ماله. قلت: أولا: اي دليل دل علي كون الحديث امتنانيا بالنسبة الي الامة بل يمكن أن يكون الحديث امتنانيا بالنسبة الي رسول اللّه فان قوله صلي اللّه عليه و آله «رفع عن امتي» ظاهر في ان اللّه سبحانه أكرم نبيه و منّ عليه برفع جملة من الالتزامات بالنسبة الي الامة المرحومة.

و ثانيا يرد علي التقريب المذكور ان الامتنان بالنسبة الي من يتحقق في حقه الحكم. و بعبارة واضحة: دليل الرفع في كل مورد شمل واحدا من المكلفين يكون الشمول بالنسبة الي المشمول امتنانيا و لا يلزم أن يكون امتنانا بالنسبة الي غيره.

مثلا اذا كان العشرة للزوجة حرجيا يكون مقتضي الحرج رفع وجوب بقائها مع زوجها و يجوز لها هجره و تركه و الحال ان الرفع المذكور خلاف الامتنان بالنسبة الي زوجها فليكن.

«قوله قدس سره: فجريان قاعدة الغرور فيما نحن فيه أولي منه فيما حصل في مقابلته نفع»

و هذا ظاهر اذ لو كان الغرور موجبا للرجوع الي الغار في صورة انتفاع المغرور من

العين فجواز رجوعه في صورة عدم الانتفاع بالاولوية القطعية بلا كلام و لا اشكال فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 412

الفرع الرابع انه لو تجددت زيادة القيمة و لم تكن حين العقد

و رجع المالك و اخذ القيمة الزائدة فأفاد الشيخ قدس سره: ان جواز رجوع المشتري الي البائع الفضولي المغرور أولي في هذه الصورة و يمكن أن يكون الوجه في الاولوية ان المشتري لم يقدم علي ضمان الزائد المتجدد بخلاف الصورة الاولي.

و يرد عليه ان الشيخ يري ان الضمان مسبب من اليد و سببيه اليد للضمان سواء.

الفرع الخامس: اذا غرم المشتري بإذاء الجزء التالف

كما لو اشتري منا من الحنطة و تلف نصفها يكون حكم النصف التالف كحكم نفس العين فان المشتري يرجع الي البائع بالنسبة الي الزيادة لا فيما يقابله و هذا ظاهر.

الفرع السادس: ان المشتري لو غرم للمالك بإزاء وصف من أوصاف المبيع التي لا يقسط عليها الثمن

كالكتابة في العبد مثلا يرجع بها الي البائع لصدق الغرور.

و بعبارة اخري: علي القول بأن اليد توجب الضمان يكون ضامنا للمالك و هذا الضمان مسبب من الغرور فبمقتضي قاعدة الغرور له أن يرجع الي البائع بالمقدار الذي غرم للمالك.

الفرع السابع: ان رجوع المشتري الي البائع لقاعدة الغرور مخصوص

بمورد لا يكون العقد باطلا من غير جهة كون البائع فضوليا و أما لو كان العقد باطلا من غير هذه الجهة كما لو كان العقد غرريا فلا يجوز للمشتري أن يرجع الي البائع الفضولي اذ لا يكون ضمانه مسببا عن التغرير و التدليس فلا رجوع.

الفرع الثامن: انه في كل مورد يرجع المشتري لاخذ الغرامة الي البائع الفضولي اذا رجع المالك ابتداءً الي الفضولي

لا يرجع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 413

الفضولي الي المشتري و الوجه فيه ان قرار الضمان علي البائع الفضولي علي الفرض فلا معني لان يرجع الفضولي الي المشتري.

و أما فيما لا يرجع المشتري الي البائع كمساوي المثمن اذا رجع المالك الي البائع الفضولي و أخذ منه يرجع به الفضولي و يأخذ منه اذ المفروض انه لم يغرره بهذا المقدار فقرار الضمان علي المشتري.

ان قلت: المفروض ان مدرك الضمان قاعدة علي اليد و تحقق اليد و أخذ مال الغير مشترك فيه بين البائع الفضولي و المشتري فلا ترجيح لاحدهما علي الاخر من حيث الضمان نعم لو كان تلف العين باتلاف المشتري يكون رجوع السابق علي اللاحق علي القاعدة اذ تنجز الضمان علي السابق مسبب من اتلاف اللاحق.

و بعبارة اخري اللاحق يكون سببا لتنجز الضمان علي السابق فرجوع السابق علي اللاحق في صورة الاتلاف علي طبق القاعدة و أما في صورة التلف فاي وجه للرجوع مع ان الضمان مشترك بينهما و كلاهما ضامنان بملاك واحد و هي قاعدة اليد.

قلت: لا بد من تحقيق ضمان الذمم المتعددة بمال واحد هذا ما أفاده الشيخ قدس سره في هذا المقام.

و أفاد السيد قدس سره في الحاشية «انه يمكن أن يقال: لا فرق بين الاتلاف و التلف فكما ان الاتلاف يوجب استقرار الضمان في ذمة السابق فصار اللاحق سببا كذلك في صورة التلف يصدق

ان اللاحق بحيلولته بين العين و مالكها و بين العين و السابق صار سببا لاستقرار الضمان في ذمة السابق و لا حاجة الي التوضيح الذي ذكره الشيخ قدس سره.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 414

و الظاهر ان ما أفاده تام اذ تارة نبحث في وجه رجوع السابق الي اللاحق و الوجه فيه كون اللاحق سببا للضمان السابق و اخري نبحث في كيفية اشتغال ذمم متعددة لعين واحدة.

و الحق أن يقال: ان الضمان علي السابق لقاعدة اليد فلا فرق بين التلف و الاتلاف و لو لا قاعدة اليد لا مقتضي للضمان بالنسبة الي السابق لا بالتلف و لا بالاتلاف اذ لا دليل علي أن اتلاف شخص عينا أو تلفها عنده يكون موجبا لضمان شخص آخر.

و كيف كان فالشيخ قدس سره بين كيفية اشتغال ذمم متعددة بعين واحدة و يستفاد من كلامه ان كيفية اشتغال ذمم متعددة لعين واحدة نظير الواجب الكفائي فكما ان الاتيان بالواجب الكفائي لازم علي الكل غايته علي البدل كذلك في المقام ففي المقام يملك المالك ما في ذمة الجميع علي البدل و قال: المقام نظير ضمان المال علي طريق الجمهور حيث انهم قائلون بضم ذمة الي ذمة اخري و لا يقولون بالنقل من ذمة الي ذمة اخري.

و أيضا الامر كذلك في ضمان عهدة العوضين لكل من البائع و المشتري فيكون البائع و ضامنه كلاهما ضامنان للمشتري و أيضا المشتري و ضامنه ضامنان للمبيع.

و أيضا الامر كذلك في ضمان الاعيان المضمونة و ضمان الاثنين لواحد.

و عن صاحب الجواهر قدس سره انه استحال اشتغال الذمم المتعددة بمال واحد و السيد اليزدي في الحاشية استقرب و قال من القريب دعوي صاحب الجواهر.

اذا عرفت

ما تقدم فاعلم ان الانصاف ان المقام مزال الاقدام فان صاحب الجواهر يقول يجوز للمالك الرجوع علي كل واحد من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 415

الذين وضعوا أيديهم علي العين و لكن الذي تلف المال عنده مخاطب بالخطاب الذمي و الباقون مخاطبون بالخطاب الشرعي فنسأل:

أو لا: اذا لم يكن الباقون مخاطبين بالخطاب الذمي فباي ميزان يجوز للمالك أن يراجع كل واحد منهم.

و ثانيا: نفرض ان كلهم دفعوا العوض فاي واحد من الابدال يقع بدلا و الحال انه لا مرجح و من ناحية اخري البدل بدل واحد.

و السؤال الثاني يتوجه الي السيد و الي الماتن اي الشيخ الاعظم و نقول: كيف يكون المتعدد ضامنا لمال واحد و الحال ان البدل واحد و لا نفهم الضمان علي البدل أي واحد منهم ضامن لا كلهم أو ان كل واحد منهم ضامن اذا لم يكن الباقي ضامنا.

و علي الجملة: لا نفهم المراد و لا نتصور معني معقولا و أجاب سيدنا الاستاد عن الاشكال الوارد في المقام بان الجامع يكون ضامنا كما ان المكلف في الواجب الكفائي هو الجامع بين المكلفين فان سيدنا الاستاد يري ان المكلف في الواجب الكفائي هو الجامع كما ان الواجب في الواجب التخييري الجامع بين الفعلين أو الافعال.

و يرد عليه انه لو دفع الكل دفعة واحدة فاي فرد يقع بدلا و الحال انه لا ترجيح فلا يقاس بالواجب الكفائي اذ في الواجب الكفائي لو أتي بالواجب جميع المكلفين نلتزم بوقوع كل واحد مصداقا للمأمور به و يثاب كل مكلف علي طاعته فلو سلم الوارد علي الجالسين في مجلس واحد و أجابه الكل دفعة لا يختص الامتثال بواحد منهم بل كلهم ممتثل و أما

في المقام فلا يمكن الالتزام به كما هو ظاهر.

اذا عرفت ما تلوناه عليك فاعلم ان الذي يختلج بالبال أن يقال:

في الواجب الكفائي الواجب هو الفعل لا بشرط من الكثرة و الوحدة و قد ثبت في الاصول ان الامر لا يدل علي المرة و لا علي التكرار

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 416

و انما يحصل الامتثال بالمرة من باب صدق الطبيعة و الا لو أتي المكلف الكلي في ضمن افراد متعددة يحصل الامتثال كما يتحقق بالاتيان بفرد واحد و لكن في المقام نقول: الثابت علي الجامع الطبيعة مقيدة بعنوان بشرط لا عن التعدد و المقيد بهذا القيد لا يعقل تحققه الا في ضمن فرد واحد و بهذا النحو نتخلص عن الاشكال و نرفع العويصة و لعمري ان ما بينته دقيق و بالتأمل حقيق فافهم و اغتنم.

هذا حال المالك بالإضافة الي ذوي الايدي و أما حال بعضهم مع البعض الاخر فاذا راجع المالك الي بعضهم و غرمه و أخذ البدل منه فان كان مغرورا من قبل السابق يرجع عليه لقاعدة الغرور و ان كان غارا لليد اللاحقة فلا يراجعه كما هو ظاهر.

[في تعاقب الأيدي]
[الوجه الأول ان السابق اشتغلت ذمته له بالبدل]

«قوله قدس سره: فنقول ان الوجه في رجوعه هو ان السابق اشتغلت ذمته له بالبدل»

هذا هو الوجه الأول الذي ذكر في مقام دفع الاشكال في المقام و حاصل ما أفاده في تقريب المدعي: ان الواضع الاول بوضع يده علي العين انتقل المال الي ذمته فهو يصير ضامنا للعين فقط و أما الضامن الثاني فقد استولي علي العين التي لها بدل و هذا هو الفارق بين الضامن الاول و الضامن الثاني فاذا رجع المالك الي الضامن الاول و غرمه يسقط عن عهدة الضامن الثاني

أحد الامرين و يبقي الفرد الاخر و هو البدل اذ لا وجه للضمان للمالك بعد وصول حقه إليه فيكون الفرد الاخر متعينا للبدلية و يكون مملوكا للضامن الاول و يكون للاول الرجوع الي الثاني لكن بعد دفع الغرامة للمالك.

و ان شئت قلت: ضمان الضامن الثاني يكون نظير الواجب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 417

التخييري فكما ان الواجب هناك احد الامرين علي البدل أو فقل:

الواجب هو الجامع بين الامرين كذلك الضمان في المقام فان الثاني ضامن لاحد أمرين فكما ان أحد الفردين من الواجب هناك اذا سقط يتعين الفرد الاخر كذلك يتعين في المقام البدل بعد رجوع المالك الي الاول و أخذ البدل منه.

و يرد عليه أولا: ان العين ما دامت موجودة لا تنتقل الي الذمة.

و بعبارة اخري: لا تشتغل الذمة قبل تلف العين.

و ثانيا: انه علي هذا يلزم أن يكون الضامن الثاني ضامنا لاحد الامرين للمالك اذا المفروض ان المالك مالك لما في ذمة الضامن الاول فكل من العين و بدلها مملوك للمالك فلا وجه لرجوع السابق الي اللاحق و ثالثا انه يلزم جواز رجوع السابق الي اللاحق قبل الدفع و الحال انه لا يجوز الا بعد الدفع فانقدح ان الوجه المذكور غير صالح لدفع الاشكال.

الوجه الثاني: ما أفاده السيد في الحاشية

و هو انه لا فرق بين الاتلاف و التلف فكما ان الاتلاف يوجب تحقق الضمان بالنسبة الي الضامن كذلك التلف لان من تلف عنده المال صار سببا للضمان.

و يرد عليه انه لا دليل علي كون التسبيب بنفسه موجبا لجواز الرجوع الي المسبب مضافا الي أن نسبة قاعدة اليد الي كل منهما سواء فلا موجب للرجوع فانقدح انه لا يمكن القول بجواز رجوع السابق الي اللاحق بهذا الوجه

أيضا.

الوجه الثالث: ما أفاده صاحب الجواهر قدس سره

و هو ان من تلف المال عنده خطابه بالاداء ذمي و أما غيره من ذوي الايدي فخاطبه شرعي و تكليفي و ذمته غير مشغولة بالعين فاذا رجع المالك

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 418

الي من تلف المال عنده و غرمه لا يرجع الضامن الي غيره لعدم المقتضي للرجوع و أما اذا رجع المالك الي غيره من ذوي الايدي و أخذ منه البدل يملك المأخوذ منه ما في ذمة الضامن الذي تلف المال عنده بالمعاوضة القهرية أو نقول يملك التالف كذلك.

و يرد عليه أولا: انه علي هذا التقدير لا موجب لرجوع المالك الي غير من تلف المال عنده اذا المفروض ان غيره غير ضامن فما الوجه في الرجوع نعم اذا تم شرائط الامر بالمعروف يجوز أمره بالاداء و هذا لا يختص بالمالك.

و ثانيا: ان المقتضي للضمان اليد و هو مشترك بين جميع ذوي الايدي و تلف المال عند الاخير لا يقتضي اختصاص الاشتغال به و عليه لا وجه للتفصيل بين ذوي الايدي.

و ثالثا: انه يلزم علي مسلكه انه لو رجع المالك الي غير من تلف المال عنده و أخذ البدل منه لا يجوز للمأخوذ منه الا الرجوع الي من تلف المال عنده و الحال ان بنائهم علي جواز الرجوع الي كل من وضع يده علي المال.

الوجه الرابع: ان المستفاد من قاعدة علي اليد

ان العين بنفسها في ذمة الضامن و لذا قلنا انه لا فرق في الضمان بين المثلي و القيمي فان العين ثابتة في ذمة الضامن و الذي يشهد لما ذكرنا ان العين التالفة لو اعيدت الي عالم الوجود بدعاء ولي من أولياء اللّه يجب علي الضامن ردها و ليس له أن يعتذر بأنها مثلية و يجب علي اداء مثلها

أو يقول انها قيمية و يجب عليّ اداء قيمتها بل يجب عليه اداء نفسها.

هذا من ناحية و من ناحية اخري لا اشكال في نظر العقلاء

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 419

و سيرتهم ان العين المضمونة لو تلفت كما لو انكسر الكوز و دفع الضامن بدله تكون الاجزاء المنكسرة من الكوز الباقية مملوكة للضامن بعد رد البدل الي المالك و لا يرون العقلاء المالك الاصلي ذا حق بالنسبة الي الاجزاء الباقية.

اذا عرفت هذه المقدمة نقول: بعد تلف العين تكون العين التالفة ثابتة في الجامع بين الذمم
اشارة

فاذا رجع المالك علي واحد من ذوي الايدي و أخذ البدل منه يقوم المأخوذ منه مقام المالك و يملك الجامع فله الرجوع الي كل واحد منهم الي أن يصل الامر الي من الذي تلف عنده المال فيجوز لكل سابق أن يرجع الي كل واحد من اللاحقين.

ان قلت: ما الوجه في انه لو رجع الي السابق يرجع السابق الي اللاحق و أما لو رجع الي اللاحق فليس له ان يرجع الي السابق.

قلت: الوجه فيه ان السابق الذي يؤخذ منه الغرامة يملك بقاء ما به الضمان أي البدل أو فقل: يملك نفس العين فله أن يرجع الي من وصلت العين بيده و أما اللاحق فلا مقتضي لرجوعه الي السابق اذ المفروض ان العين خرجت من يده.

و بعبارة اخري: مقتضي قاعدة اليد أن ترد العين أو بدلها و المفروض ان العين قد خرجت من يد الضامن الاول و دخلت في يد الضامن الثاني فالذي اخذ منه الغرامة لا يمكنه الرجوع الي السابق اذ المفروض انه خرجت العين من يده فيلزم علي الثاني أن يرجع العين الي الاول كي يمكنه الرجوع إليه.

و بعبارة واضحة: اذا خرجت العين من يد السابق و دخلت في يد اللاحق و مع

ذلك رجع اللاحق علي السابق يكون للسابق حق مطالبة العين و يقول سلمني العين.

ان قلت: فعليه ليس للمالك ان يراجع الضامن الاول اذ فرض

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 420

خروج العين من يده. قلت: المفروض ان العين لم تصل الي يد المالك و ما دام لا تصل الي يده لا تبرأ ذمة الضامن.

بقي شي ء و هو انه هل يجوز للضامن السابق أن يراجع اللاحق في أخذ الغرامة قبل دفعها الي المالك أم لا؟ الحق انه لا يجوز و الوجه فيه ان السابق ما دام لم يدفع العوض الي المالك الاصلي لا يملك الجامع و لا يصير ما في الذمم ملكا له فلا مقتضي لرجوعه قبل دفعه الغرامة فلاحظ.

ثم انه هل للمالك ابراء واحد من الضامنين بحيث يبرأ وحده و يبقي الباقون علي ضمانهم أم لا؟ الظاهر هو الثاني فان الشخص ليس ضامنا كي يكون قابلا للابراء.

و ان شئت قلت: المملوك بقاعدة الضمان امر واحد فلا مجال لتخصيص الابراء بفرد معين و مشخص بل يلزم اما الابراء علي الاطلاق و اما الابقاء كذلك.

ثم ان في المقام فروعا تعرض الماتن لها
الفرع الأول: ان العين اذا كانت باقية يجوز للمالك أن يرجع علي من في يده العين

و أيضا يجوز أن يراجع كل من جرت يده علي العين فان الجميع ضامنون علي الفرض فيجب علي كل واحد منهم أن يرد العين الي مالكها.

الفرع الثاني: ان المالك لو رجع علي المشتري لاسترجاع ماله و لا يمكن للمشتري انتزاع العين

عن يد من تكون العين تحت يده يجب عليه أن يغرم للمالك بدل الحيلولة و هذا مبني علي تمامية أخذ بدل الحيلولة و علي تقدير القول بها و أخذها لا يسقط حقه عن استرداد العين عند الامكان كما هو ظاهر فان بدل الحيلولة بدل موقت.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 421

الفرع الثالث: انه لو توقف ارجاع العين علي مئونة يجب علي الضامن القيام بها

فانها مقدمة للواجب ان قلت: قاعدة لا ضرر تقتضي عدم صرف شي ء في طريق الاسترجاع و الرد.

قلت أولا: التمسك بقاعدة لا ضرر في أمثال المقام يتوقف علي القول المشهور في مفاد القاعدة و أما علي مسلك شيخ الشريعة فلا ترتبط القاعدة بالمقام و أمثاله بل المستفاد منها حرمة الاضرار بالغير.

و ثانيا: انه سلمنا اقتضاء القاعدة سقوط الوجوب لكن في عدم الرد و الامساك عن الرد ضرر علي المالك فيقع التعارض بين الضررين و المرجع وجوب رد المال الي مالكه و أما قاعدة ان الغاصب يؤخذ بأشق الاحوال فكلام شعري لا أصل لها.

الفرع الرابع: انه اذا انحصر رد العين بالمالك و غيره لا يقدر

هل يجوز له أن يأخذ اجرة مثل العمل؟ الظاهر انه يجوز له فان عمل المسلم محترم و لو فرض في هذه الصورة أن يطالب بأزيد من الاجرة المتعارفة فالظاهر انه يجب بذل العوض الزائد اذ المفروض ان المشتري يجب عليه الرد باي وجه و الاخذ بقاعدة لا ضرر لعدم الوجوب مدفوع بما تقدم آنفا مضافا الي أنه لا فرق في هذه الجهة بين المتعارفة و الزائد عليها.

[مسألة لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه»

يقع الكلام في هذه المسألة تارة من حيث القاعدة الاولية و اخري من حيث النص الخاص فيقع الكلام في مقامين

أما المقام الأول

فنقول: الظاهر فساد البيع اذ المفروض ان بعض المبيع مال الغير و لا يشمله دليل صحة البيع و أما صحته فيما يملك فعلي خلاف

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 422

القاعدة لان البيع واحد فما صدر عن المالك غير قابل للامضاء فان المركب من الداخل و الخارج خارج و ما يكون قابلا للامضاء لم يصدر فان البيع تعلق بالمجموع و المفروض ان المجموع غير قابل للبيع.

ان قلت: بيع المجموع ينحل الي بيوع متعددة فبالنسبة الي المملوك صحيح و بالنسبة الي غير المملوك يتوقف علي اجازة مالكه.

قلت: أولا يلزم تعدد الخيار و هل يمكن أن يقال: انه اذا باع داره زيد ثبت له الخيار بعدد أجزاء داره فله خيار بالنسبة الي تمامه و خيار بالنسبة الي نصفه و خيار بالنسبة الي ثلثه و هكذا و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟

و أيضا يلزم انه صدر عن البائع بيوع الي ما لا نهاية له اذ مقتضي التحقيق استحالة الجزء الذي لا يتجزي و هل يمكن الالتزام به؟

و ثانيا: انه لا اشكال في أن البائع اذا باع داره مثلا يبيع مجموع داره من غير نظر الي الاجزاء. و بعبارة اخري: لا يبيع كل جزء من داره بل يبيع مجموع الدار فتحصل ان مقتضي القاعدة بطلان البيع بلا فرق بين لحوق الاجازة من مالك الجزء الاخر و عدمه أما علي فرض عدم الاجازة فظاهر و أما علي فرض الاجازة فلعدم شمول حديث زرارة الدال علي الصحة مع الاجازة

للمقام اذ المفروض ان البيع واقع علي المجموع المركب من الجزءين و المفروض أيضا عدم امكان الالتزام بصحة المجموع.

و صفوة القول ان بيع المجموع بما هو لا يمكن القول بصحته لكون بعض المبيع ملكا للغير و لا بيع الا في ملك و بيع كل جزء

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 423

بحياله و استقلاله لا مقتضي لصحته لانتفاء موضوعه اذ المفروض وحدة البيع.

و ببيان اوضح: ان بيع مال الغير مع مال نفسه باطل مع قطع النظر عن الاجازة و لا يمكن تصحيحه بالاجازة اللاحقة اذ ما وقع غير قابل للصحة فان بيع المالك مال نفسه مع مال غيره قد فرض وقوعه فاسدا و الشي ء لا ينقلب عما هو عليه و ما يمكن أن يصح بالاجازة لم يقع فلاحظ هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و أما المقام الثاني

فقد ورد في المقام حديث لاحظ مكاتبة الصفار، انه كتب الي أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام في رجل له قطاع ارضين فيحضره الخروج الي مكة و القرية علي مراحل من منزله و لم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه و عرف حدود القرية الاربعة فقال للشهود: اشهدوا انّي قد بعت فلانا يعني المشتري جميع القرية التي حد منها كذا و الثاني و الثالث و الرابع و انما له في هذه القرية قطاع ارضين فهل يصلح للمشتري ذلك و انما له بعض هذه القرية و قد أقر له بكلها فوقع عليه السلام: لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك «1» فان مقتضي هذه المكاتبة صحة البيع بالنسبة الي الجزء المملوك.

«قوله قدس سره: و أما علي القول بصحة الفضولي

فلا ينبغي الريب في الصحة مع الاجازة بل و كذا مع الرد»

قد تقدم منا انه لا فرق بين القول ببطلان الفضولي و صحته و لا ادري ما هو وجه التفصيل في كلام الماتن قدس سره اذ لو قلنا بأن ادلة صحة البيع تشمل بيع الجزء المملوك تكون الصحة بالنسبة الي

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 424

الجزء المملوك علي طبق القاعدة بلا فرق بين القول بصحة الفضولي مع الاجازة و عدم القول بها و ان لم نقل بالشمول- كما لا نقول به- فأيضا يكون البطلان علي القاعدة بلا فرق بين الصورتين.

و لتوضيح المدعي نقول: اذا فرضنا لحوق الاجازة و قلنا انها تؤثر نسأل ان الاجازة في المقام ناقلة مثل بقية الموارد أو كاشفة أما الكشف فلا يمكن الالتزام به و أما النقل فهل يختص النقل بالجزء غير المملوك أولا يختص أما لو قلنا بالنقل حتي بالنسبة الي الجزء المملوك فلا دليل عليه و أما التفكيك بين الجزء المملوك و غير المملوك بالالتزام بالنقل بالنسبة الي غير المملوك و الكشف بالنسبة الي المملوك فأيضا لا دليل عليه بل لنا أن نقول مقتضي المكاتبة فساد بيع الجزء غير المملوك و لو مع لحوق الاجازة فان مقتضي اطلاق المكاتبة فساد بيع الجزء غير المملوك.

ان قلت: مقتضي حديث زرارة «1» الوارد في نكاح العبد بلا اذن مولاه الصحة مع الاجازة قلت: نعم و لكن المكاتبة تخصّص الاطلاق و تقيده.

ان قلت: النسبة بين حديث زرارة و المكاتبة عموم من وجه فان حديث زرارة يختص بصورة الاجازة و يعم من غير هذه الجهة و حديث صفار يختص بمورد بيع

عين بعضها للبائع و بعضها لمالك آخر و يعم من حيث الاجازة و عدمه فيقع التعارض بينهما.

قلت: سلمنا التعارض لكن الترجيع بالاحدثية مع حديث صفار فالنتيجة ان البيع بالنسبة الي حصة الغير فاسد من حيث القاعدة و من حيث النص الخاص فلاحظ

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 297.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 425

«قوله قدس سره: ثبوت الخيار حينئذ للمشتري»

المسمي بخيار تبعض الصفقة الثابت بالاشتراط الضمني الثابت بالارتكاز و لكن قد ظهر مما تقدم انه لا مجال لهذا البحث فانه بعد فرض بطلان البيع لا تصل النوبة الي بحث الخيار.

«قوله قدس سره: تقوية ثبوت الخيار للبائع»

ربما يقال بأن المستفاد من حديث صفار لزوم البيع من طرف البائع بمقتضي قوله عليه السلام «وجب البيع فيما يملك». و يرد عليه أولا: ان المراد بالوجوب ثبوت البيع في مقابل بطلانه كما هو كذلك بالنسبة الي غير المملوك.

و ثانيا: انه لو كان المراد بالوجوب اللزوم و عدم الخيار يلزم عدمه من كلا الطرفين أي البائع و المشتري لا من ناحية البائع فقط فانه ينافي الاطلاق و علي هذا الجمع بين الالتزام بالخيار من طرف المشتري لتبعض الصفقة و عدم الخيار للبائع لقوله عليه السلام «وجب البيع» جمع بين المتنافيين فلاحظ.

«قوله قدس سره: و طريق معرفة حصة كل منهما»

الوجه في التقويم بهذا النحو من باب انه يمكن أن يكون لوصف الاجتماع امتياز يوجب زيادة القيمة فيلزم تقويم كل واحد منهما علي حياله و استقلاله كما في المتن فعلي هذا لو قوم المملوك وحده بدينار و قوم غير المملوك بدينارين يكون نسبة حصة البائع من الثمن الثلث و هكذا في كل مورد.

و أورد السيد قدس سره في الحاشية

بأن وصف الاجتماع ربما لا يوجب تفاوتا في القيمة و ربما يوجب الزيادة في الطرفين بالسوية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 426

و ثالثة بالاختلاف و رابعة بالزيادة في أحدهما و النقيصة في الاخر فالاولي أن يقوم كل واحد منهما منفردا لكن بملاحظة حال الانضمام لا منفردا ثم الاخذ من الثمن بالنسبة.

و الظاهر ان ما أفاده تام و في المقام اشكال و هو انه لو فرض كون الثمن خمسة دراهم و كانت قيمة كل واحد مستقلا درهمان تكون حصة البائع بحسب النسبة الي المجموع درهم واحد اذ نسبة الدرهم الي الخمسة نسبة الخمس فالزائد ظلم علي المشتري.

و يرد عليه ان وصف الاجتماع و ان كان موجبا لزيادة القيمة في بعض الاحيان و لكن الاوصاف لا تقابل بالمال في باب المعاوضات فالاشكال غير وارد.

«قوله قدس سره: هذا كله في القيمي أما المبيع المثلي فان كانت الحصة مشاعة قسط الثمن علي نفس المبيع فيقابل كل من حصي البائع و الاجنبي بما يخصه و ان كانت حصة كل منهما معينة كان الحكم كما في القيمي»

و أورد عليه سيدنا الاستاد قدس سره بأن ما أفاده في صورة الافراد ان كان من جهة اختلاف الحصتين من حيث الجودة و الرداءة فهو و ان كان صحيحا الا انه لم يذكر في كلامه و ان كان من جهة اختلاف الرغبات فهو ممكن في صورة الاشاعة فالتفصيل لا وجه له فمراده غير معلوم لنا كما انه غير معلوم لغيرنا.

[مسألة: لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار فان علم أنه اراد نصفه أو نصف الغير عمل به]

«قوله قدس سره: مسألة: لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار فان علم أنه اراد نصفه أو نصف الغير عمل به»

الامر كما أفاده فانه واضح.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2،

ص: 427

«قوله قدس سره: و الا فان علم انه لم يقصد بقوله: بعتك نصف الدار الا مفهوم هذا اللفظ ففيه احتمالان»

اذا فرض انه لم يقصد الا مفهوم هذا اللفظ فالقاعدة تقتضي أن يحمل اللفظ علي النصف بلا قيد و الا يلزم الخلف الا أن يكون المراد مفهوم اللفظ مع ملاحظة القرائن و المفروض كما صرح به الشيخ قدس سره ان البائع قصد المفهوم و عليه يكون البيع واقعا علي النصف المشاع المشترك بين البائع و شريكه و يكون المقام من صغريات المسألة السابقة و هي بيع ما يملك مع ما لا يملك و قد قلنا مقتضي القاعدة الاولية الفساد و مقتضي النص الخاص أي مكاتبة الصفار «1» الصحة في الحصة المملوكة و الفساد في غيرها فان قلنا بأن الحديث يشمل المقام فحكمه كذلك.

و للمناقشة في شمول الحديث للمقام مجال فان المستفاد من حديث صفار ان سهم البائع في القرية ممتاز و مفرز عن بقية القطاع فلا اشاعة في السهام فلا وجه لاسراء الحكم الي المقام و لا اطلاق في الحديث كي يؤخذ به.

ثم انه لو فرض ان البائع أراد من لفظ النصف ما يكون ظاهرا و لو مع القرائن فهل يقع التعارض بين ظهور البيع في مملوك نفس البائع و ظهور النصف في المشاع بينهما أم لا؟

أفاد الشيخ قدس سره بأنه يقع التعارض بين الامرين و لا يقاس المقام بقول البائع بعت غانما اذا كان غانم مشتركا بين عبدين احدهما عبد البائع فان لفظ غانم المشترك لفظ مجمل يفسره و يعيّنه ظهور البيع في التصرف في ملك نفسه و أما في المقام فلا اجمال فيقع التعارض.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 423.

عمدة المطالب في

التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 428

و أورد عليه سيدنا الاستاد قدس سره بأن لفظ النصف و ان كان ظاهرا في الاشاعة و لكن لا يكون ظاهرا في المشاع بينهما فمن هذه الجهة مجمل كلفظ غانم و ظهور البيع في التصرف في المملوك يرفع اجماله و يختص المبيع بالحصة المملوكة. هذا ملخص كلامه.

و الظاهر ان ما أفاده سيدنا الاستاد يستفاد من ذيل كلام الشيخ فانتظر. و الحق أن يقال: انه اذا قلنا بأن التصرف ظاهر في التصرف في المملوك لا يبقي مجال للمعارضة اذ علي هذا يكون المستفاد من البيع نقل مملوك نفسه فلا مجال للاشاعة من هذه الجهة.

لكن يرد علي هذا التقريب انه انما يتم اذا لم يكن لفظ النصف ظاهرا في الاشاعة في سهمين.

«قوله قدس سره: ثم انه لو كان البائع وكيلا في بيع النصف أو وليا عن مالكه»

فان البائع لو كان وكيلا أو وليّا يجوز له أن يتصرف في تمام العين فلا يكون تصرفه دليلا علي وقوع البيع في خصوص المملوك دون غيره و أما ظهور التصرف في كونه اصاليا لا وكالة أو ولاية فحيث انه من باب الاطلاق و المفروض ان متعلق التصرف ظاهر في الاشاعة بين الحصتين و من ناحية اخري ظهور القيد حاكم علي الاطلاق يحكم بالاشاعة بينهما.

الا أن يقال: ان لفظ النصف ظاهر في الاشاعة في المجموع و أما الاشاعة من حيث ملاحظة حقي المالكين فغير معلوم بل معلوم العدم بالفرض و عليه يحمل علي نصفه المملوك بلحاظ ظهور البيع في الاصالة و الظاهر ان ما أفاده تام.

«قوله قدس سره: استحق الزوج بالطلاق النصف الباقي»

لا أدري بأي وجه يقاس بين المقام و الطلاق بعد هبة النصف

عمدة المطالب في التعليق

علي المكاسب، ج 2، ص: 429

فان المفروض ان الصداق قبل الطلاق كله للزوجة فلا تميز بين أجزائه و علي طبق القاعدة لو وهبت يبقي النصف في ملك الزوجة و المفروض انه يرجع بالطلاق نصف الصداق و من ناحية اخري المفروض ان الذي يرجع الي الزوج نصف الصداق و المفروض ان نصفه تلف بالهبة فلا بد من أخذه بدل التالف فلاحظ.

«قوله قدس سره: و نظيره في ظهور المنافاة لما هنا ما ذكروه في باب الصلح من أنه اذا أقر من بيده المال»

فان المشهور قائلون في المقام بأن بيع البائع يقع علي النصف المشاع بين السهمين و لكن ما أفادوه في باب الصلح ينافي ما أفادوه في المقام هذا ما أفاده الشيخ قدس سره.

و لا أدري كيف جعل الشيخ قدس سره ما افادوه في باب الصلح منافيا مع المقام فانهم بنوا علي حمل النصف في مورد الصلح مع المقر علي المشترك بين السهمين فيوافق ما أفادوه هناك مع ما افادوه هنا هذا بالنسبة الي ما أفاده الشيخ قدس سره من المنافاة.

و أما مسألة الصلح الواقعة في كلامهم فأفاد السيد قدس سره تفصيلا و حاصله: ان لمسألة الصلح خصوصية و هي انه لو كانت عين في يد احد و ادعي اثنان كونها لهما بأن ادعي كل واحد منهما ان نصف الدار بنحو الاشاعة مملوك له فتارة لا يكون المدعيان معترفين باشتراك العين بينهما بالاشاعة و اخري يكونان معترفين و علي الثاني فتارة يعترفان بوحدة السبب لكونهما مالكين و اخري يدعي كل واحد سببا غير ما يدعيه الاخر فصور المسألة ثلاثة:

الصورة الاولي: أن لا يعترفا بالاشراك و في هذه الصورة لو أقر ذوي اليد لاحد بالنصف لا يشاركه الاخر و

يجوز له أن يصالح مع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 430

المقر له أو غيره و يختص بالعوض و اذا أعطاه المقر يختص به بلا اشكال أي اذا أفرز المقر سهم المقر له و سلمه خارجا يختص به و لا حق لغيره.

الصورة الثانية: أن يكونا معترفين بالاشتراك و لكن كل يدعي سببا غير السبب الذي يدعيه الاخر و في هذه الصورة يمكن للمقر له أن يصالح علي حصته و لا يكون اقرار ذي اليد مقتضيا للاشتراك بين المدعيين نعم لو سلمه خارجا يكون مشتركا بينهما لاعتراف المقر له بالاشتراك.

الصورة الثالثة: أن يكونا معترفين بوحدة سبب الملك كالارث و نحوه و في هذه الصورة اذا أقر ذو اليد بكون نصف العين لاحدهما يكون مورد حق لكليهما و ليس للمقر له الصلح عليه بلا اذن شريكه و بعبارة اخري لا يختص بالمقر له.

هذا ما أفاده السيد في الحاشية و الظاهر ان الوجه فيه ان المدعيين يدعيان كون ذي اليد غاصبا و حيث ان العين مشتركة بينهما علي نحو الاشاعة فمرجع اقرار ذي اليد الغاصب الي اقرار كون النصف لهما لكن لا أدري ما الوجه في التفصيل بين كون السبب أمرا واحدا و بين كون السبب مختلفا فان الميزان الاشتراك و الاشاعة و هما ما به الاشتراك بين الصورتين.

«قوله قدس سره: يحمل علي المشاع في نصيبه و نصيب شريكه»

الظاهر ان ما أفاده في المقام ينافي ما تقدم منه من أنه لا مقتضي لملاحظة الاشاعة بالنسبة الي سهمين و حيث ان الظاهر من البيع التصرف فيما يجوز للبائع التصرف فيه و أيضا ظهور البيع في الاصالة لا يبقي مجال للاشاعة من هذه الجهة بل يختص النصف بالنصف المختص.

الا أن يقال بأن الشيخ ناظر الي مورد ايقاع البيع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 431

علي النصف الذي وقع مورد الاقرار و النصف بهذا العنوان مشترك بينهما.

«قوله قدس سره: و لهذا أفتوا ظاهرا علي أنه لو اقرّ احد الرجلين الشريكين»

استشهد علي مدعاه بفتواهم علي حمل اقرار احد الرجلين الشريكين بالثلث لثالث علي الاشاعة بين السهمين. و لقائل أن يقول: اقرار العقلاء علي انفسهم جائز لا علي غيرهم و علي هذا لا يصدق الاقرار بالنسبة الي المقدار الذي في يد الشريك المنكر لشركة الثالث فمرجع الاقرار بالثلث للثالث الي الاقرار بالثلث في نصيبه و مقتضاه كون ثلث سهميه أي سدس المجموع للشريك فلا وجه للتنصيف بل لا بد من التثليث.

«قوله قدس سره: مدفوعة بأن ما في يد الغير ليس عين ماله»

ما أفاده من أن ما في يده ليس عين ماله صحيح لكن لا معني و لا مجال كما قلنا للاقرار بالنسبة الي الغير فلا نفوذ للاقرار الا بمقدار الثلث في مال المقر كما لو أقر من أول الامر بأن الثلث من سهمي مال الغير فلا يكون للثالث الا سدس الدار و هذا واضح بعد التأمل.

«قوله قدس سره: و هو تعلق الغصب بالمشاع»

الظاهر انه لا يرتبط المقام بغصب المشاع فان تحقق الغصب اوّل الكلام و الاشكال.

«قوله قدس سره: نعم يمكن أن يقال في هذا المقام بأن التلف في المقام حاصل باذن الشارع»

مما ذكرنا علم انه لا موضوع لهذه المقالة اذ كون الشريك الاخر غاصبا غير ثابت فلا يقاس المقام علي مورد غصب المشاع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 432

علي القول به اللهم الا أن يقال: ان مرجع اقرار المقر الي الاقرار بكون نصف

ما في يده للثالث.

و بعبارة اخري: اقراره بالنسبة الي ما في يد شريكه لا يكون نافذا لكن مرجع قوله ان الثالث شريك معنا في الثلث الي الاقرار بأن ما في يدي نصفه للثالث اذ لا ميز في الاشاعة كما هي المفروض في مورد الكلام فلاحظ.

«قوله قدس سره: بعض الروايات الضعيفة»

في هذه الطائفة من الروايات ما يكون تاما سندا لاحظ ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل مات فأقرّ بعض ورثته لرجل بدين قال: يلزم ذلك في حصته «1».

فلا اشكال من حيث السند انما الاشكال من حيث الدلالة اذ عبّر في الحديث بهذه الجملة «يلزم ذلك في حصته» و لم يعين ما يلزمه فيعمل علي طبق اقراره المقتضي للتنصيف فلاحظ و اللّه العالم.

[مسألة لو باع ما يقبل التملك و ما لا يقبله]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة لو باع ما يقبل التملك و ما لا يقبله»

يقع الكلام في هذه المسألة تارة من حيث مقتضي القاعدة الاولية و اخري من حيث المستفاد من النص الخاص أو الاجماع فيقع الكلام في مقامين فنقول: أما

المقام الأول فالقاعدة الاولية تقتضي البطلان

اذ المفروض ان البيع واحد و من ناحية اخري لا يمكن الالتزام بصحته في مجموع المبيع و صحة البعض لا مقتضي لها.

و ان شئت قلت: ما يكون قابلا للامضاء لم يقع و ما وقع غير قابل للامضاء هذا تمام الكلام في المقام الأول و أما

المقام الثاني [ما تقتضيه النص الخاص]

فتارة يستدل علي الصحة بالاجماع المدعي في المقام و اخري بحديث

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من ابواب الوصايا الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 433

صفار «1» و كلا التقريبين باطلان أما الاجماع فالمنقول منه غير حجة و المحصل منه علي فرض حصوله محتمل المدرك بل مقطوعه و أما المكاتبة فمن حيث الظهور لا تشمل ما نحن فيه اذ موردها يباين المقام و أما من حيث الملاك فيحتاج الي الاحاطة بمناط الحكم الشرعي و لا نحيط به فلا دليل علي الصحة و النتيجة هي البطلان.

«قوله قدس سره: و يدل عليه اطلاق مكاتبة الصفار»

لا مجال لهذا التقريب فانه لا اطلاق في الحديث بل الرواية بالصراحة ناظرة الي صورة كون بعض المبيع مملوكا و بعضها الاخر مملوك الغير.

«قوله قدس سره: عدا ما يقال من أن التراضي و التعاقد»

هذا اساس ما بنينا عليه من الفساد فان ادلة الصحة من الآية و الرواية لا تشمل بيع البعض اذ لم يتحقق مصداقه و مع عدم تحقق الصغري لا مجال للاخذ بالكبري.

«قوله قدس سره: و ذكر ان في الفرق بين فساد الشرط و الجزء عسرا»

بل لا عسر في التفريق بين المقامين بأن نقول: فساد الشرط لا يوجب الفساد و أما فساد الجزء فيفسد و تفصيل الكلام موكول الي بحث الشرط و اجماله: ان الشرط عبارة عن الالتزام بشي ء كالالتزام بشرب الخمر مثلا و في صورة

تحقق الالتزام يتحقق العقد و لا وجه لفساده و لذا نقول الشرط الفاسد لا يفسد العقد و أما الجزء الفاسد فلا بد فيه من الالتزام بفساد الكل بالتقريب الذي ذكرناه فلاحظ.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 423.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 434

«قوله قدس سره: و يمكن دفعه بأن اللازم هو العلم بثمن المجموع»

الظاهر ان الامر كما أفاده فانه مع العلم بثمن المجموع لا يصدق الغرر مضافا الي أن المدرك لمانعية الغرر عن صحة البيع منحصر في الاجماع و الاجماع دليل لبي له قدر متيقن فلا اطلاق له كي يؤخذ به.

«قوله قدس سره: لان المشتري القادم علي ضمان المجموع بالثمن مع علمه بعدم سلامة البعض»

ما افيد غريب فان عدم كون الخمر غير قابل لان يقابل بالعوض لا يكون موجبا لعدم قصد المعاوضة خارجا و أغرب منه قوله «كلا قصد» و الحال انه خلاف الوجدان و علي الجملة: انه لا اشكال في أن قصد المعاوضة قد تحقق غاية الامر لا يصح و هذا أمر آخر.

«قوله قدس سره: من عدم رجوعه بالثمن الي البائع»

لا يرتبط احد المقامين بالآخر فان عدم الرجوع علي القول به من باب عدم الدليل علي الضمان مع العلم بالفساد و عدم اعتبار حديث علي اليد و قد مرّ الكلام حول هذه الجهة علي التفصيل.

«قوله قدس سره: و يشكل تقويم الخمر و الخنزير»

الذي يختلج بالبال أن يقال: لا بد من التفصيل بأن يقال الخمر و الخنزير تارة يباعان بعنوانهما و اخري بعنوان الخل و الشاة أما علي الاول فلا بد من تقويمهما عند من يري هما مالا و أما علي الثاني فلا بد من فرضهما خلا و شاة و تقويهما بهذا

العنوان و اللّه العالم بحقائق الاشياء.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 435

[القول في أولياء التصرف]
[مسألة يجوز للاب و الجد أن يتصرفا في مال الطفل بالبيع و الشراء]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة يجوز للاب و الجد أن يتصرفا في مال الطفل بالبيع و الشراء»

وقع الكلام بينهم في جواز تصرف الأب و الجد في أموال الصغير و عدمه

و ما يمكن أن يستدل به علي الجواز وجوه:
الوجه الأول: الاجماع.

و فيه ان المنقول منه غير حجة كما هو المقرر في محله و أما المحصل منه فعلي تقدير حصوله لا اعتبار به أيضا لاحتمال استناد المجمعين الي بعض الوجوه المذكورة في المقام.

الوجه الثاني: فحوي ما يدل علي جواز نكاح الأب و الجد للصغير و الصغيرة

بتقريب: ان النكاح أهم من التصرف المالي فاذا كان الاهم جائزا فبالاولوية يكون المهم جائزا.

و فيه انه يمكن ان الوجه في الجواز هناك الاحتراز عن الوقوع في الزنا و مقدماته فلا يكون التقريب تاما. و بعبارة اخري: لا تكون الاهمية موجبة للفحوي المدعي.

الوجه الثالث: النصوص و هي علي طوائف
الطائفة الاولي: ما يدل علي جواز تقويم جارية الابن علي نفسه

ثم وطئها فمنها ما رواه الحسن بن محبوب قال: كتبت الي أبي الحسن الرضا عليه السلام اني كنت وهبت لابنة لي جارية حيث زوجتها فلم تزل عندها و في بيت زوجها حتي مات زوجها فرجعت الي هي و الجارية أ فيحل لي أن أطأ الجارية قال قومها قيمة عادلة و أشهد علي ذلك ثم ان شئت فطأها «1».

و منها ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن الوالد يحل له من مال ولده اذا احتاج إليه قال نعم و ان كان له

______________________________

(1) الوسائل الباب 79 من ابواب ما يكتسب الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 436

جارية فاراد أن ينكحها قومها علي نفسه و يعلن ذلك قال: و ان كان للرجل جارية فأبوه أملك بها أن يقع عليها ما لم يمسها الابن «1».

و منها ما رواه ابن سنان قال: سألته يعني أبا عبد اللّه عليه السلام ما ذا يحل للوالد من مال ولده قال: أما اذا انفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئا و ان كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له أن يطأها الا أن يقومها قيمة تصير لولده قيمتها عليه قال و يعلن ذلك. قال: و سألته عن الوالد أ يرزأ من مال ولده شيئا قال نعم و لا يرزأ الولد من مال والده شيئا الا

باذنه فان كان للرجل ولد صغار لهم جارية فأحب أن يقتضيها فليقومها علي نفسه قيمة ثم ليصنع بها ما شاء ان شاء وطأ و ان شاء باع «2».

و تقريب الاستدلال بهذه الطائفة علي المدعي ان المستفاد منها جواز تقويم الأب جارية الابن علي نفسه فيجوز التصرف في مال الولد.

و يرد عليه انه حكم خاص وارد في مورد مخصوص و لا وجه للتعدي الي غيره من الموارد ان قلت: يدل علي الجواز بالنسبة الي بقية الموارد بالاولوية قلت: قد تقدم آنفا انه لا أولوية فانه يمكن أن يكون البضع له خصوصية تقتضي الجواز بخلاف بقية الموارد.

مضافا الي أن مقتضي اطلاق بعض نصوص هذه الطائفة عدم الفرق بين الصغير و الكبير و هل يمكن الالتزام بجواز التصرف المالي في مملوك الولد بلا اذنه فلاحظ.

الطائفة الثانية: ما يدل علي أن الولد و ماله لوالده

منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن الرجل

______________________________

(1) الوسائل الباب 79 من ابواب ما يكتسب الحديث 2.

(2) الوسائل الباب 78 من ابواب ما يكتسب الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 437

يحتاج الي مال ابنه قال: يأكل منه ما شاء من غير سرف و قال: في كتاب علي عليه السلام ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا الا باذنه و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء و له أن يقع علي جارية ابنه اذا لم يكن الابن وقع عليها و ذكر ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال لرجل: أنت و مالك لابيك «1»

و منها ما رواه ابو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال لرجل: انت و مالك لابيك

ثم قال أبو جعفر عليه السلام ما احب أن يأخذ من مال ابنه الا ما احتاج إليه مما لا بد منه ان اللّه لا يجب الفساد 2.

و منها ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام ما يحل للرجل من مال ولده قال: قوته بغير سرف اذا اضطر إليه قال: فقلت له: فقول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال له: انت و مالك لابيك فقال: انما جاء بأبيه الي النبي صلي اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه: هذا أبي و قد ظلمني ميراثي عن امي فأخبره الأب انه قد أنفقه عليه و علي نفسه و قال:

انت و مالك لابيك و لم يكن عند الرجل شي ء أو كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يحبس الأب للابن «3».

و منها ما رواه سعيد بن يسار قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام:

الرجل يحج من مال ابنه و هو صغير؟ قال نعم يحج منه حجة الاسلام قلت: و ينفق منه قال: نعم ثم قال: ان مال الولد لوالده ان رجلا اختصم هو و والده الي النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم فقضي ان المال و الولد للوالد «4».

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 78 من ابواب ما يكتسب الحديث 1 و 2.

(3) عين المصدر الحديث 8.

(4) الوسائل الباب 36 من ابواب وجوب الحج الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 438

و منها ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال اني لذات يوم عند زياد بن عبد اللّه اذا جاء رجل يستعدي علي أبيه فقال

أصلح اللّه الامير ان أبي زوج ابنتي بغير اذني فقال زياد لجلسائه الذين عنده ما تقولون فيما يقول هذا الرجل؟ فقالوا:

نكاحه باطل قال: ثم أقبل عليّ فقال ما تقول يا أبا عبد اللّه فلمّا سألني أقبلت علي الذين أجابوه فقلت لهم: أ ليس فيما تروون انتم عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ان رجلا جاء يستعديه علي أبيه في مثل هذا فقال له رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: انت و مالك لابيك؟ قالوا: بلي فقلت لهم: فكيف يكون هذا و هو و ماله لابيه و لا يجوز نكاحه قال: فأخذ بقولهم و ترك قولي «1».

و تقريب الاستدلال بهذه النصوص علي المدعي بوجهين احدهما: ان مقتضي النصوص المشار إليها كون مال الولد ملكا و مالا لوالده و بعد كونه مملوكا له يجوز التصرف فيه فان المالك يجوز له التصرف في مملوكه. و بعبارة اخري: مقتضي التقريب المذكور جواز التصرف علي نحو الاطلاق و بلا قيد.

و يرد عليه أولا: انه لا يمكن اعتبار الملكية لمالكين مستقلين علي مملوك واحد فانه يرجع الي الخلف و التضاد و علي فرض عدم استحالته يكون امرا غير معهود في نظر المتشرعة. و ثانيا انه ينافيه بعض النصوص لاحظ ما رواه الثمالي «2» و ما رواه محمد بن مسلم 3 و ما رواه حسين بن أبي العلاء «4».

و ما رواه علي بن جعفر عن أبي ابراهيم عليه السلام قال:

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد الحديث 5.

(2) (2 و 3) قد تقدم ذكر الحديثين في ص 437 و 436.

(4) قد تقدم ذكر الحديث في ص 437.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 439

سألته

عن الرجل يأكل من مال ولده قال لا الا ان يضطر إليه فيأكل منه بالمعروف و لا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئا الا باذن والده «1».

و ثالثا: انه لا يختص بالصغير.

و رابعا: هذا الحكم مخالف لضرورة الفقه بل لضرورة الدين.

و خامسا: ان الامام عليه السلام قد جمع في بعض هذه الروايات بين الولد و ماله و من الضروري ان الولد لا يكون مملوكا للوالد فيعلم ان الحكم المذكور حكم اخلاقي و في مقام بيان ان مقام الوالد مقام رفيع.

و سادسا: انه لو فرض ان الجد حي يلزم أن يكون الملاك ثلاثة و هكذا و هو كما تري.

ثانيهما: أن يكون المستفاد من هذه الروايات الحكومة أي نلتزم بأن مال الولد ملك حقيقة له و ملك تعبدي بالحكومة لوالده و هذا الوجه و ان كان أخف اشكالا من الوجه الأول و لكن لا يمكن الالتزام به أيضا لوجوه عديدة غير خفية علي الخبير بعد الاحاطة بما ذكرناه من وجوه الاشكال فلاحظ.

الطائفة الثالثة: ما يدل علي جواز وصية الأب بالمضاربة في مال الابن

منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن رجل أوصي الي رجل بولده و بمال لهم و أذن له عند الوصية أن يعمل بالمال و أن يكون الربح بينه و بينهم فقال: لا بأس به من أجل ان أباهم قد اذن له في ذلك و هو حي «2».

و منها ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن خالد الطويل قال

______________________________

(1) الوسائل الباب 78 من ابواب ما يكتسب به الحديث 6.

(2) الوسائل الباب 92 من أبواب الوصايا الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 440

دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال يا بني اقبض مال اخوتك الصغار

و اعمل به و خذ نصف الربح و اعطهم النصف و ليس عليك ضمان فقدمتني أم ولد ابي بعد وفاة أبي الي ابن ابي ليلي فقالت:

ان هذا يأكل أموال ولدي قال فاقتصصت عليه ما أمرني به أبي فقال لي ابن ابي ليلي: ان كان أبوك أمرك بالباطل لم اجزه ثم اشهد عليّ ابن ابي ليلي ان انا حركته فأنا له ضامن فدخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقصصت عليه قصتي ثم قلت له: ما تري فقال: أما قول ابن ابي ليلي فلا استطيع رده و أما فيما بينك و بين اللّه عز و جل فليس عليك ضمان «1».

و قد صرح في بعض تلك النصوص بعدم البأس و علل في كلامه عليه السلام بصدور الاذن من الأب في حال حياته فيعلم ان الوالد ما دام حيا يجوز له التصرف الاعتباري في مال الولد فلا نقاش من حيث الدلالة و أما من حيث السند فلا اعتبار به فان الحديثين المذكورين مخدوشان سندا.

الطائفة الرابعة: ما يدل علي الوصية بمال الصغير و جعل الوصي قيما عليه

و مأذون في التصرف في أمواله لاحظ ما رواه ابن رئاب قال سألت أبا الحسن موسي عليه السلام عن رجل بيني و بينه قرابة مات و ترك اولادا صغارا و ترك مماليك غلمانا و جواري و لم يوص فما تري فيمن يشتري منهم الجارية فيتخذها أم ولد و ما تري في بيعهم؟ قال: فقال: ان كان لهم ولي يقوم بأمرهم باع عليهم و نظر لهم و كان مأجورا فيهم قلت: ما تري فيمن يشتري منهم الجارية فيتخذها أم ولد فقال لا بأس بذلك اذا باع عليهم القيم لهم الناظر فيما يصلحهم فليس لهم أن يرجعوا فيما صنع القيم لهم الناظر

______________________________

(1) الوسائل الباب 92 من

ابواب الوصايا الحديث 2.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 2، ص: 441

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 441

فيما يصلحهم «1».

و لاحظ ما رواه سعد الاشعري قال: سألت الرضا عليه السلام عن رجل مات بغير وصية و ترك اولادا ذكرانا و غلمانا صغارا و ترك جواري و مماليك هل يستقيم أن تباع الجواري قال نعم و عن الرجل يموت بغير وصية له ولد صغار و كبار أ يحل شراء شي ء من خدمه و متاعه من غير أن يتولي القاضي بيع ذلك فان تولاه قاض قد تراضوا به و لم يستعمله الخليفة أ يطيب الشراء منه أم لا؟ فقال اذا كان الاكابر من ولده معه في البيع فلا بأس اذا رضي الورثة بالبيع و قام عدل في ذلك «2».

و لاحظ ما رواه محمد بن اسماعيل بزيع قال: مات رجل من أصحابنا و لم يوص فرفع أمره الي قاضي الكوفة فعين عبد الحميد القيم بماله و كان الرجل خلّف ورثة صغارا و متاعا و جواري فباع عبد الحميد المتاع فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن اذ لم يكن الميت صيّر إليه وصيته و كان قيامه فيها بأمر القاضي لانهن فروج قال فذكرت ذلك لابي جعفر عليه السلام و قلت له يموت الرجل من أصحابنا و لا يوصي الي أحد و يخلف جواري فيقيم القاضي رجلا منا فيبيعهن أو قال يقوم بذلك رجل منا فيضعف قلبه لانهن فروج فما تري في ذلك؟ قال: اذا كان القيم به مثلك و مثل عبد الحميد فلا بأس

3.

فانا استدللنا في الدورة السابقة بهذه النصوص علي المدعي و لكن الانصاف انه لا دلالة فيها علي المدعي اذ لا يستفاد منها نفوذ

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من ابواب عقد البيع و شروطه.

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 16 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 1 و 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 442

وصية الأب و جواز جعل القيم علي الصغير كي يقال: اذا كان جعل القيم نافذا فبالاولوية التصرف الصادر منه في حال حياته يكون نافذا هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال بهذه الطائفة علي المدعي.

و لكن الحق عدم صلاحية النصوص المشار إليها للاستدلال بها علي المدعي اذ لم يفرض في هذه النصوص ان المتصدي للتصرف القيم من قبل الموصي بل قد فرض ان الرجل مات و لم يوص نعم قد فرض في بعضها ان المتصرف هو القيم و في بعضها الاخر قد فرض عنوان الولي و لكن لم يتعرض ان ولايته أو قيمومة القيم بأي وجه.

و صفوة القول: انه لا دلالة في هذه النصوص علي أن جواز التصرف مستند الي وصية الميت فلا مجال للاستدلال بها علي المقصود فلاحظ.

الوجه الرابع: السيرة الخارجية الجارية بين المتشرعة علي التصرف في أموال الصغار من قبل والدهم من غير نكير

مضافا الي الارتكاز القطعي فان المرتكز في أذهان أهل الشرع الجواز.

اضف الي ذلك انه يمكن دعوي الضرورة علي الجواز لكن هذا الوجه لا يمكن الاستناد إليه في القول بالجواز بالنسبة الي الجد بل انما يتم بالنسبة الي الأب وحده و عليه يكون الجزم بالجواز بالنسبة الي الجد مشكلا الا أن يتم التسالم فلاحظ.

[و المشهور عدم اعتبار العدالة]
اشارة

«قوله قدس سره: و المشهور عدم اعتبار العدالة للاصل و الاطلاقات»

وقع الكلام في المقام في اشتراط جواز التصرف بالعدالة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 443

و الذي يمكن أن يستدل به علي عدم الاشتراط وجوه:
الوجه الأول الاصل

كما في كلام الشيخ قدس سره.

و يرد عليه انه ما المراد من الاصل المذكور فان كان المراد من الاصل اصالة البراءة عن الحرمة فيرد عليه انه لا اشكال في عدم حرمة التصرف بالبيع و الشراء حرمة تكليفية و انما الكلام في الحرمة الوضيعة و عدم النفوذ فلا مجال لجريان البراءة عن التكليف.

و ان كان المراد من الاصل اصالة عدم المنع الوضعي فعدم المنع الوضعي لا يقتضي الامضاء الا علي القول باعتبار الاصل المثبت الذي لا نقول به مضافا الي أنه يعارضه أصل عدم الامضاء و الاعتبار المقتضي للفساد.

الوجه الثاني: اطلاقات النصوص الدالة علي الجواز

فان اطلاقها يقتضي عدم الفرق بين كون المتصرف فاسقا أو عادلا.

و يرد عليه انه قد نوقش في النصوص المستدل بها علي جواز التصرف فلا تصل النوبة الي الاخذ بإطلاقها.

الوجه الثالث: الاجماع القائم علي عدم الاشتراط في نكاح الأب أو الجد الصغير و الصغيرة

و حيث ان التصرف في البضع اهم من التصرف في المال يفهم عدم المنع في المقام بالفحوي و الاولوية.

و يرد عليه أولا: ان الاجماع المدعي هناك ان كان اجماعا منقولا فلا يكون حجة هناك فكيف بالمقام و ان كان اجماعا محصلا فعلي تقدير حصوله يمكن استناد القائلين ببعض الوجوه كما سيظهر إن شاء اللّه تعالي فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

و ثانيا: انه قد مرّ منا ان تحقق الجواز في باب النكاح لا يدل علي الجواز في المقام اذ قلنا يمكن ان أهمية النكاح تقتضي ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 444

الشارع الاقدس يسهل الامر فيه كي ينسد باب الفجور و الفسوق.

الوجه الرابع: السيرة القطعية الجارية علي التصرف في أموال الصغار من قبل الأب بلا نكير

و يمكن تقريب الاستدلال بوجه آخر و هو انه لو كان جواز تصرفه منوطا بالعدالة لشاع و ذاع و مع عدم شيوعه بل الشائع خلافه يفهم عدم الاشتراط.

و في قبال الوجوه المذكورة يمكن الاستدلال علي الاشتراط بوجوه أيضا:
الوجه الأول: الاصل

فان مقتضاه عدم تأثير التصرفات الصادرة عن الأب في مال الصغير في صورة عدم كون الأب عادلا.

و فيه انه لا اشكال في أن مقتضي الاصل كذلك لكن قلنا السيرة جارية علي التصرف بلا رعاية الشرط المذكور كما ان الارتكاز المتشرعي كذلك فلا بد من رفع اليد عن مقتضي الاصل الاولي و بعد تمامية السيرة و اتصالها بزمن المعصوم و تحققها في ذلك الزمان لا مجال لان يقال ان السيرة مردوعة بقوله تعالي «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» و قوله عليه السلام «لا تبع ما ليس عندك» اذ المفروض ان السيرة المذكورة ممضاة من قبل الشرع الاقدس فلا تكون مردوعة.

مضافا الي أنه قد علم من الشارع انه لم يخالف العقلاء في سيراتهم الجارية بينهم في امورهم فلو لم يردعهم بالخصوص في مورد تكون سيرتهم ممضاة عنده و لذا نقول: الظواهر حجة بالسيرة الممضاة و قول الثقة حجة كذلك و هكذا.

و الحال انه لقائل أن يقول: ان قوله تعالي ان الظن لا يغني عن الحق شيئا و قوله تعالي وَ لٰا تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ رادع عن العمل بغير علم فلاحظ.

الوجه الثاني ان الصغير لا يمكن الدفاع عن نفسه و ماله

فكيف

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 445

يمكن جعل الشارع من لا يكون امينا مسلطا علي غير القادر و يجعل تصرفه في ماله نافذا و اقراره معتبرا.

و يرد عليه أولا ان عدم العدالة لا يستلزم عدم الامانة و لذا نقول قول الثقة حجة و لو لم يكن عادلا فانه يمكن أن لا يكون شخص عادلا يلعب القمار و يشرب الخمر لكن لا يخون في أموال الناس و اعراضهم و امين بتمام معني الكلمة.

و ثانيا: انه لا تنافي

بين نفوذ التصرف و عدم كون المال في يده بل يمكن أن يكون المال موضوعا في محل أمن و يتصرف الأب فيه تصرفا ماليا.

اضف الي ذلك انه لو كان البيان المذكور تاما كان اللازم عدم كونه وليا في نكاحه أيضا اذ يمكن أن يخون و يتصدي لغير صلاح الصغير و الحاصل انه لا يمكن رد الحكم الشرعي بهذه التقريبات الواهية بل يلزم الاخذ بما صدر عن صاحب الشريعة.

و ثالثا: انه متي ظهر منه الخيانة عند الحاكم جعل عليه ناظرا يمنعه عن الخيانة.

ان قلت: جعل الناظر عليه يوجب لغوية ولايته اذ يلزم أن يكون ما يصدر عنه بأمر من الناظر. قلت: لا تكون ولايته لغوا بل اللازم رعاية نظر الناظر و رعايته و أما ان لم يمكن جعل الناظر أو يكون حرجيا يعزله الحاكم فانه ولي الامور.

و لنا أن نقول: لا تصل النوبة الي عزل الحاكم بأن نقول في صورة ظهور الخيانة منه و عدم رعاية صلاح الصغير لا دليل علي ولايته فان عمدة الدليل السيرة و لا سيرة في الفرض المذكور.

الوجه الثالث: قوله تعالي

«وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 446

النّٰارُ وَ مٰا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّٰهِ مِنْ أَوْلِيٰاءَ ثُمَّ لٰا تُنْصَرُونَ» «1».

بتقريب ان هذا نحو من الركون الي الظالم و قد نهي عن الركون إليه.

و يرد عليه أولا: ان المتبادر من الظالم ليس مطلق الفاسق بل المتبادر من الآية الشريفة ولاة الجور و ائمة الضلال و الظلمة المتصدين للامور.

و ثانيا: انه لا اشكال في أن مجرد نفوذ معاملة الفاسق لا يكون ركونا الي الظالم و الا يلزم أن يكون كل من يتصدي لمعاملة ان يكون عادلا و يلزم ان

جميع الوكلاء في الامور المالية و غيرها و جميع الأوصياء و جميع المتولين للموقوفات عدولا و هو خلاف ضرورة الفقه و الدين بل يمكن أن يقال ان الالتزام به يوجب الكفر.

و ثالثا: انا سلمنا ان جعل الولاية للفاسق ركونا إليه و لكن الممنوع في الآية ركون المكلف إليه و المفروض ان الولاية له مجعولة من قبل الشارع الاقدس فتكون ولاية خارجة عن عمل المكلف الذي تستفاد من الآية.

الوجه الرابع: قوله تعالي «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا» «2»

فان المستفاد من الآية الشريفة عدم ترتيب الاثر علي قول الفاسق و عدم اعتبار اخباره فلو اخبر عن تصرفه الكذائي في مال الصغير لا يسمع قوله و لا يرتب الاثر علي قوله فلا يكون تصرفه نافذا.

و فيه أولا: ان قول ذي اليد حجة و تصرفه نافذ و لو كان فاسقا و ثانيا: ان عدم ترتيب الاثر علي قوله لا يستلزم عدم ولايته و لا

______________________________

(1) هود/ 113.

(2) الحجرات/ 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 447

يرتبط احد الامرين بالآخر.

و ثالثا: ان التخصيص ليس عزيرا فانه علي تقدير دلالة الآية علي المدعي نرفع اليد عن اطلاقها بما يدل علي جواز التصرف فلاحظ.

ثم انه هل يشترط جواز التصرف بعدم كونه ضررا بالنسبة الي الصغير أم لا يشترط؟
ربما يقال بنفوذ تصرفه في ماله حتي في صورة كون التصرف ضرريا و ذلك لوجهين
الوجه الأول عدم الاشتراط فانه موافق للاصل.

و فيه أولا: ان التقييد و الاطلاق متضادان في مقام الثبوت و اصالة عدم احد الضدين لا تقتضي اثبات الضد الاخر الاعلي القول بالمثبت الذي لا نقول به.

و ثانيا: ان الاصل المذكور معارض باصالة عدم الاطلاق فان الاهمال محال في الواقع فلا بد من احد الامرين.

الوجه الثاني: قوله عليه السلام في جملة من النصوص انت و مالك لابيك

لاحظ ما رواه عبيد بن زرارة «1».

فيجوز للوالد التصرف في مال ولده الصغير علي الاطلاق. و فيه انه قد مرّ الكلام في النصوص المشار إليها و قلنا لا بد من حملها علي الحكم الاخلاقي مضافا الي أنه قد دل بعض النصوص علي اشتراط كون التصرف بعدم الاسراف لاحظ ما رواه محمد بن مسلم «2» فانه يستفاد من الحديث انه لا يجوز الاسراف في مال الابن و لاحظ ما رواه ابو حمزة الثمالي «3» فالنتيجة انه لا يجوز التصرف مع الضرر.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 438.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 436.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 437.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 448

[و هل يشترط في تصرفه المصلحة أو يكفي عدم المفسدة أم لا يعتبر شي ء؟]
اشارة

«قوله قدس سره: و هل يشترط في تصرفه المصلحة أو يكفي عدم المفسدة أم لا يعتبر شي ء؟ وجوه»

وقع الكلام بينهم في أنه هل يشترط جواز تصرف الأب و الجد بكونه مصلحة للصغير أو يكفي مجرد عدم المفسدة

و الذي يمكن أن يذكر وجها للاشتراط وجوه:
الوجه الأول: الاصل فان مقتضي الاستصحاب عدم نفوذ تصرف الولي الا مع رعاية الصلاح

و الاصل المذكور مرجع ما دام لا يوجد دليل علي عدم الاشتراط.

الوجه الثاني: الاجماع

فانه يستفاد من بعض الكلمات ان الاشتراط متفق عليه بينهم. و فيه ان المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي تقدير حصوله محتمل المدرك.

الوجه الثالث: قوله تعالي «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» * «1»

بتقريب ان اطلاق الآية يشمل الجد بالنسبة الي الصغير الذي لا أب له اذ يصدق عليه عنوان اليتيم فيتم الامر بالنسبة الي الأب بعدم القول بالفصل.

و قد اوردت علي الاستدلال المذكور اشكالات: الاشكال الاول:

ان صدق عنوان اليتيم علي من يكون ذا جد اوّل الكلام.

و فيه ان المستفاد من كلمات اللغويين و من مفردات الراغب ان اليتيم من فقد أباه قبل بلوغه الا أن يقال عنوان الأب يطلق علي الجد كما يطلق علي الأب.

الاشكال الثاني: ان المستفاد من الآية الشريفة اشتراط مجرد الحسن و عنوان الحسن يصدق علي ما لا تكون فيه مفسدة و لا يلزم أن تكون فيه مصلحة.

______________________________

(1) الانعام/ 152.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 449

و فيه ان صدق عنوان الحسن علي ما لا تكون فيه مفسدة اوّل الكلام و الاشكال.

الاشكال الثالث: ان عدم القول بالفصل غير القول بعدم الفصل مضافا الي أن غايته الاجماع و لا يترتب عليه اثر و الانصاف ان عمدة الوجه الاصل فان مقتضاه عدم ترتب الاثر فيما لم يراع فيه الصلاح فانقدح انه لا بد من رعاية الصلاح.

بقي الكلام في المراد من لفظ الاحسن الوارد في الآية الشريفة و قد ذكرت فيه احتمالات: الاحتمال الاول أن يراد به التفضيل علي الاطلاق من الترك و غيره من التصرفات الاخر و لازمه عدم جواز التصرف الا فيما يصدق التفضيل علي الاطلاق و ربما يرجح هذا الاحتمال باعتبار الاخذ بظهور اللفظ.

و قد اورد في القول المذكور بايرادات الايراد الاول ان هذا الوزن يستعمل في غير

التفضيل كثيرا و المؤيد لعدم إرادة التفضيل عدم تذييل الكلمة في الآية الشريفة بلفظة من و أيضا لم يذكر فيه علي نحو الاضافة.

و فيه ان استعماله في غير التفضيل مع القرينة لا يقتضي حمله علي غيره بلا قرينة بل لا بد من الاخذ بالظهور علي ما هو المقرر عند العقلاء و أما عدم تذييله بلفظة من و الاضافة فلا يقتضي رفع

اليد عن الظهور بل عدم التذييل يقتضي عموم المتعلق.

الايراد الثاني: انه يلزم عدم الاقدام في مورد تكون جملة من التصرفات متساوية الاقدام من حيث المصلحة و لا يكون فيها ما يكون أحسن علي الاطلاق. ان قلت: تكفي المصلحة في الجملة قلت:

عليه يلزم جواز الاقدام في مورد وجود الصلاح و لو كان الفرد الاخر أصلح و احسن.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 450

و يرد عليه ان مقتضي الظهور لزوم التفضيل علي الاطلاق غاية الامر في مورد التساوي بين جملة من التصرفات يكون الافضل الجامع بين تلك الافراد و نتيجته التخيير كما ان البيع لو كان أحسن من الاجارة يتعين البيع لكن المتصرف يتخير في اختيار أي فرد من أفراده.

الايراد الثالث: انه لو كان مصلحة في فرد و في غيره لا تكون مصلحة يلزم عدم جواز الاقدام اذ مفهوم التفضيل متقوم بوجود الجامع بين المتفضل و المتفضل عليه.

و فيه ان الجواز في الصورة المفروضة أولي اذ لو كان الاقدام جائزا مع وجود المصلحة في غيره فيجوز الاقدام بالاولوية و ان شئت قلت: ان الجواز في الصورة المفروضة ليس بالدلالة اللفظية بل بالدلالة العرفية أي الاولوية.

الاحتمال الثاني: في الآية الشريفة أن يكون المراد من الاحسن الحسن فيجوز التصرف اذا كان التصرف ذا مصلحة و حسنا و

ان كان غيره احسن.

و فيه انه خلاف الظاهر فان الظاهر من قوله تعالي اشتراط التصرف بكونه أحسن علي الاطلاق و رفع اليد عن الظهور بلا دليل خلاف القاعدة.

الاحتمال الثالث: أن يكون المراد من الآية ما لا يكون فيه مفسدة و ان لم تكن مصلحة و يلزم جواز التصرف و الحال ان الفرد الاخر ذا مصلحة زائدة بل لا يشترط الجواز بالصلاح كما هو المفروض.

و فيه انه خلاف الظاهر و لا يصار إليه بلا دليل.

الاحتمال الرابع: أن يكون المراد بالاحسن ما يكون أحسن من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 451

تركه و ان كان التصرف الاخر أصلح و أحسن من التصرف الواقع.

و فيه انه خلاف الظاهر و لا يجوز التخطي عن الظهور بلا قيام دليل علي الخلاف.

الاحتمال الخامس: ان يكون المراد الاحسن من بقية التصرفات و ان كان الترك احسن و لازمه جواز التصرف و ان كان ترك التصرف أصلح و أحسن.

و فيه انه خلاف الظاهر من القرآن و لا يجوز رفع اليد عن ظهور الكتاب فان الظاهر من قوله تعالي اشتراط التصرف بكونه احسن علي الاطلاق هذا بحسب المستفاد من الكتاب.

و أما السنة ففي المقام عدة من النصوص منها ما رواه اسحاق بن عمار قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فخبرته انه ولد لي غلام قال: ألا سميته محمدا قلت: قد فعلت قال: فلا تضرب محمدا و لا تشتمه جعله اللّه قرة عين لك في حياتك و خلف صدق بعدك قلت:

جعلت فداك في أي الاعمال أضعه قال اذا عدلته عن خمسة أشياء فضعه حيث شئت لا تسلمه صيرفيا فان الصيرفي لا يسلم من الربا و لا تسلّمه بياع اكفان فان صاحب الاكفان

يسره الوباء اذا كان و لا تسلّمه بياع طعام فانه لا يسلم من الاحتكار و لا تسلّمه جزارا فان الجزار تسلب منه الرحمة و لا تسلّمه نخاسا فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال شر الناس من باع الناس «1».

و تقريب الاستدلال بالرواية علي المدعي ان المستفاد من الحديث جواز تصرف الأب في نفس الابن فيجوز تصرفه في ماله بالاولوية.

و فيه أولا: ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا انه لا اولوية.

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 452

و منها ما رواه ابراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام قال: جاء رجل الي النبي صلي اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه: قد علّمت ابني هذا الكتابة ففي أي شي ء أسلمه؟ فقال اسلمه للّه ابوك و لا تسلمه في خمس لا تسلمه سباء و لا صائغا و لا قصابا و لا حناطا و لا نخاسا قال: فقال يا رسول اللّه ما السباء قال الذي يبيع الاكفان و يتمني موت امتي و للمولود من امتي احب الي مما طلعت عليه الشمس و أما الصائغ فانه يعالج زين غني امتي و أما القصاب فانه يذبح حتي تذهب الرحمة من قلبه و أما الحناط فانه يحتكر الطعام علي امتي و لئن يلقي اللّه العبد سارقا احب إليّ من أن يلقاه قد احتكر الطعام اربعين يوما و أما النخاس فانه اتاني جبرئيل فقال يا محمد: ان شرار امتك الذين يبيعون الناس «1».

و تقريب الاستدلال بالحديث هو التقريب. و لكن يرد عليه ان الاولوية اوّل الكلام و الاشكال.

و منها ما رواه عبد

اللّه بن يحيي الكاهلي قال قيل لابي عبد اللّه عليه السلام انا ندخل علي اخ لنا في بيت ايتام و معه خادم لهم فنقعد علي بساطهم و نشرب من مائهم و يخدمنا خادمهم و ربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا و فيه من طعامهم فما تري في ذلك؟ فقال ان كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس و ان كان فيه ضرر فلا و قال عليه السلام «بَلِ الْإِنْسٰانُ عَليٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ»

فانتم لا يخفي عليكم و قد قال اللّه عز و جل «وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ» «2».

و الرواية مخدوشة سندا لعدم ثبوت وثاقة الكاهلي و قال سيدنا

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من ابواب ما يكتسب به الحديث 4.

(2) الوسائل الباب 71 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 453

الاستاد قدس سره في رجاله: ان الراوي لضمان الامام أبي الحسن عليه السلام للكاهلي الكاهلي نفسه فلا تصل النوبة الي ملاحظة مضمون الحديث.

و منها ما رواه علي بن المغيرة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام ان لي ابنة اخ يتيمة فربما اهدي لها شي ء فآكل منه ثم اطعمها بعد ذلك الشي ء من مالي فاقول: يا رب هذا بذا فقال عليه السلام:

لا بأس «1».

و الحديث ضعيف سندا بذبيان فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالته اضف الي ذلك انه لو أغمضنا عن السند يكون الحديثان مخالفين مع الكتاب اذ المستفاد منه انه يشترط في التصرف أن يكون أحسن و ما خالف الكتاب لا اعتبار به.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم ان مقتضي قوله تعالي «و لا تقربوا مال اليتيم» عدم جواز التصرف الا ما يكون أحسن و أصلح علي

الاطلاق كما ان مقتضي الاصل العملي كذلك فان مجرد الشك يكفي لعدم الجواز الا فيما يعلم بالجواز و لكن مقتضي السيرة الخارجية من التصرف في مال الصغير و جعل القيم عليهم و عدم الاشتراط و التقييد لهذا المقدار من التصرف. و ببيان ظاهر: ان الأب يتصرف في مال ابنه مع ملاحظة صلاحه و لا يكون تصرفه في مال ولده مع عدم ملاحظة الاصلح مستنكرا فيجوز تصرفه مع لحاظ الصلاح لكن الآية لا تشمل الأب اذ لا يصدق عنوان اليتيم علي من يكون واجدا للاب بل صدقه علي من له الجد اوّل الكلام و الاشكال.

و لنا أن نقول في فرض الشك في الصدق نحكم بعدمه فانا ذكرنا

______________________________

(1) الوسائل الباب 71 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 454

مرارا انه لو شك في صدق مفهوم علي فرد يكون مقتضي الاصل عدم صدقه عليه فلاحظ.

[الجد و ان علا يشارك الأب في الحكم]
اشارة

«قوله قدس سره: ثم لا خلاف ظاهرا كما ادعي في أن الجد و ان علا يشارك الأب في الحكم»

ما يمكن أن يذكر في تقريب المدعي وجوه
الوجه الأول: عدم الخلاف

و اشكاله ظاهر فان عدم الخلاف غايته الاجماع و اعتباره اوّل الكلام و الاشكال.

الوجه الثاني: ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام

قال: سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته فهوي أن يزوج احدهما و هوي أبوه الاخر ايّهما أحق أن ينكح قال الذي هوي الجد احق بالجارية لانها و أباها للجد «1».

فان المستفاد من الحديث ان الجد له أن ينكح بنته و انه لو دار الامر بين الجد و الأب يكون الجد مقدما في النكاح فتدل الرواية علي الولاية في المقام بالاولوية.

و لكن الاستدلال المذكور مخدوش بأن اثبات الولاية للجد في باب النكاح لا يستلزم الولاية في البيع اذ يمكن ان الشارع الاقدس في مقام التسهيل في أمر النكاح بخلاف البيع.

الوجه الثالث: جملة من النصوص التي تدل علي أن الولد و ماله للاب

و قال عليه السلام في الحديث المتقدم ذكره آنفا في مقام تعليل الحكم «لانها و أباها للجد».

و فيه انه قد مر منا ان الحكم المذكور حكم اخلاقي لا حقيقي و الا فهل يتوهم احد ممن تكون له خبرة بالصناعة أن يلتزم بأن الولد

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 455

مملوك لوالده أو ان مال الولد مملوك لوالده و بعد عدم تمامية الوجوه المذكورة لا بد من اتمام الامر بالتسالم و كون ولاية الجد أمرا غير قابل للانكار فان تم و امكن فهو و الا فمقتضي القاعدة عدم ولايته بعنوان كونه جدا فان الشك يكفي في الحكم بالعدم.

«قوله قدس سره: و لو فقد الأب و بقي الجد فهل ابوه اوجده يقوم مقامه في المشاركة»

أفاد الشيخ قدس سره بأن مشاركة الجد الاعلي مع الادني في صورة فقدان الأب محل الخلاف بينهم و يختلج بالبال أن ما افاده مناقض لما أفاده آنفا من مشاركة الجد و ان علا مع الأب بقوله «لا خلاف ظاهرا كما

ادعي في ان الجد و ان علا يشارك الأب في الحكم».

فانه لا يتصور عدم الخلاف في المشاركة و الخلاف فيها و الحال ان موت الأب لا يؤثر في وجود الولاية و عدمها و كيف كان فالذي يمكن أن يقال في وجه المشاركة كون الولد و ماله لوالده فتكون النتيجة ان الجد و ان علا تكون له الولاية و لكن قد تقدم منا انه حكم اخلاقي فلا يكون الحكم المذكور دليلا علي المدعي فلا بد من التماس دليل آخر.

و الظاهر ان اثبات الولاية للجد الادني حتي مع فقدان الأب في غاية الاشكال اذ لا دليل عليها و من ناحية اخري ان الولاية خلاف الاصل الاولي و من ناحية ثالثة لا سيرة من المتشرعة قائمة عليها فاذا ثبت الامر بالتسالم و الاجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم عليه السلام فهو و الا فلا مناص عن الاحتياط سيما بالنسبة الي مال اليتيم الذي قد علم من الشرع ان التصرف في ماله أمر مهم في نظر الشارع.

و ربما يقال: انه يستفاد من قوله تعالي «وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 456

أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ» * «1» أولوية الجد الادني.

و فيه ان المراد من الآية الشريفة غير معلوم و يحتمل أن يكون المراد بالتفضيل الترجيح في باب الارث. و ربما يقال: انه يمكن أن يكون المراد من الآية بيان ان الرحم أولي برحمه من الاجنبي و أما الثبوت في الرحم باي نحو فلا يستفاد من الآية بل لا بد أن يفهم من دليل آخر.

[مسألة من جملة أولياء التصرف في مال من لا يستقل بالتصرف في ماله الحاكم و المراد منه الفقيه الجامع لشرائط الفتوي]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة من جملة أولياء التصرف في مال من لا يستقل بالتصرف في ماله الحاكم و المراد منه

الفقيه الجامع لشرائط الفتوي»

المشهور فيما بين القوم ان الفقيه الجامع للشرائط له ثلاثة مناصب
المنصب الاول الافتاء في الاحكام النظرية الشرعية للعوام

و الرأي في الموضوعات المستنبطة و المتكفل لهذا البحث بحث الاجتهاد و التقليد و تحقيق الجهات المرتبطة لهذه الجهة موكول الي ذلك البحث و خارج عن محور بحثنا في المقام و لكن لاهمية الموضوع لا بأس بل يلزم الاشارة و لو علي نحو الاجمال الي ما ورد في هذه المجال من الآيات و الروايات فانه يلزم علي كل فرد من الافراد الذين يمكن دخوله في هذا الميدان الموحش و الجادة المخوفة أن يتعوذ باللّه من شر الشيطان الخناس الذي يوسوس في صدور الناس و من تسويلات النفس الامارة بالسوء و البعد من مقام القدس الربوبي و يجب علينا أن لا نبرأ أنفسنا فان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم الرب.

و الانصاف ان الدخول في هذا المضار معرض للاخطاء سيما مع استلزامه للوازم كثيرة كل واحد منها يكفي للانصراف عن الجادة

______________________________

(1) الانفال/ 75.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 457

المستقيمة و الوقوع في المهالك العظيمة و لا أنس القضية المعروفة من سيدي الوالد قدس سره فانه قدس سره لما توجه بصيرورته مرجعا وحيدا عاما تأثر شديدا و طلب من اللّه أن يلحقه بالصالحين و ينجيه من الغرق في هذا البحر المتلاطم العميق و القضية المشار إليها وقعت في الروضة الحسينية مع حضور بعض الاكابر من اصحابه رضوان اللّه عليه و حشره مع جده يوم تبلي السرائر.

و رأينا ان المناسب بل الانسب ان نشير كما ذكرنا الي الآيات و الروايات الواردة في هذه المقام، أما الآيات فمنها قوله تعالي «وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَريٰ عَلَي اللّٰهِ كَذِباً أُولٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَليٰ رَبِّهِمْ وَ يَقُولُ الْأَشْهٰادُ هٰؤُلٰاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَليٰ رَبِّهِمْ أَلٰا لَعْنَةُ اللّٰهِ

عَلَي الظّٰالِمِينَ» «1».

و منها قوله تعالي «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْوٰاهِكُمْ مٰا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللّٰهِ عَظِيمٌ» «2».

و منها قوله تعالي «وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكٰافِرُونَ» «3».

و منها قوله تعالي «وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ» «4».

و منها قوله تعالي «وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ» «5» و غير ذلك من الآيات.

______________________________

(1) هود/ 18.

(2) النور/ 15.

(3) المائدة/ 44.

(4) المائدة/ 45.

(5) المائدة/ 47.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 458

و أما الروايات الواردة في هذا المقام فكثير منها ما رواه مفضل ابن يزيد قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: أنهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال: أن تدين اللّه بالباطل و تفتي الناس بما لا تعلم «1».

و منها ما رواه ابن الحجاج قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام:

اياك و خصلتين فيهما هلك من هلك إياك أن تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم» «2».

و منها ما رواه عبد الحميد عن أبي ابراهيم عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: اتقوا تكذيب اللّه قيل يا رسول الله و كيف ذلك؟ قال: يقول أحدكم قال اللّه فيقول اللّه عز و جل كذبت لم اقله و يقول: لم يقل اللّه فيقول عز و جل: كذبت قد قلته «3».

و منها ما رواه أبو عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال من أفتي الناس بغير علم و لا هدي من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه «4» و غير ذلك من الروايات الواردة في هذا

المقام.

المنصب الثاني: القضاء و فصل الخصومات عند الترافع

و لا اشكال في ثبوت هذا المنصب للفقيه فان سيرة الفقهاء جارية عليه و لو لا الالتزام بذلك لعله يختل النظام و بعبارة اخري: لا بد في حفظ النظام من يكون مرجعا لمحل المنازعات.

و أما ما في كلام الشيخ قدس سره من قوله «و غيرها في الجملة»

فلعل المراد منه حكم الفقيه بالهلال و لكن الجزم بثبوت مثله للفقيه مشكل و لا بد من البحث و اقامة الدليل عليه.

______________________________

(1) بحار الانوار ج 2 ص 111 الباب 16 الحديث 5.

(2) عين المصدر الحديث 6.

(3) بحار الانوار ج 2 ص 117 الباب 16 الحديث 16.

(4) عين المصدر ص 118 الحديث 23.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 459

المنصب الثالث: ولاية الفقيه علي الاموال و الانفس و هذا محل البحث في المقام
اشارة

و الوجه في عنوان البحث المذكور ان هذه الولاية ثابتة للامام عليه السلام و حيث ان الفقيه نائب عن الامام نيابة عامة في زمان الغيبة وقع الكلام في ثبوتها للفقيه الجامع للشرائط و عدمه فالحري أو لا ارسال عنان الكلام و البحث عن ولايته عجل اللّه تعالي فرجه ثم اتمامه بالبحث عن ولاية الفقيه.

فنقول الكلام في ولاية الامام عليه السلام يقع في موردين

المورد الاول: في ولايته التكوينية،
اشارة

المورد الثاني في ولايته التشريعية، أما المورد الاول فيقع الكلام تارة بلحاظ مقام الثبوت و الامكان و اخري بلحاظ مقام الاثبات فالكلام يقع في موضعين.

أما الموضع الاول فنقول لا اشكال في مقام الثبوت و الامكان اذ الامتناع اما من ناحية قصور في الفاعل و اما من ناحية قصور في القابل أما من ناحية فاعلية الفاعل فلا اشكال و لا كلام في أنه تعالي قادر علي اقدار الغير فانه لا قصور في قدرته- تعالي و تقدس- علي جميع الامور فان قدرته غير متناهية و اذا أراد اللّه شيئا يقول له كن فيكون.

و أما من ناحية القابل فأيضا لا اشكال في قابلية ذواتهم المقدسة لهذه العناية الالهية فلا اشكال في ناحية الثبوت.

و يؤكد المدعي بل يدل عليه انا قادرون علي كثير من الاشياء و هذه القدرة نحو من الولاية التكوينية بل هذه الولاية في الجملة موجودة في الحيوانات فانها تقدر علي كثير من الامور.

ان قلت: الالتزام بكون الامام عليه السلام بيده اختيار الكون يستلزم الاعتقاد بالشرك أو الالتزام بعدم كونه تعالي قادرا بل أمر

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 460

الممكنات فوض إليهم عليهم السلام و كيف يمكن الالتزام بالشرك أو بعدم كونه قادرا؟

قلت: ليس المراد من ولايتهم استقلالهم في التصرف و استغنائهم

عن خالقهم بل نقول: قدرتهم بلطفه و عنايته كقدرة عيسي بن مريم عليهما السلام علي احياء الموتي و ابراء الاكمه و الابرص فتحصل ان الامكان الثبوتي لا اشكال في تحققه.

و أما الموضع الثاني فيمكن اثبات المدعي اي ولايتهم التكوينية و قدرتهم علي التصرف في الامور الخارجية بتقريبات.

التقريب الاول: ما ورد في القرآن و نص به من معجزات الأنبياء و قدرتهم علي خوارق العادة بجعل موسي عصاه ثعبانا و احياء عيسي الموتي و ابراء الاكمه و الابرص الي غيرها من المعاجز المنقولة عن أنبياء السلف هذا من ناحية و من ناحية اخري قد ثبت بالأدلّة القطعية ان رسول الاسلام و خلفائه و الائمة عليهم السلام أفضل من أنبياء السلف فما يكون لهم ثابت لاهل البيت عليهم السلام.

التقريب الثاني: قد ثبت بالدليل القطعي و قد ذكر في الكتاب ثبوت القدرة علي بعض خوارق العادة لبعض أفراد الناس كقدرة آصف وزير سليمان و غيره و هل يمكن أن تكون هذه الفضيلة لمثل آصف و لا تكون لاهل بيت الوحي و الطهارة و الحال انهم أفضل الموجودات و أقرب الناس من مقام القدس الربوبي.

التقريب الثالث: انه لا اشكال في ان الشيطان قادر بإرادة اللّه علي التصرف في الانسان و اغوائه و قد أوتي هذا الفضل لامتحان الناس و لا اشكال في كونه فضيلة و هل يمكن أن يكون الشيطان الرجيم أفضل من أهل بيت الرسالة؟ كلا ثم كلا.

التقريب الرابع: ان اللّه تبارك و تعالي ينقل في كتابه «قال

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 461

عفريت من الجن انا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك و اني عليه لقوي امين» «1» و هل يمكن أن يكون العفريت من

الجن أفضل من الذوات المقدسة الذين اذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا و هل يجوز العقل مع انهم أفضل من جميع المخلوقات.

التقريب الخامس: الروايات الواردة في هذا المقام فانه لو تصور أعظم درجة و ارفع مقدارا من التواتر يصدق و يتحقق موضوعه في الروايات المروية في هذا المجال و من المؤسف جدا عدم الغور في بحار الاخبار و لجج الروايات الواردة في فضائلهم و مناقبهم و نحن بعيدون عن الفوز العظيم مع كونها في أيدينا و اختيارنا و ليس هذا إلا من سوء التوفيق و العتب كل العتب متوجه إلينا و انحرفنا بتسويل النفس الامارة و اغواء الشيطان الملعون كما يقول الشاعر:

نعيب زماننا و العيب فينا و ليس زماننا فيه المعيب

و تسلط الشيطان علينا حتي صار المعروف عندنا منكرا و حراما فان ذكر المصائب عار لنا و موعظة الناس و ارشادهم هتك لمقامنا و لا نفهم بأن مرجع هذه الدعوي الي الرد علي الرسول و امير المؤمنين صلوات اللّه عليهم فان رسول اللّه كان واعظا و كذلك أمير المؤمنين و لنا مصائب كثيرة و معايبنا وافرة و أفكارنا خاطئة انحرفنا عن الصراط المستقيم و رجحنا الاعوجاج علي الاستقامة و الضلال علي الهدي يا ولي اللّه الاعظم ادركنا و نجنا من شرور أنفسنا.

و علي الجملة الروايات الواردة في المقام علي طوائف: الطائفة الاولي ما يدل علي علمهم منها ما رواه أبو الجارود قال: قال علي ابن الحسين عليه السلام ما ينقم الناس منا فنحن و اللّه شجرة النبوة

______________________________

(1) النمل/ 39.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 462

و بيت الرحمة و معدن العلم و مختلف الملائكة «1» و في هذا الباب ثلاثة أحاديث.

و منها ما

عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام يمصون الثماد و يدعون النهر العظيم قيل له و ما النهر العظيم؟

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و العلم الذي أعطاه اللّه ان اللّه عز و جل جمع لمحمد صلي اللّه عليه و آله سنن النبيّين من آدم و هلم جرا الي محمد صلي اللّه عليه و آله قيل له: و ما تلك السنن قال علم النبيين بأسره و ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله صيّر ذلك كله عند أمير المؤمنين عليه السلام فقال له رجل: يا ابن رسول اللّه فأمير المؤمنين أعلم أم بعض النبيين فقال أبو جعفر عليه السلام:

اسمعوا ما يقول ان اللّه يفتح مسامع من يشاء اني حدثته ان اللّه جمع لمحمد صلي اللّه عليه و آله علم النبيين و انه جمع ذلك كله عند أمير المؤمنين عليه السلام و هو يسألني أ هو أم بعض النبيين «2» و في هذا الباب ثمانية احاديث.

و منها ما رواه الكناسي قال كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده أبو بصير فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ان داود ورث علم الأنبياء و ان سليمان ورث داود و ان محمدا صلي اللّه عليه و آله ورث سليمان و أنا ورثنا محمدا صلي اللّه عليه و آله و ان عندنا صحف ابراهيم و الواح موسي فقال أبو بصير ان هذا لهو العلم فقال يا أبا محمد: ليس هذا هو العلم انما العلم ما يحدث بالليل و النهار

______________________________

(1) باب أن الائمة معدن العلم و شجرة النبوة و مختلف الملائكة ج 1 من الاصول من الكافي ص 221 الحديث 1.

(2) الاصول

من الكافي ج 1 ص 221 باب ان الائمة عليهم السلام ورثة العلم الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 463

يوما بيوم و ساعة بساعة «1» و في هذا الباب سبعة أحاديث.

و منها ما رواه هشام بن الحكم في حديث بريه انه لما جاء معه الي أبي عبد اللّه عليه السلام فلقي أبا الحسن موسي بن جعفر عليه السلام فحكي له هشام الحكاية فلما فرغ قال أبو الحسن عليه السلام لبريه: يا بريه كيف علمك بكتابك قال انا به عالم ثم قال: كيف ثقتك بتأويله قال ما اوثقني بعلمي فيه قال فابتدأ أبو الحسن عليه السلام يقرأ الإنجيل فقال بريه اياك كنت اطلب منذ خمسين سنة أو مثلك قال فآمن بريه و حسن ايمانه و آمنت المرأة التي كانت معه فدخل هشام و بريه و المرأة علي أبي عبد اللّه عليه السلام فحكي له هشام الكلام الذي جري بين أبي الحسن موسي عليه السلام و بين بريه فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ذرية بعضها من بعض و اللّه سميع عليم فقال بريه: أني لكم التوراة و الإنجيل و كتب الأنبياء؟ قال: هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرءوها و نقولها كما قالوا ان اللّه لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شي ء فيقول: لا أدري «2».

و في هذا الباب حديثان.

و منها ما رواه بريد بن معاوية قال: قلت لابي جعفر عليه السلام «قل كفي باللّه شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب» قال ايّانا عني و عليّ أولنا و أفضلنا و خيرنا بعد النبي صلي اللّه عليه و آله «3» و في هذا الباب ستة احاديث.

______________________________

(1) الاصول من الكافي

ج 1 ص 223 باب ان الائمة عليهم السلام ورثة علم النبي و جميع الأنبياء … الحديث 4.

(2) الاصول من الكافي ج 1 ص 227 باب ان الائمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند اللّه عز و جل الحديث 1.

(3) نفس المصدر ص 228 باب انه لم يجمع القرآن كله الا الائمة عليهم السلام … الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 464

و منها ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: ان اسم اللّه الاعظم علي ثلاثة و سبعين حرفا و انما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالارض ما بينه و بين سرير بلقيس حتي تناول السرير بيده ثم عادت الارض كما كانت أسرع من طرفة عين و نحن عندنا من الاسم الاعظم اثنان و سبعون حرفا و حرف واحد عند اللّه تعالي استأثر به في علم الغيب عنده و لا حول و لا قوة الا باللّه العليّ العظيم «1» و في هذا الباب ثلاثة أحاديث.

و منها ما رواه مفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سمعته يقول: أ تدري ما كان قميص يوسف عليه السلام قال: قلت:

لا قال: ان ابراهيم عليه السلام لما اوقدت له النار أتاه جبرئيل عليه السلام بثوب من ثياب الجنة فألبسه ايّاه فلم يضره معه حر و لا برد فلمّا حضر ابراهيم الموت جعله في تميمة و علّقه علي اسحاق و علّقه اسحاق علي يعقوب فلمّا ولد يوسف عليه السلام علقه عليه فكان في عضده حتي كان من أمره ما كان فلما أخرجه يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب ريحه و هو قوله «اني لاجد ريح يوسف

لو لا أن تفندون» فهو ذلك القميص الذي أنزله اللّه من الجنة قلت: جعلت فداك فالي من صار ذلك القميص قال:

الي أهله ثم قال كل: نبيّ ورث علما أو غيره فقد انتهي الي آل محمد صلي اللّه عليه و آله «2» و في هذا الباب خمسة احاديث الي غيرها من

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 1 ص 230 باب ما أعطي الائمة عليهم السلام من اسم اللّه الاعظم الحديث 1.

(2) الاصول من الكافي ج 1 ص 231 باب ما عند الائمة من آيات الأنبياء عليهم السلام الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 465

الاحاديث الواردة في هذا المجال.

فنقول يمكن الاستدلال علي المدعي بهذه الروايات بوجوه من البيان
الوجه الأول: ان العلم هل يكون منشئا للعمل الخارجي أم لا؟

أما علي الاول فيتم الامر كما هو ظاهر و أما علي الثاني فنقول: القدرة علي كل أمر ممكن هل يكون له سبب أو لا؟ لا سبيل الي الثاني و علي الاول يتم الامر.

الوجه الثاني: انه يظهر بالصراحة من بعض نصوص هذه الطائفة ان علم الكتاب يقتضي الاقدار علي التصرف و الاتيان بخوارق العادة

لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«قال الذي عنده علم من الكتاب انا آتيك به قبل أن يرتدّ أليك طرفك» قال ففرج أبو عبد اللّه عليه السلام بين اصابعه فوضعها في صدره ثم قال و عندنا و اللّه علم الكتاب كله «1».

الوجه الثالث: انه يستفاد من بعض نصوص هذه الطائفة ان الائمة عليهم السلام ورثوا من الأنبياء العلم الذي يكون منشئا للقدرة

لاحظ ما رواه مفضل بن عمر قال أتينا باب أبي عبد اللّه عليه السلام و نحن نريد الاذن عليه فسمعناه يتكلم بكلام ليس بالعربية فتوهّمنا انه بالسريانية ثم بكي فبكينا لبكائه ثم خرج إلينا الغلام فأذن لنا فدخلنا عليه فقلت: أصلحك اللّه أتيناك نريد الاذن عليك فسمعناك تتكلم بكلام ليس بالعربية فتوهمنا انه بالسريانية ثم بكيت فبكينا لبكائك فقال: نعم ذكرت الياس النبي و كان من عباد انبياء بني اسرائيل

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 1 ص 228 الحديث 5 باب انه لم يجمع القرآن كله الا الائمة عليهم السلام.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 466

فقلت كما كان يقول في سجوده ثم اندفع فيه بالسريانية فلا و اللّه ما رأينا قسّا و لا جاثليقا أفصح لهجة منه به ثم فسره لنا بالعربية فقال: كان يقول في سجوده «أترك معذبي و قد أظمأت لك هو اجري أتراك معذبي و قد عفرت لك في التراب وجهي أتراك معذبي و قد اجتنبت لك المعاصي أتراك معذبي و قد أسهرت لك ليلي قال فاوحي اللّه إليه ان ارفع رأسك فاني غير معذبك قال فقال ان قلت لا اعذبك ثم عذبتني ما ذا أ لست عبدك و انت ربي قال فاوحي اللّه إليه ان ارفع رأسك فاني غير معذبك اني اذا وعدت وعدا وفيت به «1».

الطائفة الثانية ما وردت من

النصوص المتواترة علي صدور المعاجز منهم و قد ذكر كثيرا منها الشيخ الحر قدس سره في كتابه المسمي باثبات الهداة و أيضا قد ذكر المجلسي قدس سره روايات في هذا المجال من أراد الوقوف عليها فليراجع البحار و اثبات الهداة و غيرهما من الكتب التي قد ذكرت فيها معاجزهم و صدور خوارق العادة منهم.

الطائفة الثالثة: ما نقل عنهم من دعوي قدرتهم علي التأثير في الكون لاحظ ما رواه ابان الاحمر قال: قال الصادق عليه السلام يا أبان كيف تنكر الناس قول أمير المؤمنين عليه السلام لمّا قال: لو شئت لرفعت رجلي هذه فضربت بها صدر ابن أبي سفيان بالشام فنكسته عن سريره و لا ينكرون تناول آصف وصي سليمان عرش بلقيس و اتيانه سليمان به قبل أن يرتد إليه طرفه أ ليس نبيّنا صلي اللّه عليه و آله أفضل الأنبياء و وصيّه افضل الأوصياء أ فلا جعلوه كوصي سليمان عليه السلام حكم اللّه بيننا و بين من جهد حقنا و أنكر

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 1 ص 227 باب ان الائمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب … الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 467

فضلنا «1».

و لاحظ ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: دخلت عليه فشكوت إليه الحاجة قال: فقال: يا جابر ما عندنا درهم فلم ألبث ان دخل عليه الكميت فقال له: جعلت فداك ان رأيت أن تأذن لي حتي أنشدك قصيدة قال: فقال انشده فأنشده فقال: يا غلام اخرج من ذاك البيت بدرة فادفعها الي الكميت.

قال فقال له جعلت فداك ان رأيت أن تأذن لي أنشدك قصيدة اخري قال: انشد فانشده اخري فقال: يا غلام اخرج من ذلك

البيت بدرة فادفعها الي الكميت قال فأخرج بدرة فدفعها إليه.

قال فقال له: جعلت فداك ان رأيت ان تأذن لي انشدك ثالثة قال له انشد [فأنشده] فقال يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إليه قال فاخرج بدرة فدفعها إليه فقال الكميت جعلت فداك و اللّه ما احبكم لغرض الدنيا و ما أردت بذلك الا صلة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و ما أوجب اللّه عليّ من الحق.

قال: فدعا له ابو جعفر عليه السلام ثم قال يا غلام ردها مكانها قال فوجدت في نفسي و قلت: قال ليس عندي درهم و أمر للكميت بثلاثين ألف درهم قال: فقام الكميت و خرج قلت له جعلت فداك:

قلت ليس عندي درهم و أمرت للكميت بثلاثين ألف درهم فقال لي يا جابر قم و ادخل البيت قال فقمت و دخلت البيت فلم اجد منه شيئا قال: فخرجت إليه فقال لي يا جابر ما سترنا عنكم اكثر مما اظهرنا لكم فقام و أخذ بيدي و ادخلني البيت ثم قال و ضرب برجله الارض فاذا شبيه بعنق البعير قد خرجت من ذهب ثم قال لي يا جابر انظر الي هذا و لا تخبر به احدا الا من تثق به من اخوانك ان اللّه أقدرنا

______________________________

(1) بحار الانوار ج 14 ص 115 الحديث 12.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 468

علي ما نريد و لو شئنا أن نسوق الارض بازمتها لسقناها «1».

هذا تمام الكلام في المورد الاول اي الولاية التكوينية للامام.

و اما المورد الثاني و هي ولاية الامام عليه السلام ولاية تشريعية أي التصرف في أموال الناس و انفسهم
فيمكن الاستدلال عليه بوجوه:
الوجه الأول قوله تعالي «النَّبِيُّ أَوْليٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» «2»

الآية فان هذه الآية الشريفة تدل علي كون النبي صلي اللّه عليه و آله اولي بالنسبة الي المؤمن من نفسه ان قلت هذه الآية تدل علي الاولوية بالنسبة الي

النفس و لا دلالة فيها بالنسبة الي المال قلت أولا ان الاولوية بالنسبة الي النفس تستلزم الاولوية بالنسبة الي المال و بعبارة اخري تدل الآية علي الاولوية بالنسبة الي المال بالفحوي لكون النفس اهم من المال و ثانيا ان الولاية علي النفس علي الاطلاق تستلزم الولاية علي المال اذ التصرف في مال الغير بلا ولاية عليه لا يمكن و بعبارة واضحة الولاية علي التصرف في مال الغير نوع ولاية علي نفسه فالولاية المطلقة علي نفس الغير تقتضي الولاية علي ماله فدلالة الآية علي المدعي تامة ان قلت المستفاد من الآية الولاية للنبي و أما بالنسبة الي الامام عليه السلام فالآية ساكتة عنه قلت المستفاد من كلام النبي صلي اللّه عليه و آله في خطبة الغدير ثبوت تلك الولاية لعلي عليه السلام فانه صلي اللّه عليه و آله بعد اقرارهم بولايته عليهم قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه الخ مضافا الي انه لا اشكال عند الاصحاب ان ما للرسول الاكرم ثابت لعلي عليه السلام.

______________________________

(1) بحار الانوار ج 46 ص 239 الحديث 23.

(2) الاحزاب الآية 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 469

الوجه الثاني قوله تعالي «إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا» «1»

فان الآية تدل علي ولاية اللّه و رسوله و الذين آمنوا ولاية مطلقة علي الناس هذا من ناحية و من ناحية اخري ان المراد من الَّذِينَ آمَنُوا الائمة عليهم السلام و مقتضي الولاية المطلقة الولاية علي النفوس و الاموال فهذا الوجه أيضا تام من حيث الدلالة علي المدعي.

الوجه الثالث جملة من النصوص

و من جملة تلك النصوص ما رواه أحمد بن عيسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل «إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا» قال: انما يعني أولي بكم أي أحق بكم و باموركم و انفسكم و أموالكم اللّه و رسوله و الَّذِينَ آمَنُوا يعني عليا و أولاده الائمة عليهم السلام الي يوم القيامة ثم وصفهم اللّه عز و جل فقال: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ و كان أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الظهر و قد صلي ركعتين و هو راكع و عليه حلة قيمتها ألف دينار و كان النبي صلي اللّه عليه و آله كساه اياها و كان النجاشي أهداها له فجاء سائل فقال: السلام عليك يا ولي اللّه و أولي بالمؤمنين من أنفسهم تصدق علي مسكين فطرح الحلقة إليه و أومأ بيده إليه ان احملها فأنزل عز و جل فيه هذه الآية و صير نعمة أولاده بنعمته فكل من بلغ من أولاده بلغ الامامة يكون بهذه النعمة مثله فيتصدقون و هم راكعون و السائل الذي سأل امير المؤمنين عليه السلام من الملائكة و الذين يسألون الائمة من أولاده يكونون من الملائكة «2» الي غيرها من الروايات المذكورة في هذا الباب و ابواب آخر.

______________________________

(1) المائدة الآية 55.

(2) الاصول من الكافي ج 1 ص 288 الحديث

3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 470

و لا يخفي انه لا تترتب نتيجة عملية علي هذا البحث أما في زمان الغيبة كزماننا فظاهر اذ ليس الامام عليه السلام حاضرا فلا موضوع لتصرفه و أما في زمان الحضور فنفس تصرفه في شي ء دليل علي نفوذه فلاحظ.

«قوله قدس سره: و بين موارد الوجهين عموم من وجه»

يمكن أن يقال ان مادة الاجتماع التصرف في مجهول المالك و التصدق به علي ما هو المشهور بين القوم فان الحاكم له أن يتصرف فيه بنفسه و تصرف الغير منوط باذنه علي ما هو المقرر عندهم من أن التصدق به منوط باذنه و يفترقان في الزكاة فان تصرف المالك لا ينوط باذن الحاكم و تصرف الحاكم في الزكاة و تأديتها علي ما هو المقرر من جواز التصدي للحاكم و في التقاص لو قلنا بانه ينوط باذن الحاكم و ليس للحاكم التصرف فيه بنفسه.

«قوله قدس سره: ثم اذنه المعتبر في تصرف الغير اما أن يكون علي وجه الاستنابة»

الفرق بين الاستنابة و التولية ان النيابة أي الوكالة تزول بموت المنوب عنه و الموكل و لا يعقل بقائها بعد موته فان الوكيل وجود تنزيلي للموكل و فرع من ذلك الاصل و مع انتفاء الاصل لا موضوع للفرع.

و أما التولية فهي لا تزول بموت المولي و الجاعل للتولية و لذا المتولي للوقف يكون باقيا علي توليته حتي بعد وفات الواقف لكن الاشكال في أصل المسألة و انه هل يكون للحاكم جعل التولية فانه لو لم تثبت ان ولايته علي الاموال و الانفس كولاية الامام عليه السلام لا يمكن الالتزام بصحة جعله التولية لاحد بل لا بد من العمل علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب،

ج 2، ص: 471

المقدار المعلوم و القدر المعلوم جواز تصرفه بنفسه أو بوكيله فلاحظ.

[مقتضي الاصل عدم ثبوت الولاية لاحد]
اشارة

«قوله قدس سره: اذا عرفت هذا فنقول مقتضي الاصل عدم ثبوت الولاية لاحد»

يقع الكلام تارة في المقام في مقتضي الاصل و القاعدة الأولوية و اخري في مقتضي الادلة الثانوية فالكلام يقع في موضعين

أما الموضع الاول فنقول: مقتضي الكتاب و السنة و الاصل العملي عدم ولاية احد علي غيره

أما الكتاب فقوله تعالي «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» «1» فان مقتضي الآية الشريفة عدم التصرف في مال الغير و عدم ولاية احد علي غيره في بيع ماله و أما السنة فقوله عليه السلام «لا تبع ما ليس عندك» فان المستفاد من الجملة عدم جواز بيع مال الغير كما ان مقتضي قوله عليه السلام «الطلاق بيد من أخذ بالساق» عدم جواز طلاق زوجة احد لغيره و أما الاصل فمقتضاه عدم تأثير التصرف في نفس الغير و لا ماله فلو لم يقم دليل علي الولاية لا اشكال في عدمها بمقتضي الادلة الثلاثة فلاحظ.

و أما الموضع الثاني
اشارة

فما يمكن أن يستدل به علي المدعي وجهان

الوجه الأول: جملة من النصوص

و منها ما رواه النوري في مستدركه، قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا قيل: يا رسول اللّه فما دخولهم في الدنيا؟

قال: اتباع السلطان فاذا فعلوا ذلك فاحذروهم علي أديانكم «2».

و النوري قدس سره صحح طريق الخبر و الرواية مخدوشة

______________________________

(1) النساء/ 29.

(2) مستدرك الوسائل الباب 35 من أبواب ما يكتسب به الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 472

سندا أولا: بعدم دليل علي وثاقة السيد فضل اللّه الراوندي مؤلف الكتاب.

و ثانيا: ان الرواية منقولة عن الجعفريات و كتاب الجعفريات بنفسه لا اعتبار به فان مؤلف الكتاب اسماعيل بن موسي بن جعفر و الرجل لم يوثق و انجبار الخبر بعمل المشهور ممنوع صغرويا و كبرويا و النوري نقل الخبر المذكور في موضع مرسلا «1» و المرسل لا اعتبار به هذا من حيث السند.

و أما من حيث الدلالة فغاية ما يمكن أن يقال في الاستدلال بالرواية علي المدعي ان المستفاد منها ان العلماء أمناء الرسل و بطبيعة الحال الامانة تجعل عند الامين و حذف المتعلق يفيد العموم و مقتضاه ان كل ما يكون للرسول يكون امانة عند العالم فكل ما يكون له يكون للعالم فكما ان الرسول له الولاية تكون للعالم.

و يرد عليه ان الحكم لا يتعرض لموضوع نفسه و عليه نقول:

المستفاد من الحديث ان العالم لو جعل الشي ء عنده من قبل الرسول لا يخون و أما تحديد الامانة و بيان خصوصياته فهو غير معلوم.

و ان شئت قلت: ان الولاية لو جعلت عند العالم امانة لا يخون فيها و لكن لا ندري انه هل جعلت عنده أم لا

و مقتضي الاستصحاب عدم وضعها عنده. اضف الي ذلك ان الولاية اذا كانت ثابتة للفقيه تكون من قبل اللّه و لا يرتبط بالرسول فلا مجال لان يقال ان الولاية امانة للرسول عند العالم.

و يضاف الي ذلك كله ان ذيل الحديث قرينة علي ان المراد من الامانة الاحكام الشرعية فان قوله عليه السلام «فاحذروهم علي أديانكم» قرينة علي ان المراد من الامانة الاحكام فلاحظ. اللهم الا

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 473

أن يقال ان الفقيه اذا لم يكن ورعا يمكن ان يخون في الولاية و يتصرف في الامانة بأن يتصرف في الاعراض و الاموال و النفوس بنحو غير جائز فاحذروهم.

و من تلك النصوص ما رواه الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام فان قال: فلم جعل أولي الامر و أمر بطاعتهم قيل لعلل كثيرة منها أن الخلق لمّا وقفوا علي حدّ محدود و امروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك و لا يقوم الا بأن يجعل عليهم فيه أمينا يأخذهم بالوقف عند ما ابيح لهم و يمنعهم من التعدي و الدخول فيما خطر عليهم لانه لو لم يكن ذلك كذلك لكان احد لا يترك لذته و منفعة لفساد غيره فجعل عليهم قيما يمنعهم من الفساد و يقيم فيهم الحدود و الاحكام.

و منها انا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملة من الملل بقوا و عاشوا الا بقيم و رئيس لما لا بد لهم منه في أمر الدين و الدنيا فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق ممّا يعلم انه لا بد لهم منه و لا

قوام لهم الا به فيقاتلون به عدوهم و يقسمون به فيئهم و يقيم لهم جمعتهم و جماعتهم و يمنع ظالمهم من مظلومهم.

و منها انه لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملة و ذهب الدين و غيّرت السنة و الاحكام و لزاد فيه المبتدعون و نقص منه الملحدون و شبهوا ذلك علي المسلمين لانّا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم و اختلاف أهوائهم و تشتت أنحائهم فلو لم يجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول فسدوا علي نحو ما بينا و غيرت الشرائع و السنن و الاحكام و الايمان و كان في ذلك فساد الخلق اجمعين «1».

______________________________

(1) بحار الانوار ج 23 ص 32 باب الاضطرار الي الحجة الحديث 52.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 474

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان جعل القيم و الامام لازم للامة فلا بد في زمن الغيبة من كون الفقيه وليا.

و فيه أولا: ان اسناد الصدوق الي الفضل بن شاذان فيما يرويه عن الرضا عليه السلام مخدوش علي ما كتبه الحاجياني.

و ثانيا: ان الامام عليه السلام مجعول من قبل اللّه علي الناس و هو روحي فداه موجود غاية الامر ان عدمه منا و نحن مقصرون.

و بعبارة واضحة: لا تدل الرواية علي المدعي فان الحديث يدل علي لزوم وجود الامام و المفروض انه تعالي عيّن الامام عليه السلام غاية الامر ان سوء اعمال العباد اوجب غيبته و الرواية لا تدل علي أن غيره في زمن غيبته نائب عنه و ولي علي الناس فلاحظ.

و من تلك النصوص ما رواه في تحف العقول من كلام الحسين ابن علي عليهم السلام في الامر بالمعروف و النهي

عن المنكر:

و يروي عن أمير المؤمنين عليه السلام «اعتبروا ايها الناس بما وعظ اللّه به أولياءه من سوء ثنائه علي الاحبار اذ يقول «لَوْ لٰا يَنْهٰاهُمُ الرَّبّٰانِيُّونَ وَ الْأَحْبٰارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ» الي أن قال و انتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسعون ذلك بأن مجاري الامور و الاحكام علي أيدي العلماء باللّه الامناء علي حلاله و حرامه فأنتم المسلوبون تلك المنزلة و ما سلبتم ذلك الا بتفرقكم عن الحق و اختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة و لو صبرتم علي الاذي و تحملتم المئونة في ذات اللّه كانت امور اللّه عليكم ترد و عنكم تصدر و إليكم ترجع» الخبر «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان الامور بيد العلماء باختيارهم فهم قادرون شرعا علي أن يتصرفوا في الامور و هذا هو

______________________________

(1) المستدرك الباب 11 من ابواب صفات القاضي الحديث 16.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 475

المراد بالولاية.

و يرد عليه أولا ان الحديث ضعيف سندا و غير قابل للاستدلال به و انجباره بعمل المشهور ممنوع صغرويا و كبرويا.

و ثانيا: ان الامور جمع معرف باللام و مفيد للعموم الوضعي فجميع الامور تجري بيدهم بلا فرق بين التكوينية و التشريعية فالعالم خليفة اللّه في أرضه و سمائه فكما ان ازمة الامور طرا بيده كذلك ازمة الامور بيد العالم و هذا المقام لا يكون للفقيه بالضرورة فيكون المراد مجملا و غير معلوم.

فاما يكون المراد من العلماء الأنبياء و الائمة فلا يكون اللفظ شاملا للفقيه و اما يكون المراد من الامور الاحكام الشرعية فلا يرتبط بالمقام فعلي كلا التقديرين لا يكون الحديث وافيا لاداء المقصود.

و من تلك النصوص ما عن الرسول الاكرم

صلي اللّه عليه و آله:

اللهم ارحم خلفائي ثلاثا قيل و من خلفائك؟ قال الذين يأتون بعدي و يروون حديثي و سنتي «1».

بتقريب ان الخليفة و النائب يكون له ما للمنوب عنه و للمخلّف فالحديث المذكور يفي بالمقصود.

و يرد علي الاستدلال أولا: ان الرواية و ان كانت منقولة بطرق عديدة لكن لا اعتبار بها سندا فان الطرق المتعددة المشار إليها كلها ضعيفة و لا جابر لها و من الظاهر ان التواتر لا يتحقق بهذا المقدار فلا مجال لدعوي التواتر هذا من حيث السند.

و أما من حيث الدلالة فان المستفاد من الحديث انه صلي اللّه عليه و آله ترحّم علي خلفائه و عرفهم و شخصهم بكونهم راوين لحديثه

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب صفات القاضي الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 476

و معلمون لسنته و هذا العنوان المشير يصدق علي الرواة و هل يمكن أن يلتزم بكون الراوي للحديث له الولاية كولاية النبي صلي اللّه عليه و آله؟ فالمراد من الخلافة اما مجمل و اما كونهم خليفة له من هذه الجهة و علي كلا التقديرين لا يستفاد المدعي من الحديث.

و منها ما أرسله العلامة عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله علماء امتي كأنبياء بني اسرائيل «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان منزلة العلماء في هذه الامة كمنزلة انبياء بني اسرائيل و حيث ان الولاية ثابتة لهم فالولاية ثابتة لعلماء هذه الامة أيضا.

و يرد عليه أولا: ان الحديث مرسل و لا اعتبار بالمرسلات و لا جابر له. و ثانيا: ان وجه الشباهة غير ظاهر اذ لا مجال لان يلتزم بها في جميع الامور فان النبوة الثابتة لهم غير ثابتة لعلماء هذه الامة بالضرورة

و مع اجمال وجه الشباهة لا يثبت المدعي كما هو ظاهر.

و ثالثا: انه من اين علم ان الولاية التي مورد الكلام كانت ثابتة لانبياء بني اسرائيل قاطبة فانه اوّل الكلام فالنتيجة انه لا يتم الاستدلال فلاحظ. و منها ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

ان العلماء ورثة الأنبياء «2».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان العلماء ورثة الأنبياء فعلماء هذه الامة ورثة لرسول الاسلام و من ناحية اخري لا اشكال في أن الولاية ثابتة للرسول الاكرم فأيضا تكون ثابتة للعلماء.

و هذه الرواية تارة يبحث فيها من حيث السند و اخري من حيث

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب صفات القاضي الحديث 30.

(2) الاصول من الكافي ج 1 باب ثواب العالم و المتعلم ص 34 الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 477

الدلالة أما من حيث السند فسندها تام.

و أما من حيث الدلالة فلا يستفاد المدعي من الحديث بل المستفاد منه ان إرث الأنبياء عبارة عن الاحاديث و الاخبار بل لقائل أن يقول:

المستفاد من الحديث عدم انتقال الولاية من النبي و عدم ارثهم الولاية منه اذ الظاهر من الحديث التحديد و اعطاء الضابطة و الميزان فلا يتم الاستدلال أيضا.

و منها ما رواه في الفقه الرضوي ان منزلة الفقيه كمنزلة الأنبياء في بني اسرائيل «1».

و تقريب الاستدلال يظهر مما تقدم في نظيره. و فيه أولا: ان كون الكتاب للامام عليه السلام اوّل الكلام و الاشكال و قد مر الكلام من هذه الجهة في اوّل الكتاب فراجع ما ذكرناه هناك.

و ثانيا: انا قد ذكرنا انه لا مجال لاثبات المدعي بالجملة المذكورة فلا وجه للاعادة.

و منها ما عن نهج البلاغة أولي الناس بالانبياء اعلمهم بما جاءوا به،

بتقريب انهم أولي يستلزم أن يكون ما للانبياء للعلماء و من جملة ما لهم الولاية فالولاية تكون للعلماء أيضا.

و فيه أولا: الاشكال في السند فان صدور الجملة المذكورة منه عليه السلام اوّل الكلام و الاشكال. و ثانيا: ان الاولوية لا تستلزم ثبوت الولاية للعلماء بل الاولوية تدل علي أن العلماء أقرب الناس الي الأنبياء و أما هذه الاولوية و الاقربية تؤثر في أي شي ء و ما يترتب عليها فالحديث غير متعرض له و يلزم أن يفهم من الخارج نعم لو ثبت ان الولاية تنتقل من النبي الي غيره نحكم بأنها تنتقل الي العالم لكن الاشكال في الانتقال و مقتضي الاستصحاب عدمه.

______________________________

(1) عوائد الايام للنراقي عائدة في ولاية الحاكم.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 478

مضافا الي أنه لا اشكال في أنه علي فرض الانتقال تنتقل أولا الي خليفته و وصيه كأمير المؤمنين بالنسبة الي الرسول الاكرم فلاحظ.

و من تلك النصوص ما رواه اسحاق بن يعقوب عن الحجة عجل اللّه تعالي فرجه الشريف و أما الحوادث الواقعة فارجعوا الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة اللّه «1».

و هذه الرواية من حيث السند مخدوشة بإسحاق بن يعقوب فانه لم يوثق و قيل في حقه «لا نعرفه مجهول» فلا يعتد بها و أما من حيث الدلالة فالظاهر منها ان الامام عليه السلام ارجع الامة الي رواة الحديث اذ الاحكام تستفاد من الاحاديث فالمراد من الرواية ان حكم كل حادثة من الحوادث التي تقع في الخارج يؤخذ من الرواة و هم حجة علي الناس فلا يرتبط مفاد الحديث بمسألة الولاية بالمعني الذي نريد اثباتها.

و من تلك النصوص ما رواه علي بن أبي حمزة البطائني قال:

سمعت أبا

الحسن موسي بن جعفر عليه السلام يقول اذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة و بقاع الارض التي كان يعبد اللّه عليها و أبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله و ثلم في الاسلام ثلمة لا يسدها شي ء لان المؤمنين الفقهاء حصون الاسلام كحصن سور المدينة لها «2».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان الفقيه حصن للاسلام و من ناحية اخري ان الحصنية لا تتحقق الا بالدخول في الامور و الفتق و الرتق و أما لو لم يتداخل الفقيه في الشئون و لم تكن تصرفاته نافذة فهل يمكن أن يصدق عليه انه حصن من حصون الاسلام و هل يمكن أن يقال انه حافظ للاسلام؟

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب صفات القاضي الحديث 9.

(2) الاصول من الكافي ج 1. ص 38 باب فقد العلماء الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 479

و يرد عليه أولا ان الرواية ساقطة عن الاعتبار بالبطائني فلا تكون قابلة للاستدلال بها. و ثانيا: انه قد ورد في بعض النصوص ان الاتقياء حصون الاسلام لاحظ ما رواه اسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: العلماء أمناء و الاتقياء حصون و الأوصياء سادة «1».

فانه ما معني قوله عليه السلام «الاتقياء حصون» و هل يمكن القول بولاية الاتقياء لكونهم حصونا و ثالثا: انه يمكن أن يكون المراد بالرواية ان العلماء ببيانهم الاحكام الشرعية و ارشاداتهم و أمرهم بالمعروف و نهيهم عن المنكر حافظون للدين و لشريعة سيد المرسلين.

و الانصاف ان الامر كذلك و الذي يدل علي عدم الملازمة بين الامرين ان الصادقين عليهما السلام مع كونهما مقهورين من قبل حكام الجور و ائمة الكفر و الضلال و عدم كونهما وليين بحسب

الظاهر قد نشرا الاحكام و حفظا الاسلام و اركانه ببياناتهما الكافية و ارشاداتهما الشافية.

و مما يدل علي صدق مقالتنا ان المعاندين في كل زمان و مكان في مقام المعارضة مع الفقهاء العظام و العلماء الكرام لانهم يعلمون ان الفقهاء سيف قاطع و برهان ساطع و غير قابل للانكار.

و رابعا: انه لو اغمض عن جميع ما تقدم نقول: لا يثبت بالتقريب المذكور المدعي علي الاطلاق بل يثبت في الجملة فانه لا يستفاد من الحديث المذكور جواز تصرف الفقيه في الاموال و الاعراض و الانفس علي نحو الاطلاق و العموم.

و بعبارة اخري: ولاية الفقيه و كونها كولاية الامام عليه السلام

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 1 ص 33 باب صفة العلم و فضله و فضل العلماء الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 480

امر و حفظ الاسلام و كيانه أمر آخر و يلزم عدم خلط احد المقامين بالمقام الاخر فلاحظ.

و من تلك النصوص حديث عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الي السلطان و الي القضاة أ يحل ذلك قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فانما تحاكم الي الطاغوت و ما يحكم له فانما يأخذ سحتا و ان كان حقا ثابتا له لانه أخذه بحكم الطاغوت و ما أمر اللّه أن يكفر به قال اللّه تعالي «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَي الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ» قلت: فكيف يصنعان؟ قال ينظر ان من كان منكم ممن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما «1».

بتقريب ان المستفاد

من الحديث ان الامام جعل الفقيه حاكما فله الحكومة و الولاية.

و فيه أولا: ان الحديث ضعيف سندا و لا جابر له. و ثانيا: ان المستفاد منه جعل الفقيه حاكما و قاضيا في باب الترافع و التنازع فلا يرتبط بالمقام.

و ثالثا: ان جعله واليا و حاكما لا يثبت ولاية الفقيه بالمعني الذي يكون محل الكلام.

و من تلك النصوص ما رواه أبو خديجة حيث قال عليه السلام اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا فاني قد جعلته عليكم قاضيا «2» و تقريب الاستدلال هو التقريب فلا وجه للاعادة.

و فيه أولا: ان الحديث ضعيف سندا بابي جهم بل و بغيره و ثانيا:

ان الرواية لا تدل علي المدعي بل غاية ما يستفاد منها ان منصب

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب صفات القاضي الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 481

القضاوة ثابت للفقيه.

و منها ما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

اتقوا الحكومة فان الحكومة انما هي للامام العالم بالقضاء العادل في المسلمين كنبي «لنبي» أو وصي نبي «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان مقام القضاوة مخصوص بالنبي و وصيه و من ناحية اخري انه لا اشكال في أن الفقيه له القضاوة فتكون له الولاية فانه وصي النبي صلي اللّه عليه و آله.

و فيه انه لا اشكال في أن وصي النبي أمير المؤمنين فلا يكون الفقيه وصيا لكن حيث ثبت بالدليل القطعي ان له القضاوة نلتزم بالتخصيص أو نقول الفقيه نائب عام عن الامام عليه السلام في هذا المنصب فتحصل انه ليس في النصوص ما يدل علي المدعي.

الوجه الثاني لإثبات الولاية للفقيه ان جملة من الامور نعلم ان الشارع الاقدس لا يرضي ان تعطل

و يلزم ان يتصرف فيها كاموال

القصر و الموقوفات التي لا متولي لها و هكذا و اذا لم تكن للفقيه ولاية فمن يتصدي لهذه الامور و فيه انه لا اشكال في ولاية الفقيه بهذا المقدار و لا ريب في ان التصدي للامور الحسبية مربوط بالفقيه الجامع للشرائط من باب القدر المتيقن و بعبارة واضحة حيث انه قد علم من الشرع عدم رضاء الشارع بتعطيل الامور المذكورة و من ناحية اخري القدر المعلوم جواز تصدي الحاكم لها نلتزم بكون التصدي له بل يمكن ان يقال ان من له الولاية في الامور المذكورة الاعلم الاتقي فان من يكون اعلم و اتقي اقرب الي ولي اللّه الاعظم فاذا وصلت النوبة الي تصدي غيره ارواحنا فداه يكون جواز تصدي الاعلم و الاتقي معلوما و جواز تصدي غيره مشكوكا فيه و بعد

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من هذه الابواب الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 482

وصول النوبة الي الشك يكون مقتضي القاعدة عدم الجواز فان الاصل الاولي و الحجر الاساسي عدم الجواز و الجواز يحتاج الي الدليل لكن هل يمكن الالتزام بهذا المعني و هل يمكن احراز هذا العنوان مع ان مقتضي الاستصحاب عدم صدقه علي من يمكن ان يكون مصداقا له و أيضا يشكل فيما لو دار الامر بين الاعلم و الاتقي الاورع فان الترجيح يحتاج الي الدليل فلا يبعد القول بكفاية الاجتهاد و العدالة الا فيما يحرز ان فلانا اعلم و اورع فاذا احرز و امكن الاستيذان منه يتعين و الا فيكفي اجازة المجتهد العادل و علي الجملة لا اشكال في ثبوت هذا المقدار من الولاية للفقيه لكن لا يتم المدعي بهذا المقدار كما هو ظاهر.

«قوله قدس سره: وجب الرجوع فيه»

لقائل ان

يقول مع الشك في الاشتراط المرجع اصل البراءة فلو شك في انه هل يجوز الامر الفلاني بلا اذن الفقيه أم لا يجوز يكون مقتضي البراءة هو الجواز و لو مع عدم اذن الفقيه كما انه لو علم وجوب امر و يشك في اشتراط ذلك الواجب باذنه ينفي الاشتراط باصالة البراءة كما هو المقرر في محله من الاصول و علي الجملة تارة يعلم وجوب شي ء و يحتمل دخل شي ء في المأمور به تجري البراءة عن الاشتراط و اخري لا يعلم بكونه واجبا الا مع الشرط الكذائي و في هذه الصورة لا يتحقق الوجوب الا مع تحقق الشرط كما هو الميزان الكلي.

«قوله قدس سره: فيدل عليه مضافا الي ما يستفاد»

قد ظهر مما ذكرنا النقاش في اسناد هذه الروايات مضافا الي الاشكال في دلالتها فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 483

«قوله قدس سره: و اما ما يشك في مشروعيته»

الامر كما افاده اذ مقتضي الادلة الاولية عدم الجواز تكليفا و عدم الصحة وضعا فان الجلد حرام و ايذاء الغير غير جائز كما ان نفوذ التصرف الوضعي خلاف الاصل الاولي فلا بد من احراز المشروعية في الرتبة السابقة.

«قوله قدس سره: احدهما وجوب ايكال المعروف»

قد ذكرنا انه لو علم وجوب امر يمكن الاتيان به بلا اذن من الحاكم فان مقتضي البراءة عند الشك عدم الالزام نعم في الامور الوضعية عند الشك يلزم الاحتياط اذ مقتضي الاصل عدم ترتب الاثر الا فيما علم كونه مؤثرا.

«قوله قدس سره: ثم انه قد اشتهر في الالسن و تداول في بعض الكتب رواية ان السلطان ولي من لا ولي له» «1»

فيستدل بالحديث علي المدعي و الرواية تامة من حيث الدلالة علي ان الامام عليه

السلام الذي يكون سلطانا في وعاء الشرع له الولاية علي من يحتاج الي الولي لكن الحديث مخدوش سندا فان المرسلات لا اعتبار بها مضافا الي ان الحديث بنفسه لا يثبت المدعي الا بعد تمامية الدليل علي كون الفقيه نائبا عن الامام في جميع الامور التي تكون له و عمدة الاشكال هذا و الا فلا اشكال في كون الامام عليه السلام له الولاية المطلقة علي الكل في الكل.

«قوله قدس سره: و هذا أيضا بعد الانجبار سندا أو مضمونا»

ذكرنا ان ولاية الامام عليه السلام لا اشكال فيها فالاشكال تمام الاشكال في عمومية النيابة و مجرد الشك فيها يكفي للحكم بالعدم

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 18 الباب 2 من ابواب العاقلة الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 484

لاستصحاب عدمها بل النتيجة كذلك حتي علي تقدير فرض عدم الاستصحاب اذ اثبات نفوذ اعمال الولاية و التصرف في مال الصغير مثلا أو نفسه يحتاج الي الدليل و المفروض عدمه.

«قوله قدس سره: لكن يستفاد منه ما لم يكن يستفاد من التوقيع»

بل لا يستفاد منه شي ء ابدا حتي يستفاد منه ما لا يستفاد من التوقيع اذ المستفاد من الحديث كون الامام وليا و لا اشكال في ولايته عليه السلام نعم لو قلنا بان المراد من السلطان مطلق من بيده السلطة الخارجية كسلاطين بني امية و بني العباس و فرضنا ان الفقيه صار سلطانا خارجيا يشمله الحديث و لكنه فرض في فرض و لا دليل علي كون السلطان عبارة عن الذي بيده السلطة الخارجية مضافا الي انه مع الاغماض لا يتم الامر اذ المدعي كون الفقيه وليا و لو لم يكن سلطانا في الظاهر و لم تكن له سلطنة و لو

في الجملة فلاحظ.

«قوله قدس سره: يراد به كونه ممن ينبغي ان يكون له من يقوم بمصالحه»

الحق ان ما أفاده تام فان العرف يفهم من العبارة من يكون له لا عليه فلاحظ.

«قوله قدس سره: فافهم»

لعله ناظر الي عدم الفرق بين الانتفاع و الضرر فافهم.

«قوله قدس سره: اعلم ان ما كان من قبيل ما ذكرنا»

الامر كما أفاده فانه لو فرض ان مطلوبية أمر للشارع الاقدس لا تنوط بوجود أو نظر شخص خاص بل مطلوبيته علي الاطلاق و فرض عدم امكان الوصول الي الفقيه فلا ريب في جواز تولي غيره

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 485

في الجملة و القدر المعلوم جواز تصدي من يكون عادلا و أما اذا شك في اشتراط المطلوبية و المأذونية باذن الفقيه فلا يجوز لغيره التصدي لذلك الامر و اصالة عدم الاشتراط لا تثبت الاطلاق الا علي القول بالاثبات الذي لا نقول به.

مضافا الي كون الاصل المذكور معارضا باصالة عدم الاطلاق و من ناحية اخري مقتضي الاصل عدم نفوذ تصرف من يشك في ولايته.

[مسألة في ولاية عدول المؤمنين]
اشارة

«قوله قدس سره: لعموم وَ تَعٰاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَ التَّقْويٰ وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ» «1»

«قوله قدس سره: و قوله عليه السلام و اللّه في عون المؤمن»

لاحظ ما رواه جميل بن صالح عن ذريح قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول ايّما مؤمن نفّس عن مؤمن كربه و هو معسر يسر اللّه له حوائجه في الدنيا و الآخرة و من ستر علي مؤمن عورة يخافها ستر اللّه عليه سبعين عورة من عورات الدنيا و الآخرة قال و اللّه في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه فانتفعوا بالعظة و ارغبوا في الخير «2».

«قوله قدس

سره: و قوله صلي اللّه عليه و آله»

لاحظ ما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله كل معروف صدقة «3».

الظاهر انه لا يمكن الاستدلال بهذه المطلقات علي المدعي

______________________________

(1) المائدة/ 2.

(2) الوسائل الباب 29 من ابواب فعل المعروف الحديث 2.

(3) الوسائل الباب 1 من ابواب فعل المعروف الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 486

فان الاخذ بإطلاق الدليل أو عمومه لا يجوز في مورد الشك في المصداق و المفروض ان جواز التصدي و التصرف في مال اليتيم مثلا اوّل الكلام و الاشكال.

بل لنا أن نقول انه يحرز عدم الجواز بالاصل فعلي تقدير جواز الاخذ بالإطلاق في الشبهة المصداقية لا يجوز في المقام اذ يحرز عدم المعروفية بالاصل اي الاستصحاب فان كون التصرف الفلاني معروفا اوّل الكلام.

و ان شئت قلت: يشترط في الموضوع كونه معروفا شرعا و لا ندري كونه معروفا. و بعبارة واضحة: هل يمكن الاخذ بقوله «كل معروف صدقه» اطعام الفقير باموال الناس بدون رضاهم كلا ثم كلا بل يحرز عدم الجواز بالدليل اللفظي فان مقتضي قوله صلي اللّه عليه و آله: «لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفسه» «1» عدم جواز التصرف الخارجي في مال الغير مثلا كما ان مقتضي قوله عليه السلام لا تبع ما ليس عندك عدم جواز التصرف الاعتباري.

و علي الجملة لا بد أولا من احراز كون التصرف الفلاني مطلوبا للشارع و لا ينوط باذن الامام عليه السلام أو الفقيه بل يجوز أو يجب في كل زمان غاية الامر ما دام يتصدي الامام أو يمكن الاستيذان منه لا يجوز التصدي لغيره كما ان التصدي

لغير الحاكم مع امكان الاستيذان منه لا يجوز و أما مع عدم امكان الاستيذان منه فيجوز التصدي لكل احد.

[بقي الكلام في اشتراط العدالة]
اشارة

«قوله قدس سره: بقي الكلام في اشتراط العدالة»

وقع الكلام بين الاصحاب في أنه

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب مكان المصلي الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 487

هل يشترط العدالة في المتصدي للامور الحسبية أم لا
اشارة

و الكلام في هذا المقام تارة يقع فيما هو مقتضي القاعدة الاولية و اخري فيما تقتضيه النصوص الخاصة الواردة في باب التصدي فهنا مقامان.

أما المقام الأول [في ما هو مقتضي القاعدة الأولية]

فنقول مقتضي القاعدة الاولية هو الاشتراط اذ المستفاد من الادلة اللفظية و الاصل العملي عدم جواز التصرف في نفس الغير و ماله تكليفا و عدم نفوذه وضعا فلا يجوز التصرف الخارجي في مال الغير كما لا يصح التصرف الاعتباري في نفسه و ماله و الخروج عن القاعدة الاولية يحتاج الي قيام دليل علي الجواز و القدر المعلوم جواز تصرفه لمن يكون عادلا فما دام يمكن تصدي العادل لا تصل النوبة الي الفاسق هذا هو المقام الأول.

و أما

المقام الثاني [فيما يقتضيه النصوص الخاصة]

فقد وردت في المقام عدة روايات منها ما رواه محمد بن اسماعيل بن بزيع قال مات رجل من أصحابنا و لم يوص فرفع أمره الي قاضي الكوفة فصير عبد الحميد القيم بماله و كان الرجل خلّف ورثة صغارا و متاعا و جواري فباع عبد الحميد المتاع فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن اذ لم يكن الميت صيّر إليه وصيته و كان قيامه فيها بأمر القاضي لانهن فروج قال: فذكرت ذلك لابي جعفر عليه السلام و قلت له: يموت الرجل من أصحابنا و لا يوصي الي احد و يخلف جواري فيقيم القاضي رجلا منّا فيبيعهن أو قال يقوم بذلك رجل منّا فيضعف قلبه لانهن فروج فما تري في ذلك؟ قال: فقال: اذا كان القيم به مثلك و مثل عبد الحميد فلا بأس «1».

و تقريب الاستدلال بالحديث انه علق جواز التصدي علي كون المتصدي مثل ابن بزيع و عبد الحميد و لا ندري ان الدخيل في الجواز المشابهة في التشيع أو في العدالة أو في الوثاقة أو في الاجتهاد

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 488

أو

في الجميع و القاعدة تقتضي رعاية جميع الجوانب المحتملة اذ بلا رعاية جميع القيود المحتملة لا مجال للجزم بالجواز فان مقتضي الشرطية عدم الجواز عند انتفاء الشرط فعليه اذا لم يكن المتصدي جامعا للقيود المذكورة لا يجوز تصديه.

و هذا الذي نقول لا بد منه حتي علي فرض عدم احراز القيود المذكورة في ابن بزيع أو عبد الحميد اذ يلزم بمقتضي الرواية احراز الماثلة فيكفي للرعاية مجرد الشك.

و لكن يرد علي الاستدلال المذكور أولا ان الكلام في ولاية العدول و مقتضي الحديث انحصار الولاية في المجتهد العادل فلا يتم المدعي و ثانيا ان الرواية لا ترتبط بالمقام فان مورد الحديث التصرف في أموال اليتيم و الكلام في مطلق الامور الحسبية و من الممكن ان الشارع الاقدس قد اشترط في مورد التصرف في أموال اليتامي شروطا و قيد قيودا.

و من تلك النصوص ما رواه ابن رئاب قال: سألت أبا الحسن موسي عليه السلام عن رجل بيني و بينه قرابة مات و ترك أولادا صغارا و ترك مماليك غلمانا و جواري و لم يوص فما تري فيمن يشتري منهم الجارية فيتخذها أمّ ولد و ما تري في بيعهم قال: فقال:

ان كان لهم وليّ يقوم بأمرهم باع عليهم و نظر لهم و كان مأجورا فيهم قلت: ما تري فيمن يشتري منهم الجارية فيتخذها أم ولد فقال لا بأس بذلك اذا باع عليهم القيم لهم الناظر فيما يصلحهم فليس لهم أن يرجعوا فيما صنع القيم لهم الناظر فيما يصلحهم «1».

و هذه الرواية علقت جواز التصرف علي كون المتصدي وليّا و الحكم لا يتعرض لموضوع نفسه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من ابواب عقد البيع و شروطه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2،

ص: 489

و بعبارة اخري: قد فرض في الحديث وجود الولي و الكلام في أنه من يكون وليا مضافا الي أن الحديث وارد في التصرف في مال اليتيم و الكلام في مطلق التصدي للامور الحسبية.

و منها ما رواه سماعة قال: سألته عن رجل مات و له بنون و بنات صغار و كبار من غير وصية و له خدم و مماليك و عقد كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث قال: ان قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس «1».

و المستفاد من الحديث المذكور انه يكفي في قسمة الارث المشترك بين الكبار و الصغار الايتام تصدي الثقة و لا بد من الاقتصار علي مورده.

و منها ما رواه اسماعيل بن سعد الاشعري قال سألت الرضا عليه السلام عن رجل مات بغير وصية و ترك أولادا ذكرانا غلمانا صغارا و ترك جواري و مماليك هل يستقيم أن تباع الجواري قال نعم و عن رجل يموت بغير وصية و له ولد صغار و كبار أ يحلّ شراء شي ء من خدمه و متاعه من غير أن يتولّي القاضي بيع ذلك فان تولاه قاض قد تراضوا به و لم يستعمله الخليفة أ يطيب الشراء منه أم لا فقال اذا كان الاكابر من ولده معه في البيع فلا بأس اذا رضي الورثة بالبيع و قام عدل في ذلك «2».

و مقتضي هذه الرواية كفاية العدالة و ببركة هذه الرواية يتصرف في تلك الرواية و يقال يكفي العدالة في جواز التصدي لكن الحديث وارد في التصرف في مال اليتيم و لا تستفاد منه الكبري الكلية فاللازم العمل علي طبق القواعد الاولية و مقتضاها الترتيب فالمتصدي

______________________________

(1) الوسائل الباب 88 من ابواب أحكام الوصايا الحديث 2.

(2) الوسائل

الباب 16 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 490

في الدرجة الاولي المجتهد الجامع للشرائط و العادل في الدرجة الثانية و مطلق المؤمن في الدرجة الثالثة.

و أما بالنسبة الي التصرف في مال اليتيم فيجوز التصدي للعادل و لو مع وجود المجتهد للنص الخاص هذا ما يختلج ببالي القاصر في هذه العجالة لكن هذا بالنسبة الي التصرف في مال اليتيم.

و أما التصدي للامور العامة كأخذ الزكوات و الاخماس و التصرف في الاوقاف العامة التي لا متولي لها و هكذا فان لم يعلم من الشرع جواز التصدي أو وجوبه فلا يجوز التصرف و أما ان علم من الشريعة الجواز أو الوجوب ففي زمان الغيبة كزمننا هذا لا بد من دخالة الفقيه الجامع للشرائط فان ولايته معلومة و مع التعذر تصل النوبة الي العادل ثم الي الفاسق بل الامر ينتهي الي الكافر فانا نري ان الكفار مكلفون بالفروع كما هم مكلفون بالاصول.

«قوله قدس سره: و الاحتمال الثالث مناف لاطلاق المفهوم»

الذي يختلج ببالي انه قدس سره أراد من كلامه انه لو اريد من المماثل كون المتصدي فقيها يلزم تخصيص المفهوم اذ لا اشكال في جواز التصدي مع تعذر المجتهد و أما الاحتمالات الاخر فالاخذ بها لا يوجب التخصيص و حيث ان التخصيص خلاف الاصل الاولي نأخذ باحد من الاحتمالات الاخر كي لا يلزم التخصيص.

أقول: يرد عليه ان اصالة العموم لا تكون اصلا تعبديا جاريا في مورد الشك علي نحو الاطلاق بل اصالة العموم من باب الظهور العرفي و مع فرض كون الكلام مجملا لا مجال للاخذ بالعموم و الاطلاق.

و بعبارة واضحة مع اجمال المنطوق- كما هو المفروض اذ قد فرض دوران

الامر بين الاحتمالات- يكون المفهوم أيضا مجملا لان المفهوم تابع للمنطوق هذا بالنسبة الي عبارته قدس سره

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 491

و أما بالنسبة الي ما يستفاد من مجموع الادلة فقد ذكرنا ان القاعدة تقتضي ان ولاية التصرف في مال اليتيم تختص بالعادل فانه يجوز له التصرف حتي مع وجود الامام عليه السلام فضلا عن المجتهد و أما مع فقده و تعذره فيدخل المقام تحت الامور العامة فان قلنا بأن الامور العامة تكون امورا حسبية و لا بد من التصدي لها فمع وجود العادل لا مجال لغيره التصدي و أما مع تعذره فتصل النوبة الي غيره كما هو شأن الامور الحسبية.

«قوله قدس سره: أما الاول فالظاهر جوازه و ان العدالة ليست معتبرة»

بعد ما فرغ قدس سره عن ولاية عدول المؤمنين

أفاد ان الفاسق أيضا له الولاية و استدل علي مدعاه بوجهين.
الوجه الأول: دليل ذلك الامر المعروف

كقوله و اللّه في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون اخيه «1».

الوجه الثاني قوله تعالي «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» «2» *

و الانصاف ان ما أفاده في المقام غير منقح.

و المناسب أن يقال تارة يقع الكلام في التصرف في مال اليتيم و اخري في غيره من الامور العامة فيقع الكلام في موضعين أما الموضع الاول فقد مرّ الكلام حوله و قلنا لا يجوز التصرف في ماله الا للعادل نعم تكفي الوثاقة في جواز قسمة ماله المشترك كما ذكرنا و لا نعيد.

و أما قوله تعالي وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* فلا يقتضي ثبوت ولاية التصرف في ماله فان الظاهر من النهي عن القرب

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 2 ص 200.

(2) الانعام/ 152.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 492

النهي التكليفي أي لا تتصرفوا تصرفا خارجيا في مال اليتيم فلا ترتبط الآية بما نحن فيه.

و أما الموضع الثاني فتارة يكون المستفاد من الدليل توجيه التكليف الي آحاد المكلفين فيكون شاملا للفاسق كما يكون شاملا للعادل بل يشمل الدليل الكافر اذ قلنا ان الكفار مكلفون بالفروع كما يكونون مكلفين بالاصول و هذا الفرض خارج عن محل الكلام مثلا المستفاد من الدليل وجوب دفن الميت علي نحو الواجب الكفائي فيكون الفاسق كالعادل في كونه مكلفا بهذا التكليف و اخري لا يكون من له القيام مشخصا كالتصدي للوقف الذي لا متولي له و هل يجوز التصدي للفاسق أم لا؟

الظاهر هو الثاني اذ كما تقدم ان التصرف الخارجي و كذلك الاعتباري غير جائز وضعا و تكليفا في أموال الناس و انفسهم فلا مجال للحكم بالجواز مستدلا بأن الفعل الفلاني معروف فالاتيان به حسن أو الاستدلال بقوله عليه السلام «عون الضعيف صدقة» علي جواز تصدي

الفاسق لبيع مال اليتيم و أمثاله فان مقتضي القاعدة كما تقدم منا عدم جواز التصرف في مال الغير و نفسه فكيف يمكن الحكم بالجواز بالتقريب المذكور.

و بعبارة واضحة: يلزم احراز الموضوع قبل احراز الحكم عليه و كون التصرف في مال الصغير أمرا معروفا اوّل الكلام و الاشكال.

و صفوة القول: انه لا مجال لان يقال استحباب ادخال السرور في قلب المؤمن يقتضي أن يكون بيع ماله و لو مع كونه مقرونا بالمانع صحيحا فانه لا مجال لهذه المقالة و لا يري العرف تنافيا بين فساد البيع اذا كان مقرونا بالمانع و بين استحباب ادخال السرور في قلب المؤمن.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 493

«قوله قدس سره: ففي قبوله اشكال»

قد تقدم انه لا يقبل قول الغير بالنسبة الي صدور الفعل منه الا اذا كان المخبر ثقة.

«قوله قدس سره: فلا يجوز الشراء منه»

الظاهر انه لا يمكن مساعدته و انه قدس سره جمع بين أمرين متنافيين توضيح المدعي: انه لو كان التصدي للفاسق جائزا فلا وجه لاخذ المال منه و لا وجه لعدم جواز الشراء منه و علي الجملة اما يكون وليا و اما لا أما علي الاول فلا بد من ترتيب الاثر علي فعله و لا يجوز مزاحمته و أما علي الثاني فلا أثر لفعله حتي عند نفسه فالتفكيك بين المقامين غير صحيح فلاحظ.

«قوله قدس سره: و انما حمل علي موضوع هو اصلاح المال»

يرد عليه أولا النقض بموارد جريان اصالة الصحة مثلا لو غسل القصار الثوب و لا ندري هل راعي الامور التي امر بها في الغسل أم لم يراع لا اشكال في جريان اصالة الصحة و ما الفرق بين المقامين.

و ثانيا يرد عليه الحل بأن

نقول المفروض ان الفاسق له أن يبيع مال الصغير علي النحو المقرر و لا ندري هل راعي أم لم يراع تجري اصالة الصحة بلا اشكال و لا كلام اذ لا وجه للعدم.

«قوله قدس سره: كما لو شك المشتري في بلوغ البائع»

القياس مع الفارق فانه لو شك في البلوغ و عدمه لم يحرز كون البائع صالحا للبيع و أما في المقام فالمفروض ان الفاسق له التصدي غاية الامر مع الشرائط المقررة.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل الامر بالتأمل اشارة الي ما ذكرنا و اللّه العالم.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 494

«قوله قدس سره: لم يلزم الفسخ مع المشتري و أخذ الثمن من الفاسخ»

يرد عليه ان ما أفاده ما مناقض لما أفاده قبل اسطر من وجوب أخذ مال اليتيم من الفاسق.

«قوله قدس سره: و أصالة صحة المعاملة من الطرفين يحكم بالاول»

ما أفاده أيضا غريب اذ الاشكال في جريانها علي ما رامه و مع عدم جريانها يكون مقتضي الاصل فساد المعاملة فان مقتضي الاستصحاب عدم تحقق الانتقال.

«قوله قدس سره: فتدبر»

لعله بالامر بالتدبر يشير الي ما ذكرنا.

«قوله قدس سره: فمجرد وضع العدل يده علي مال اليتيم لا يوجب منع الاخر»

فان نسبة كل واحد الي مورد التصرف علي حد سواء و لا ترجيح لبعضهم علي الآخرين و بعبارة اخري المتقضي في كل عادل موجود فلا وجه للترجيح فلاحظ.

«قوله قدس سره: و أما حكام الشرع فهل هم كذلك»

قد ظهر مما ذكرنا في الوجوه المستدل بها علي ولاية الفقيه انه لا يتم الاستدلال بها و ولايته من باب الحسبة و عليه فلا مجال لان يقال ان ولايته كولاية الامام عليه السلام بحيث لو تصدي لامر لا يكون مجال لتصدي الاخر بل جميع

الفقهاء علي حد سواء و لا ترجيح فيجوز لكل واحد منهم التصدي.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 495

«قوله قدس سره: و ربما يتوهم كونهم حينئذ كالوكلاء»

لا دليل علي أزيد من هذا المقدار فلا وجه لترجيح بعضهم علي آخر و لعل امره قدس سره في آخر كلامه بالتأمل اشارة الي ما ذكرنا و ان ولاية الفقيه لا تكون أزيد من هذا المقدار فلا يكون دخول بعضهم في أمر مانعا عن دخول الاخر بل مقتضي محبوبية الاستباق الي الخير رجحان الاستباق فلاحظ.

«قوله قدس سره: مضافا الي لزوم اختلال نظام المصالح»

هذا أمر آخر فان الكلام في جواز المزاحمة بلا ترتب محذور آخر و أما مع ترتب المحذور كترتب هتك حرمة الذي دخل في الامر أو الاختلال أو غير ذلك فهو غير مربوط بالبحث.

«قوله قدس سره: فقد تبين مما ذكرنا عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله»

بل تبين خلافه فلاحظ.

[هل يشترط في ولاية غير الأب و الجد ملاحظة الغبطة]
اشارة

«قوله قدس سره: ثم انه هل يشترط في ولاية غير الأب و الجد ملاحظة الغبطة»

وقع الكلام بين القوم في أنه هل يشترط في ولاية غير الأب و الجد علي اليتيم رعاية الغبطة

و ذهب الشيخ قدس سره الي الاشتراط و استدل بوجهين:
الوجه الأول الاصل الاولي

فان مقتضاه عدم الولاية الا مع الشرط المذكور.

الوجه الثاني: قوله تعالي «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» *
اشارة

«1» اقول أما ما أفاده من ان مقتضي الاصل لزوم رعاية القيود

______________________________

(1) الانعام/ 152.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 496

المحتملة فتام فان الاصل الاولي اي الاستصحاب عدم ثبوت ولاية أحد علي غيره و يتوقف الخروج عن الاصل المذكور الي قيام دليل معتبر عليه.

و أما الوجه الثاني و هو قوله تعالي «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» * فيقع الكلام أولا فيما يستفاد من النهي و ثانيا في أنه هل يستفاد منه الولاية أم لا و ثالثا في بيان المراد من الاحسن.

أما المقام الأول

فنقول: الظاهر- و اللّه العالم- ان الآية الشريفة لا ترتبط بما نحن فيه فان المستفاد من النهي المذكور في الآية الحكم التكليفي و لا يكون نهيا عن الاعتبار بل النهي تعلق بالقرب من مال اليتيم فكل ما يكون تصرفا و قربا في نظر العرف يكون حراما و لا دليل علي كون المراد النهي عن المعاملة.

و بعبارة اخري: لا دليل علي كون المراد النهي الوضعي أي الارشاد الي الفساد بل الظاهر من الآية الشريفة تحريم التصرف في مال اليتيم و القرب منه فالآية اجنبية عن المقام.

و أما المقام الثاني

فأفاد سيدنا الاستاد قدس سره علي ما في تقريره الشريف ان الآية لا تدل علي الولاية و لم اجد في كلامه وجه المدعي المذكور.

و الذي يختلج ببالي القاصر أن يفصل و يقال تارة يكون الكلام في الولاية علي التصرفات الاعتبارية في أمواله و اخري يقع الكلام في التصرف الخارجي أما الولاية بالمعني الاول فلا يستفاد من الآية كما ذكرنا هنا و ذكرنا سابقا أيضا و أما الولاية علي التصرف الخارجي اذا كان أحسن فالحق انه يستفاد من الآية الشريفة.

و بعبارة واضحة: انه يستفاد من الآية الشريفة ان كل واحد من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 497

آحاد المكلفين يجوز له أن يتصرف في مال اليتيم تصرفا خارجيا بالشرط المذكور في الآية فلا وجه لما أفاده سيدنا الاستاد من عدم دلالة الآية علي الولاية بل الآية تدل علي الولاية بهذا المقدار و مقتضي عدم التقييد جواز التصرف مع رعاية الشرط المذكور في الآية لكل احد لكن بالشرط المذكور أي كون التصرف و القرب بالنحو الاحسن.

و في المقام حديثان مربوطان بالمقام ذكرهما الشيخ قدس سره الاول ما رواه عبد اللّه بن

يحيي الكاهلي قال: قيل لابي عبد اللّه عليه السلام انا ندخل علي اخ لنا في بيت ايتام و معه خادم لهم فنقعد علي بساطهم و نشرب من مائهم و يخدمنا خادمهم و ربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا و فيه من طعامهم فما تري في ذلك فقال: ان كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس و ان كان فيه ضرر فلا و قال عليه السلام «بل الانسان علي نفسه بصيرة» فأنتم لا يخفي عليكم و قد قال اللّه عز و جل «وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ» «1».

فان المستفاد من الحديث جواز التصرف في مال اليتيم في فرض كون التصرف ذا منفعة لليتيم أو بشرط عدم الضرر له.

و فيه أولا ان السند مخدوش بالكاهلي كما ربما تقدم تضعيفه منا و ثانيا ان غاية ما يستفاد من الشرطية الاولي جواز التصرف بشرط الانتفاع و لو لم يكن التصرف علي النحو الاحسن و الاطلاق يقيد بالآية المباركة.

و أما الشرطية الثانية فغاية ما في الباب ان تدل بالمفهوم علي جواز التصرف مع عدم الضرر و حيث انه مخالف للكتاب تضرب عرض الجدار فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 71 من ابواب ما يكسب الحديث 1.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 2، ص: 498

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 498

الثاني ما رواه علي بن المغيرة قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام ان لي ابنة اخ يتيمة فربما اهدي لها الشي ء فاكل منه ثم اطعمها بعد ذلك الشي ء من مالي فاقول يا رب هذا بذا فقال عليه

السلام لا بأس «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث جواز التصرف في صورة المعاوضة و عدم الضرر بحال اليتيم و يرد عليه أولا ان الحديث ضعيف سندا بذبيان و ثانيا ان اطلاق الحديث يقيد بصريح الآية فلا بد من رعاية الاحسن فلاحظ.

و أما المقام الثالث

فالظاهر كما يقول الشيخ التصرف الجائز الذي يكون أحسن علي الاطلاق هذا بالنسبة الي التصرف الخارجي و أما التصرف الاعتباري في مال اليتيم فقد تقدم انه يجوز التصدي للتصرف في أمواله للعادل بمقتضي النص الخاص و أيضا تقدم انه يجوز افراز ماله عن الشركة للثقة.

[هل يجب مراعاة الاصلح]
اشارة

«قوله قدس سره: و هل يجب مراعاة الاصلح»

يقع الكلام في مقامات ثلاثة

المقام الأول في ولاية العدول علي مال اليتيم

المقام الثاني في ولاية الأب و الجد علي مال الصغير المقام الثالث في ولاية كافة آحاد الناس علي التصرف الخارجي في مال اليتيم أما المقام الأول فنقول مقتضي حديث الاشعري «2» ان العادل له الولاية في التصرف الاعتباري في مال اليتيم بلا رعاية شرط و قيد و لكن الظاهر انه لا يمكن الالتزام بجواز بيع ماله و لو مع كونه ضررا عليه بل لا يمكن القول بالجواز حتّي في صورة عدم الضرر و النفع فان الارتكاز المتشرعي اشتراط التصرف بكونه مصلحة لليتيم و أما

المقام الثاني [في ولاية الأب و الجد علي مال الصغير]

فالظاهر جواز التصرف و نفوذه

______________________________

(1) الوسائل الباب 71 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2.

(2) تقدم ذكر الحديث في ص 489.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 499

اذا كان التصرف مصلحة للصغير.

و أما

المقام الثالث [في ولاية كافة آحاد الناس علي التصرف الخارجي في مال اليتيم]

فاللازم رعاية الاحسن علي الاطلاق كما تقدم.

[مسألة يشترط فيمن ينتقل إليه العبد المسلم ثمنا أو مثمنا ان يكون مسلما]

«قوله قدس سره: مسألة يشترط فيمن ينتقل إليه العبد المسلم ثمنا أو مثمنا ان يكون مسلما» الخ

لا يخفي ان المسائل المربوطة بالعبيد و الاماء لا تكون مورد الابتلاء في أمثال زماننا فلا وجه للتعرض لها و اتلاف الوقت.

[مسألة المشهور عدم جواز نقل المصحف إلي الكافر]
اشارة

«قوله قدس سره: المشهور عدم جواز نقل المصحف الي الكافر»

لا يخفي ان انعقاد هذا البحث بعد الفراغ عن الجواز بالنسبة الي المسلم و أما علي تقدير عدم الجواز بالنسبة الي المسلم فعدم الجواز بالنسبة الي الكافر بالاولوية القطعية فنقول: يقع الكلام تارة في جواز النقل تكليفا و اخري في جوازه وضعا فيقع الكلام في مقامين:

أما المقام الأول فنقول ما يمكن ان يذكر في تقريب عدم الجواز وجوه:
الوجه الأول: ان نقل المصحف الي الكافر يوجب هتكه و هتك المصحف حرام

و فيه انه لا تلازم بين الامرين فالوجه المذكور غير وجيه.

الوجه الثاني: ان نقله يوجب تنجسه و تنجيس المصحف حرام.

و فيه أولا: انه لا ملازمة بين الامرين. و ثانيا ان الكافر مكلف بعدم التنجيس فلا وجه للحرمة للمسلم الا من باب الاعانة علي الاثم و لا دليل علي حرمتها. و ثالثا: ان النقل لا يستلزم التمكين و الكلام في النقل لا في التمكين.

الوجه الثالث: ان المشهور فيما بين القوم عدم الجواز

. و فيه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 500

ان الشهرة لا تكون من الادلة كما حقق في الاصول فتحصل انه لا دليل علي الحرمة التكليفية.

و أما المقام الثاني: و هي الحرمة الوضعية و الفساد فيمكن ان يذكر في تقريبه وجهان:
الوجه الأول: ان الكافر لا يملك المسلم فكيف يملك المصحف

و بعبارة اخري الدليل الدال علي عدم تملكه للمسلم يدل بالاولوية علي الفساد في المقام.

و فيه أولا: انه لا دليل علي اصل المدعي، و لذا نري فتواهم بوجوب بيع العبد المسلم اذا كان مملوكا للكافر، و الحال ان البيع يتوقف علي كون المبيع مملوكا. و ثانيا: انه لا وجه للاولوية، فان الاحكام الشرعية تعبدية، و الوجه فيها غير معلوم.

الوجه الثاني: قوله صلي اللّه عليه و آله: الاسلام يعلو و لا يعلي عليه

«1». بتقريب ان الحديث الشريف يقتضي عدم انتقال المصحف الي الكافر و الا يلزم علو الكفر علي الاسلام.

و يرد عليه أولا: ان الحديث ضعيف و غير قابل للاستدلال به فان المرسل لا اعتبار به.

و ثانيا: انه لا وجه لحمله علي المقام، اذ لا يبعد ان يكون المراد منه ان الاسلام ببراهينه الواضحة يكون عاليا و لا دين اعلي منه فلا يرتبط الحديث بالمقام فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب موانع الارث الحديث 11.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.